كتب إسماعيل أبو هشهش: في الذكرى ٧٦ لإنشاء وكالة الغوث الدولية ( UNRWA )…إسرائيل وتاريخ من العداء للمنظة الدولية

إسماعيل أبو هشهش
مسؤول دائرة اللاجئين ووكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية – إقليم الضفة

 يصادف اليوم ، الثامن من كانون اول ، ذكرى صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ، رقم ٣٠٢ لعام ١٩٤٩ والذي يقضي بإنشاء وكالة الغوث الدولية للاجئين الفلسطينيين . هذا القرار إضافة إلى ثلاثة قرارات أخرى ، شكلت أساسا قانونيا دوليا للقضية الفلسطينية ، في ان تكون لهم دولة ، وبما يحفظ حقهم في العودة إلى الديار التي هجروا منها ، والتعويض عن خسارة ممتلكاتهم . هذه القرارات حسب التوالي الزمني هي :
أولا قرار التقسيم ، الذي بحمل رقم ١٨١ لعام ١٩٤٧ ، هذا القرار رغم انه وفر الأساس القانوني لقيام دولة اسرائيل ، الا انه في المقابل يضع الأساس القانوني الدولي لقيام دولة فلسطينية .
ثانيا : القرار ١٩٤ للعام ١٩٤٨ ، قرار حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين ، للديار التي هجروا منها .
ثالثا : قرار انشاء لجنة التوفيق عام ١٩٤٨ ، ذلك القرار المؤسس على القرارين السابقين ، والذي يقضي بالسعي في إنجاز الحق الفلسطيني في إقامة دولته ، والعمل على تطبيق القرار ١٩٤ بالعودة والتعويض . ورغم ان هذا القرار غير معروف للعامة ، الا أن لجنة دولية قد تشكلت على أساسه من أجل تنفيذ القرار ، وأرشيفها محفوظ في الأمم المتحدة .
القرار الرابع هو القرار المنشيء للأونروا، الذي يحمل رقم ٣٠٢ للعام ١٩٤٩ . هذا القرار يمنح قضية اللاجئين الفلسطينيين قوة خاصة، ويميز وضعهم عن غيرهم من اللاجئين في العالم ، ويعطيه بعدا سياسيا فوق البعد الإنساني، إذ ان القرار يرتكز إلى المادة ١١ في قرار حق العودة ١٩٤ ، ويمنح ديمومة واستمرار لعمل المنظمة حتى الوصول إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية برعاية اللاجئين ومن تناسل عنهم .
لهذه الأسباب، دأبت دولة اسرائيل منذ نشأتها ،على مناصبة المنظمة الدولية العداء، وواصلت سعيها المحموم نحو تقويضها وإضعافها، بالتحريض عليها ، ونجحت تاريخيا في التأثير على بعض حلفائها في خفض التمويل ، فقد عانت المنظمة منذ عقود من أزمات تمويلية متلاحقة، اضطر المنظمة بشكل متدرج إلى تقليص خدماتها كماً ونوعاً ، نتيجة عجز الموازنات، وصل في النهاية إلى وقف مساهمة الولايات المتحدة بشكل كامل في الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الأمريكي ترامب ، ثم أعيد وقف التمويل في الدورة الرئاسية الثانية عام ٢٠٢٤ ، بعد أن كانت إدارة الرئيس بايدن قد أعادت التمويل ، لكن بشروط تضيق على عمل المنظمة .
دولة اسرائيل ترى في الأونروا ، جانبا من أركان القضية الفلسطينية ، وترى في القرارات المؤسسة لها نقيضا للرواية الصهيونية في قيام الدولة ، كما انها اي الأونروا توثق للأجيال من أبناء اللاجئين ، إذ وصل عدد اللاجئين المدرجين في سجلات الاونروا حوالي ستة ملايين . وهي ما فتئت تدعو في سياق تحريضها ، إلى نقل صلاحياتها إلى منظمات دولية أخرى ونقل الملف كاملا إلى ولاية المفوضية الدولية العليا للاجئين . وقد نجح تحريضها السياسي عام ٢٠١٨ ، إلى صدور قانون في الكونغرس الأمريكي، بإعادة تعريف اللاجيء الفلسطيني ، على انه ذلك الشخص الذي ولد وعاش في المكان الذي هجر منه عام ١٩٤٧ أو قبله،
