الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الثلاثاء 9/12/2025 العدد 1481

الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

إسرائيل اليوم 9/12/2025

 

 

الكل يلعب الشطرنج بانتظار الانفجار: شرق أوسط جديد أم مجال وهم خطير؟

 

 

بقلم: يئير مراتون

 

الشرق الأوسط في نهاية 2025 يعيش في توتر يصعب وصفه بالتعابير القديمة. فلم يعد هذا هو الواقع الفوضوي للعقد السابق، ولا فترة التفاؤل لاتفاقات التطبيع التي وعدت بعصر جديد. فالمنطقة تدخل إلى مرحلة أخرى، هي “الغموض الثالث”: وضع لا حرب شاملة فيه ولا سلام. هذا واقع عنف مقنون، استخدام قوة موضعية، خطاب حماسي لكن دون نية حقيقية للتصعيد. كل الأطراف تلعب الشطرنج، لكن لا أحد مستعد للتضحية بالملكة. وعندما لا تكون حرب ولا سلام، فهذا هو الخط الأكبر: من يمتشق أولاً، من أين يأتي الشر.

إيران أضعف اليوم، وبالتالي أخطر. بعد سلسلة تصفيات وهجمات جوية وتشويش بنى تحتية في سوريا، يفقد المحور الشيعي ذخائره الاستراتيجية. إسرائيل والغرب أطلقا ضربات دقيقة صفت قادة، وأحبطت تهريبات، ومست بقدرات حزب الله والميليشيات المؤيدة لإيران في العراق وسوريا. لكنها ضربة ستخلق واقعاً متفجراً: إيران غير قادرة على حرب شاملة، لذا ترد حيث يؤلم، حيث يمكن النفي، حيث يمكن “فحص حدود” دون إشعال المنطقة. إيران تنتقل إلى نموذج “قرصة دائمة”: عمليات عالمية، محاولات تهريب ذكية، هجمات بالحد الأدنى – بما يكفي الحفاظ على النفوذ، بما لا يكفي لإشعال حرب.

حزب الله ملزم بالرد، وملزم بعدم التصعيد. التنظيم الآن يعمل في شرك تاريخ. حرب شاملة ستصفي لبنان وتمزق قاعدة دعمه. بالمقابل، إذا قعد هادئاً، فسيفقد مكانته في المعسكر الشيعي، وسيده الإيراني سيفقد الثقة به. ثقة تضررت لدرجة الإذلال على أي حال. وعليه، فإن حزب الله يختار الحل الوسط، في هذه اللحظة نظرياً فقط: هجمات بوزن متوسط، “صيانة النار”، ضرب للبنى التحتية العسكرية الإسرائيلية دون الوصول إلى شرايين الحياة، وحفظ دائم لإحساس التوتر. صحيح أنه يتعرض لضرب من إسرائيل وفي حالة دونية متزايدة، لكن هذا هو الغموض الثالث: يكفي كي لا يعد ضعيفاً، لا يكفي كي يدهور الشرق الأوسط إلى حرب شاملة.

الولايات المتحدة مشغولة أكثر بالمنافسة مع الصين مما بالشرق الأوسط. تمارس الضغط على إسرائيل: حافظوا على نار هادئة

السعودية، التي تركز على خطط محمد بن سلمان الكبرى، تريد الاستقرار وليس الثورات. الولايات المتحدة مشغولة أكثر بالمنافسة مع الصين مما بالشرق الأوسط. كلتاهما تمارسان الضغط على إسرائيل: حافظوا على نار هادئة. لا تفتحوا جبهة شمالية، لا تخلقوا خطوة تلزمنا بالتدخل.

ليس لإسرائيل مجال عمل كامل، وهذا الضغط يؤطر الواقع: لا سلام، لكن أيضاً لا حرب. إسرائيل اليوم أقوى في التكتيك، وفي قدرات الاستخبارات، والدقة والعمليات الجراحية. لها ردع موضعي في كل ساحة تقريباً، لكن مجال المناور الاستراتيجي صغير. كل خطوة يجب أن تقف في اختبارات واشنطن والرياض والساحة الدولية.

وهذا يدخل إسرائيل إلى وضع يجعل حتى نجاحاتها تخلق وضعاً حساساً: لا يمكن إعطاء حزب الله حرية عمل، لكن بالمقابل لا يمكن “فتح السد”. ومن هنا الخطورة الأكبر، وهم الهدوء. ثمة قواعد في وضع السلام. في وضع الحرب أهداف واضحة. لكن في وضع “الغموض الثالث” هناك وهم واحد كبير في أن كل شيء تحت السيطرة.

هذا الوضع مرشح لخطأ بشري. يكفي صاروخ واحد يخرج عن هدفه، تصفية لم تخطط جيداً، يكفي إطلاق طائش في لبنان أو في العراق – وستصبح النار المقنونة انفجاراً إقليمياً. فالشرق الأوسط لا يسير الآن إلى السلام، ولا يركض إلى الحرب، هو يتقدم إلى مجال أوسط خطير، كل طرف فيه ينتظر الفرصة – لكنه يخاف الوقوع فيها.

في عصر الغموض الثالث، من يعتقد أن المنطقة هادئة لا ينصت جيداً، وربما يفضل عدم السماع.

------------------------------------------

إسرائيل اليوم 9/12/2025

 

بسياسة “مخربين بشباشب”.. حين سقط نتنياهو في خطابه وأسقطنا معه: حتى ممداني ينتظرك

 

 

بقلم: أريئيل كهانا

 

ليس غنياً عن الانتباه كيف وصف نتنياهو مذبحة 7 أكتوبر أول أمس. ففي اجتماع السفراء في وزارة الخارجية، قال: “في واقع الأمر، كنا في 7 أكتوبر في عملية مضادة لا يمكن وصفها هكذا. هذه ليست عملية إرهاب – هذه عملية أمنية، سياسية، اقتصادية، من كل النواحي الممكنة”.

قبل كل شيء تحليل النص. إذا “كنا في عملية”، فلماذا “لا يمكن وصفها هكذا”؟ ما معنى هذه الجملة الغريبة؟

لقد تحدث نتنياهو بعفوية شفوية، ولم يقرأ نصاً مكتوباً. أقواله، كما يبدو، وفرت لنا إطلالة على القصة التي يرويها لنفسه عن اليوم الأفظع في تاريخ المشروع الصهيوني. رئيس الوزراء لم يسمه “مذبحة” ولا “إخفاقاً”، ولا “فشلاً” أو “انهياراً”، بل “عملية مضادة” أو على حد قوله – عملية “من كل النواحي الممكنة”، ولا تزال “عملية”. يفهم من هذا الاصطلاح أن نتنياهو بينه وبين نفسه لا يزال يتنكر بأن في ورديته احترق مبدأ الصهيوني الأساس “ليس بعد اليوم أبداً” وتصاعد دخانه في السماء إلى جانب النقب الغربي. وبدلاً من الاعتراف بذلك، يروي لنفسه أن وقوعه في “عملية” هذا الانزلاق اللغوي يتناسب وادعاءه في الماضي بأن اجتياح حماس كان اجتياح “مخربين ينتعلون الشباشب”. وكأنه لم يكن هناك فخ استراتيجي نصبه يحيى السنوار وأوقعه فيه. كأن حماس العسكرية لم تكن ذكية ودقيقة وفتاكة. كأن مجندات وأمهات لم يصرخن داعيات للنجدة طوال ساعات في فظائع متعذرة الفهم. كأن المخربين لم يجتاحوا “سديروت” و”أوفاكيم”. كأن نصف دولة لم يشهد “محرقة ليوم واحد” مثلما يقول كثيرون جداً، بل فقط “عملية من كل النواحي الممكنة”.

