الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الجمعة 13/6/2025 العدد 1329

الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 13/6/2025
دولة سليمة لديها حكومة عقلانية، كانت ستبارك مبادرة مكرون
بقلم: كارولينا ليندسمان
يصعب ان يخطر بالبال شخص يهم الإسرائيليين اقل من محمود عباس. أيضا السلطة الفلسطينية تحصل هنا على تثاؤب جماعي. ليس فقط جهاز الحكم الفلسطيني يقوم بتنويمنا. فعليا، ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية، ولا نعرف ماذا يفعلون، يهمون الإسرائيليين مثل قشرة الثوم. سبب ذلك، وقد حان الوقت للاعتراف بذلك، هو ان الإسرائيليين يحترمون فقط القوة. اذا لم يكن إرهاب فان الامر لا يهمهم.
لذلك يجب عدم التفاجؤ من التجاهل الجماعي لتصريح قصر الاليزيه بان عباس ارسل رسالة الى الرئيس الفرنسي عمانوئيل ميكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ادان فيها هجوم 7 أكتوبر باعتباره “عمل مدان وغير مقبول”. ودعا حماس الى “اطلاق على الفور سراح المخطوفين والأشخاص المحبوسين”. وعرض “تعهدات ملموسة وغير مسبوقة”، التي حسب مكتب ميكرون “تدل على استعداد حقيقي للتقدم من اجل تطبيق حل الدولتين”.
استعداد حقيقي للتقدم نحو حل الدولتين، هو قال ذلك؟ هذه لحظة ممتازة كي نذهب للنوم، يقول الوعي الإسرائيلي. في مقطع نشر فيه أن عباس كتب في رسالته بانه “لا يوجد أي نية لتكون الدولة الفلسطينية المستقبلية عسكرية”، في حينه كنا نوجد عميقا في النوم. ايقظونا عندما تصبح لديكم سيارة تويوتا بيضاء وعصبة خضراء على الراس واستعداد حقيقي لتحطيمنا. من اجل اقل من 7 أكتوبر نحن لن ننهض من السرير.
عنف إسرائيل الزائد في الحرب في غزة هو الطرف الثاني لتجاهلها المطلق للسلطة الفلسطينية. يجب القول بان التجاهل الذي يمكن المستوطنين في المناطق وفي الحكومة من مواصلة مشروع النهب والسرقة والاستيطان والطرد بدون ان ينتبه احد لذلك – باستثناء عدد من الشواذ في “هآرتس” و”محادثة محلية” ومنظمتان أو ثلاث منظمات أخرى. هذا بالطبع لن يمنع الإسرائيليين من توجيه ضربة قوية لهم في المرة القادمة التي يحاول فيها الفلسطينيون تذكيرنا بوجودهم باللغة التي نفهمها وهي الإرهاب. عندها سنستيقظ من السبات ونعود الى النوم.
عندما يوجد من يحاول التحدث معنا بلغة مختلفة مثل ميكرون فان إسرائيل الرسمية ترد عليه مثل شخص يرد على تعليق. وزير الخارجية جدعون ساعر اهان في رده عباس وميكرون على حد سواء. فقد اتهم السلطة الفلسطينية بالتمسك بروح الإرهاب (بدون أي كلمة عن التنسيق الأمني مع إسرائيل الذي يستمر منذ ثلاثين سنة)، واستخف بامل وسذاجة ميكرون، وانهى أقواله بنكتة ممجوجة، “اذا كان ميكرون متهلف جدا للدولة الفلسطينية، فانه يجب عليه اقامتها في فرنسا الواسعة”. اذا كان هذا هو المستوى الذي يعبر فيه وزير الخارجية الإسرائيلي عن نفسه، فربما حان الوقت لتعزيز تعليم التوراة.
الدولة السليمة والتي لديها حكومة عقلانية وسياسة خارجية مسؤولة كانت ستبارك مبادرة ميكرون والسعودية. لانه في نهاية المطاف “يدنا دائما ممدودة للسلام”، أليس كذلك؟. في اعماقنا يجب أن نقول شكرا لأن هناك شخص جدي ما زال يعتبر إسرائيل شريكة في عملية بناءة. شخص، الذي بتصميم شبه ساذج، يريد الفصل بين إسرائيل وايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وكل ما يمثلونه. وكأنه ما زال يمكن اجراء عملية الفصل هذه. الامر المقلق اكثر هو ان العالم سيرفع يديه، ولن يكون هناك مثل ميكرون، والجميع سيدركون ان إسرائيل هي دولة تسعى الى الحرب، وتتغذى على القومية المتطرفة، وانه لا يوجد هنا أي احد يمكن التحدث معه. بعد بضع سنوات على نتنياهو وساعر وبن غفير وسموتريتش، حتى هذا الوهم سيختفي.
------------------------------------------
إسرائيل اليوم 13/6/2025
يا نتنياهو لم تعد سيد أمن ولا سيد اقتصاد، تركت إسرائيل في الدرك الأسفل
بقلم: يوسي بيلين
زعماء من العالم ممن التقوا ببنيامين نتنياهو بعد السبت الرهيب، اوضحوا له بانه لا يمكن لاي جهة دولية (سواء كانت عربية أم غيرها) تحل محل حماس في غزة وترممها، لن تفعل هذا اذا واصلت إسرائيل رفضها رسم افق سياسي للفلسطينيين ولا تبدأ بمفاوضات على تسوية دائمة مع م.ت.ف. اما رده فكان انه فقط حين يحل “الصباح التالي” ستبحث فيه الحكومة.
