الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاحد 7/12/2025 العدد 1479

الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

يديعوت احرونوت 7/12/2025

 

 

بعد شهرين من انتهاء الحرب اتضح انه لا يوجد شيء “نصر مطلق”

 

 

بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين

 

بخلاف المفهوم الذي ساد حتى قبل شهرين وبموجبه حماس ستبقي في أيديها دوما مخطوفين كـ “أوراق”، فان المنظمة استكملت معظم التزاماتها للمرحلة الأولى من اتفاق انهاء القتال وليست مطالبة الان الا بإعادة المخطوف المتوفى الأخير، ران غوئيلي. حماس، التي فاجأت مرة أخرى وجسدت بذلك انعدام الفهم الإسرائيلي المتواصل وغير المدروس بالنسبة للمنظمة لم تعمل من ضغط او يأس بل على الأرجح في اعقاب ضمانة تلقتها من واشنطن حول انهاء الحرب تشجعها على السعي الى المرحلة الثانية من الاتفاق.

إسرائيل توجد في شرك. من جهة حماس تعيد تثبيت مكانتها كصاحبة السيادة في القطاع، تعيد الحياة الى مسارها في المنطقة (مؤخرا استؤنف فيها التعليم، بما في ذلك في الجامعة الإسلامية، احد معاقل المنظمة في القطاع)، تعارض بثبات نزع سلاحها، وعمليا تجسد عدم تحقق الهدف الأعلى المتمثل بشطب المنظمة او تحييدها المطلق من القدرات العسكرية. من الجهة الأخرى، إسرائيل لا يمكنها أن تعود الى قتال قوي، واساسا لان ترامب – الذي هو حقا من يقرر ما يحصل في غزة – يتطلع لان يعرض إنجازا استراتيجيا ولا يسمح بذلك، رغم خروقات حماس وبدلا من ذلك يطالب بالتقدم الى المرحلة الثانية.

المرحلة الثانية كفيلة بان تكون قريبة وستكشف فجوات هامة بينما تطالب، تخطط وتعد به الحكومة ان يتحقق في غزة وبين ما سيحصل بالفعل. أولا، معقول ان يتحقق منذ وقت قريب ضغط على إسرائيل للانسحاب من الخط الأصفر الذي عنونه كثيرون منذ الان كـ “سور برلين الذي سيكون على مدى سنوات طويلة وسيفضل بين نوعين متضاربين من غزة”. في هذه اللحظة المنطقتان خربتان: في واحدة يعيش معظم الغزيين تحت حكم حماس وفي الثانية الاف قليلة من أعضاء الميليشيات التي تتعاون مع إسرائيل وتعيش تحت رعايتها، ومثلما جسدت تصفية ياسر أبو شباب الأسبوع الماضي بعيدة عن أن تشكل بديلا لحماس.

ثلاث عقبات تقف امام المرحلة الثانية. الاولى والاصعب – مطلب نزع سلاح حماس. في ضوء الرفض المبدئي من جانب حماس للتخلي عن عنصر مركزي في هويتها يعمل الوسطاء على حلول وسط في شكل استعداد للتخلي فقط عن “السلاح الهجومي” (بالأساس الصواريخ التي بقي قليل منها لدى المنظمة). تطلع عميق من جانب ترامب لحفظ الاتفاق من شأنه أن يجعله يعلن ان هذا حل وسط كاف من ناحيته، مثلما أعلن قبل نحو شهرين بان جواب حماس على خطته المكونة من 20 نقطة تسمح بالتوقيع على اتفاق، رغم أن المنظمة لم تتعهد بكامل المطالب التي طرحتها الخطة وعلى رأسها نزع السلاح.

العقبة الثانية هي نشر القوة متعددة الجنسيات في القطاع. تلوح في هذه اللحظة صعوبة في تحقيق الفكرة في ضوء استجابة ضئيلة من الاسرة الدولية لارسال قوات حين تكون حماس تعارض المبادرة ومعقول أن تعمل ضدها في الميدان. هنا أيضا كفيل بان ينشأ حل وسط يتبناه ترامب لتواجد قوات بحجم محدود واساسا لأغراض الرقابة، يحتمل أن تنتشر بدلا من الجيش الإسرائيلي على طول الخط الأصفر.

عقبة بسيطة نسبيا هي فكرة إقامة حكم بديل لحماس، الامر الذي وافقت عليه المنظمة منذ بداية الحرب انطلاقا من الفهم بان هذا سيكون بغطاء تجميلي من خلفه يمكنها أن تواصل حفظ قوتها في غزة، فيما يشبه حزب الله في لبنان. نتنياهو سيعارض الصلة بين الحكم الجديد والسلطة، لكن يبدو ان من ناحية ترامب، الذي بات يتحدث منذ الان عن دولة فلسطينية، لا توجد هنا مشكلة مبدئية. السيناريوهات الموصوفة صادمة وعن حق لكل إسرائيلي اعتاد على أن يسمع بان الحرب لن تنتهي الا مع اختفاء حماس ويكتشف الان بان المنظمة تواصل الوجود بل وتشكل لاعبا سائدا في غزة، وانه لا يوجد بديل في مكانها وبالتأكيد ليس جمع من الميليشيات التي ربتها إسرائيل. مثلما هو الحال دوما يفضل قول الحقيقة على تنمية خيالات واطلاق شعارات فارغة. في غزة على الارجح سيتثبت في الزمن القريب القادم حكم رسمي يكون محدودا في قدرته فيما من خلف الكواليس ستوجد حماس كقوة خارج سلطوية لكن ذات نفوذ. في هذه اللحظة قدرة إسرائيل على العودة الى القتال القوي محدودة، وإذا ما منح ترامب ضوء اخضر لذلك فمطلوب أن تعرض على الشعب الحقيقة التي تقول ان ضربة عميقة لحماس تستوجب احتلالا لكل القطاع وبقاء غير محدود فيه وشرح الثمن الواجب وعلى رأسه العناية بمليوني غزي مفعمين بالعداء.

بعد شهرين من انتهاء الحرب واضح لمعظم الجمهور بانه لا يوجد شيء يسمى نصر مطلق: لا في لبنان، حيث يتعزز الاحتمال للتصعيد؛ لا حيال ايران حيث تحتدم المعضلة على الحاجة لجولة أخرى؛ ويتبين ان لا في غزة أيضا، التي اشعلت الحرب وفيها مدى الضرر، ولكن أيضا التأثير لإسرائيل، عاليين جدا. على خلفية الدخول المتوقع الى المرحلة الثانية، مطلوب من إسرائيل أن تركز على ثلاثة مصالح مركزية: حفظ قدرة العمل ضد كل تهديد ينشأ في القطاع، مثلما يجري الامر في لبنان؛ رقابة ناجع ومصممة بقيادة أمريكية على محور فيلادلفيا ومعبر رفح؛ وقدرة على استخدام الفيتو على تركيبة الحكم المستقبلي الذي سيقوم في القطاع، بخاصة اذا تبين انه يتضمن عناصر تتماثل مع حماس. كل هذا بالتوازي مع تخطيط معركة مستقبلية واسعة للقضاء على حماس تكون هذه المرة مخططة، واعية وبمبادرة إسرائيل.

هذا سيناريو جذري من ناحية الإسرائيليين وبالاساس بعيد عن الهدف الذي طرح منذ بداية الحرب، ولا يزال يجري الحديث عن اهون الشرور مقارنة بباقي البدائل القائمة، وعن سيناريو يتناسب وحاجة إسرائيل للتركيز في الوقت الحالي على ساحات أخرى وعلى رأسها لبنان وايران.

 ------------------------------------------

 

هآرتس 7/12/2025

 

 

في مواجهة نهج “عدم الازعاج” الذي يتبناه ترامب، على اسرائيل وضع خطوط حمراء

 

 

بقلم: الداد شافيط

 

تغريدة الرئيس الامريكي دونالد ترامب، التي بث فيها توقع واضح بان اسرائيل “لن تزعج” تطور سوريا، ليست صدفية. فقد كشفت في عدة سطور التصادم الآخذ في التعمق بين رؤية ترامب للشرق الاوسط وبين الاحتياجات الامنية لاسرائيل، في سوريا، غزة، السعودية وغيرها. حسب رأي ترامب فان الشرق الاوسط ليس ساحة لنزاعات تاريخية، بل هو فضاء للصفقات. في عالمه الاستقرار يتم تحقيقه ليس من خلال عمليات سياسية، بل بواسطة “صفقات” بين زعماء اقوياء. بدلا من اتفاقات اطار متعددة البنود هو يفضل بنية اقليمية ضعيفة: محور واشنطن – الرياض في الوسط، وحوله اسرائيل، مصر، الامارات، وبدرجة معينة تركيا وسوريا.

بهذه الصيغة للشرق الاوسط فان الاقتصاد يسبق الامن. مشروع بنى تحتية، طاقة وشراكة تكنولوجية، يمكن ان تنتج اعتماد متبادل يجبر الجميع على الحفاظ على الهدوء. الفلسطينيون، لبنان وسوريا، وحتى حماس، يمكن ان تندمج في المنظومة التجارية – الامنية الجديدة. من سيلعب حسب القواعد سيحصل على المساعدة، الشرعية ورفع العقوبات، ومن سيزعج سيجد نفسه خارج اللعبة.

لكن ما يبدو جيد على لوحة الرسم في واشنطن يظهر اقل تفاؤل بكثير عند النظر اليه من القدس. مثلا، سوريا. بالنسبة لترامب فان وجود نظام جديد في دمشق مستعد للابتعاد عن ايران والانضمام للمحور الامريكي – السعودي يعتبر ميزة كبيرة، حتى لو كان قادته السابقين على راس قائمة الارهاب، وهي فرصة لتقديم “قصة نجاح”. من هنا جاء الطلب من اسرائيل بعدم تعقيد الامور.