 

كلمات عديمة الأساس

 

تصغيره للمأساة ما كان يبرر النقد لولا النصف الآخر من الخطاب، ذاك الذي ادعى فيه نتنياهو بأننا “قوة عالمية عظمى”. وكما أسلفنا، رئيس الوزراء لا يمكنه أن يسافر إلى أي دولة في العالم تقريباً، باستثناء الولايات المتحدة. عملياً، حتى في نيويورك هو ليس آمناً تماماً، في ضوء نوايا رئيس البلدية المستقبلي. وما هو أسوأ، تبجحه عن كون إسرائيل “قوة عظمى إقليمية” أو “عالمية” سمعناها أيضاً قبل 7 أكتوبر 2023. قالها نتنياهو – نتنياهو إياه الذي شرح في الخطاب ذاته كيف كادت إسرائيل تنهار.

رئيس الوزراء نتنياهو لا يمكنه أن يسافر إلى أي دولة في العالم تقريباً، باستثناء الولايات المتحدة. عملياً، حتى في نيويورك هو ليس آمناً تماماً، في ضوء نوايا رئيس البلدية المستقبلي

“لقد كانت هنا خطة لإبادة إسرائيل”، قال نتنياهو للسفراء. “كانت خطة عملية للهجوم علينا في وقت واحد. يمكن القول إن السنوار أطلق رصاصة. هو لم ينتظر، لم ينسق العملية التي كان ينبغي لها أن تؤدي إلى الاجتياح في وقت واحد؛ من حماس جنوباً، من قوة الرضوان شمالاً. النخبة من جهة، والرضوان من جهة أخرى، وتسونامي صواريخ وصواريخ باليستية علينا”.

بمعنى، نتنياهو إياه، الذي على حد قوله نحن “قوة عظمى عالمية” يصف بعد بضع جمل من ذلك كم كنا قريبين من اجتياح بري منسق من جبهتين، ويترافق مع “تسونامي من الصواريخ والمقذوفات الصاروخية”. هذه التوصيفات لا تستوي معاً. فلا يحتمل أن قوة عظمى عالمية كانت في واقع الأمر على مسافة خطوة من الإبادة. ولا يمكن الادعاء أن وضع خطر وجودي هو في واقع الأمر “عملية” فقط. كل هذا لا يسير معاً.

 

صراع على الذاكرة

 

ما هو تفسير التوصيفات المتضاربة بهذا الشكل المتطرف على لسان نتنياهو إياه لتلك الأحداث في ذاك الخطاب تماماً؟ يبدو أن الجواب يكمن في المستوى النفسي العميق. نتنياهو أراد أن يذكر كـ “حارس إسرائيل”، هو قال ذلك، ولا شك أن هذا الاعتبار يوجهه.

لكن المذبحة لم تترك ذكرى لهذه الفكرة. لا يهم ما هي إنجازات الحرب – وجدير بالذكر أن “النصر المطلق حتى على طريقته لم يتحقق – نتنياهو لم يحم إسرائيل. بل إنه قادها إلى كارثة لم يسبق لها مثيل، ونبعت من سياسته. هذه هي الحقائق التي لا يمكن التنكر لها.

هو نفسه غير قادر على الوقوف أمام هذه الحقيقة الرهيبة. وعليه، رفض تحمل المسؤولية، كما هو متوقع من زعيم. وعليه، أخذ يقلص تلك الأيام الرهيبة إلى مجرد “عملية”؛ فهو يتهم جهاز الأمن بالفشل، ثم يعود ليروي له ولنا بأن إسرائيل “قوة عظمى عالمية”. قبل كل شيء هو يهرب من نفسه.

بدلاً من الهرب، كان متوقعاً أن يستخلص الدرس. كمن قاد “القوة العظمى العالمية” إلى فخ حماس، عليه أن يبدي حذراً أكبر، وغروراً أقل، أو كما قيل في المصادر: “تواضع في خطاك”. هذا سيجلب الخير، له ولنا.

------------------------------------------

 

هآرتس 9/12/2025

 

 

إسرائيل في 4 صور: علي بابا و40 كذبة و”دبوس المشنقة” ومعارضة بأفق “معركة لفظية” وقضاة “يديرون الخد الثاني”

 

 

بقلم: يوسي فيرتر

 

الحدث الإعلامي الذي جرى أمس في الكنيست هو الأول من نوعه الذي يوفر فرصة لمعركة لفظية بين رئيس الحكومة ورئيس المعارضة، الأمر الذي يحدث مرة كل أسبوع في البرلمان البريطاني. في الواقع، عندما يدور الحديث عن نتنياهو يجدر أن نسمي البند على جدول الأعمال “مناقشة الأربعين كذبة”، معظمها معاد تدويره، وبعضها جديد وسيعاد تدويره في المرة القادمة. ولكن الحدث الذي يروي قصة الكنيست والحكومة كان قبل بضع ساعات من ذلك في طابق اللجان. في غرفة لجنة الدستور والقانون والقضاء، التي نوقش فيها قانون تصفية منصب المستشار القانوني للحكومة، استُضيف وزير العدل والمالية السابق من الليكود موشيه نسيم ابن الـ 90 سنة، ثاقب الذهن وواضح الذكاء، الذي تحدث وهو على وشك البكاء “عما تسمونه إصلاحاً قانونياً”. لقد صرخ وقال إن الأمر يتعلق بشيء حقير، وأن “مضمونه لا يطاق”. وأضاف” “هذا جهل”، حتى إن رئيس اللجنة سمحا روتمان، العنيف والفظ، لم يتجرأ على مقاطعته.

 

قريباً من هناك، في قاعة لجنة الأمن القومي، استمر مهرجان قانون عقوبة الإعدام للإرهابيين. أعضاء قائمة “قوة يهودية”، وعلى رأسهم الوزير بن غفير، علقوا على صدورهم دبوساً ذهبياً على شكل حبل المشنقة، وقالوا: “هذا للمخربين”. الموت يليق بهم، الذين دعوا إلى تجويع الغزيين، والذين فرحوا بكل مذبحة في الأراضي الفلسطينية، ولم يكترثوا حتى بقتل الجنود والرهائن. فقد عارضوا جميع الصفقات، بما في ذلك الصفقة الأولى التي تطلق فيها سراح 104 رهائن – بينهم نساء كبيرات في السن و39 شاباً وفتاة وطفلاً صغيراً، مقابل إطلاق سراح سارقي سيارات.

حبل المشنقة المعلق على معاطفهم يذكرنا بصورة الليكود الرسمية وليبراليته في الثمانينيات. كان نتنياهو ذات يوم أقرب إلى ما ترمز إليه المعجزة. أما الآن فهو بن غفير أكثر من بن غفير نفسه، صريح، كذاب، محرض، ساخر وخطير.

بعد حوالي أسبوعين من هروب جبان (“بسبب الجدول الزمني المضغوط”)، لم يكن أمامه خيار آخر أمس، واضطر إلى التطرق إلى قانون التهرب. لقد سمعناه في السابق أكثر إقناعاً، حتى وهو يكذب. بضع جمل لرفع العتب (“بداية عملية تاريخية” و”أهداف تجنيد مهمة”). وفجأة وصل إلى التلاعبات التالية: لجنة التحقيق “الموضوعية” و”محاكمة الباغس باني”.

لقد تطرق بصورة غير مباشرة إلى طلب العفو، وحرص على عدم ذكر الكلمة نفسها. هذه المرة نسي أن يعد بأنه في حالة إلغاء محاكمته، سيخصص وقتاً للتعامل ظاهرياً وبصورة تصالحية مع قوانين الانقلاب والإعلام، كما جاءت في طلب العفو. خلافاً لذلك كالعادة، شوه النظام القضائي وحرّف ما يفترض أن قاله القضاة. كل ولد يدرك أن الأمور إذا ما سارت على ما يرام فسيخصص وقتاً حقيقياً للتعامل مع ما تبقى من سيادة القانون والإعلام، بحيث لا يبقى منهما شيء.