لعله لهذا السبب لم يجلب الى الكابنت فكرة التعاون مع عصابة الجريمة ياسر أبو شباب، التي هي أيضا ترى في حماس عدوا ومستعدة لان تتلقى منا سلاحا كي تقاتلها. اما إصراره – ربما بسبب وزراء اليمين المتطرف ام لانه غير رأيه بشكل مستقل – على الا يجري اتصالات مع م.ت.ف، جلبه الى شراكة مقززة مع مافيا جريمة غزية، مستعدة لان تكافح ضد حماس وتساعد في توزيع الغذاء لسكان القطاع. في البداية اعتقد أنه يمكنه أن يبقي هذه الشراكة في السر، لكن عندما انكشف الارتباط هذا الشهر، رد بجواب عميق ومقنع: “ما الضير؟”.
في اتفاقات كامب ديفيد في 1978، التي وقع عليها مناحيم بيغن، أنور السادات وجيمي كارتر تقرر ان “قوة شرطة قوية، تتشكل من سكان المناطق، تقام تحت اشراف ومساعدة من دول مجاورة”. وعندما أقيمت هذه القوة في اتفاق أوسلو الذي نفذ اتفاق كامب ديفيد، كان واضحا بان خروج إسرائيل من جزء من المنطقة سيستوجب إقامة تلك “قوة الشرطة القوية” لضمان النظام العام، في اعقاب خروج الجيش الإسرائيلي، ولهذا سمحت إسرائيل بإدخال السلاح الخفيف الى الضفة الغربية والى غزة، باستخدام رجال الامن الفلسطينيين. التعاون الوثيقة بين محافل الامن الفلسطينية والإسرائيلية بقي الى اليوم، حتى عندما كانت العلاقات السياسية بين الطرفين في الدرك الأسفل ووفر غير قليل من حياة الانسان، ليس بدون احتكاكات كهذه وغيرها.
السلطة الفلسطينية مستعدة لان تبعث الى القطاع بقوات الامن من طرفها الذين دربهم الجيش الأمريكي. اما نتنياهو ففضل حماس على السلطة الفلسطينية حتى 7 أكتوبر، والان يفضل عصبة من نحو 100 مجرم على شرطة السلطة الفلسطينية المعترف بها والشرعية في نظر العالم، مع كل ضعفها. هو ملزم بان “يعطيهم بنادق” لان أحدا لا يتوقع منهم أن يقفوا امام حماس باياد مكشوفة، لكن الذهاب الى النوم مع الكلاب سيجعلنا جميعا ننهض مع البراغيش.
يا نتنياهو – أملت ان تتمكن من ترك أثرك على هذه الحرب، لكنها كانت الافظع بينها كلها. 7 أكتوبر سيلاحقك كخطأك الأصعب. ليس لانك استيقظت متأخرا بل لانك اتخذت سياسة عملية وعلنية لتقوية حماس واضعاف السلطة الفلسطينية. سيد أمن لن تكون.
إسرائيل أصبحت دولة منبوذة، وانت أصبحت زعيما ملاحقا. التبجحات في أن كل أبواب زعماء العالم مفتوحة امامك أصبحت نكتة بائسة. حتى ترامب يستخف بك. اتفاقات إبراهيم تهتز امام ناظرك. الإنجاز الأهم اصبح فشلا. سفيرا مصر والأردن لم يعودا يتواجدان هنا من زمن بعيد. الاخرون يبقون تواجدهم في الظل. اقتصاد إسرائيل يقف امام انخفاض متواصل وثابت في التصنيف الائتمان. التضخم المالي يندفع الى الامام، النمو يتقلص، الاستثمارات تهرب. “سيد اقتصاد” لن تكون. إسرائيليون كثيرون يغادرون. في قبرص وفي اليونان تسمع العبرية في كل زاوية. المستشفيات في البلاد تواقة للطواقم الطبية. هذا هو الفشل الصهيوني من الدرجة العليا. انت تجد نفسك تلاحق يريف لفين الى مطارح لم تتصور الوصول اليها عندما تباهيت بحماية جهاز القضاء. انت تربط نفسك بحبال الحب مع بن غفير، بعد وعدك الغشيش بانه لن يخدم في أي حكومة لك.
رغم كل هذه الأمور، لا يزال في يدك ان تترك إرثا. سافر الى رام الله، اتفق مع أبو مازن على مباديء التسوية السياسية (الاطار بات معروفا لكما) – واترك الوثيقة لخليفتك كي يواصل من هناك.
------------------------------------------
معاريف 13/6/2025
الجيش الإسرائيلي يغرق في الرمال ولا نرى النهاية
بقلم: ألون بن دافيد
حرب 7 أكتوبر أصبحت في الأسبوع الماضي الاطوال في تاريخنا، أطول من حرب الاستقلال. في الشهر الـ 21 من الحرب، التي لا ترى نهايتها في الأفق، الجيش الإسرائيلي يغرق اعمق في رمال غزة، ومكانة إسرائيل الدولية تغوص في هوات لم نشهدها من قبل، كما يشعر على جلدته كل إسرائيلي يتجول في العالم.
يتباهى رئيس الوزراء بان هذه هي الحرب “مع اكبر إنجازات في تاريخ إسرائيل”. وبالفعل تحققت في الحرب إنجازات عسكرية مبهرة، لكن عصبة الصغار الذين يشغلون المقاعد حول طاولة الحكومة ويديرون الظل الخفي لمن كان ذات مرة يبدو كزعيم، يصرون على تآكل إنجازات الجيش ودفنها في رمال القطاع.
