غزة تغرق… حين يصبح المطر سلاحًا يقتل بلا رحمة حين يعجز العالم عن إيقاف القتل… يترك المطر ليكمل المهمة

في الأيام الماضية، ضرب منخفض جوي عميق قطاع غزة، لكن هذه المرة لم تكن الأمطار مجرد حالة طقس عابرة، بل كارثة إنسانية جديدة تتضافر فيها عوامل البرد شوالجوع والتهجير، لتقضي على ما تبقّى من أمان المدنيين في أرض منهكة منذ سنوات.

أرقام مأساوية… منازل تنهار وخيام تغرق

أعلنت مصادر محلية أن المنخفض الجوي أدى إلى وفاة ما لا يقل عن 12–14 شخصًا في أنحاء القطاع، بينهم أطفال نتيجة البرد والانهيارات الناجمة عن الأمطار والسيول، كما تعرضت أكثر من 27,000 خيمة نزوح للغرق أو التمزّق بفعل الرياح والأمطار المتواصلة، مما زاد من معاناة عشرات الآلاف من النازحين الذين يعيشون تحت خيام هزيلة بلا حماية حقيقية من الشتاء القارس.  

وسُجّلت انهيارات عديدة للمباني المتضرّرة أصلاً من الحرب بفعل الأمطار الغزيرة، مما أسفر عن وقوع ضحايا إضافيين وسط نقص حاد في الطواقم والآليات التابعة للدفاع المدني.

أطفال في البرد… حياة تنهار مع الخيام

أشدّ ما يوجع القلب هو ما يعيشه الأطفال والرضّع تحت الخيام المبتلة، حيث أدى الانكشاف الكامل أمام البرد إلى وفاة طفلة رضيعة تبلغ ثمانية أشهر بعد أن غمرتها المياه داخل خيمة عائلتها في خان يونس، وتحميل العائلات المكلومة مشاهد الفقد وسط البكاء والبرد القارس.  

هؤلاء الأطفال لم يرتكبوا جريمة تقتضي أن يقضوا نحبه تحت المطر… بل كانوا ضحايا نظام إنساني محطم لا يوفر لهم حتى سقفًا مؤقتًا يحميهم من البرد والماء.

معاناة بلا نهاية… والشتاء يفتك بالأحياء

وفق تقارير الأمم المتحدة، هناك مئات الآلاف من النازحين يعيشون في مناطق منخفضة خطراً، معرضون للفيضانات والأمراض مع نقص حاد في مواد الإيواء والمساعدات الشتوية، بينما تُمنع أو تُعرقل دخول أطنان من الخيام والبطانيات والمواد الأساسية عبر المعابر الحدودية.  

المشاهد التي تروى، حيث تقف طفلتان صغيرتان تحملان أوعية من الرمل لمحاولة سد المياه عن خيمتهن المتهاوية، هي صورة مأساة تحوّلت فيها الطفولة إلى عمل بائس من أجل البقاء.

صمت العالم… وصراخ المتضرّرين

وسط هذه المأساة، يبدو الصمت الدولي والعربي والإسلامي سيد الموقف، فالمعاناة لا تجد صدى حقيقيًا خارج بيانات التعاطف التي لا توفر الخيام، ولا البطانيات، ولا حتى حماية بسيطة من أصغر تهديد يواجه هذه الأسر. لا تزال آلاف الخيام مبتلة، والصحة في خطر، بينما تستمر القيود على إدخال المساعدات الأساسية. 

قراءة أخلاقية… حين يصبح المطر قاتلًا

لن يكون الشتاء في غزة مجرد فصل من الفصول، بل اختبارًا أخلاقيًا حقيقيًا لمفهوم الإنسانية. هؤلاء الذين فقدوا سقفهم، ومن ماتوا بردًا بلا مأوى، ومن غمرت خيامهم المياه، هم ليسوا أرقامًا في تقرير… بل وجوه وأحلام وحكايات لا ينبغي أن تُمحى.

الغائب الأكبر ليس فقط المأوى، بل الضمير الجمعي للعالم الذي شاهد هذه المعاناة دون تحرّك حقيقي يوازي حجم الجريمة الإنسانية التي يعيشها أهل غزة كل يوم

disqus comments here