عند خروجه من جلسة الكنيست، سئل إذا كان سيتخلى عن الإصلاح مقابل العفو، وفي لحظة صدق نادرة أجاب بالنفي. وقد كانت هناك لحظة أخرى مؤثرة، عندما التفت إلى أعضاء الليكود قريباً من نهاية خطابه وقال: “إنهم يريدون الإطاحة بكم، وأنا فقط أقف في طريقهم”. كان السياق وجع البطن الذي يسببه قانون التهرب للكثيرين منهم. الرسالة الخفية: إذا كانت أصواتكم وفقاً لضمائركم، أو لما تسمعونه في بيوتكم، أو من الشباب الذين يخدمون، أو من العائلات الثكلى، فسأسقط وتسقطون معي. على النقيض تماماً من النبرة الواثقة التي بثها قبل دقائق من ذلك.

مراراً وتكراراً يقع القضاة في شرك رئيس الحكومة المضلل، الذي يكذب عليهم وعلى الكنيست وعلى كل الجمهور وعلى نفسه أيضاً، مثلما هي العادة مع الكذابين المرضى

وفي النقاشات التي جرت في المحكمة أمس، نجح نتنياهو في إلغائه بذريعة أنه ملزم بالحضور للكنيست، لأن عليه عقد لقاء دبلوماسي مستعجل مع السفير الأمريكي في الأمم المتحدة، مايك والتز. لقد بدأت الجلسة التي اقتضت حضوره في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر تقريباً، لكنه جاء على الأقل في هذه المرة. مراراً وتكراراً يقع القضاة في شرك رئيس الحكومة المضلل، الذي يكذب عليهم وعلى الكنيست وعلى كل الجمهور وعلى نفسه أيضاً، مثلما هي العادة مع الكذابين المرضى.

أمس، كرر للمرة الألف قصص علي بابا، حين قال إن المعارضة لم توافق على مناوراته في رفح (هو الذي أجل العملية مرتين على الأقل)، وأنه طلب صفقة كاملة (التي أحبطها مرة تلو أخرى).

بعد خطاب رد لبيد، الذي كشف أكاذيبه بدون جهد كبير، صعد على المنصة مرة أخرى. “لدي لغز”، قال. “من أعطى حسن نصر الله البحر ومن أرسله إلى السماء؟”. مرة أخرى، القصة المعاد تدويرها حول “إعطاء البحر” لحسن نصر الله كجزء من اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان، الذي عارضه حزب الله. لبيد صعد خلفه وذكره بإخلاء الخليل وتحرير السنوار ومصافحة عرفات. أما الخيمة التي نصبها حزب الله على الأراضي الإسرائيلية، والهجوم في مفترق مجدو، الذي خشي نتنياهو من رد انتقامي عليه، فقد نسي لبيد أن يذكرهما.

------------------------------------------

هآرتس 9/12/2025

 

أخطر من 2023: تقسيم منصب المستشار القانوني.. من يوقف جمهورية الموز؟

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

سرعت الكنيست هذا الأسبوع طريقها نحو السحق التام لمكانة حراس العتبة والقيم الديمقراطية في إسرائيل في إطار الانقلاب النظامي؛ فاللجنة التي أقيمت للبحث في قانون البث الذي تقدم به الوزير شلومو قرعي، بهدف تجاوز لجنة الاقتصاد، تعمل على القانون، الذي يستهدف المس بالإعلام الحر. تجري لجنة الخارجية والأمن العمل على قانون الإعفاء من التجنيد للحريديم، الذي يسحق المساواة والأمن. وتجري لجنة الأمن القومي العمل على قانون عقوبة الإعدام للمخربين الذي هو عملياً قانون عقوبة قتل المخربين العرب، والذي يتضمن واجب العقاب، غير الموجود في أي دولة ديمقراطية. في لجنة الدستور برئاسة النائب سمحا روتمان – إضافة إلى القانون الذي يوسع صلاحيات المحاكم الدينية – يجري تجريب عمل على مشروع “قانون الجمعيات” الذي يستهدف سحق المجتمع المدني في إسرائيل. وثمة مشروع آخر سيجعل وحدة التحقيق في الشرطة جسماً لا يتبع النيابة العامة، في ظل تسييس إجراءات تعيين من يقف على رأسها، وبذلك يمس باستقلاليته.

لكن مشروع القانون الأخطر هو ذاك المسمى “تقسيم” منصب المستشار القانوني للحكومة. عملياً، يدور الحديث عن مشروع قانون لتصفية المنصب. فمعناه ليس فقط تقسيم المنصب إلى ثلاثة، بل تصفية قدرة الثلاثة على أداء مهام مناصبهم. كل منهم (المدعي العام، المستشار القانوني، وممثل الدولة في الهيئات القضائية) سيعينه سياسيون من الائتلاف ويقيلونه أيضاً. لن يكون أي منهم مهنياً ومستقلاً، مثل مؤسسة الاستشارة القانونية في عشرات السنوات الأخيرة. وستكون النتيجة حكومة ليست خاضعة لسلطة القانون.

في جانب الاستشارة، لن يكون موقف المستشار ملزماً (بخلاف القاعدة التي انطبقت هنا عشرات السنين وقرار المحكمة العليا الإجماعي الذي لا لبس فيه)، وعلى أي حال، فإن مستشاراً يعين بشكل سياسي سيقدم الأجوبة التي يطلبها معلموه وإلا فسيستبدل. إن توقع حرص المحكمة على تنفيذ القانون توقع تكتنفه السذاجة، لأنه بدون استشارة قانونية فاعلة، لن يعرف أحد شيئاً عن خرق القانون. وعلى أي حال، لن يكون ممكناً الاستئناف على أي قرار تتخذه الحكومة ووزاراتها.

بالنسبة لجانب الادعاء العام وإنفاذ القانون، فإن المعنى مقلق بقدر لا يقل. مدعٍ عام تعينه الحكومة حتماً سيغض النظر عن الفساد، لكن الأخطر من ذلك: أن يشكل ذراعاً سياسياً لغرض إنفاذ انتقائي تجاه معارضي الحكم في ظل سحق حرية التعبير والاحتجاج. وإن إصلاحاً كهذا، حين يكون رئيس الوزراء متهماً بأعمال جنائية، والهدف الواضح هو إقالة المدعية العامة – سيجعل إسرائيل جمهورية موز.

إن الجمهور الديمقراطي في إسرائيل ملزم بالتنبه لما يجري قبل فوات الأوان: المس الذي يجري هذه الأيام بحق الديمقراطية أكبر حتى من ذاك الذي خطط له في 2023 وأحبطه الاحتجاج. الجمهور وحده يمكنه إنقاذ الوضع.