“غيرنا وجه الشرق الأوسط”، يتباهى رئيس الوزراء من على كل منصة، وهذا صحيح: الجيش الإسرائيلي شق لإسرائيل الطريق لان تصبح قوة عظمى إقليمية. لكن بدلا من أن نصبح قوة عظمى في الشرق الأوسط الجديد الناشيء – الجهادي من دمشق أبو محمد الجولاني اصبح شخصية مرغوب فيها، وموضع غزل اكثر من رئيس وزراء إسرائيل.
مثل كثير من أفلام التواصل، فان الموسم الثاني من حرب غزة يلوح هو الاخر كجهد لطلي نجاح الموسم الأول على وجه موسم آخر، مشكوك أن ينجح مثل الأول. معظم القيادة العسكرية تفهم هذا وتحقق بانعدام حماسة ظاهرة المهمة العبثية التي كلفت بها في غزة، لكن المأساة هي أن الاف الإسرائيليين الصالحين مطالبون بان ينفذوا باجسادهم المهمة، انطلاقا من ايمان كامل بانهم يعملون بذلك على إعادة المخطوفين أو على “النصر المطلق” الذي لن يأتي. بعضهم يدفعون على ذلك بحياتهم.
في ختام زيارة الى القطاع هذا الأسبوع سألني احد القادة العسكريين الأفضل الذين يوجدون لنا: “هل يمكنك أن تشرح لي لماذا كان الرد الجماهيري على المصابين الذين وقعوا الأسبوع الماضي كان قاسيا جدا بهذا القدر؟”. في جملة واحدة رسم الفجوة التي فتحت ثغرها بين قادة عسكريين ومقاتلين رائعين، يتكرسون كلهم للقتال منذ 21 شهرا وبين المجتمع الإسرائيلي، الذي لم تعد أجزاء واسعة منه تفهم ما هي الغاية وهل توجد منفعة.
الجيش الإسرائيلي يتقدم، وان كان ببطء وبحذر، في تحقيق الخطة لاعادة السيطرة على 75 في المئة من أراضي القطاع والبقاء فيها. بعد بضعة أسابيع سيحشر كل سكان القطاع في ثلاث مناطق: المنطقة الإنسانية (المواصي)، معسكرات الوسط ومركز مدينة غزة، والتي حتى الان لم يتقرر اذا كان الجيش الإسرائيلي سيسيطر عليها أيضا.
أساس القوة الذي تبقى لحماس يتركز هو الاخر اليوم في هذه المناطق. حماس تعتمد اليوم على الكثير من المجندين الجدد وعديمي الخبرة. وهي لا تحاول حقا تأخير تقدم الجيش الإسرائيلي بل ملاحقة قواتنا، الحفاظ على ما تبقى من قوتها ومحاولة ابداء حوكمة في هذه الجزر الثلاثة.
ما تبقى من قيادة حماس، بعد تصفية محمد السنوار هو أساسا عز الدين الحداد. مستويات القيادة الوسطى تتضرر بشكل مستمر وغير قادرة على إدارة معركة منظمة ضد الجيش الإسرائيلي، بل في اقصى الأحوال اطلاق هجمات عفوية. حماس لم تعد تؤدي مهامها كمنظمة عسكرية بل كفلول منظمة حرب عصابات.
الأقوياء في رأس الطابور
ما يقلق حماس اساسا هو نجاح مراكز توزيع المساعدات التي اقامتها اسرائيل مع الشركة الامريكية ((GHF. من يوم الى يوم تتثبت هذه المراكز وتزيد عدد الحصص الموزعة. الكثيرون في العالم صدموا من صور انقضاض الجماهير على مراكز التوزيع. من توقع أن يرى توزيعا مرتبا وحضاريا للغذاء، على النمط أوروبا الكلاسيكية، يبدو أنه لا يعرف غزة. صور كهذه يمكن أن نراها في غزة حتى عندما لا تكون حرب، بما في ذلك عندما تنقلب شاحنة وتتناثر محتوياتها كغنيمة للسلب والنهب.
مشوق أن نرى ان الأقوى من بين الغزيين، أولئك الذين نجحوا في أن يحتلوا مكانا في رأس الطابور للتوزيع، يأخذون حصص المساعدات ويخرجون منها كل ما يمكن بيعه: الدقيق، الأرز، الزيت والسكر. اما علب المحفوظات من الذرة والمخللات يبقونها في الخلف. فيأتي الأضعف ليلمها.
بالتوازي تحول إسرائيل المساعدات للعصابات التي توزعها وتقيم لنفسها أراض إقليمية نقية من حماس. فضلا عن الصاخب من بينهم، ياسر أبو شباب، يوجد عدد آخر غير قليل من المتسيدين المحليين الذين تعمل معهم إسرائيل. هم مجرمون في معظمهم، بعضهم حتى ارهابيون في ماضيهم، وفي اليوم الذي يتفكك فيه هذا الترتيب – لن يكون لهم أي تردد في توجيه السلاح الذي زودناهم به ضدنا. ولئن فكرنا ذات مرة بنفي الغزيين الى صومالي لاند فاننا نجلب الان الصومال الى ساحتنا الخلفية.