كما نجحت مرة أخرى على المستوى الدولي ،ولو بشكل مؤقت ، في ترويج ادعاءاتها حول عدم حيادية الأونروا، وأن عددا من العاملين فيها قد شارك في أحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ ، الأمر الذي أعطى ذريعة لثماني عشرة دولة على رأسها الولايات المتحدة لقطع تمويلها، ثم عادت وتراجعت عن قرارها ( ما عدا الولايات المتحدة ) بعد صدور تقرير لجنة التحقيق الدولية المحايدة التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة في اثباب بطلان الادعاءات الإسرائيلية ، فيما ذهبت اليه من اتهامات للمنظمة والعاملين فيها .
ميدانيا ، فلم تكن قرارات الكنيست الإسرائيلية التي اتخذت في تشرين ثاني ٢٠٢٤ ، بوقف التعامل مع الأونروا وإغلاق مكاتبها ومؤسساتها، وإنهاء وجودها في القدس المحتلة ، هو الإجراء القانوني الأول، رغم انه الأكثر ملموسية، إلا أن إجراءات التضييق كانت قد بدأت في منتصف تسعينيات القرن الماضي ، بتقييد حركة دخول العاملين من أرجاء الضفة إلى القدس . هذه الاجراءات التي كانت المقدمات الأولى للنيل من الوضع القانوني الدولي للمنظمة ، بهدف تجريدها من ميزاتها الاعتبارية الدولية .
إن ما يحدث في مخيمات شمال الضفة المحتلة ( مخيم طولكرم ، نور شمس ، ومخيم جنين ) وأن بدأ بذرائع أمنية ، إنما يستهدف هوية المخيمات ، فقد كان الغرض من وراء التدمير والتجريف لبنيتها، والتهجير لمواطنيها، هو محو هوية المخيم ، وتفكيك بناها الاجتماعية ، كمحطة مؤقتة على طريق العودة . والمؤشر إلى هذه الغاية ، هي الاشتراطات الإسرائيلية التي قدمها الوفد الأمني الأمريكي الإسرائيلي، للسلطة الفلسطينية كشرط لانهاء العمليات العسكرية المستمرة لقرابة عام ، وهو منع الأونروا من العودة والعمل في المخيمات الثلاثة ، وعدم البناء في المواقع المدمرة ، وتوطين من دمرت منازلهم خارج المخيم وليس في كتل سكنية كبيرة ، من شأنها ان تعيد تشكيل مجتمعات اللاجئين ، كما تشترط اسناد تقديم الخدمات إلى المجالس البلدية للمدن القريبة على اعتبار أن ما تبقى من المخيمات هو مجرد أحياء في تلك المدن .
في السياق نفسه ، فقد جاء أحد اشتراطات نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، من أجل احتمال فتح حوار مع السلطة الفلسطينية ، بناء على خطة ترامب لوقف الحرب على غزة ، ان على السلطة ان تنهي وجود الأونروا وعملها على الأرض التي تقع في ولايتها، وتفكيك المخيمات وإنهاء هويتها كمخيمات لاجئين .
على الصعيد الدولي ما زالت قضية اللاجئين والقرارات المتصلة بها محمية دوليا بالشرعية المتجددة ، إذ جرى التجديد للأونروا لمدة ثلاث سنوات أخرى، تنتهي عام ٢٠٢٩ ، حدث هذا ضمن خمسة قرارات صدرت عن الجمعية العامة تخص القضية الفلسطينية ، اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في مطلع هذا الشهر .
لكن من الجدير أن نلحظ ، أنه ورغم أن قرار التجديد قد جاء بأغلبية كبيرة ( ١٤٥ دولة ) الا ان هناك تآكل متدرج في التصويت في دورات التجديد الثلاث الاخيرة ، هبط تتاليا من ١٦٥ ، إلى ١٥٨ ، إلى ١٤٥ صوتا في التجديد الأخير، وهذا يعكس الفعل التحريضي على المستوى الدولي والمدعوم أمريكياً ، وهناك خشية أن تكون الأونروا وقضية اللاجئين هي الضحية الأولى لأي عملية سياسية تجاه أية تسوية سياسية قد تجري مستقبلا ، دون حل قضية اللاجئين بالصيغة التي نصت عليها قرارات الشرعية الدولية ، الأمر الذي يدعو إلى اليقظة الوطنية وضرورة بذل الجهد الوقائي لحماية هذا الحق ، على كافة الصعد، جماهيريا وديبلوماسيا.

disqus comments here