-------------------------------------------

يديعوت أحرونوت 9/12/2025

 

شهادات ضباط كبار: خطط لتصفية السنوار والضيف لزمت “جارور ما قبل 7 أكتوبر”

 

 

بقلم: يوآف زيتون

 

وصلت إلى لجنة اللواء احتياط سامي ترجمان في الأشهر الأخيرة شهادات من مسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي عن إحدى المسائل الأكثر تفجراً في السنتين اللتين سبقتا 7 أكتوبر: الخطط العملياتية لقيادة المنطقة الجنوبية لتصفية محمد ضيف ويحيى السنوار، والتي لم تخرج إلى حيز التنفيذ رغم توصيات ضباط كبار، وفي الخلفية نرى طلباً من رئيس الأركان في حينه للتركيز على الجاهزية للساحة الشمالية، وناشد المستوى السياسي مراراً بألا يبادر إلى خطوة في غزة في أيام الهدوء. المواد الاستخبارية التي عثر عليها في حواسيب حماس بقطاع غزة أثناء المناورة شهدت على الموعد الأخير – قبل 7 أكتوبر، والذي نظر فيه جيش الإرهاب بجدية في إخراج خطة “سور أريحا” إلى حيز التنفيذ: بين فصح 2023 ويوم الاستقلال من تلك السنة، وذلك على خلفية تعميق الشرخ في شعب إسرائيل والتمزق المتسع عقب الانقلاب النظامي الذي قادته الحكومة في تلك الفترة، والاحتجاج المتزايد ضده.

لكن إلى جانب ذلك، اطلع أعضاء لجنة ترجمان أيضاً على المبادرة الإسرائيلية المضادة التي نظر فيها في تلك الفترة وكذا في الفترة الموازية قبل سنة من ذلك: تنفيذ خطة إسرائيلية لتصفية زعيمي حماس – يحيى السنوار ومحمد ضيف. وكانت “يديعوت أحرونوت” كشفت عن الخطة في آذار من هذا العام، في تقرير رونين بيرغمان ويوفال روبوبيتش في ملحق 7 أيام”.

وحسب إحدى الشهادات التي وصلت إلى اللجنة على لسان ضابط كبير، فإن قيادة المنطقة الجنوبية دفعت ليس فقط نحو خطة ضيقة لتصفية الاثنين، بل أيضاً لخطة أوسع أعدتها قيادة المنطقة الجنوبية في بداية العقد. ويدور الحديث عن خطة وضعتها القيادة تحت اللواء اليعيزر طوليدانو، وتنقسم إلى أربع مراحل: مبادرة إسرائيلية مفاجئة تبدأ بتصفية الضيف والسنوار وكذا اثنين – ثلاثة مسؤولين كبار في حماس بمستوى قادة ألوية؛ وقصف كل مواقع تعاظم قوة المنظمة التي يعرفها “الشاباك” و”أمان” (المخابرات والاستخبارات)؛ وطلعات جوية متدرجة للهجوم على الاستحكامات المركزية لحركتي حماس والجهاد؛ وفي المرحلة الأخيرة: دخول ثلاث فرق نظامية، 162، 36 و98 لمناورة برية محدودة في صالح تطهير مجالات إطلاق الصواريخ.

على مدى السنين، طالب المستوى السياسي برئاسة نتنياهو إبقاء حماس في الحكم في القطاع، ولهذا لم تستهدف الخطة هزيمة حماس أو انهيار حكمها، بل ضربها بشدة

على مدى السنين، طالب المستوى السياسي برئاسة نتنياهو إبقاء حماس في الحكم في القطاع، ولهذا لم تستهدف الخطة هزيمة حماس أو انهيار حكمها، بل ضربها بشدة، وإخراجها عن توازنها بشكل يجعلها مردوعة على مدى سنين.

وعلى حد قول ذاك الضابط إياه أمام اللجنة، فإن هيئة الأركان، بتوصيات من شعبتي العمليات والاستخبارات، رفضت هاتين المبادرتين الضيفة والموسعة – في فرصتين وقعتا في فترة السنة والنصف التي سبقت اجتياح حماس للنقب الغربي.

إلى جانب الشهادة إياها، وصلت إلى لجنة ترجمان شهادة أخرى تتناقض وهذه الشهادة؛ فحسب ضابط كبير آخر في تلك الفترة تحدث مع اللجنة بل وعرض عيها خلاصات مداولات عملياتية، رفعت قيادة المنطقة الجنوبية صيغة نحيفة للخطة كتوصية للتنفيذ؛ أي تصفية زعيمي حماس، مهندسي المذبحة. وحسب هذه الصيغة، في تلك الفرصة الأولى إياها لتنفيذ الخطة التي طرحتها قيادة المنطقة الجنوبية في أيار 2022، وصل الاقتراح من “الشاباك”. المحفز: عملية البلطات الرهيبة في يوم الاستقلال بمدينة “العاد” والتي قتل فيها أربعة إسرائيليين على أيدي خلية إرهاب تسللت من “السامرة”. في تلك الأيام، ألقى السنوار “خطاب البلطات” داعياً فيه كل فلسطيني بحمل ما يلوح له من سلاح ضد الإسرائيليين. التوصية إياها سقطت أساساً بسبب ذاك المفهوم طويل السنين القائل إنه يجب الإبقاء على حماس في غزة ضعيفة ومردوعة، وضربها بجولات تصعيد مرة كل بضعة أشهر، وبالتأكيد عدم الربط بين ساحة الضفة وغزة.

غير أن الفرصة الأهم وقعت مرة أخرى حول فترة توتر أمني، وإطلاق صواريخ وتحرشات حدود نفذها نشطاء حماس، بين الفصح ويوم الاستقلال في العام 2023. طرحت خطة المبادرة الإسرائيلية مرة أخرى، وحسب الصيغة الثانية التي طرحتها لجنة ترجمان، لم تتضمن توصية قيادة المنطقة الجنوبية الخطة الموسعة، بل تصفية كبار المسؤولين فقط. وحسب هذه الشهادة، فإن “الشاباك” برئاسة رونين بار، أيد الفكرة لكن التحفظ كان من جانب رئيس الأركان في حينه هرتسي هليفي أيضاً، بسبب سياسة ثابتة لدى الحكومة بإعطاء تلك الحصانة لحماس.

 “طوليدانو وهليفي التقيا للبحث في الموضوع، وطلب قائد المنطقة الجنوبية بالفعل إذناً للمضي بالخطوة لتصفية قادة حماس وتلقى ضوءاً أخضر من رئيس الأركان للتقدم بخطة العملية، لكن هليفي طلب منه خطة لتنفيذ هذا ليس فقط في أيام الهدوء – التي تعدّ فيها فرصة كشف موقع الضيف والسنوار في وقت واحد أعلى – بل أيضاً في أيام التوتر. وكانت الفرضية أنه إذا ما اقتنع نتنياهو بالفعل بتصفية قادة حماس، فلن يكون هذا إلا في أثناء تصعيد أو توتر يبرران الخطوة. واضح أن السنوار والضيف حذران جداً، وحرصا طوال سنين، حتى في أيام الهدوء، على عدم الانكشاف في وقت واحد”، كما أبلغ أعضاء لجنة ترجمان. “عملياً، لم يربط طوليدانو لا “الشاباك” ولا سلاح الجو للسير نحو الخطوة. لإقناع أصحاب القرار بالسير نحو خطوة استراتيجية وكبيرة بهذا القدر، كان ينبغي رفعها إلى مستوى عال من النضج. لكن هذا لم يحصل، ولم تكشف قيادة الجنوب خطة “سور أريحا” لرئيس الأركان أو للمستوى السياسي”.

-------------------------------------------

 

هآرتس 9/12/2025

 

 

نحو المرحلة الثانية: دهشة أمريكية بإيفاء حماس بالتزامها واعتراف إسرائيلي بذلك: ماذا عن لقاء ترامب-نتنياهو؟

 

 

بقلم: عاموس هرئيل

 

تقديرات أمريكا وإسرائيل والدوحة متشابهة: ترامب مصمم على التقدم إلى المرحلة الثانية. رغم علامات الاستفهام الكثيرة على الأرض، ينوي الرئيس فرض الانتقال إلى المرحلة القادمة على الطرفين، والتي تتضمن انسحاباً إسرائيلياً آخر في القطاع. الجدول الزمني سيتأثر من لقائه مع نتنياهو في الولايات المتحدة نهاية الشهر الحالي. ومن المرجح تنفيذ الخطوات الأساسية بعد هذا اللقاء.

بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى الخط الأصفر، بالسيطرة على نصف مساحة القطاع تقريباً، كان هناك من تحدثوا في إسرائيل عن “سور برلين الجديد” الذي سيبقى فترة طويلة. ولكن الرسائل التي بثها الأمريكيون الأسبوع الماضي توضح أن الرئيس لا يتفق مع هذا الرأي. الإدارة الأمريكية فاجأها وفاء حماس بالتزاماتها – هي في الحقيقة نجحت في العثور على وإعادة جثث جميع المخطوفين القتلى، باستثناء رون غوئيلي. ما زالت إسرائيل تطالب بإعادته، والولايات المتحدة تدعم هذا الطلب، لكن نيتها تطبيق مراحل الانسحاب القادمة.

ربما تدفع الولايات المتحدة باتجاه اتفاق يقف فيه الجيش الإسرائيلي على مسافة أقرب من حدود القطاع، في الممر الأمني وبعرض محدود داخل المنطقة الفلسطينية. في الوقت نفسه، يعترف الجيش بأن نطاق الخروقات الفلسطينية للاتفاق غير مرتفع. الجنود يطلقون النار على رجال حماس الذين يحاولون اجتياز الخط الأصفر لجمع معلومات استخبارية عن تموضع القوات، وللقيام بهجمات أحياناً. ولكن عملياً، لا توجد محاولة منظمة للتصادم مع الجيش الإسرائيلي، وما زالت بؤرة الاحتكاك الأساسية في جيب الأنفاق بمنطقة رفح، حيث علق عشرات مسلحي حماس خلف الخطوط الإسرائيلية.

الإدارة الأمريكية فاجأها وفاء حماس بالتزاماتها – هي في الحقيقة نجحت في العثور على وإعادة جثث جميع المخطوفين القتلى، باستثناء رون غوئيلي. لكن نيتها تطبيق مراحل الانسحاب القادمة

ستكون المرحلة القادمة في الخطة الأمريكية الإعلان عن تعيين “مجلس السلام” الدولي، الذي قد يوفر الغلاف لحكومة التكنوقراط الجديدة التي ستشكل في القطاع. هذا الإعلان قد يصدر في العشرة أيام بين 15 كانون الأول وعيد الميلاد. هناك تفاهمات بشأن هوية أعضاء حكومة التكنوقراط، ورغم أن الأمر لم يحدد رسمياً، فمن المتوقع أن يضم شخصيات مرتبطة بحماس أو متماهية مع فتح والسلطة الفلسطينية. لم يخطط بعد لإقامة قوة الاستقرار متعددة الجنسيات كما يبدو لتكون في منتصف كانون الثاني القادم.

كبار قادة القيادة الوسطى في الجيش الأمريكي عبروا عن رضاهم من نجاح واشنطن في مصادقة مجلس الأمن على الخطة. الصعوبة الأساسية ما زالت تتعلق بخوف الدول التي وافقت مبدئياً على إرسال جنود لقوة الاستقرار من مواجهة مباشرة مع حماس. رغم جهود ترامب، لا توجد دول واحدة مستعدة لتعريض رجالها للخطر، وفرض مهمة نزع سلاح حماس عليها.

الاتصالات بين حماس والولايات المتحدة ودول الوساطة- قطر ومصر وتركيا، تتناول تحديد السلاح لدى حماس. التسوية التي تناقش الآن تتناول تجريد حماس من سلاحها الهجومي مثل الصواريخ، مع احتفاظ رجالها بالسلاح الشخصي (البنادق والمسدسات). يعتقد جهاز الأمن في إسرائيل أن الخطر الذي يحدق بمستوطنات غلاف غزة منخفض جداً؛ لقد بقيت لدى حماس صواريخ قليلة، ويبدو أنها ستجد صعوبة في تنفيذ هجوم منظم. في هذه الأثناء، تأخير تطبيق الخطة الأمريكية مع غياب بديل سياسي في القطاع، يسمح لحماس بترسيخ سيطرتها على السكان الفلسطينيين.

لا يعتقد نتنياهو أنه يمكن كبح حماس لفترة طويلة بدون نزع سلاحها. ولدى جهاز الأمن شكوك كثيرة فيما يتعلق بسيناريو كهذا. ستحاول إسرائيل السعي إلى وضع تسمح فيه الولايات المتحدة لها بحرية عمل أمام حماس – مثلما يفعل الجيش الإسرائيلي في الهجمات المتواترة ضد حزب الله في جنوب لبنان. ولكن هذا الأمر مرتبط بدرجة الثقة التي ستعطيها الإدارة الأمريكية لاحتمالية المضي بخطتها، وبنجاح انتشار القوة متعددة الجنسيات. ما زال الرئيس الأمريكي يظهر تفاؤلاً في هذه الأثناء.

خطة الولايات المتحدة تتحدث عن تقسيم غزة “الجديدة” شرقي القطاع وغزة “القديمة” غربي القطاع. ستبقى لحماس سيطرة ما في المنطقة الغربية في هذه المرحلة، في حين ستبدأ إقامة أحياء جديدة في المنطقة الشرقية. دول الخليج ستمول المشروع على أمل جذب فلسطينيين للمنطقة يرغبون في الخروج من منطقة نفوذ حماس. وتأمل الولايات المتحدة بخلق مناطق آمنة هناك، ينتقل إليها السكان الذين مروا بعملية تصفية أمنية.

طلب من إسرائيل عدم وضع عقبات، بل وإخلاء بقايا القنابل من رفح، التي ستشكل مشروعاً ريادياً للخطة. في الوقت نفسه، تضغط الولايات المتحدة لإعادة فتح معبر رفح. إسرائيل قلقة من ذلك لخوفها من أن يغض الجيش المصري النظر عن تهريب السلاح في المعبر، كما فعل في سنوات ما قبل 7 تشرين الأول 2023.

------------------------------------------

هآرتس 9/12/2025

 

نازية في شوارع القدس.. اعترضا عامل نظافة عربياً وكسرا أسنانه وأضلاعه وقالا: “تك توك”.. بلا تصوير!

 

 

بقلم: يوعنا غونين

 

الجمعة الماضي، الساعة السادسة صباحاً، كان عامل نظافة يكنس شارعاً مهجوراً في القدس. فجأة، ظهر فتيان على دراجة كهربائية وتوقفا على الرصيف بجانبه. لا يظهر صوت في الفيلم. فقط يمكن رؤية كيف اعترضا طريقه. حاول أحدهما إنزال كابح الدراجة عدة مرات، ولكن بدون نجاح. هذه لفتة أضفت على المشهد طابعاً كوميدياً ساخراً، لكن للحظة فقط. بعد عدة محاولات، وضع الدراجة جانباً واستدار للتعامل مع الشخص الذي أمامه.

صمت الفيلم أضفى شعوراً بالتهديد. عامل النظافة، الذي تعوقه سلة القمامة الكبيرة التي يجرها، حاول تجاوز الفتيان من الجانب. دفعه أحدهما إلى الرصيف، وبدأ بضربه. انضم الفتى الآخر وبدأ بركله. عامل النظافة لا يقاوم، بل يحاول حماية رأسه فقط. فجأة، يركب الفتيان الدراجة وينطلقان. بقي عامل النظافة مرمياً على الرصيف وجسمه محن بجانب سلة القمامة.