ان تحويل المساعدات الإنسانية الى اياد أخرى تقلق حماس جدا. أساس جهودها اليوم يتجه اليوم لإحباط هذه الإجراءات، لكن لا توجد لهم أي فكرة مرتبة. ماذا سيحصل عندما نسيطر على 75 في المئة من أراضي القطاع. ماذا سيتغير عند تسيطر عصابات مجرمين على أجزاء واسعة من غزة. التوقف في أن تؤدي هذه الإجراءات بحماس الى صفقة مخطوفين منطقية او أن يثور الغزيون ضد حماس، يقوم أساسا على الاماني وبقدر اقل على خطة مرتبة. عندما ترفض الحكومة النظر حتى في ادخال الجهة الشرعية الوحيدة التي يمكنها أن تأخذ على عاتقها إدارة غزة – السلطة الفلسطينية، حين لا تكون أي خطة لنقل غزة الى اياد أخرى – معقول اكثر ان نجد نفسنا نجتذي الى سنوات من القاء في القطاع. هذا يتطلب ارتهان القسم المنتج في المجتمع الإسرائيلي، للسيطرة في غزة لسنوات الى الامام. مشكوك أن يوافق عشرات الالاف من رجال الاحتياط ممن ضحوا الكثير جدا في السنتين الأخيرتين أن يقوموا بذلك على مدى سنين وبانعدام المنفعة.
بشرى انهاء الحرب التي لا تنتهي هذه، مثلما هي أيضا المسألة الاستراتيجية التي تقف أمامها إسرائيل لن تأتي من القدس بل من واشنطن. المحزن هو انه بين رئيس وزرائنا، الذي يفقد كل يوم أهليته امام ناظرينا، وبين الرئيس المتقلب والمزاجي للولايات المتحدة من الأفضل ان تأتي البشرى من هناك.
------------------------------------------
هآرتس 13/6/2025
رفح تمت تسويتها بالأرض ومحيت، لم تعد توجد مدينة كهذه، وهي ليست الوحيدة
بقلم: نير حسون
في جباليا لم يعد هناك بيت أو شجرة أو انسان واحد”، كتب في كانون الأول طبيب من شمال غزة اسمه عز الدين. “لقد تحولت الى منطقة قفراء كبيرة، سكانها تم تهجيرهم بالقوة وبيوتها محيت والحيوانات قتلت. هذه الصورة ستكون الدليل على احدى الفترات الأكثر ظلمة وصعوبة”.
تدمير مخيم اللاجئين جباليا كان رمز، لكن الآن لم يعد الحديث يدور عن حالة خاصة: في العشرين شهر التي مرت منذ 7 أكتوبر دمر الجيش الإسرائيلي أيضا بيت لاهيا وبيت حانون وشرق مدينة غزة وضواحي خانيونس، وفي هذه الاثناء هو يستكمل محو رفح.
في تشرين الأول 2023 مر قمر صناعي فوق سماء رفح وصورها. في الصورة تظهر مدينة كبيرة، فسيفساء من المباني المكتظة، الواح طاقة شمسية، مآذن مساجد، شوارع وميادين، مناطق زراعية وحقول. في بداية الشهر مرة أخرى مر قمر صناعي فوق المدينة، أو للدقة، فوق ما كان ذات يوم مدينة. تقريبا لم يبق أي شيء. في الصورة المحدثة يظهر مسطح ثنائي الابعاد رمادي، مغطى بانقاض البناء، الأغلبية الساحقة من المباني دمرت وسويت بالأرض. الشوارع تمت حراثتها، الدفيئات الكثيرة والحقول اختفت وكأنها لم تكن.
وزير التراث عميحاي الياهو لم يستبعد في بداية الحرب استخدام قنبلة نووية. فعليا، نسبة المباني التي دمرت في رفح وجباليا اعلى مما في هيروشيما وناغازاكي. بشكل عام الدمار في رفح يبرز أيضا مقارنة مع حالات متطرفة اكثر في التاريخ الحديث. فالدمار واسع وممنهج اكثر من الدمار الذي كان في حلب والموصل وسراييفو وكابول. الدمار يذكر بالدمار الكبير في مدينة بحمط في أوكرانيا، لكن عدد سكانها كان تقريبا ربع سكان رفح.
275 ألف شخص كانوا يعيشون في مدينة رفح الكبرى عشية الحرب، وهو عدد يساوي عدد سكان حيفا. في مخيم جباليا كان يعيش 56 الف شخص، مثل عدد سكان يفنه. في بيت لاهيا كان يعيش 108 آلاف شخص مثلما في هرتسليا، وبيت حانون كانت تشكل بيت لـ 62 ألف شخص مثلما هي الحال في جفعتايم، وفي عبسان الكبرى، احد احياء خانيونس، التي كانت ولم تعد موجودة، كان يعيش 30 ألف شخص تقريبا مثلما في عراد. وفي حي قريب، بني سهيلة، كان يعيش 46 الف شخص مثلما في كرمئيل. كل هذه محيت.
هذه فقط البلدات التي دمرت بالكامل أو في معظمها، الجيش الإسرائيلي دمر وسوى بالأرض احياء كاملة في المدن الكبيرة، غزة وخانيونس. هكذا مثلا الشجاعية، الحي الشرقي الأكبر في غزة والذي تم محوه تماما. بالاجمال تم تدمير أو تضررت ثلثي المباني في القطاع، 147 ألف مبنى من بين تقريبا ربع مليون مبنى.
تقريبا 90 الف مبنى، أي اكثر من ثلث مباني القطاع، تم تدميرها او تعرضت لتدمير شديد. إضافة الى 52 الف مبنى تعرضت لاضرار متوسطة، هكذا نحن نتحدث عن اكثر من 50 في المئة من المباني. حسب الأمم المتحدة فان هناك إشارات على وجود اضرار لـ 33 الف مبنى آخر. ولكن يصعب تقدير مستوى الضرر فيها. هذه البيانات التي تجمع من قبل مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة صحيحة حتى شهر نيسان. الرقم الإجمالي للمباني التي تضررت حسب إحصاءات الأمم المتحدة تشبه التقديرات التي تظهر في تحليلات كوري شاعر وجايمون فان بانهوك، الباحثان في جامعة اورغون التي تتابع باستمرار الدمار في القطاع.