بالنسبة لاسرائيل سوريا ليست رؤيا، بل حدود. في السنوات الاخيرة كانت حرية العمل في سوريا احد ركائز الاستراتيجية الاسرائيلية. وعندما يعلن البيت الابيض “لا تزعجونا” فهذا يعني تقليص حرية العمل، بينما لا يزال التهديد من وجهة نظر اسرائيل بعيد عن أن يتلاشى.

غزة هي الجانب المكمل للقصة نفسها. منذ وقف اطلاق النار وعملية اطلاق سراح الرهائن، تسعى الادارة الامريكية الى دمج القطاع في الخطة الاقليمية الجديدة: شراكة سعودية، تدخل لمصر وتركيا وقطر، وآليات اعادة اعمار وأمن متعددة الجنسيات. يرى ترامب ان اسرائيل قد “نالت حقها”: دعم سياسي غير مسبوق خلال القتال وعودة الرهائن. من هنا تاتي توقعات واشنطن بالهدوء الاسرائيلي. أما اسرائيل فترى ان هذا خطر مزدوج: الخوف من المس بالقدرة على استكمال تفكيك البنية التحتية العسكرية لحماس، فقدان الشرعية الدولية لأي عمل في المستقبل.

السعودية تدخل، التي هي حجر الزاوية في رؤية ترامب، الى داخل هذه المعادلة. من وجهة نظر البيت الابيض فان دمج وترسيخ الرياض في المعسكر الامريكي يعتبر هدف استراتيجي رئيسي. اما اسرائيل فهي شريكة مهمة في افضل الحالات. وبينما يمكن لاسرائيل ان تستفيد من انخراط سعودي اكبر في الحملة ضد ايران، الا ان هناك ثمن لذلك: اذ يتحول التطبيع مع اسرائيل من هدف محوري الى اضافة غير ضرورية، وسيتم الضغط على اسرائيل من اجل قبول صيغ كانت تعارضها في العادة. ومثلما هي الحال في سوريا وفي غزة، هنا ايضا سيكون الخط الاحمر الامريكي هو “عدم تعريض الاتفاق مع الرياض للخطر”، مهما كان الخطر الامني على اسرائيل.

فوق كل ذلك يحلق سؤال ما الذي ترامب مستعد “لاعطائه” لنتنياهو كي يضمن ان تندمج اسرائيل في الخطة. دعوات للبيت الابيض، صور مبتسمة وخطاب علني عن العفو، كل ذلك يخلق الشعور بـ “رزمة محفزات” الموجهة ليس فقط لدولة، بل ايضا لشخص. يصعب تجاهل الطريقة التي فيها من شان هذه الديناميكية ان تؤثر الى اتخاذ القرارات في القدس. يثور الخوف من ان الاعتبارات السياسية والشخصية لرئيس الحكومة ستختلط بالقضايا الامنية.

لا يوجد خطر من تصادم اسرائيل مع الولايات المتحدة. فالتحالف مع واشنطن هو ذخر استراتيجي هام. المشكلة تكمن في الانزلاق الى علاقة راعي – عميل، حيث يتم النظر الى اسرائيل بانها مسؤولة عن التصديق على قرارات امريكا، واخضاع حرية عملها لـ “الصفقة الكبيرة” والاكتفاء بوعود عامة لامنها. اذا كان هناك درس من تغريدة ترامب فهو بسيط: يجب على اسرائيل تحديد خطوط حمراء واضحة لنفسها وللولايات المتحدة، والاهم من ذلك الحفاظ على حرية عملها في مواجهة ما تعتبره تهديدات محتملة لها. هذه ليست قضايا للتفاوض، بل مصالح وجودية.

لا يمكن تجاهل رؤية ترامب الاقليمية بجرة قلم. فهي تنطوي على عناصر قد تخدم اسرائيل ايضا، البارز منها هو تعزيز المعسكر المناهض لايران وتعميق التعاون مع الدول العربية المعتدلة. ولكن مسؤولية اسرائيل تكمن في الانضمام اليه بوعي تام. فالشراكة الاستراتيجية مع امريكا تعني القدرة على قول “نعم” عندما يخدم ذلك امننا، و”لا” عندما يكون الثمن المطلوب هو التنازل عن الضروري لحماية امننا.

------------------------------------------

 

يديعوت احرونوت 7/12/2025

 

 

المعركة تنتقل إلى المستوى الدبلوماسي

 

 

بقلم: رون بن يشاي

 

وسط الضجيج الذي تُحدثه سياستنا الداخلية في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، ربما تكون حقيقة بالغة الأهمية قد اختفت عن أعين شريحة كبيرة من الجمهور: لقد دخلنا مرحلة “غسق الحرب”. هذه هي المرحلة التي يوجد فيها بالفعل وقف إطلاق نار مؤقت، حيث تُشكل الأطراف والوسطاء الترتيبات الدائمة التي ستُرسّخ وقف الأعمال العدائية لفترة طويلة.

في هذه المرحلة، لا يزال من الممكن للأطراف استخدام القوة العسكرية، لكن الأهم هو المفاوضات الدبلوماسية التي ستُصاغ من خلالها الترتيبات الأمنية والدبلوماسية والسياسية التي ستُحكم المنطقة بموجبها في السنوات القادمة.

لقد كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو من بادر بالانتقال إلى هذه المرحلة. ففي محادثة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، “أوصى” الرئيس الأمريكي رئيس الوزراء الإسرائيلي بالانتقال تدريجيًا – في غزة ولبنان وسوريا – من المبادرات الهجومية والتهديدات بالتصعيد إلى الدبلوماسية وإجراءات بناء الثقة، بما يُمكّن من الانتقال إلى المرحلة المدنية لتطبيق خطته “المكونة من 20 نقطة” في غزة، والتوصل إلى وقف كامل ومستقر للأعمال العدائية، وربما حتى بعض اتفاقيات التطبيع على جبهات إضافية.

ووفقًا لمصدر أمني موثوق، تلقى نتنياهو أيضًا توصية مماثلة من كبار مسؤولي الجيش الاسرائيلي، الذين يتوقون لبدء إعادة بناء الجيش بعد أكثر من عامين من الحرب. لذلك، هناك أغلبية في هيئة الأركان العامة تعتقد أنه في الوقت الحالي، وفي كل ما يتعلق بقطاع غزة، ينبغي “السير مع التيار” مع إدارة ترامب. على الأقل حتى يتضح أخيرًا ما إذا كان الوسطاء سينزعون سلاح حماس، أم ستضطر إسرائيل إلى ذلك. أما بالنسبة للبنان وسوريا، وربما إيران، فمن المستحسن الآن تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية (أو معظمها) من خلال ترتيبات تُحدد وتُرسّخ الإنجازات العسكرية للجيش الإسرائيلي في الحرب.

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه في 31 كانون الأول، سينتهي الإنذار الذي منحه ترامب للحكومة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله. وقد أوضحت إسرائيل بالفعل للحكومة اللبنانية أنه إذا لم يتم ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي سيصعّد القتال. ويبدو أن ترامب مهتم بمنع مثل هذا التطور.

ونتيجةً مباشرة لتلك المحادثة الأسبوع الماضي، أعلن نتنياهو أن إسرائيل توافق على فتح معبر رفح لخروج الجرحى والمرضى من سكان غزة من القطاع تحت إشراف ممثلي السلطة الفلسطينية والدول الأوروبية. وعارض المتحدثون الرسميون في مصر هذا الإعلان على الفور. ويثير هذا الأمر مخاوف في القاهرة من أنه إذا تم فتح معبر رفح فقط لخروج سكان غزة وليس في الاتجاهين، فإن ذلك سيكون في الواقع الخطوة الأولى نحو تنفيذ خطة “الهجرة الطوعية”.

لا يزال من غير الواضح ما إذا كان معبر رفح سيُفتح، إذ يوجد رهينة في قطاع غزة لم تُعِده حماس إلينا بعد. ليس بالضرورة أن تكون دبلوماسيًا ماهرًا لتدرك أن مجرد موافقة إسرائيل على هذه الخطوة يُعدّ تنازلًا سياسيًا واضحًا. فيما يتعلق بنزع سلاح حزب الله، لم يُقرر ترامب ولا نتنياهو بعدُ كيفية تنفيذ ذلك.

 

 قواعد جديدة للعبة

 

شهد لبنان يوم الأربعاء الماضي حدثًا هامًا آخر. فقد عيّنت إسرائيل المدني أوري ريزنيك، ممثلًا لمجلس الأمن القومي. وفي الوقت نفسه، عيّن لبنان السفير والدبلوماسي المخضرم سيمون كرم رئيسًا لممثليه في اللجنة. وأعلن مكتب رئيس الوزراء أن الرجلين سيُجريان محادثات اقتصادية. لكن مجرد اجتماع دبلوماسيين مدنيين من كلا الجانبين يُعدّ خطوة في الاتجاه الذي يهتم به ترامب.

منذ مؤتمر مدريد في أوائل التسعينيات، لم يتحدث الدبلوماسيون الإسرائيليون واللبنانيون بشكل مباشر. يشير اتفاق الرئيس اللبناني ميشل عون ورئيس الوزراء اللبناني نواف سلام على اللقاء إلى أن كلا البلدين (باستثناء حزب الله) مهتمان بتجاوز الصراع العسكري، والمضي قدمًا نحو التطبيع، وربما، في المستقبل البعيد، اتفاق سلام. مع ذلك، لم تُلزم الولايات المتحدة إسرائيل بعد بوقف هجماتها وعمليات إنفاذ اتفاقات وقف إطلاق النار في لبنان، أو القيام بأي مبادرات أخرى. لذلك، فإن مجرد موافقة الحكومة اللبنانية على المفاوضات المدنية المباشرة يُمثل خطوة لبناء الثقة من جانبها، أكثر منه تنازلًا دبلوماسيًا إسرائيليًا.