أظنكم عرفتم الآن أن الضحية عربي، خليل الرشق، أحد سكان عناتا في شرقي القدس، أب لبنتين صغيرتين. “عندما مروا بجانبي قالوا: ها هو أحدهم”، قال لمراسل أخبار 13، يوسي إيلي. قبل بضع دقائق من الانقضاض عليه، قام الفتيان بمهاجمة سائق حافلة عربي وكسرا يده. أما بالنسبة للرشق، فقد كسرت أسنانه وضلعان. “لا تفسير لمهاجمتنا عامل النظافة”، قال أحدهما أثناء التحقيق معه. “مجرد اعتداء. لم نفكر بما نفعله”.

في المقالات القليلة حول الحادثة، تم الشرح بأن الأمر يتعلق بـ”ترند” في تك توك، حيث يهاجم مراهقون يهود العرب، خاصة سائقي الحافلات، وينشرون مقاطع الفيديو

في المقالات القليلة حول الحادثة، تم الشرح بأن الأمر يتعلق بـ”ترند” في تك توك، حيث يهاجم مراهقون يهود العرب، خاصة سائقي الحافلات، وينشرون مقاطع الفيديو. هذا صحيح بالطبع، لكنه أيضاً وسيلة مريحة للتقليل من عمليات الفتك وعرضها كنتاج للشبكات الاجتماعية، وليست تعبيراً عن تربية على الكراهية والعنصرية الممأسسة.

إذا كانت قضيتنا تدور حول موضة تك توك، فمطاردة الناس ليست سوى نزوة شباب، نزوة عابرة، لكن مع كسر أسنان وضلوع. انظروا إلى هؤلاء الأطفال وأفعال الهراء التي يقومون بها. هذا تقليد لمسلسل “سكايبيدي تواليت” لضرب العرب. هذا الوصف يلقي اللوم على المجتمع الفاسد ويبقيه على المنصة الخطيرة. فهو يبرئ السياسيين الذين يروجون للقومية العنيفة وإهانة الفلسطينيين، والشرطة و”الشاباك” والمحاكم تبرر الإرهاب اليهودي، وجهاز التعليم يعزز التفوق اليهودي والانغلاق الأخلاقي، ويبرئ أيضاً وسائل الإعلام التي تخلت عن الموضوعية الصحفية وأصبحت أدوات لنشر الأيديولوجيا العنصرية والرغبة في الانتقام. هذه ليست مشكلة الشبكات الاجتماعية، بل مشكلة عنصرية خبيثة وواسعة الانتشار وممأسسة.

أثناء مهاجمة عامل النظافة العربي، لم يخرج الفتيان حتى الهواتف لتصوير ما يحدث ونشره في الإنترنت، بل اكتفيا بالضرب؛ لأن هذا هو الهدف الحقيقي. ليسا طفلين شقيين يسعيان إلى كسب الإعجاب في التك توك، بل أزعران عنصريان صغيران، تعلما من زعران كبار. القمصان البنية ليست موضة سائدة في هذه البلاد، بل الموضة السائدة هي الحكومة.

أعمال الفتك بالعرب تحولت إلى واقع يومي، يتم استقبالها بغض نظر وبتجاهل، أو بتعاطف صريح. يستطيع النظام وقف ذلك بسهولة، لو أراد، لكنه لا يريد. سأل الرشق يوسي ايلي بحزن: “أنا أنظف لهم، وهذا ما يفعلونه بي”. هذه ليست صرخة عصرية في التك توك، بل هي أقرب إلى حقبة الثلاثينيات في ألمانيا. الشخص الذي ينظف شوارع اليهود يرمى على الرصيف من قبل فتيان تربوا على اعتباره قمامة.

------------------------------------------

 

 

 

هآرتس 9/12/2025

 

عقوبة الإعدام ستجلب الكوارث على إسرائيل

 

 

بقلم: يحيعام فايس

 

في الشهر الماضي، سنّ الكنيست قانون العقوبات: عقوبة الإعدام لـ»المخربين». أبو هذا القانون هو وزير الأمن الوطني، إيتمار بن غفير، العنصري البارز. يقترح بن غفير إعدام «المخربين» بوساطة «إطلاق النار أو المقصلة». وقد أكد على أن هذا هو «القانون الأكثر أهمية في تاريخ الدولة»، وأشار إلى انه يعرف أطباء مستعدين لفعل ذلك. ولكن نقابة الأطباء في إسرائيل أعلنت بشكل قاطع أن «هناك منعا مطلقا على الأطباء في إسرائيل للمشاركة بصورة إيجابية أو سلبية في الإعدام». من المحظور أن يقوم أي طبيب في إسرائيل بالمشاركة في عمل بربري، غير إنساني وغير أخلاقي وغير وطني وغير صهيوني.

مشروع القانون هو خطوة قاسية وغير معقولة. فبحسب هذا القانون يحق للمحكمة العسكرية في منطقة «يهودا» و»السامرة» فرض عقوبة الإعدام بأغلبية صغيرة في الهيئة القضائية، بدون سلطة تقديرية، أو صلاحية للاستئناف على الحكم، أو إمكانية تخفيفه من خلال صفقة اعتراف بالذنب أو العفو من قبل رئيس الدولة، ويجب تنفيذ الحكم خلال تسعين يوما بحقنة قاتلة.

يتناقض هذا القانون مع كل القوانين التي سنها الكنيست طوال سنواته. تجدر الإشارة إلى عدد من المبادئ المتعلقة بمشروع قانون عقوبة الإعدام: في آذار 2009 تولى بنيامين نتنياهو الحكم للمرة الثانية، وخلال سنوات حكمه الطويلة لم يتم طرح مسألة قانون عقوبة الإعدام على الإطلاق، لأن شركاءه في الائتلاف لم يكونوا عنصريين. نفتالي بينيت، الذي كان وزيرا بارزا في حكومة نتنياهو، كان يمينيا بامتياز، لكنه ليس عنصريا، واييلت شكيد، التي كانت وزيرة العدل في الأعوام 2015 – 2019، لم تتحدث عن قانون عقوبة الإعدام. هذا القانون لم يتم طرحه إلا بعد أن ضم نتنياهو بن غفير وبتسلئيل سموتريتش للحكومة التي شكلها في نهاية العام 2022. يرتبط هذا الاقتراح بالروح الشريرة والقاتلة لهذه الحكومة.

في السابق، تم تقديم عدة اقتراحات لفرض عقوبة الإعدام. فعضو الكنيست أبراهام شرير (الليكود) اقترح فرض عقوبة الإعدام على تسفي غور، خاطف وقاتل أورون يردين («معاريف»، 29/10/1987). ولكن هذا الاقتراح كان عابرا وغير جدي. فقد حكم على غور بالسجن 41 سنة، وتوفي في 2012، بدون أن تطبق عليه عقوبة الإعدام.

في تاريخ الدولة، لم يتم الإعدام إلا لشخصين. الأول هو مئير توبيانسكي، الذي أعدم في «محاكمة ميدانية عسكرية» أثناء «حرب الاستقلال» في بيت جيز (قرب كيبوتس هرئيل) في حزيران 1948. فقد قرر القضاة انه جاسوس وخائن، وتم إعدامه بإطلاق النار عليه في ذلك اليوم. وقد ترك توبيانسكي وراءه زوجة وابنا. وعندما ظهرت براءته سادت حالة من الرعب في أوساط الجمهور؛ فقد قتل شخص عبثا وببساطة. لقد كان دافيد بن غوريون منخرطا بشدة في عملية تطهير الضحية، وكتب نتان الترمان عن «أرملة الخائن»: تذكروا، من فضلكم، جوهر المحاكمة السريعة... هذا هو الاسم الفظيع الذي أطلق عليها. هو اسم يناقض ذاته. اسم فارغ ومتغطرس. اسم لا معنى له («دفار»، 8/7/1949).