الى جانب المباني السكنية، الجيش الإسرائيلي دمر مستشفيات ومنشآت للبنى التحتية ومصانع ومساجد وكنائس وأسواق ومراكز تجارية. خلال الحرب زرع الجيش الدمار في 2300 مؤسسة تعليمية، والآن 501 مدرسة من بين 564 مدرسة في القطاع هي في حالة تقتضي إعادة بناءها من جديد أو ترميمها. 81 في المئة من الشوارع دمرت أو تضررت. جزء كبير من شبكة الكهرباء دمر، وكذلك أيضا انابيب المياه والمجاري، والمنشآت الزراعية والحظائر ومزارع الدجاج ومرافيء الصيد. حسب وكالة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة فان عدد مزارع الدجاج التي تنتج البيض في القطاع انخفض 99 في المئة، وعدد الابقار انخفض 94 في المئة، وكمية الأسماك التي يتم اصطيادها انخفضت 93 في المئة.
ليس اقل من 50 مليون طن من انقاض المباني موزعة الآن في القطاع، والأمم المتحدة تقدر ان عملية اخلاءها ستستمر لعقدين. الدمار كبير جدا وممنهج، والذي يصعب تخيل عودة حياة طبيعية في المستقبل المنظور.
في هذه الاثناء اكثر من مليون مواطن يتجمعون في مدينة الخيام الضخمة التي أقيمت في المواصي، على طول الشاطيء وغرب مدينة غزة. مؤخرا سجل سرب آخر من اللاجئين الذاهبين الى المنطقة المكتظة أصلا، الى درجة ان الخيام توضع على ارصفة قوارب الصيد ومكبات النفايات وبين الأنقاض. هم يعيشون بدون مجاري ومياه وكهرباء ويغرقون في البعوض ويفتقرون الى القدرة على طهي المساعدات القليلة التي تقدم لهم، والجوع واضح في كل زاوية.
خيال الدمار يوجد في كل شيء. في العشرين شهر من الحرب سجلت في عشرات آلاف المرات في الشبكة نداءات لإسرائيليين يطالبون بتسوية غزة وتدميرها أو تخريبها. وقد كرر الوزراء وأعضاء الحكومة وأعضاء الكنيست والصحافيين المؤثرين دعوتهم مرارا وتكرارا للتدمير. وقد ساد مؤخرا تعبير جديد في أوساط اليمين وهو “زربيب غزة” (هدم غزة ) نسبة للحاخام ابراهام زربيب، القاضي في المحاكم الدينية في تل ابيب واريئيل، وهو جندي احتياط في وحدة الهندسة في لواء جفعاتي. زربيب تفاخر عدة مرات في مقابلات في القناة 14 بالدمار الذي يتسبب به هو واصدقاءه بواسطة جرافات “دي 9”. “نحن بدأنا بهدم المباني التي تتكون من 5، 6، 7 طوابق. هذه الطريقة تطورت وهي تنجح”، قال.
يمكن تقسيم الدمار الذي يسببه الجيش الإسرائيلي في القطاع الى خمس موجات تدمير. الموجة الأولى نفذها سلاح الجو في وقت قريب بعد 7 أكتوبر. في الأسبوع الأول للحرب قام الجيش الإسرائيلي بالقاء 6 آلاف قنبلة على غزة، حملة جعلت هجوم الجيش الأمريكي على داعش تبهت. الدمار رافقته دعوات تشجيع لاشخاص هامين في الجمهور الإسرائيلي: “انا لا انام بشكل جيد بدون رؤية بيوت تنهار في غزة”، قال في كانون الأول 2023 مذيع في القناة 14، شمعون ريكلين. “ماذا افعل، المزيد والمزيد من البيوت، المزيد من الأبراج، حتى لا يكون لديهم مكان ليرجعوا اليه”.
الموجة الثانية انطلقت في بداية 2024 في الوقت الذي اخرج فيه الجيش الى حيز التنفيذ عملية إقامة منطقة عازلة عرضها كيلومتر حول كل القطاع. الاف المباني دمرت في حينه، في موازاة التمترس في ممر نتساريم، الذي توسع بالتدريج (المناطق التي دمرت حوله تشكل 10 في المئة من مساحة القطاع تقريبا). في هذه المرحلة جرافات ومواد متفجرة حلت محل سلاح الجو كادوات أساسية للتدمير.
الامر المفاجيء حقا هو السرعة التي اصبح فيها كل ذلك طبيعي ومنطقي”، كتب جندي الاحتياط يوفال كيتف عن الخدمة في ممر نتساريم. “بعد بضع ساعات تجد نفسك تحاول بالقوة التاثر من ابعاد الدمار، وتقول لنفسك جمل مثل: أي شيء هستيري هذا. ولكن الحقيقة هي انهم يتعودون على ذلك بسرعة كبيرة. هذا الامر اصبح مبتذل”.