يضاف إلى ذلك التوبيخ “الناعم” الذي وجهه ترامب إلى القدس بعد المعركة التي خاضها مقاتلو الجيش الاسرائيلي قبل نحو أسبوع في بيت جن في سوريا. يبدو أن الرئيس الأمريكي يسعى حاليًا إلى إرساء قواعد جديدة للعبة تُحدد سلوك الأطراف في “اليوم التالي” للحرب: القاعدة الأولى: نقل الجهود الرئيسية لأطراف الصراع في غزة ولبنان وسوريا إلى المجال الدبلوماسي.

 ثانيًا، حتى في هذه المرحلة، ستتمكن إسرائيل من مواصلة تطبيق اتفاقيات وقف إطلاق النار في مختلف القطاعات، وممارسة ضغط عسكري على حزب الله وحماس. لكن هذا سيتم أساسًا من خلال إطلاق نار انتقائي ودقيق من الجو، وليس من خلال مناورة برية هجومية.

لفهم ومحاولة التنبؤ بما سيحدث في الأشهر المقبلة، لا بد من قراءة خرائط مصالح الأطراف الرئيسية: يسعى الرئيس الأمريكي إلى الاستقرار، وإن أمكن، السلام في الشرق الأوسط، لأربعة أهداف مهمة له شخصيًا، وتخدم أيضًا المصالح الاستراتيجية لبلاده. ترامب حريص على نيل جائزة نوبل للسلام، ويريد أن تواصل شركاته، التي يديرها الآن أبناؤه، جمع المليارات من أعمال العقارات والعملات المشفرة في الشرق الأوسط.

 عدد أقل من الجنود الأمريكيين

تتطلب المصالح الاستراتيجية الأمريكية التي يروج لها ترامب شرقًا أوسطًا مستقرًا، حيث لا تتعرض دول النفط العربية لتهديد من إيران والحوثيين أو من القوة العسكرية الإسرائيلية، وبالتالي لا تحتاج إلى الصين، التي تشتري النفط منها وتبيعها الأسلحة بشكل رئيسي، وتُعتبر منافسًا اقتصاديًا. وينطبق الأمر نفسه على روسيا. يريد ترامب أن تستمر دول الخليج، نتيجةً للسلام والتطبيع مع إسرائيل وزوال التهديد الإيراني، في تفضيل تحالف تجاري وسياسي مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام لسنوات. كما يريد ترامب تقليل عدد الجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط.

 اللاعب الرئيسي الثاني في الساحة المهمة لنا في الشرق الأوسط هو نتنياهو ودولة إسرائيل. رافعة إسرائيل الرئيسية هي الإنجازات العسكرية التي حققها الجيش الاسرائيلي في إيران ولبنان وقطاع غزة وسوريا. لكن نتنياهو لا يكتفي بهذه الإنجازات، بل يسعى إلى نصر شامل، يتمثل معناه العملي في نزع سلاح حماس وحزب الله، ونزع سلاح قطاع غزة وكامل لبنان من بنيته التحتية العسكرية، ونزع سلاح العناصر الجهادية والأسلحة الثقيلة من جنوب غرب سوريا. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن استمرار الحرب يخدم نتنياهو في عام انتخابي، وخاصةً قاعدته الشعبية.

لا نعلم على وجه اليقين ما يسعى نتنياهو إلى تحقيقه، لأنه يُبقي أوراقه طي الكتمان، وباستثناء الوزير المستقيل رون ديرمر والسكرتير العسكري رومان غوفمان، الذي عُيّن رئيسًا للموساد، لا أحد يعلم على وجه اليقين إلى أين يتجه. يتشاور نتنياهو مع الحكومة ومجلس الأمن القومي وكبار مسؤولي الجيش الاسرائيلي، لكن هذا لا يحدث إلا عندما يتعلق الأمر بتنفيذ خطوات عملية، تكتيكية في الغالب، على الأرض. على المستوى الاستراتيجي، يعيش نتنياهو وحيدًا تقريبًا. هذا النهج يُبطئ بشكل كبير عمليات اتخاذ القرارات الاستراتيجية في القدس، ويُضعف جودة القرارات المُتخذة. غالبًا ما يتدخل ترامب لملء الفراغ الناتج.

إلى جانب تحقيق نصرٍ حاسم، يسعى نتنياهو إلى تحقيق العناصر التالية في الترتيبات: أولاً، منع السلطة الفلسطينية من ترسيخ وجودها في غزة، لمنع قيام دولة فلسطينية تشمل قطاع غزة. كما يريد نتنياهو ألا يكون لتركيا وقطر أي موطئ قدم عسكري أو مدني في إعادة إعمار غزة.

في لبنان، من المرجح أن تكون إسرائيل مستعدة للنظر في إخلاء البؤر العسكرية عبر الحدود، وإعادة المعتقلين، والسماح بعودة القرويين الذين فروا من جنوب لبنان، شريطة أن تظل هذه المنطقة خالية من الأسلحة وعناصر حزب الله.

يعمل حزب الله الآن، بمساعدة إيران والمهربين السوريين، على إعادة بناء قوته بسرعة. ولهذا السبب سارعت إسرائيل إلى اغتيال رئيس أركان المنظمة الإرهابية الجديد. من بين 130 ألف صاروخ كان يمتلكها حزب الله قبل الحرب، لم يتبقَّ له الآن سوى 20 ألف، منها بضع مئات من الصواريخ الدقيقة. وهو الآن يبني قوته من الطائرات المسيرة بقوة.

تشير مصادر أمنية إسرائيلية، في هدوء، إلى أن الجيش اللبناني، بمساعدة قوة نيران الجيش الاسرائيلي، نجح بالفعل في تطهير جنوب لبنان بشكل شبه كامل من وجود حزب الله وأسلحته. لكن يبدو أن تفكيك القدرات العسكرية لحزب الله شمال نهر الليطاني يتجاوز قدرة الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية الحالية، التي يهددها حزب الله بحرب أهلية.

يعاني حزب الله أيضًا من ضائقة مالية، وهو غير قادر على تعويض القرويين الشيعة الذين فروا من جنوب لبنان ويريدون الآن العودة إلى ديارهم. يبدو أن ترامب يبني خطته لتحقيق وقف دائم للأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، وربما حتى تطبيع العلاقات على غرار “اتفاقيات إبراهيم”، على هذا الضغط الذي ستمارسه الطوائف والحكومة اللبنانية على حزب الله.

كما ذُكر، يرغب نتنياهو أيضًا في أن يتم تفكيك حماس في غزة بالوسائل الدبلوماسية، لكنه لا يزال يُصر على مطلبه بأنه إذا لم يتحقق ذلك في غضون بضعة أشهر، فإن إسرائيل ستتوغل في الأراضي التي تسيطر عليها حماس، في غرب غزة، لتفكيك بنيتها التحتية وأسلحتها تحت الأرض، كما يفعل الجيش الاسرائيلي حاليًا في منطقة رفح وخان يونس وبيت حانون. في هذه المناطق الثلاث، لا تزال هناك جيوب مقاومة تحت الأرض يُشدد الجيش الاسرائيلي حصاره عليها.

ستتطلب المناورة في المنطقة التي لا تزال تحت سيطرة حماس في مدينة غزة ومنطقة مخيمي المركز والمواصي جهدًا عسكريًا كبيرًا ومعقدًا، ولن تُتاح إلا بعد إخلاء السكان غير المشاركين في هذه المناطق. ولكن لتحقيق ذلك، يجب تنفيذ خطة “غزة الجديدة” التي أعدتها القيادة الأمريكية في كريات جات. ومن المرجح ألا يحدث هذا قريبًا، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن قوة الاستقرار الدولية لم تتشكل بعد.

ما يتقدم هو إنشاء “مجلس سلام” برئاسة الرئيس ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بالإضافة إلى المجلس الفلسطيني الذي سيدير ​​شؤون قطاع غزة فعليًا. لكن نتنياهو يطالب بنزع سلاح حماس وإسقاط حكمها في قطاع غزة قريبًا، وإذا لم يُفلح ذلك، فسيكون ذلك عبر عملية عسكرية إسرائيلية. تُمثل هذه نقطة خلاف رئيسية بين ترامب ورئيس الوزراء نتنياهو. ومن النقاط الأخرى رفض نتنياهو السماح للسلطة الفلسطينية، بقيادة أبو مازن، بالتدخل في قطاع غزة.

في سوريا، يُريد نتنياهو منطقة منزوعة السلاح من الجيش والأسلحة الثقيلة، تمتد من جنوب دمشق إلى الحدود الأردنية جنوبًا، ومن الحدود الإسرائيلية في الجولان إلى خط الصواريخ في مرتفعات الجولان. أي ما يُقارب 20 كيلومترًا. أما في إيران، فيُطالب نتنياهو، أولًا وقبل كل شيء، بوقف التسليح المُتسارع للحرس الثوري الإيراني بالصواريخ الباليستية والطائرات المُسيّرة المُتطورة، ومنع تجديد المشروع النووي. ومن مصلحة إسرائيل، وفقًا لنتنياهو، ضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر والحد من خطر هجوم الحوثيين، وربما أيضًا الميليشيات الأخرى الموالية لإيران، بسياراتهم ودراجاتهم النارية عبر الأردن (وربما أيضًا عبر الجولان السوري) على الحدود الشرقية والشمالية الشرقية لإسرائيل. يُمكن للحوثيين، الذين يتدربون للسيطرة على المواقع الإسرائيلية، الوصول إلى حدودنا الشرقية بسيارات الدفع الرباعي في غضون أربع إلى خمس ساعات. يُريد نتنياهو والجيش الإسرائيلي الآن منع تكرار هجوم 7 أكتوبر الكارثي على الحدود الشرقية.