استمرت قضية الخائن توبيانسكي سنوات طويلة، وكانت الصدمة شديدة. في 1954 عندما ناقش الكنيست الثاني إلغاء عقوبة الإعدام حلّق اسم مئير توبيانسكي في فضاء الجلسة. اختفى مصطلح المحاكمة الميدانية، الذي قتل توبيانسكي، اختفى تماما من عالم المفاهيم الإسرائيلية، وأصبح ملعونا.

الثاني الذي تم إعدامه هو أدولف آيخمان، القاتل النازي الجماعي، الذي حكم عليه بالإعدام في إجراء قانوني واضح ومنظم. فقد أصدرت محكمة القدس المركزية الحكم في كانون الأول 1961، ثم استأنف آيخمان على الحكم في المحكمة العليا. وبعد رفض المحكمة العليا الاستئناف طلب آيخمان العفو من رئيس الدولة، اسحق بن تسفي. وقد رفض طلبه وتم إعدامه في 31 أيار 1962. لم تكن هناك عملية «فتك قانوني» على غرار بن غفير.

تجدر الإشارة إلى انه في قرار الحكم في المحكمة المركزية أكد القضاة على أن عقوبة الموت ليست عقوبة إلزامية، بل هي العقوبة القصوى. وجاء في قرار الحكم انه «يجب فرض أقصى عقوبة ينص عليها القانون على (آيخمان)»، وهذا يتناقض مع اقتراح بن غفير الذي يطالب بفرض عقوبة الإعدام الإلزامية.

يجب على المشرعين التعامل مع مسألة عقوبة الإعدام بمسؤولية وحذر، والنظر بعناية إلى العواقب التاريخية والقانونية لهذا القانون، التي لا يمكن أن نستنتج منها إلا أن عقوبة الإعدام هي غير ضرورية على الإطلاق، وقد لا تجلب علينا إلا الكوارث. من الأفضل إلغاء قانون عقوبة الإعدام من الأجندة السياسية والعامة.

-------------------------------------------

 

هآرتس 9/12/2025

 

 

فقط ليس بيبي؟ مع ذلك، هذا لا يزال بيبي!

 

 

بقلم: ألوف بن

 

لقد ولد معسكر سياسي جديد في إسرائيل، ويمكن تسميته “مع ذلك، هذا لا يزال بيبي”. ما بدأ مثل قطرة قطرة بعد وقف اطلاق النار في غزة، ازداد تدفقا عند طلب بنيامين نتنياهو للعفو من رئيس الدولة اسحق هرتسوغ. فجأة ظهر الامل القديم بان رئيس الحكومة سيغير موقفه، ويتخلى عن شركائه اليمينيين المتطرفين وينحرف نحو الوسط. عندها سنصل كلنا الى حالة من النشوة: الانقلاب سينتهي وسيتم استبدال التحريض والانقسام بالوحدة والاخوة، السعودية ستطبع علاقاتها معنا، نتنياهو سيلحق بركب دونالد ترامب، والوصول الى الدولة الفلسطينية. مثلما قال النبي يشعيا: “سيكون ذلك في آخر الأيام”. لا يجب الانتظار الى ذلك الحين. فقط اسمحوا لهرتسوغ بتحرير نتنياهو من محنته الظالمة، والخلاص سيأتي بارسالية مستعجلة.

نقطة التحول جاءت بعد ان قام نتنياهو بتلبية الطلب الرئيسي لخصومه، وهو إعادة الرهائن من جحيم حماس. وعوده السابقة لاصدقائه في اليمين، من اعلان ضم الضفة الغربية الى التهجير الجماعي في غزة، القيت في سلة القمامة، على الأقل في الوقت الحالي. لقد قدم نتنياهو التراجع في مواقفه على أنه خضوع لترامب، وليس خيانة متعمدة لشركائه. مع ذلك، رسالته كان لها صدى في شارع كابلان وساحة المخطوفين، مراكز مقاومة النظام: يمكنكم الهتاف حتى الغد “فقط ليس بيبي”، لكن بيبي وحده هو القادر على تحقيق رغباتكم. في الواقع عاد جميع المخطوفين الى البيت تقريبا، خلافا للتخوف من ان حماس ستحتفظ بهم كـ “بوليصة تامين”، أو أنها ستجد صعوبة في العثور عليهم.

طلب العفو رفع عاليا نسبة الامل في معسكر “مع ذلك، بيبي” الى التجلي السماوي لـ “بيبي المعتدل”. وقد استند الطلب الى وعد محاميه لهرتسوغ بأن “العفو سيسمح لرئيس الحكومة بالعمل على رأب الصدع في صفوف الشعب، وحتى الانشغال بقضايا أخرى مثل جهاز القضاء والاعلام”. وبسرعة ظهرت تفسيرات تقول بان نتنياهو يعرض صفقة على معسكر “فقط ليس بيبي”: الغاء الانقلاب والسيطرة على ما بقي من الاعلام الحر مقابل الغاء محاكمته واسقاط الاتهامات. ما أروع القول هذه صفقة “بلاك فرايدي” الحقيقية.

لقد بدأ من يعارضون نتنياهو، الذين تعززت مكانتهم بفضل الاحاطات التي قدمها الرئيس للمعلقين السياسيين، نقاش محتدم حول الثمن سيطلبه هرتسوغ مقابل العفو: اعتزال الحياة السياسية والاعتراف ببعض الاتهامات، وربما فقط مجرد تشكيل لجنة تحقيق رسمية في كارثة 7 أكتوبر. واذا لم ينجح ذلك فقد يكتفي رئيس الدولة بخرز زجاجي أو وعد من نتنياهو بحسن التصرف.

يجدر تهدئة الحماسة وتخفيف التوقعات. نتنياهو يسعى دائما الى كسب بعض حرية التصرف من اجل التفريق بين خصومه. يمكن تفسير وعده، “التعامل مع جهاز القضاء والاعلام”، بأنه اقتراح لتنحية ياريف لفين وشلومو قرعي جانبا، ولكن في نفس الوقت يمكن فهمه كوعد لقاعدة اليمين بأنه بعد الحصول على العفو لن يضطر نتنياهو الى الاختباء وراء مرؤوسيه، وسيتمكن من اقتحام معاقل الكابلانيين الى حين تحقيق النصر المطلق.

ما العمل اذا لم يقم نتنياهو بتغيير مواقفه أبدا. لقد تسارعت وتيرة انتهاكه لسيادة القانون والخدمة العامة والاعلام، وكذلك التطهير السياسي في الجيش. الهدف من منع ترقية العقيد جيرمان غلتمان لم يكن المس برجل الاحتياط المجهول الذي شارك في الاحتجاج، بل تصوير رئيس الأركان بأنه كابلاني يرتدي الزي العسكري والترويج لاستبداله بشخص موالي للنظام. لن يعيد عفو الرئيس إسرائيل الى أيام المجد والسلام الداخلي، السابقين كما يبدو لمحاكمة نتنياهو. هو فقط سيزيل عن الطريق الكوابح والتوازن المتبقية وسيعزز حكم الفرد لرئيس الحكومة. وعلى من يتوقعون ظهور نتنياهو جديد التذكر دائما انه “مع ذلك، هذا لا يزال بيبي”.

-------------------------------------------

 

هآرتس  9/12/2025

 

 

ما الذي يجب فعله قبل الجولة القادمة مع حزب الله

 

 

بقلم: اسحق بريك

 

جميعنا نسمع في وسائل الاعلام بان الجيش الإسرائيلي يستعد لجولة أخرى من الحرب مع حزب الله في لبنان، اذا لم يتم نزع سلاحه في المنطقة الموجودة بين حدود إسرائيل ونهر الليطاني في جنوب لبنان. ولانه من الواضح ان هذا التجريد لن يحدث في المستقبل المنظور – حيث ان الجيش اللبناني لا يمكنه تنفيذ ذلك كما تحدد في الاتفاق. في نهاية المطاف اذا كان تهديد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس سيتحقق، فانه يتوقع خلال أسابيع أو اشهر ان نجد انفسنا مرة أخرى في مواجهة عنيفة مع حزب الله.