الموجة الثالثة في تدمير القطاع انطلقت في الهجوم على رفح قبل سنة تقريبا. في حينه بدأ الجيش الإسرائيلي في التمترس وتوسيع محور فيلادلفيا على طول الحدود بين القطاع ومصر. في هذه المرحلة طور الجيش أسلوب دمار جديد وناجع – حاملات جنود مصفحة انتحارية. وهي حاملات جنود مصفحة قديمة من نوع زلدا تم وضع كميات كبيرة من المواد المتفجرة فيها وتمت قيادتها بواسطة منظومة تحكم من بعيد باتجاه مبان استهدف تدميرها. بهذه الطريقة تم تدمير مئات المباني في القطاع، حيث أصوات الانفجارات سمعت من تل ابيب.
الموجة الرابعة، قبل نهاية السنة الماضية، كانت الدمار الذي تسبب به الجيش الإسرائيلي لمدن شمال القطاع، بيت لاهيا، بيت حانون ومخيم جباليا للاجئين. في نهاية كانون الأول انتهى هذا الفصل حيث مدير مستشفى كمال عدوان في شمال القطاع، الدكتور حسام أبو صفية، قام بتسليم نفسه لقوات الجيش الإسرائيلي. التوثيق الذي ظهر فيه وهو يتقدم من الجنود وحوله توجد جهنم، خلف اثر عميق في ارجاء العالم، وأوضح بان الجيش الإسرائيلي يخلف وراءه انقاض.
في كانون الثاني الماضي، عند الإعلان عن وقف اطلاق النار، توقفت آلة التدمير. في نفس الوقت ولدت في غزة موضة تك تك جارفة، مئات آلاف المواطنين عادوا الى بيوتهم، وكثيرون صوروا انفسهم وهم يقومون باخلاء الأنقاض ويرتبون لانفسهم فراغ سكني صغير بين اكوام الدمار، التي كانت ذات يوم بيتهم. هذا كان تعبير عن التصميم من جهة، والتطلع الى القليل من العقلانية من جهة أخرى. ولكن هذا لم يستمر لفترة طويلة. ففي 18 آذار خرقت إسرائيل وقف اطلاق النار عندما هاجمت في الليل وازهقت حياة 300 امرأة وطفل، وبعد مرور شهرين تقريبا انطلق الجيش الإسرائيلي في عملية “عربات جدعون”. تحت قيادة رئيس الأركان الجديد ايال زمير فان زرع الدمار اصبح نهج حقيقي. في هذه المرحلة المستمرة حتى الآن يستخدمون مقاولين خاصين ويدفعون لهم حسب عدد المباني التي يقومون بتسويتها.
نحن سنعمل في مناطق أخرى وسندمر البنى التحتية”، اعلن زمير قبل العملية. “فوق وتحت الأرض”. الصحافي عميت سيغل اعلن بأنه “للمرة الأولى الحديث يدور عن تدمير كل البنى التحتية فوق الأرض”. قبل نصف سنة كتب سيغل في اعقاب زيارة في جباليا بأن “الصور لا تصف ابعاد الدمار. في شمال القطاع بقي بالأساس قطع اسمنتية ورمال واكوام قمامة كبيرة واسراب من الكلاب الجائعة”.
كلما مر الوقت وصورة الدمار الشديد اتضحت، بدا وكأنه يوجد لرئيس الحكومة بالتحديد خطة لليوم التالي – طرد جماعي لسكان القطاع. نتنياهو يتحدث عن ذلك علنا: سندفع الغزيين نحو الجنوب، وسنجد دول توافق على استيعابهم، وفي النهاية معظمهم سيوافقون على الهجرة الطوعية. “نحن ندمر المزيد من البيوت”، قال رئيس الحكومة في لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست في تقرير في “معاريف”. “لن يكون لهم مكان يعودون اليه”.
الإشارة أعطيت في 4 شباط عندما تحدث الرئيس الأمريكي ترامب امام العدسات عن محو مدن القطاع: “نحن سنسيطر على غزة وسنسويها بالأرض. سنزيل القنابل والبيوت المدمرة. هذه فكرة رائعة”. منذ تلك اللحظة تحول الخيال الى خطة عمل. هكذا وصفها وزير المالية وعضو مجلس الوزراء بتسلئيل سموتريتش: “لا مزيد من الاقتحامات. نحن سنحتل وسنبقى، حتى ندمر حماس. في الطريق سندمر ما بقي من القطاع. الجيش الإسرائيلي سينقل السكان من مناطق القتال ولن يوفر أي جهد في ذلك. السكان سيصلون الى جنوب القطاع ومن هناك، باذن الله، الى دول أخرى. هذا تغيير تاريخي، ليس اقل من ذلك. هذا هو الأساس”.
في أوساط كثيرة الان يرون فيما يحدث في غزة إشارة الى انهيار النظام الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية. القانونية ليمور يهودا تعتقد أنه ما زال الوقت مبكر لليأس من المنظومة الدولية: “نحن بلا شك في وضع فيه النظام يتقوض، وهناك احتقار لكل معايير القضاء الدولي والعالم لا يفعل أي شيء. من جهة أخرى يجب تذكر انه أيضا في البوسنة هذا الامر استغرق ثلاث سنوات ونصف، وفي النهاية هذه الحرب الملعونة ستنتهي، والاوهام العبثية ستتحطم، وسنصل الى نفس نقطة البداية. بين النهر والبحر يوجد شعبان، ولا احد منهما سيختفي، والاختيار هو العيش معا أو الموت معا. في هذه الاثناء كل شخص يجب ان يسال نفسه كيف سيتوقف عن المشاركة في آلة التدمير”.