 

 ساحات القتال السبعة

 

يُولي الجيش الاسرائيلي الآن اهتمامًا، كما هو الحال مع ترامب، بالانتقال من مرحلة القتال العنيف إلى وقفٍ مُستقرٍّ للقتال. يُؤكد رئيس الأركان، الفريق إيال زامير، أن اهتمامه الرئيسي هو إعادة تأهيل الجيش الاسرائيلي وإعادة بنائه بعد أكثر من عامين من القتال. يسعى زامير إلى استعادة كفاءة الجيش من خلال إعادة تنظيمه، وإنشاء تشكيلات جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. كما يُعنى زامير باستعادة الموارد البشرية، والأهم من ذلك، تخفيف العبء على قوات الاحتياط من خلال استنزاف القوى البشرية الحالية في الجيش الاسرائيلي، وتجنيد آلاف الجنود الحريديم، وإعادة التشكيل النظامي إلى نظام تدريبي كامل.

لكن ما يُهمّ الجيش الآن هو الاستعداد للتحديات العملياتية المتوقعة في ساحات القتال السبعة، وفقًا للمفهوم الأمني ​​الجديد، وأهمها منع التهديدات في بدايتها وإحباط التهديدات القائمة بدلًا من استراتيجية الاحتواء التي كانت تُمارس حتى 7 أكتوبر. مبدأ مهم آخر: كن دائمًا مُستعدًا للهجوم المفاجئ. ويريد رئيس الأركان ترك التحقيقات والتعيينات خلفه حتى يتمكن الجيش الاسرائيلي من المضي قدماً في مواجهة هذه التحديات، لكن وزير الدفاع كاتس يصر على مواصلة تسييس الجيش الاسرائيلي من خلال هذه التحقيقات والتعيينات.

------------------------------------------

 

هآرتس 7/12/2025

 

 

الولايات المتحدة والدول العربية تضغط لتنفيذ المرحلة الثانية، وتضيق الخناق على نتنياهو

 

 

بقلم: ليزا روزوفسكي

 

الزيارة السياسية الاولى للمستشار الالماني فريدريك مارتس في القدس هي اشارة مهمة من ناحية اكبر اصدقاء اسرائيل في اوروبا على العودة الى روتين الحياة الطبيعي. حتى بعد حرب فيها قتلت اسرائيل عشرات آلاف الفلسطينيين ودمرت اجزاء كبيرة في قطاع غزة وتواصل الاحتفاظ باكثر من نصف مساحته، فان العلاقات الدبلوماسية بقيت قوية. مارتس الذي التقى امس مع الرئيس اسحق هرتسوغ سيزور اليوم “يد واسم” وسيلتقي مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، حيث ان الرسالة التي نقلتها حكومة المانيا قبل الزيارة هي ان ستين سنة منذ اقامة العلاقات بين الدولتين ستواصل الاستناد الى الثقة المتبادلة.

المستشار ياتي الى البلاد بعد بضعة اسابيع من الغاء الحظر الجزئي على تزويد السلاح الالماني لاسرائيل. زيارته من شانها ان تمهد الطريق للبلاد ايضا بالنسبة لزعماء اوروبيين آخرين، الذين سيكون بعضهم مسرور بمصافحة نتنياهو، رغم كونه يخضع لامر اعتقال من محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. ولكن في غضون ذلك، العودة الى الحياة الطبيعية هي محدودة الضمان. قبل اقلاع مارتس الى الشرق الاوسط اوضح المتحدث باسم الحكومة في برلين بان المانيا تواصل ادانتها بشدة لعنف المستوطنين في الضفة، ورفض فكرة الضم وتاييد حل الدولتين. يمكن الافتراض ان موضوع حل الدولتين – أو على الاقل اعطاء دور للسلطة الفلسطينية في ادارة الحياة في غزة – سيطرح ايضا في محادثات مارتس ونتنياهو حول الحفاظ على وقف اطلاق النار في القطاع.

غداة زيارة مارتس سيصل الى اسرائيل ايضا السفير الامريكي في الامم المتحدة مايك وولتش، الذي بدأ طريقه في ادارة ترامب كمستشار للامن القومي. هو ايضا، مثل مارتس، سيمر في البداية في الاردن – الدولة التي تشبه مصر وتعتبر من قبل الغرب شريكة حاسمة في الحفاظ على وقف اطلاق النار في غزة والاستقرار الهش في كل المنطقة. وولتش سيلتقي في الاردن مع الملك عبد الله ووزير الخارجية ايمن الصفدي وممثلين عن منظمات انسانية. في اسرائيل يتوقع ان يلتقي مع نتنياهو، هرتسوغ ومندوب الامم المتحدة لعملية السلام في الشرق الاوسط رميز الكابروف. وولتش سيتجول في الشمال وفي الجنوب وسيزور معبر كرم ابو سالم ومركز التنسيق العسكري – المدني في كريات غات. الاهداف المعلنة للزيارة هي الدفع قدما بخطة ترامب للمرحلة الثانية، وعلى المستوى العملي واليومي متابعة تزويد المساعدات الانسانية للقطاع.

في الاردن يتوقع بلا شك ان يسمع وولتش من ممثلي المنظمات الانسانية وممثلي النظام بانه يجب على اسرائيل ان تستانف ادخال المساعدات الانسانية الى قطاع غزة عبر معبر اللنبي، التي توقفت بعد ان قام سائق شاحنة، نقل هذه المساعدات، بقتل جنديين اسرائيليين في نهاية شهر ايلول الماضي.

اضافة الى ذلك يتوقع ان يسمع السفير ان اسرائيل تقيد بدرجة كبيرة ادخال المساعدات الى غزة بطرق اخرى، مثلا، يرفضون في اسرائيل فتح معابر اخرى على طول الحدود مع القطاع اضافة الى معبر كرم ابو سالم وزيكيم، ولا يسمحون بادخال الخيام مع هياكل حديدية سميكة التي تعتبر مواد ثنائية الاستخدام. هذه الادعاءات من المفروض ان يطرحها وولتش على نتنياهو، الذي لن يستطيع تجاهلها عندما يتم طرحها من قبل ممثل امريكي رفيع المستوى نسبيا.

قضايا اخرى، التي لا يستطيع نتنياهو تجاهلها، هي فتح معبر رفح في الاتجاهين، أي العودة المحتملة للغزيين الى القطاع. في يوم الاربعاء الماضي اعلنت اسرائيل استعدادها لفتح المعبر لخروج السكان من القطاع فقط بواسطة اعلان شبه هامشي لمنسق اعمال الحكومة في المناطق. في مصر غضبوا من القرار المخالف لخطة ترامب، التي جاء فيها بشكل صريح بان المعبر سيفتح في الاتجاهين، وغضبوا ايضا من طريقة الاعلان.

في نهاية الاسبوع تبين انهم في مصر لا ينوون الجلوس مكتوفي الايدي والاكتفاء بتصريحات ضعيفة من قبل شخصيات مجهولة: القاهرة جندت الدول العربية والاسلامية السبعة التي ايدت خطة ترامب للقطاع في اللقاء التاريخي في الامم المتحدة في ايلول الماضي، من اجل الخروج باعلان شديد مشترك يرفض “كل محاولة لطرد فلسطينيين من ارضهم”. البيان يدعي ان هذا بالضبط هو النية التي تقف وراء البيان الاسرائيلي – نقل سكان غزة بشكل قسري الى مصر.

لا يوجد في هذه الاثناء للاتحاد الاوروبي، الذي من شان قوة من قبله ان تشرف على تشغيل المعبر في الطرف الغزي عن طريق السلطة الفلسطينية، موقف حاسم بخصوص الشروط لفتح المعبر. دبلوماسيون اوروبيون، أو بعضهم على الاقل، يعرفون ان فتح المعبر هو افضل من بقائه مغلق، حتى لو سمح في المرحلة الاولى بخروج المرضى والمصابين من اجل العلاج خارج القطاع. ورغم ذلك فان دول عربية واسلامية اوضحت بأنها لن تتنازل. المعبر سيفتح فقط اذا تراجعت اسرائيل وسمحت بعودة الغزيين الى القطاع.

حسب دبلوماسي اوروبي فان محادثات في هذا الشان تجري الان في القاهرة، وقوة “ايوبام” ستساعد في تشغيل المعبر في كل حالة سيتفق عليها بين الطرفين. اذا كان تصميم نتنياهو على عدم السماح بالدخول الى غزة عبر رفح كان نزوة لاغراض سياسية داخلية فيبدو انه يجب عليه ايجاد طريقة مهذبة للنزول عن الشجرة. واذا كان خلف تصميمه هذا مبرر امني حقيقي فان المفاوضات في القاهرة ستؤدي الى حل ابداعي لهذه القضية.

في موازاة ذلك حتى في منتدى في الدوحة عقد امس سمعت اصوات تظهر درجة الضغط المستخدم على اسرائيل كي لا تفشل استمرار تطبيق خطة سلام ترامب في غزة. رئيس حكومة قطر، محمد آل ثاني، قال ان الوضع في غزة يوجد في نقطة “حاسمة”، وان ما يحدث الان ليس وقف كامل لاطلاق النار بل “فقط توقف” (للحرب). حسب اقواله فانه من اجل استكمال وقف اطلاق النار فانه يجب على اسرائيل الانسحاب من القطاع بشكل كامل، في غزة يجب ان يسود الاستقرار، ويجب على السكان ان يكونوا قادرين على الخروج من القطاع والعودة اليه. آل ثاني اكد على ان الشروط الثلاثة غير مطبقة. وزير خارجية تركيا، هاكان فيدان، قال في مقابلة مع “رويترز”، التي اجريت على هامش المنتدى، بانه من اجل ان تستطيع حماس ان تتجرد من سلاحها فانه يجب اقامة في البداية ادارة مدنية فلسطينية في غزة، وقوة شرطية مرت بعملية غربلة يجب ان تدخل الى القطاع.