هل وضعنا سيتغير الى الأفضل في الجولة القادمة امام حزب الله؟ للأسف، انا اعتقد انه لا توجد لرئيس الأركان ايال زمير الشجاعة كي يعرض على المستوى السياسي الوضع الحقيقي للجيش الإسرائيلي. نتيجة لذلك فان رئيس الأركان يتحمل المسؤولية عن مهمات لا يمكنه تنفيذها، والثمن سيكون باهظ جدا.

ايال زمير تم تعيينه في منصب رئيس الأركان في آذار 2025، قبل تسعة اشهر تقريبا. نحن نتذكر جيدا تصريحاته عندما تسلم منصبه ووعوده للمستوى السياسي بانه سينجح في المكان الذي فشل فيه سلفه هرتسي هليفي: هزيمة حماس في قطاع غزة وتحرير المخطوفين بالضغط العسكري. كما هو معروف، هو لم يقم بالوفاء بهذه الوعود. تحرير المخطوفين تحقق فقط بعد تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

أيضا في هذه المرة زمير لا يعرض على المستوى السياسي الوضع الحقيقي وقدرات الجيش الإسرائيلي لتحقيق هدف نزع سلاح حزب الله في جنوب لبنان، بواسطة جولة قتال أخرى، بما في ذلك استخدام سلاح الجو والقوات البرية. في الجولة السابقة مع حزب الله قبل سنة، عملت قواتنا في جنوب لبنان بالتعاون بين سلاح الجو وسلاح البر. ورغم أن الضربة الشديدة التي تعرض لها حزب الله، بما في ذلك قتل معظم قادته والاضرار الشديد بسلاحه واحتلال القرى القريبة من الحدود، الا ان الجيش الإسرائيلي لم يحقق هدفه وهو ابعاد حزب الله الى شمال نهر الليطاني ونزع سلاحه في جنوب لبنان.

هذا الإنجاز حرم منه الجيش الإسرائيلي لنفس السبب الذي دفعه لاجلاء كل قواته من لبنان (باستثناء خمسة مواقع مراقبة ليست لها أهمية عملياتية). وكان السبب الرئيسي لذلك هو عدم امتلاك الجيش الإسرائيلي قوات كافية للبقاء في المناطق التي احتلها. فقد انخفض حجم الجيش البري الى الثلث خلال العشرين سنة الاخيرة، وبالتالي لم تكن لديه قوات احتياط قادرة على تعويض القوات المقاتلة. لذلك اضطر الى ترك المنطقة بعد احتلالها.

هذا بالضبط ما حدث في غلاف غزة: بسرعة تم التخلي عن كل المنطقة التي تم احتلالها، وتم شن غارات متكررة على نفس المناطق التي احتلت في السابق. لذلك، لم نتمكن من هزيمة حماس. بالغارات لا يمكن كسب الحرب.

من المهم تذكر ان الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي لا يمتلكون القدرة على هزيمة حزب الله في كل أراضي لبنان. إسرائيل تطالب بنزع سلاح حزب الله فقط في الجزء الجنوبي من لبنان، من الليطاني حتى حدود إسرائيل، لكن الجزء الأكبر من قوة التنظيم يتمركز في شمال الليطاني، في معظم ارجاء لبنان. في هذه المناطق يوجد لحزب الله مئات كيلومترات الانفاق وآلاف الصواريخ والقذائف، التي بعضها بقي لديه بعد الجولة الأخيرة، وبعضها حصل عليه في السنة الأخيرة، ضمن أمور أخرى، كنتيجة الدعم المالي والدعم بالسلاح من ايران الذي يستمر في الوصول اليه من خلال التهريب. واضح لإسرائيل أنه لا يمكنها هزيمة حزب الله في هذه المناطق، لذلك هي تتحدث فقط عن القاطع الجنوبي في لبنان.

هذا يعني ان حزب الله سيتمكن من العودة الى جنوب لبنان بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي احتلها (بارادته، بسبب عدم امتلاكه قوات كافية من اجل البقاء فيها). هذا ما حدث في الجولة السابقة وهو ما سيحدث في الجولة القادمة اذا حدثت. سلاح الجو لوحده لا يمكنه منع حزب الله من التسلل من الشمال الى الجنوب مرة تلو الأخرى بعد كل جولة.

تجدر الإشارة الى ان حزب الله تعلم من الجولة السابقة التي تم شنها قبل سنة، ونشر سلاحه وذخائره في أماكن متفرقة ضمن مئات الكيلومترات من الانفاق التي يسيطر عليها في ارجاء لبنان شمال الليطاني. الان لا تستطيع طائرات سلاح الجو الإسرائيلي ضرب مخازن السلاح لحزب الله، التي كانت مركزة في السابق في أماكن معروفة للجيش الإسرائيلي.

ماذا سيحدث في جولة أخرى؟ لا شك ان إسرائيل، حتى لو بادرت الى الجولة، ستتلقى ضربة مؤلمة. وهذا حتى قبل تدخل ايران أو اندلاع مواجهات في قطاعات أخرى. جولة أخرى لن تؤدي الى هزيمة حزب الله في جنوب لبنان، وحتى لو تم التوصل الى اتفاق ينسحب بموجبه حزب الله من جنوب لبنان، فهذا سيكون مؤقت. يمكن للحزب العودة الى جنوب لبنان متى يشاء.

في المقابل، هذه الجولة ستسبب لها ضرر كبير:

تدمير البنى التحتية وسقوط ضحايا بين المدنيين والمقاتلين.

صعوبة سيواجهها السكان العائدين الى بيوتهم على الحدود الشمالية، وقد يترك بعضهم مجددا.

تفاقم انقطاع إسرائيل عن العالم: حظر السلاح والمقاطعة الاقتصادية والثقافية والعلمية والأكاديمية.

فجوة في الميزانية لا يمكننا الخروج منها.

تفاقم العلاقات مع الدول العربية، التي يوجد بيننا وبينها سلام.

هذا ناهيك عن تآكل الجيش، الذي انهك حتى النخاع في السنتين الأخيرتين، وقدراته الآن اقل مما كانت عليه قبل الحرب. كل ذلك سيقود إسرائيل الى طريق مسدود ويقربها من الانهيار. وحتى لو تضررت البنى التحتية في لبنان وقتل المزيد من عناصر حزب الله، فان هذا التنظيم سيتمكن من التعايش مع هذا الوضع، بالضبط مثلما تتعايش حماس مع انقاض غزة. بالنسبة لنا كل جولة إضافية تضعف إسرائيل ولا تحقق أي هدف.

 

الطريقة الوحيدة للسيطرة على جنوب لبنان والقضاء على حزب الله وسلاحه في هذه المنطقة هي تعزيز الجيش البري قبل الجولة القادمة، هذا سيسمح باحتلال جنوب لبنان حتى نهر الليطاني، الامر الذي سيسمح للجيش الإسرائيلي بالبقاء لفترة طويلة على طول الليطاني، الذي سيكون بمثابة حاجز بين قواتنا وحزب الله، بدعم امريكي بالطبع، ومع استمرار هجمات سلاح الجو مثلما هي الحال الآن. هكذا سيدرك حزب الله أخيرا انه لا فائدة من محاولة السيطرة على جنوب لبنان مرة أخرى، وإسرائيل ستتمتع بمرونة اكبر لتخفيف قواتها هناك.

-----------------انتهت النشرة---------

disqus comments here