-------------------------------------------
يديعوت احرونوت 13/6/2025
في منتدى أوسلو لاحظت أن العرب غيروا رؤيتهم لكل من ايران وإسرائيل
بقلم: ناحوم برنياع
أوسلو، النرويج. “منتدى أوسلو” هو مؤتمر سنوي لمندوبي دول، منظمات دولية، محللين وخبراء، يبحثون في السبل لتسوية الحروب بطرق سلمية. وهم يتقاسمون الواحد مع الاخر كميات مبهرة من النية الطيبة، التجربة والتفاؤل. الزعماء يفترض بهم أن يتخذوا قرارات عقلانية ويفترض بالدول أن تساوم وبالنزاعات أن تنتهي. ما يقال في هذا المؤتمر ليس معداً للنشر. الامل هو ان يخفف المتحدثون من حدة المواقف اذا كانوا يعرفون بان اقوالهم لن تنشر على الملأ. لكن هذا ليس صحيحا دوما.
الدرس الأول الذي تعلمته هو ان شيئا ما أساسيا تغير في فكر بعض الدول العربية مثل مصر، العراق، الأردن وربما أيضا الامارات والبحرين. انا لا اتحدث عن المشاعر – بل أتحدث عن الاستراتيجية. في الماضي يرأت هذه الدول في ايران تهديدا وجوديا وفي إسرائيل نوعا من الكابح في وجه التطلعات الإيرانية، بل وربما حتى الجهة التي تستلقي من أجلهم على الجدار. اما اليوم فهم يرون في ايران جهة ضعفت – ضعفت أساسا بفضل الإنجازات العسكرية لإسرائيل في الحرب – وفي إسرائيل تهديدا على استقرارهم. إسرائيل تحولت من حل الى مشكلة.
التقارير عن الاستعدادات في إسرائيل لهجوم في ايران صبت مضمونا في هذا التخوف. فما الذي يسعى نتنياهو لان يحققه بالضبط، يسألون، هل ترامب يستغل نتنياهو كي يخفف من حدة موقف ايران، يسمح له بان يهدد لكن لا يسمح له بان يعمل، ام ان نتنياهو يستغل ترامب، يتعاون معه بهدف جره الى حرب مع ايران لا يريدها. فمن يلعب بمن.
الى المؤتمر وصل وزراء خارجية ايران، مصر، السعودية، عُمان وسوريا. اللقاء المشوق كان بين عباس عرقجي، وزير الخارجية الإيراني، واسعد الشيباني، وزير خارجية النظام السوري الجديد. ظاهرا، مندوبان لحكومتين خصمتين في الروح. هذا لم يمنعهما من أن يجلسا على طاولة صغيرة ويجريا حديثا طويلا فيما أن دائرة صامتة من الفضوليين تحيط بهما.
هبط الاثنان في أوسلو في اطار حملة تسويقية يسعى كل منهما، على طريقته، بان يمنح حكومته شرعية في أوروبا. حملة “شوفوني يا ناس”، أنا الطف بكثير مما اعتقدتم. وهكذا أيضا حكومتي: حكومة متطرفة ما كانت لتعين شابا لطيفا مثلي ليمثلها.
اما الإيراني فقد كان محوطا بحاشية من الرجال الذين كانوا يرتدون كلهم مثله: بدلة انيقة سوداء وقميص ابيض ناصع البياض بقبة عالية بلا ربطة عنق. وبدوا معا كفريق رياضي سافر الى مباراة في الخارج. فوجئت بان أرى كم هي حزينة، تكاد لا ترى، الحراسة حوله. فقد بدا كمن يمكن الوصول اليه دون ان يكون كذلك.
عندما استعد السوري لمحاضرته توجهت اليه، صافحته وعرضت نفسي، باسم الدولة وباسم الصحيفة. اقترحت عليه أن اجري لقاء معه او على الأقل ان تكون هذه محادثة خلفية. لم يسحب يده من يدي: لطيف؛ لم يرد: اقل لطفا. تبادلنا بضع ثوان من الصمت قبل أن يتوجه اليه احد ما وينقذه من لحظة حرج.
جاء الشيباني كي يقول للناس ما يتوقعون سماعه. دون الدخول الى مضمون أقواله، لم تكن فيها نقطة واحدة موضع خلاف. كل سؤال طرح عليه، في مواضيع داخلية سورية دامية ومع مواضيع خارجية، وكذا في مواضيع تتعلق بإسرائيل، اجيب بجواب معلل، اديب، أساسه: توجد مشاكل ينبغي حلها؛ لا توجد حروب. فمن كان يصلي او يتصور بان تسمع هذه الرؤيا الواعية، الحيادية جدا، الموضوعية، الاسكندنافية بالذات على لسان من كان بالأمس فقط جهاديا.
احد الخبراء في الشؤون السورية ممن شاركوا في المؤتمر شخص يعرف النظام السوري الجديد عن كثب، ادعى بعد ذلك بان هذه صورة النظام الحقيقية: الجولاني، الرئيس، مثله مثل الشيباني. الجهاد كان بالنسبة لهم وسيلة وليس هدفا. الهدف كان الاستيلاء على الحكم في دمشق. والان حين يكون يترتب عليهم ان يديروا دولة مفككة، منقسمة، بلا مقدرات، فانهم يبقون التزمت الديني من خلفهم. فهم يريدون أن يرضوا الجميع، دون استثناء، بما في ذلك نحن.
ثمة شيء مقلق في الخفة، التحبب، الحماسة التي يستقبل فيها في أوروبا ممثلو أنظمة ظلامية. يوجد احترمه؛ لا يوجد اشتبه به. خطاياهم تغتفر، باثر رجعي ومسبقا: والنادي يعفيهم من فترة اختبار. من فقد عضويته في النادي؟ روسيا وإسرائيل.