تركيا وقطر، برسائل مندمجة ببعضها، تقلبان رأسا على عقب ترتيب الامور التي ترغب فيها اسرائيل. في القدس يطالبون كشرط لانسحاب اسرائيل بنزع سلاح حماس اولا. قطر تدعي ان انسحاب اسرائيل وفتح الامكانية امام الغزيين للعودة الى القطاع هو شرط اولي اساسي من اجل القول ان وقف اطلاق النار يتم تطبيقه. وحقيقة ان انسحاب اسرائيل بشكل كامل في الوضع الحالي، الذي سيؤدي الى سيطرة ثانية لحماس على كل مساحة القطاع، تحظى بتجاهل سهل من جانب آل ثاني. ايضا في تركيا يوضحون انه من اجل البدء في نزع سلاح حماس فانه يجب ان يتم ادخال الى القطاع رجال شرطة من قبل السلطة الفلسطينية – وهي نقطة ضعف اسرائيلية، حيث ان نتنياهو وبصورة صريحة يحاول تاجيل دخول السلطة كعامل سيادي الى القطاع بقدر الامكان.

ينضم الاتحاد الاوروبي ايضا الى طلب تركيا. ووفقا لتقارير عربية فقد تم تدريب مئات ضباط الشرطة الفلسطينيين بالفعل في مصر في بداية السنة، ويبدو أن آلاف غيرهم في مراحل مختلفة من التدريب في مصر والاردن، بل ان الاتحاد الاوروبي مستعد لتدريب ضباط شرطة اضافيين. وحسب دبلوماسي عربي فقد تم تنسيق هذا التدريب مع مكتب التنسيق الامني الامريكي بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية “يو.اس.اس.سي” (في عهد ادارة جو بايدن)، ومن خلاله – تم التنسيق مع اسرائيل. وفقا لهذا الدبلوماسي فقد شاركت اسرائيل في الفحص الامني لضباط الشرطة. يبدو ان كل ذلك يتماشى تماما مع الرؤية التي قدمها وزير الخارجية التركي – ادخال ضباط الشرطة الفلسطينية الى القطاع كشرط مسبق لاستبدال حماس ونزع سلاحها.

من غير المؤكد ان هذه الخطوات ستساهم بالفعل في تفكيك حماس. يصعب تصور ان المنظمة التي رسخت سلطتها في هذه الاثناء في نصف قطاع غزة ستخلي مكانها لقوة من قبل السلطة، ويصعب ايضا تصور دخول هذه القوة في معارك ضارية مع هذه المنظمة الارهابية. ولكن هذه خطة تتيح ظاهريا احراز تقدم في خطة ترامب: وضع “قوة شرطة فلسطينية مدربة حديثا” الى جانب قوة الاستقرار الدولية هو جزء من خطة الرئيس المكونة من عشرين نقطة.

يبدو ان حدود القطاع التي يمكن لنتنياهو المناورة فيها تضيق. فالدول العربية والدول الاوروبية والولايات المتحدة تحثه على البدء في تنفيذ المرحلة الثانية في خطة ترامب. هذا التنفيذ سيؤدي بالتاكيد الى عودة السلطة الفلسطينية الى قطاع غزة بدون توفير في هذه الاثناء رد على سيطرة حماس على الارض، ومن هنا يلوح حل الدولتين في الافق. نتنياهو معروف بقدرته على النجاح الفائق بواسطة مصائد مستحيلة، ولكن بينما يحاول الهرب من المحاكمة ويعد بتوقيع اتفاقات سلام بالتعاون مع ترامب فانه يصعب تصور كيف يمكنه تجاوز بنود الخطة التي وقع عليها الرئيس الامريكي بدون السقوط في الهاوية.

-------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم 7/12/2025

 

 

وحاليا في سوريا وفي لبنان: العكس تماما

 

 

بقلم: ايال زيسر

 

قبل سنة انتهت الحرب في لبنان. القي بحزب الله الى الأرضية بعد أن صفينا القيادة السياسية وقمة القيادة العسكرية فيه وضربنا جدا قدراته العسكرية. لكن بالذات في هذه اللحظة من الازمة التي لم يشهد التنظيم لها مثيل من قبل، مددنا له حبل نجاة. وافقنا على وقف النار وبذلك أتحنا له ان يحافظ على قوته بل وان يرممها.

في ذاك اليوم بالذات شن الثوار في سوريا بقيادة احمد الشرع، الذي كان لا يزال في حينه أبو محمد الجولاني، هجوما مفاجئا على نظام بشار الأسد وفي غضون 12 يوما اسقطوه وسيطروا على معظم أراضي الدولة. سقوط بشار شكل ضربة شديدة لإيران التي فقدت معقلها في سوريا وقدرتها على ان تنقل المساعدات والسلاح لتنظيم حزب الله عبر هذه الدولة.

فرض الواقع الجديد في الحدود الشمالية على إسرائيل تحديا مزدوجا. من جهة، عدم ترك حزب الله حتى ولا للحظة بل مواصلة ضربه لاجل منع ترميم قوته، لكن في نفس الوقت استغلال نافذة الفرص التي فتحت امامنا في سوريا واستغلال التغيير الذي وقع في هذه الدولة لاجل تحقيق مصالح إسرائيلية حيوية تجاه النظام الجديد في دمشق الذي كان مستعدا لان يضمن الهدوء على طول حدودنا في هضبة الجولان بل وربما اكثر من هذا.

غير أنه بشكل غير مفاجيء فعلنا عكس ما هو مرغوب فيه ومستوجب من الواقع الجديد على طول الحدود الشمالية. في لبنان تركنا حزب الله ينتعش ويرمم قوته. هذا، باستثناء عمليات ما بين الحروب مساهمتها الاستراتيجية موضع شك، بالضبط مثل تلك العمليات ما بين الحروب في العقد السابق والتي لم تمنع، كما هو معروف، كارثة 7 أكتوبر.

اما حيال سوريا، فبغرور ووقاحة وكذا باستخفاف بالخصم اخترنا تجاهل النظام الجديد في دمشق الذي كان مستعدا لان يتوصل معنا الى تسويات بعيدة المدى. بدلا من هذا حولناه الى عدو واخترنا ان نغرق بتدخل زائد لا يساهم لامننا في المستنقع السوري. وحتى أسوأ من هذا، مثلما في أمور أخرى، تركنا الرئيس ترامب يصبح المحكم والمقرر الأخير في المواضيع المرتبطة بأمننا القومي.

الشرع هو جهادي في ماضيه، ولهذا فهو جدير بالاشتباه به والتخوف منه. لكن أساسا جدير بمحاكمته وفقا لافعاله وليس فقط وفقا لتصريحاته. لكن في هذا الوقت هو لا يشكل أي تهديد على إسرائيل. فهو في جيب الأمريكيين، يحكم دولة مدمرة والاهم – يفتقر الى قوة عسكرية يمكنها أن تشكل علينا أي تهديد.

إسرائيل ما بعد 7 أكتوبر ما كانت مستعدة لاعطاء ثقة بالشرع، ولهذا سيطرنا على قاطع الحدود مع سوريا بل ومنعنا السوريين من نشر قواتهم في المنطقة. غير أن الامر يخلق احتكاكا زائدا بين الجيش الإسرائيلي والسكان المدنيين، واهم من هذا، يخلق الامر فراغا سارعت لملئه جماعات إرهابية بعضها مدعومة من ايران وحزب الله. تذكر بذلك تلقيناه الأسبوع الماضي في الحادثة في قرية بيت جن حيث أصيب ستة من جنود الجيش الإسرائيلي في اثناء نشاط في المنطقة التي أصبحت سائبة واحد لا يسيطر فيها.

ان نشاطنا الزائد في سوريا يقف على نقيض تام مع انعدام فعلنا في لبنان، وذلك لان عموم عمليات الجيش الإسرائيلي في هذه الساحة لا تتراكم الى خطوة استراتيجية هدفها تحييد القدرات العسكرية لحزب الله.

وفوق كل شيء يحوم ظل الرئيس ترامب الذي يعود ليذكرنا من يتخذ عنا القرارات اليوم، سواء في غزة، في لبنان ام في سوريا. حاليا ترامب غاضب على اللبنانيين الذين لا يسارعون الى الاستماع لاملاءاته، لا ينزعون سلاح حزب الله ولا يحققون إصلاحات في الدولة. ولهذا فهو يعطي إسرائيل ضوء اخضر للعمل في لبنان وعلينا أن نستغل هذا قبل أن ينقلب ترامب علينا. اما بالنسبة لسوريا، فقد قرر ترامب منذ الان بان احمد الشرع هو شخص منشود، يمكن الاعتماد عليه، حاكم “يقوم بعمل جيد في سوريا”. وهنا أيضا ليس امامنا الا السير على الخط حسب الاملاء الأمريكي ومحاولة التهدئة بل وربما المسارعة للوصول برعاية ترامب الى تفاهمات مع الشرع الامر الذي هو افضل لنا من التورط الزائد في سوريا.

-------------------------------------------

 

يديعوت احرونوت 7/12/2025

 

 

مخاطر الديمقراطية الإسرائيلية

 

 

بقلم: اهارون باراك

 

حكم الأغلبية وإجراء الانتخابات ليسا سوى أحد أركان الديمقراطية. أما الجانب الضروري الآخر فهو سيادة قيم مثل فصل السلطات، وسيادة القانون، واستقلال القضاء، وحقوق الإنسان. تتعرض هذه الجوانب اليوم لهجوم شديد. • تم انتهاك العقد الاجتماعي الذي شكّل أساس الدولة منذ تأسيسها. وحلّت الحزبية والانفصالية محلّ الدولة والوحدة. • لن تتمكن المحكمة، بسلطتها وحدها، من منع التدهور على المدى البعيد. الشعب وحده قادر على ذلك.

