التنافس على ممرات آسيا – الخليج – أوروبا يعود إلى الواجهة بعد تهدئة البحر الأحمر
عواصم: أعاد استقرار الأوضاع في غزة وتراجع الهجمات على الملاحة في البحر الأحمر إحياء سباق إقليمي ودولي حول إنشاء ممرات تجارية جديدة تربط آسيا بالخليج ثم أوروبا، في وقت تتصاعد فيه الضغوط على سلاسل الإمداد العالمية والمسارات البحرية التقليدية، وعلى رأسها قناة السويس.
وبحسب تقديرات خبراء النقل والاقتصاد، يتقدم مشروعان رئيسيان في هذا السباق: الممر الاقتصادي الهند–الشرق الأوسط–أوروبا (IMEC)، وطريق التنمية العراقي–التركي، وكلاهما يُعدّ تحولًا استراتيجيًا في حركة التجارة وتوازنات النفوذ بين تركيا ودول الخليج و”إسرائيل”، إضافة إلى انعكاسات اقتصادية مباشرة على المنطقة والعالم.
ممر IMEC… دعم أمريكي–هندي وتعقيدات سياسية
يحظى مشروع IMEC بزخم سياسي قوي من واشنطن ونيودلهي، إذ يُنظر إليه كبديل أسرع وأقل تكلفة للمسار البحري التقليدي عبر قناة السويس. ويقدّر خبراء أن الممر قادر على تقليص زمن الشحن بين آسيا وأوروبا بشكل كبير، مع إمكانية دمج شبكات طاقة واتصالات متطورة تشمل الهيدروجين والألياف الضوئية.
ورغم هذه المزايا، يواجه المشروع تحديات مؤثرة، أبرزها غياب إطار تمويلي واضح، وارتباط تنفيذه بتقدم مسار التطبيع السعودي–الإسرائيلي، فضلًا عن هشاشة الوضع الأمني في نقاط العبور، وخاصة الأردن وفلسطين، إضافة إلى خلافات أوروبية حول الميناء النهائي الذي سيستقبل الخط.
وتشير التقديرات إلى أن تقدّم المشروع يبقى مرهونًا بتسويات سياسية واسعة في المنطقة، بما في ذلك تهدئة طويلة بين الفلسطينيين و”إسرائيل” وتفاهمات ثلاثية تجمع الرياض وتل أبيب وواشنطن.
طريق التنمية… رهان عراقي–تركي مدعوم خليجيًا
في المقابل، يتقدم طريق التنمية الذي يربط ميناء الفاو بالبصرة مع تركيا وأوروبا بوصفه خيارًا واقعيًا وأكثر قابلية للتنفيذ على المدى القريب. ويستفيد المشروع من دعم مالي خليجي بارز من الإمارات وقطر، ومن انسجامه مع استراتيجية تركيا لتطوير “الممر الأوسط” الذي يربط آسيا بأوروبا مرورًا بالقوقاز.
كما يُتوقع أن يحول المشروع العراق إلى دولة عبور محورية، مع تقليص زمن النقل إلى أقل من نصف المدة الحالية. ومع ذلك، يبقى الملف الأمني في شمال وغرب العراق أحد أبرز التحديات، إضافة إلى مخاوف دول إقليمية—مثل إيران والكويت ومصر—من تراجع أهمية موانئها في حال نجاح الطريق.
وتشير التقديرات إلى أن كلفة المشروع قد تتجاوز 24 مليار دولار، ما يضع ضغوطًا إضافية على بغداد لإنجاز إصلاحات اقتصادية وتوفير بيئة استثمارية مستقرة.
سيناريوهات التنفيذ… واقعية طريق التنمية مقابل تعقيدات IMEC
تحليل السيناريوهات يشير إلى أن مشروع IMEC لن يتقدم إلا إذا توفرت ضمانات سياسية وأمنية طويلة المدى، وتم توفير تمويل دولي تشارك فيه الهند والاتحاد الأوروبي.
أما طريق التنمية، فيبدو أكثر قابلية للتحرك، خصوصًا إذا نجحت بغداد وأربيل في تثبيت الأمن بالمناطق المشتركة، واستمر الزخم التركي–الخليجي، واكتمل دمجه مع الممر الأوسط الذي قد يعزز تدفقات البضائع القادمة من آسيا الوسطى والصين.
تقدير عام: تعددية المسارات بدلًا من فائز واحد
يرجّح محللون أن يمتلك الطريق العراقي–التركي أفضلية التنفيذ القريب، مقارنةً بمشروع IMEC الذي يحتاج إلى توافقات سياسية معقدة. ومع ذلك، لا يُتوقع أن يحسم الإقليم السباق لصالح ممر واحد؛ بل قد يشهد تعددًا في المسارات وربما تكاملًا بينها، مع سعي كل دولة لتعزيز موقعها في خريطة التجارة العالمية الجديدة.