لم يكن مندوب إسرائيلي رسمي في المؤتمر. حكومتا إسرائيل والنرويج، اللتان كانتا ذات مرة، منذ قبل أوسلو صديقتين قريبتين، شريكتي سر، تتنكر الواحدة للاخرى: النرويج اعترفت بدولة فلسطينية؛ إسرائيل بعثت الى الديار بالدبلوماسيين النرويج الذين عملوا مع السلطة الفلسطينية من القدس. بمفهوم ما، النرويج هي من تبقى من مسيرة أوسلو: المكان المركزي الذي نسب لها في طبخة الاتفاق إياه جعلها حاملة علم رؤيا الدولتين، العمة الطيبة والسخية للسلطة.
الفلسطينيون جاءوا الى المؤتمر ليصرخوا صرختهم. وقد سمعت. لكن أعضاء الوفد الإيراني الذين كل خطابهم هو فلسطين، لم يتكبدوا عناء الدخول في النقاش. بالنسبة لهم فلسطين هي رافعة، حجة، قصة تغطية، ليس اكثر.
من الذي أبدى اهتماما حقيقيا؟ اليمنيون. خمسة يمنيين جاءوا الى المؤتمر، كلهم يرتبطون بالنظام في جنوب اليمن وليس بالحوثيين. احدهم شرح لي بان المشكلة الفلسطينية ترافق اليمنيين من الصبا. هي جزء من التعليم الديني الذي تلقوه. فان تكون مسلما صالحا هو أن تقدس فلسطين. لا غرو، قال، في أن الحوثيين في ذروة قوتهم. كل أعداء إسرائيل، حماس، حزب الله، ايران حاولوا ضرب مطار بن غوريون، وفقط الحوثيون نجحوا. هم سيضربون سياحة الصيف لإسرائيل.
------------------------------------------
هآرتس 13/6/2025
هل تنسى إيران جهدها الذي بذلته في مشروعها النووي لسنوات عديدة؟
بقلم: أسرة التحرير
بلغت وسائل إعلام في الولايات المتحدة أمس بأن الجيش الإسرائيلي أنهى استعدادات لهجوم في إيران، وبالمقابل بدأت هذه المناورات العسكرية تهدد برد مدمر إذا ما أصيبت بضر. وها هي التهديدات بين القدس وطهران بدأت تتعاظم في الوقت الذي تصل فيه المحادثات بين الولايات المتحدة والإيرانيين على اتفاق نووي جديد إلى مرحلة حرجة. الأحد القريب القادم، سيلتقي فريقا المفاوضات في عُمان، مبعوث ترامب ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في محاولة للتغلب على مسألة الخلاف الجوهري – المطلب الإيراني لمواصلة تخصيب اليورانيوم في المستقبل أيضاً.
تبدو مؤشرات التصعيد واضحة من كل صوب. فقد بلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمس، بأن لأول مرة بعد عشرين سنة لا تفي إيران بتعهداتها وفقاً لاتفاقات الرقابة على برنامجها النووي – بعد أن سرعت تخصيب اليورانيوم إلى مستوى يقربها من السلاح النووي. وأخلت الولايات المتحدة طواقمها من سفاراتها في الدول المجاورة لإيران، وألغى قائد المنطقة الوسطى الأمريكية ظهوراً مخططاً له في الكونغرس وبقي في المنطقة خشية التصعيد. ورغم شحذ السيوف، يرسل نتنياهو مبعوثيه إلى المحادثات مع ويتكوف، في محاولة لتنسيق المواقف والتأثير على موقف واشنطن في المفاوضات.
في هذه الساعة المصيرية، من الأفضل لكل الأطراف التوصل لاتفاق يدخل البرنامج النووي الإيراني إلى مسار ملجوم برقابة دولية، وليس إلى تصعيد عسكري يشعل ناراً إضافية في المنطقة تشتعل إلى حجوم هائلة ولا تغير من الأساس نوايا العدو. فإيران لن تنسى المعرفة النووية التي جمعتها في عشرات سنين من التطوير إذا ما تعرضت هذه المنشأة أو تلك إلى الهجوم. وإسرائيل لن تضمن بأن العملية العسكرية – مهما كانت جريئة وذكية – ستمنع إيران من المواصلة في مسار النووي، لكنها ستضع الجبهة الداخلية الإسرائيلية في خطر الإصابة الشديدة.
إن الحرب المتواصلة منذ عشرين شهراً في قطاع غزة تدل مرة أخرى كم هو صعب إنهاء الحروب أو تحقيق “نصر مطلق” كما يعد نتنياهو. فالضغط العسكري وحده لن يحقق الأمن أو “الحسم”، ولا حتى إعادة الـ 53 مخطوفاً إسرائيلياً ممن لا يزالون في أسر حماس، ومنهم ما لا يقل عن عشرين مخطوفاً أحياء. في غزة، مثلما في إيران، ليس سوى اتفاق يضمن لإسرائيل العيش بسلام وأمن، وإعادة بناء الدولة من أضرار الحرب. ولا ننسى الصلة بين الساحات: كلما تواصلت حرب غزة وتجويع سكانها، سيصعب على إسرائيل تقريب الائتلاف الغربي والعربي الذي يساعد في الدفاع في وجه إيران. الاستنتاج واضح: على إسرائيل أن تشجع الولايات المتحدة في طريقها إلى اتفاق جديد ومحسن مع إيران، ولا تفتح جبهة أخرى أخطر من أي وقت مضى.
-----------------انتهت النشرة-----------------