إسأل أي شخص في الشارع: “ما هي الديمقراطية؟” سيكون جوابه في معظم الحالات: “الديمقراطية هي الحرية”، أو “الديمقراطية هي حكم الأغلبية”.

لكن الديمقراطية ليست مجرد حرية وليست مجرد حكم الأغلبية. الديمقراطية، كما نفهمها اليوم، لها ركيزتان. الركيزة الأولى هي حكم الشعب، ويتحقق ذلك بانتخاب الممثلين، بطريقة عادلة ومتساوية وسرية. يُسمي البعض هذا الجانب الشكلي للديمقراطية. أما العتبة الثانية فهي سيادة القيم، بما في ذلك حقوق الإنسان، وفصل السلطات، وسيادة القانون، واستقلال القضاء. ويُسمي البعض الآخر هذا الجانب الجوهري للديمقراطية.

تتعرض الجوانب الجوهرية للديمقراطية الإسرائيلية حاليًا لهجوم شديد. ويجب تذكر هذا: الديمقراطية لا تتحول إلى ديكتاتورية بين عشية وضحاها. الديمقراطية تضعف، وجوانب مهمة منها آخذة في التلاشي.

يُعد فصل السلطات أمرًا جوهريًا للديمقراطية. فبدون فصل السلطات، قد تتولى سلطة واحدة – وعلى رأسها السلطة التنفيذية – زمام الأمور وتستولي على جميع السلطات. هناك شبكة من الآليات المصممة لمنع إساءة استخدام السلطة من قبل سلطة واحدة. يرى الفهم الحديث لفصل السلطات أن فصل السلطات شرطٌ لتحقيق الضوابط والتوازنات.

لقد انهار مبدأ فصل السلطات تمامًا هذه الأيام. ويتجلى ذلك في عدد من الظواهر:

ا. تسيطر الحكومة على الكنيست. نظامنا الانتخابي النسبي، وانضباطنا الائتلافي، ونظام الائتلاف الذي يمنح الأقليات سلطة كبيرة نسبيًا – كل هذا أدى إلى سيطرة الحكومة على الكنيست وتشريعاته.

ب. يسيطر رئيس الوزراء على أعضاء الحكومة. اعتاد مناحيم بيغن أن يقول إنه بصفته رئيسًا للوزراء فهو الأول بين المتساوين. وأوضح: “هم يرونني الأول وأراهم أندادًا لي”. لقد ولت تلك الأيام. يرى رئيس الوزراء اليوم نفسه أولاً، ولا يرى الوزراء أندادًا له.

ج. عندما نجمع هاتين الظاهرتين – استيلاء الحكومة على الكنيست، واستيلاء رئيس الوزراء على الحكومة – نصل إلى قاع انحدارنا، أي إلى نظام استبدادي قائم على الحكم الفردي. رئيس الوزراء – الذي يسيطر على الحكومة – الذي يسيطر على الكنيست – يحكم البلاد بمفرده فعليًا.

د. من المفترض أن القضاء هو من يستطيع منع هذه الظاهرة. هذا هو دوره. يجب ضمان عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية ضمن صلاحياتهما وعدم تجاوزها. دور القضاة، من بين أمور أخرى، هو حماية الديمقراطية. الكنيست والحكومة ورئيس الوزراء يدركون ذلك. ماذا يفعلون في هذا الوضع؟ إنهم يبحثون عن سبل للسيطرة على القضاة وتعيين قضاة “من جانبنا”. هذا يُقوّض بشدة استقلال القضاة الشخصي والمؤسسي.

في نظرة عامة على المجتمع الإسرائيلي اليوم، يتسم بانقسام عميق. لم نعد ننصت لرأي الآخر. تكفينا هوية المُدّعي لرفض حججه. لم يعد النقاش العام ذا جدوى. الاستقطاب خطير على الديمقراطية. إنه يزيد من التوتر بين السلطات ويُعزز الشعور بـ”لعبة محصلتها صفر” – عندما يفوز أحد الطرفين، يخسر الآخر. يُعطّل الاستقطاب إمكانية التوصل إلى قرارات بالإجماع.

لقد انتُهك العقد الاجتماعي الذي شكّل أساس الدولة منذ إنشائها. في صميم العقد الاجتماعي تكمن فكرة أن المواطنين يمنحون الحاكم السلطة ليحميهم ويتصرف بما فيه مصلحة الجميع. في واقعنا، هناك بيان واضح بأن الحكام يتصرفون لصالح المصالح القطاعية.

 العقد الاجتماعي هو أيضًا سلسلة من الاتفاقات والأعراف وطرق التصرف والأعراف القانونية التي تسمح لنا بالعيش معًا. إنه إدراك أن الحياة في المجتمع دائمًا ما تكون تسوية ومفاوضات – وكلها تُداس بالعنف.

لم يعد إعلان الاستقلال يعبر عن قيمنا المشتركة. مواطنونا العرب – الذين يحق لهم وفقًا لإعلان الاستقلال الحصول على مواطنة كاملة ومتساوية – يتعرضون للتمييز ويتعرضون للتنمر الذي تعجز الشرطة بطريقة ما عن القضاء عليه. ينظر رئيس الوزراء إلى الدولة الإسرائيلية على أنها “دولة عميقة” يجب محاربتها. حلت الحزبية والانفصالية محل الدولة والوحدة. لقد استُبدلت المساواة في عبء الحرب بصفقة سياسية تُكرّس التمييز بين الدماء، وتُعفي شعبًا كاملًا من اليهود الأرثوذكس المتشددين، حتى لو لم تكن توراتهم ايمانهم، من واجب تحمل العبء. لم نعد دولةً قيمها يهودية وديمقراطية.

انحرفت العلاقة بين المستوى السياسي والجيش والشرطة والشباك تمامًا. يرى رئيس الوزراء نفسه مُخوّلًا بتوجيه المستوى التنفيذي لكيفية التصرف في كل ساحة. يُعامل المتظاهرون كمجرمين. أعتقد أننا لم نعد مواطنين، بل رعايا.

أصبحت قاعة المحكمة ساحةً للمظاهرات. المسافة بين مظاهرة في قاعة المحكمة واندلاع احتجاجات في قاعة المحكمة وقاعات القضاة ليست كبيرة.

في دولة ديمقراطية، تلعب وسائل الإعلام الحرة بمختلف ألوانها دورًا بالغ الأهمية. أرى خطرًا كبيرًا في المقترحات المختلفة لإغلاق وسائل الإعلام أو السيطرة عليها.

نحن في انحدار، ولم نعد نفس الديمقراطية التي كنا عليها في الماضي.

هل يمكن إيقاف هذا التدهور؟ هل يمكننا حماية ديمقراطيتنا الهشة؟ أعلم أن هذا السؤال يُقلقنا جميعًا.

في رأيي، يمكن إيقاف تدهورنا من ديمقراطية حقيقية إلى ديمقراطية شكلية، ومن ديمقراطية ليبرالية إلى نظام مختلف. الشعب هو من يستطيع فعل ذلك. المحكمة، بقوتها وحدها، لن تتمكن من منع تدهورنا على المدى البعيد. لا تستطيع المحكمة حماية إعلان استقلالنا وميثاقنا الاجتماعي إذا لم يُرد الشعب ذلك. لكن الشعب قادر على إيقاف التدهور. يستطيع الشعب فعل ذلك من خلال الخطاب العام النشط، ومن خلال المنظمات المدنية، ومن خلال المظاهرات. من المهم أن يحمي الشعب المحكمة وحراسها. من المهم أن تناقش وسائل الإعلام القضايا الجوهرية من منظور واسع. من المهم أن تلتزم الأحزاب المتنافسة في الانتخابات بوقف الانقلاب والعمل على إلغاء القوانين واللوائح التي تضر بالديمقراطية. يجب أن تلتزم بالعمل على حماية المحكمة والنظام القانوني وحراسها. يجب عليهم الالتزام بالعمل وفقًا لقواعد القانون الإداري، وضمان التوازن السليم بين المبادئ الأساسية للدولة كدولة يهودية وديمقراطية، واستكمال المشروع الدستوري لتعزيز بنيتنا الدستورية. سيفي هذا بالوعد الذي قطعه إعلان الاستقلال بوضع دستور.

 

وبالطبع، سيتمكن الشعب من القيام بذلك من خلال انتخابات عامة ومتساوية وسرية.

وعلينا، كلٌّ منا، أن نعمل أيضًا، كلٌّ في مجاله، لإعادة إرساء عقدنا الاجتماعي، القائم على إعلان الاستقلال وقيم الدولة اليهودية والديمقراطية، ولاستعادة كيان الدولة الذي ميّزنا.

عندما نجمع بين الظاهرتين اللتين تحدثان في إسرائيل، استيلاء الحكومة على الكنيست واستيلاء رئيس الوزراء على الحكومة، فإننا نصل إلى قاع انحدارنا، أي إلى نظام استبدادي قائم على الحكم الفردي. رئيس الوزراء – الذي يسيطر على الحكومة – الذي يسيطر على الكنيست – يحكم البلاد بمفرده فعليًا.

 ------------------------------------------

 

هآرتس 7/12/2025

 

 

في المكان الذي لا يوجد فيه أناس، دانا انترناشيونال هي ذلك الانسان

 

 

بقلم: جدعون ليفي

 

في ظلام الليل، وسط الامتثال وعدم الشجاعة والجوقة الموحدة، ارتفع صوت واحد في عطلة نهاية الاسبوع وهو صوت دانا انترناشيونال. بينما ينضم الفنانون الاسرائيليون الى حملة الحيونة ويؤدون عروض امام الجنود وعائلات المخطوفين، معتقدين انهم بذلك لعبوا دورهم وانه يمكنهم من جديد ملء الجيوب بدون تعريض مصدر رزقهم للخطر، فان دانا انترناشيونال تفكر بشيء مختلف. الفائزة في الاورفزيون 1998 وحاملة الشعلة في العام 2025 تريد قول شيء لنا وهو: “أي شخص يريد بن غفير وسموتريتش واليمين الكامل والحرب الخالدة، يجب عليه الفهم بان هذا هو الثمن”، كتبت.

