بقلم: “وسام زغبر”في غزة.. حين يتحول البيت إلى خيمة: وجع النزوح الفلسطيني

النزوح ليس حدثًا عابرًا في حياة الإنسان، بل زلزال يقتلع جذوره من أرضه وبيته وذاكرته، ويدفعه إلى رحلة قسرية لا يعرف متى ولا أين تنتهي. وغالبًا ما يُختزل النزوح في كونه انتقالًا جغرافيًا من منطقة إلى أخرى، بينما هو في الحقيقة أعمق وأثقل من ذلك بكثير.
اليوم، يعيش أبناء مدينة غزة واحدة من أبشع صور هذا النزوح القسري، بعدما أُجبروا على ترك بيوتهم وأحيائهم باتجاه وسط القطاع وجنوبه. ليس المشهد مجرد انتقال قسري تحت القصف، بل اقتلاع جماعي من المدينة الأم إلى حياة مؤقتة في مدارس أو خيام لا تقي حرًّا ولا بردًا. هناك، يتكدس الناس في مساحات ضيقة، حيث يختلط فقدان الخصوصية مع غياب الأمان وتفاقم الحاجة اليومية.
النازح لا يواجه مشقة الطريق وحدها، بل يصطدم بجدار نفسي قاسٍ؛ إذ يفقد شعوره بالاستقرار ويعيش قلقًا دائمًا من المجهول. تتساقط أمامه صور الماضي، ويُحاصر بأحلام معلّقة على واقع لا يمنحه فرصة للتنفس. كل لحظة نزوح تحمل معها خوفًا من الغد، وحنينًا إلى بيت لم يعد موجودًا إلا في الذاكرة.
وما يزيد المأساة أن النزوح ليس مجرد صدمة نفسية، بل عبء مالي يستنزف ما تبقى من قدرة الأسر على الصمود. تكاليف المأوى، الطعام، العلاج، والتنقل، تتحول إلى أعباء لا تُحتمل، بينما تغيب شبكات الأمان والدعم الفعّال. النازح من غزة إلى الجنوب، كما في غيرها من التجارب، يعيش حياة مؤقتة دائمة، فلا استقرار له ولا مستقبل واضح لأبنائه.
إن معاناة النزوح تكشف أن المأساة الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية أو ملف تفاوضي، بل قصة إنسانية مكتظة بالألم. فكل نازح من مدينة غزة اليوم هو حكاية وطن مصغر، وكل رحلة نزوح قسرية هي فصل جديد من الفقد والحرمان.
لكن، ورغم كل هذا الألم، يظل النزوح القسري شاهدًا على صلابة الفلسطيني، الذي يرفض أن يتحول الغياب إلى استسلام. فكما لم تنجح النكبة في محو هوية الشعب، لن تفلح نكبات غزة المتكررة في كسر إرادة العودة. إن خيام النزوح اليوم قد تكون مؤقتة، لكن إرادة الصمود باقية، وذاكرة المكان أقوى من أن تُمحى. ومن بين الركام والاغتراب، ينهض وعدٌ متجدد: أن كل نزوح لا بد أن يعقبه عودة، وأن الأرض تعرف أصحابها مهما طال الشتات.
> “سنظل نكتب أسماءنا على جدران الريح، ونزرع ظلالنا في الرمل، ونردد مع درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة. وإن طال درب النزوح، فإن خطانا تعرف طريق العودة.”