أي فنان من الفنانين في اسرائيل تجرأ على قول ذلك؟ ليس فقط اتهام كل العالم باللاسامية وكراهية اسرائيل، ليس فقط التمرغ في المعاناة ودور الضحية، بل ايضا القول: لنا ايضا يوجد لنا دور في كل ذلك. نحن ايضا لنا ذنب في مكانة اسرائيل كدولة منبوذة وحقيقة ان اربع دول اوروبية غير مستعدة للظهور الى جانبها في الاورفزيون.

المنشورات التي نشرتها دانا انترناشيونال في نهاية الاسبوع، الاول باللغة العبرية والثاني باللغة الانجليزية، تدل على شجاعتها وكونها استثنائية في المشهد. باللغة الانجليزية احتجت امام الدول على انسحابها من المنافسة، وباللغة العبرية تحدثت الينا، مثلما لم يتحدث الينا أي فنان آخر. وطنية بالانجليزية ووطنية اكبر بالعبرية.

دانا قالت لنا ان ننظر الى انفسنا، وعدم الاكتفاء بتوجيه الاتهامات للجميع. “بيننا وبين انفسنا، وبالعبرية التي نفهمها فقط، كيف وصلنا الى هذا الوضع؟ كيف ان المكان الذي احبنا جدا واحتضننا تحول الى مكان معادي؟… كيف تحولنا الى احدى الدول المكروهة في العالم؟”. في المكان الذي لا يوجد فيه بشر، دانا هي انسان. اذا كانوا قالوا عن غولدا مئير بأنها كانت الرجل الوحيد في حكومتها فماذا سنقول عن دانا؟ هي تذكرنا بان الاشمئزاز من اسرائيل ليس أمر بالفطرة، وأن اسرائيل كانت محبوبة الغرب، وأنها بيديها قضت على مكانتها المتميزة.

من المؤسف أن دانا تلقي جزء من اللوم على “الدعاية”، ومن المؤسف انها لا تعرف بان هناك دول تعتقد انه من المستحيل اشراك ممثلي دولة شنت حملة قتل وتدمير هستيرية في غزة في احتفال موسيقي، ومؤسف انها لم تذكر بكلمة واحدة ما فعلته اسرائيل في غزة، لكن التوجه الذي حددته كاف لاثارة التقدير الكبير لها. في الاجواء العامة الحالية الامر يحتاج الى شجاعة كبيرة من اجل تجاوز الجوقة. قد لا تقوم البلديات الى احتفالات عيد الاستقلال، صدقوا المخبر شاي غليك. ولكن دانا لا تخشى أحد.

برزت شجاعتها وتميزها في المشهد الفني بشكل اكبر في نهاية الاسبوع الماضي، على خلفية التقرير المعسول الذي اعدته يونيت ليفي في “استوديو الجمعة”، حول اعادة عرض “الحمل الـ 16”. اربعة فنانين بارزين هم الاكثر حبا واعجابا في ارض اسرائيل الجميلة التي كانت ذات يوم، الذين نشأ معظمهم كاشخاص مدللين، وليسوا يمينيين، لا سمح الله، ومسيرتهم المهنية مزدهرة، هؤلاء ايدوا يونيت ليفي. من لا يحب غيدي غوب ودافيد بروزا ويهوديت رافيتس ويوني ريختر، كيف يمكن أن لا نحبهم؟. في نهاية التقرير ظهر ان ليفي تعتذر عن اثارة قضية سياسية: عريضة الفنانين التي وقع عليها غوب، والتي دعت الى انهاء الحرب في غزة. فجأة ظهرت المشكلة. ليفي ظهرت خائفة من نفسها، رفيتس طلبت الخروج، وغوب دافع عن موقفه بدون تلعثم، فقط كي ينهي هذا الجزء المزعج في التقرير. رفيتس قالت بانها لم تكن لتوقع على العريضة، لان الوقت الحالي ليس الوقت المناسب. فهناك مخطوفون وضحايا وعائلات. يا لهذا الامر المحرج.

النبرة الساخرة عادت بسرعة. يجب أن لا يقعوا في مشاكل، لا سمح الله، ليفي أو أخبار 12 أو الفنانين الناجحين. المشاهدون قد يغضبون اذا ذكرنا بان هناك اطفال في غزة لم يناموا منذ سنتين، وانه حتى “الحمل الـ 16” لن يستطيع مساعدتهم.

دانا هي مختلفة، تحية لها.

------------------------------------------

هآرتس 7/12/2025

 

ميزانية 2026 برؤية بن غفير ووزيرة “العار القومي”: سنوسع الجريمة في الوسط العربي

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

لقد تقرر زيادة ميزانية وزارة الأمن القومي للعام 2026 بما يتراوح بين 4.5 و6 مليارات شيكل، وفقًا لاتفاق مبدئي بين وزارة المالية ووزير الأمن القومي، بن غفير، وذلك في الاجتماع الذي أُقرت فيه الميزانية. المهمة الرئيسية التي يُفترض أن تتعامل معها الوزارة هي تزايد معدلات الجريمة في الشوارع العربية، وهذا هو الغرض الرئيسي من زيادة الميزانية. تُضاف هذه الزيادة إلى المليارات التي خُصصت للشرطة هذا العام، لنفس الغرض تمامًا.

لكن بالنسبة لوزيرة المساواة الاجتماعية، ماي غولان، هذا ليس كافيًا. اتضح أن الجريمة في المجتمعات العربية تُؤرقها. بسخرية سياسية، سعت غولان إلى تحويل 1.8 مليار شيكل من ميزانية الخطة الخمسية لتنمية المجتمع العربي إلى الشرطة، بزعم مكافحة الجريمة. لكن سبق أن تلقت الشرطة ل مليارات لهذا الغرض. ما حاجتها إلى 1.8 مليار شيكل أخرى؟ لا داعي لذلك. للوزيرة هدف واحد قبيح يُخجل الحكومة الإسرائيلية والدولة بأكملها: الإضرار بالمجتمع العربي.

اقتراح غولان ليس سوى تلاعب فظّ مُقنّع بذريعة القلق الأمني. إن الخطوة التي اتخذتها – إيقاف الخطة الخمسية في منتصفها، وتقليص المشاريع التي تم تخصيصها وتفعيلها، وتحويل الميزانيات من برامج التنمية الحيوية – غير مسبوقة. لم تُقدّم خطةً لاستخدام الأموال التي حوّلتها، بل أضرّت بمكافحة الجريمة لمحاولتها خفض ميزانيات الوقاية في مجالاتٍ مُختلفة: علاج الشباب المُتسربين من التعليم، ونظام تعليمي عربي مُتهالك، وبرامج كان من المفترض أن تُخفّض الجريمة أساساً. هذه الميزانيات هي ما أوقفته غولان تحديدًا.

حتى في حكومة اليمين المُتخاذلة، يبدو أن للإذلال المهني حدودًا. لم يستطع بن غفير شرح سبب حاجته إلى المزيد من الميزانيات، ولم تستطع غولان شرح كيفية سحبها ميزانيات من وزارات أخرى ونقلها إلى وزارة الأمن القومي. لهذا السبب، حُظرت هذه الخطوة. في غضون ذلك، سُحبت من يدها السيطرة على الميزانيات، ونُقلت إلى مكتب رئيس الوزراء. هذه هزيمة سياسية وشخصية لوزيرة تعرف كيف تُجنّب والدتها تحقيقات الشرطة، لكنها لا تعرف كيف تُدير وزارة حكومية.

لقد أحسن رئيس الوزراء صنعًا بوقف هذه الخطة الوهمية ووضع الوزيرة غير الكفؤة في مكانها. الآن، يجب إتمام الخطوة: انتزاع سلطة تنمية قطاع الأقليات من يدها نهائيًا، وإعادة هذه الهيئة المهمة إلى مكتب رئيس الوزراء. 20 في المئة من مواطني إسرائيل عرب. إذا لم تحترم الدولة مواطنتهم وترعاهم على قدم المساواة، فستتدهور أحوالها ككل. هذه مصلحة وطنية عليا.

------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

 

هآرتس 7/12/2025

 

 

إسرائيل تطوّر «سِمات تبعية إمبريالية» للولايات المتحدة: التغيير ليس سهلاً

 

 

بقلم: ليؤون هدار

 

هل تطورت إسرائيل من دولة قومية مستقلة إلى شيء يشبه مقاطعة داخل إمبراطورية أميركية غير رسمية؟ هذا السؤال غير مريح لكل من النخب الأميركية والإسرائيلية على حد سواء، لكنه يتطلب معالجة جدية، والإجابة أكثر تعقيداً مما يمكن للمدافعين عن "العلاقة الخاصة"، أو أشد منتقديها، أن يعترفوا به. لكن الأدلة تشير إلى علاقة باتت تشبه أكثر فأكثر علاقة تبعية إمبريالية مما هي شراكة استراتيجية.

تتلقى إسرائيل نحو 3.8 مليار دولار مساعدة عسكرية سنوية من الولايات المتحدة، وهو من الأعلى في العالم، وهذه المساعدة تترافق مع شروط لا تنحصر في المطالبة بشراء أنظمة أسلحة أميركية، بل تتعلق أيضاً باندماج أعمق للصناعة العسكرية - الأمنية الإسرائيلية مع شركات الدفاع الأميركية، فقرارات المشتريات الأمنية الإسرائيلية لا تُتخذ فقط في القدس، بل أيضاً، وبصورة متزايدة، بالتشاور مع - أو وفقاً لتوجيهات - واشنطن.

توجد أيضاً حالة تبعية أساسية أبعد من البعد الاقتصادي فقط، فالعزلة الدبلوماسية لإسرائيل في المنتديات الدولية تُجابَه تقريباً بالدفاع الأميركي فقط؛ ففي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفي المحكمة الجنائية الدولية، وفي عدة مؤسسات متعددة الأطراف، تعتمد إسرائيل على "الفيتو" والضغط والغطاء الدبلوماسي الأميركي لحمايتها من الإدانة والعقوبات الدولية، ولولا هذا الدفاع، لكانت إسرائيل ستواجه مستوى من العزلة كان سيقيد حرية عملها بصورة جوهرية.

وهذه العلاقة استنزفت بالتدريج استقلالية إسرائيل الاستراتيجية بطرق تعكس علاقات إمبريالية كلاسيكية؛ إذ تتطلب العمليات العسكرية الإسرائيلية على الأقل موافقة أميركية ضمنية؛ فمبادرات السياسة الخارجية المهمة - بدءاً من ضربات محتملة على منشآت نووية إيرانية، وحتى اتفاقيات التطبيع مع دول عربية - تنسَّق مع واشنطن، وغالباً تُوقَّت من جانبها. وعندما حاولت إسرائيل العمل باستقلالية، كما في جهود توسيع مستوطنات معينة، على سبيل المثال، أو في مبيعات أسلحة مقترحة للصين، أثبت الضغط الأميركي أنه حاسم في تغيير المسار.

وهذا يمثل انحرافاً واضحاً عن فترات مبكرة في التاريخ الإسرائيلي؛ إذ فهم دافيد بن غوريون أن إسرائيل تحتاج إلى دعم قوة عظمى، لكن الحكومات الأولى احتفظت أيضاً بعلاقات مع قوى متعددة، وحافظت على استقلالية كبيرة في اتخاذ القرار، أمّا، اليوم، فإسرائيل أصبحت أحادية في علاقاتها مع القوى أكثر فأكثر، واضعة كل البيض في السلة الأميركية، تماماً في اللحظة التي تواجه فيها الهيمنة الأميركية تحديات غير مسبوقة.

ويصر المدافعون عن الترتيبات الحالية على توصيف العلاقة كشراكة بين متساويَين، أو حتى كعلاقة تقدم فيها إسرائيل إلى الولايات المتحدة قيمة أكبر مما تتلقاه، وهذا السرد يحجب الهرمية الأساسية الفاعلة؛ فالشركاء يتفاوضون، بينما المقاطعات تتقدم بطلبات، كما أن الشركاء يمكنهم الاختلاف من دون عواقب وجودية، أمّا الدول التابعة، فتخاطر بالتخلي عنها.

كذلك، فإن اللغة نفسها تكشف الطبيعة الحقيقية للعلاقة؛ فهناك مسؤولون إسرائيليون يتحدثون عن "الصداقة" و"الدعم" الأميركي، ليس كإحدى العلاقات الدبلوماسية العديدة، إنما كعلاقة أساسية لبقاء قومي، وهذه ليست لغة شراكة، إنما لغة تبعية.

هذه العلاقة شبه الإمبريالية تفرض أثماناً غير حاضرة بما يكفي في النقاش العام، وتقيد المرونة الدبلوماسية لإسرائيل في وقت يتشتت فيه النظام الدولي إلى مراكز قوة متعددة، وكلما تضاءلت قوة أميركا النسبية أمام قوى صاعدة كالصين، والهند، ولاعبين إقليميين، تجد إسرائيل نفسها مقيدة بتطوير علاقات مع مراكز نفوذ ناشئة. وتبرهن المخاوف الأميركية بشأن نقل التكنولوجيا الإسرائيلية إلى الصين، أو حياد إسرائيل تجاه روسيا، كيف أن وضع المقاطعة يقيد السياسة الخارجية المستقلة.

ثانياً، فإن الدعم الأميركي غير المشروط أضعف، كما يبدو، الدبلوماسية الإسرائيلية؛ فعندما تعلم دولة زبونة أنها ستُحمى من عواقب أفعالها، تفقد الانضباط الذي يأتي من الحاجة إلى المناورة في علاقات دولية من دون شبكة أمان. ومشروع الاستيطان، والعمليات العسكرية ذات الإصابات المدنية الكبيرة، ورفض مبادرات دبلوماسية، كلها أمور تحدث في سياق يُفترض في خضمه بالحماية الأميركية أن تكون معطاة لا مكتسَبة.

ثالثاً، تنشئ العلاقة خطراً أخلاقياً على السياسة الخارجية الأميركية؛ إذ تجد الولايات المتحدة نفوذها الدبلوماسي في الشرق الأوسط متضرراً بسبب دعمها غير المشروط للمواقف الإسرائيلية، فهناك دول عربية، ودول ذات أغلبية مسلمة، لا ترى واشنطن وسيطاً نزيهاً، إنما تراها محامياً عن إسرائيل، وهذه النظرة تضر بالمصالح الأميركية، وتقلص التأثير الأميركي تماماً حين تكون الدبلوماسية المعقدة ضرورية في منطقة تمر بتغيُّر عميق.

والمقلق أكثر هو ما يحدث عندما تدخل الإمبراطورية مرحلة خطِرة، فالتراجع النسبي لأميركا لم يعد افتراضاً، إنما صار واقعاً قابلاً للملاحظة؛ فالإرهاق العسكري في العراق وأفغانستان، والأزمة المالية، وصعود الصين كمنافس مساوٍ، والتدهور السياسي المتزايد في واشنطن، كل ذلك يشير إلى أميركا ذات قدرة متناقصة على الحفاظ على التزامات بعيدة المدى.

وما الذي يحدث للمقاطعات عندما تنسحب الإمبراطورية؟ التاريخ يقول، إن الدول الزبونة غالباً تجد نفسها متروكة، أو أسوأ، عالقة في نيران المنافسة بين القوى الكبرى. تبدو علاقة إسرائيل الأحادية بالقوة الأميركية أكثر خطورة في عالم لم يعد من الممكن التعامل فيه مع الهيمنة الأميركية على أنها مفهومة ضمناً بعد الآن.

والبديل ليس معاداة أميركا أو قطع العلاقات مع واشنطن، إنما يتوجب على إسرائيل، بدلاً من ذلك، تطوير نوع من الاستقلالية الاستراتيجية التي ميزت الدبلوماسية الصهيونية المبكرة، وهذا يعني تنويع العلاقات مع مراكز قوة متعددة، وتقليل التبعية للمساعدة العسكرية الأميركية (التي تقيد بقدر ما تُمَكِّنُ)، وتطوير قدرات دبلوماسية مستقلة.

لقد أثبتت اتفاقيات أبراهام أن إسرائيل يمكن أن تحقق اختراقات دبلوماسية عبر انخراط إقليمي بدلاً من الاعتماد الحصري على الوساطة الأميركية، وتشير العلاقة المتنامية مع الهند، والحفاظ على علاقات معقدة مع روسيا، وحتى الإدارة الحذرة للعلاقات الاقتصادية مع الصين، إلى وجود سياسة خارجية أكثر نضجاً ومتعددة الأبعاد.

وقد فهم مؤسسو إسرائيل أن البقاء يتطلّب قدرات ماهرة في سياسة القوى الكبرى من دون الارتهان لراعٍ واحد، فوازن بن غوريون بين الدعم البريطاني والأميركي وحتى السوفياتي في فترة إسرائيل الأولى، لكنّ هذا التقليد من المرونة الاستراتيجية تآكل مع استقرار إسرائيل في الدور المريح، لكنه في النهاية مقيد، وحوّلها إلى دولة رعاية أميركية.

فهل أصبحت إسرائيل مقاطعة في الإمبراطورية الأميركية؟ تُظهر العلاقة العديد من سمات التبعية الإمبريالية: اعتماد مالي، وحماية دبلوماسية، وفقدان استقلالية استراتيجية، ولغة تبعية وجودية، ومع ذلك، تختلف عن علاقات إمبريالية كلاسيكية بطرق مهمة، بحيث لا يوجد حكم أميركي مباشر، وإسرائيل تحتفظ باستقلالية محلية كبيرة.

ربما يكون الوصف الأدق أن إسرائيل تقع في مكان ما بين تحالف رسمي وإمبراطورية غير رسمية، أي دولة زبونة، وربما مميّزة بامتيازات فريدة، لكنها مع ذلك تبقى دولة زبونة. بالنسبة إلى إسرائيليين وأميركيين، فإنهم يقدّرون شراكة حقيقية واستقلالية إسرائيلية، وهذا سبب للقلق وإعادة التفكير.

والسؤال الحقيقي ليس إذا ما صارت إسرائيل مقاطعة، إنما إن كانت قادرة على العودة إلى الاستقلالية الاستراتيجية الحقيقية قبل أن يتركها الانسحاب الحتمي للإمبراطورية الأميركية مكشوفة بصورة خطِرة. كلما بقيت إسرائيل في علاقة شبه مقاطعية لمدة أطول صار الانتقال أكثر ألماً وصعوبة. ويُظهِر التاريخ أن المقاطعات نادراً ما تختار الاستقلال قبل أن تغادر الإمبراطورية، وعندها تكون الخيارات أكثر محدودية وأكثر تكلفة.

 

إن الوقت مناسب لإسرائيل لإعادة تعزيز استقلاليتها الاستراتيجية، الآن، بينما القوة الأميركية لا تزال كبيرة بما يكفي لجعل الانتقال قابلاً للإدارة، وليس صادماً. لكن هذا يتطلب محادثات غير مريحة في كل من القدس وواشنطن، لكن تبقى أفضل من اليقظة القاسية التي تأتي حتماً عندما تتراجع الإمبراطوريات وتُترك المقاطعات لتتدبر أمرها وحدها.

-----------------انتهت النشرة-------------

disqus comments here