المشهد السياسي الإسرائيلي الراهن: الائتلاف الحاكم، المعارضة، والخارطة الحزبية تحت سيطرة نتنياهو

يعيش النظام السياسي في إسرائيل مرحلة معقّدة تتسم بالهشاشة البنيوية من جهة، وبالقدرة على الاستمرار بفعل براعة القيادة السياسية من جهة أخرى. ففي ظل انقسامات داخلية متنامية وضغوط اقتصادية وأمنية متواصلة، يبرز رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كلاعب مركزي يتحكم بمسار الائتلاف والمعارضة معاً. ويشكّل حضور الأحزاب الحريدية، إضافة إلى الصهيونية الدينية، محوراً أساسياً في معادلة الحكم الراهنة، فيما تعاني المعارضة من ضعف تنظيمي واستراتيجي يحد من قدرتها على تشكيل بديل سياسي فعّال. هذا الواقع ينعكس على الخارطة الحزبية الإسرائيلية التي أعادت ترتيب أولوياتها على أساس الاصطفاف حول شخص نتنياهو أكثر من أي برنامج أيديولوجي آخر.

الائتلاف الحاكم والحريديم:

يقوم الائتلاف الحكومي الحالي على تحالف متداخل بين حزب "الليكود" بزعامة نتنياهو، والأحزاب الحريدية مثل "شاس" و"يهدوت هتوراة"، وأحزاب اليمين الديني المتطرف. ورغم تباين المصالح بين هذه الأطراف، فإنها تلتقي عند نقطة مركزية تتمثل في الاعتماد على شخصية نتنياهو كضامن أساسي للاستقرار الحكومي. فالأحزاب الحريدية تستفيد من بقاء الائتلاف لتحقيق مكاسب في مجالات التعليم، والميزانيات الاجتماعية، والإعفاءات العسكرية، بينما ترى القوى اليمينية المتشددة في نتنياهو مظلة سياسية تتيح لها تنفيذ أجندتها الأمنية والاستيطانية. وفي هذا السياق، يتمكن نتنياهو من إدارة التوازنات الدقيقة، مقدّماً تنازلات مدروسة لكل طرف، ما يسمح ببقاء الائتلاف رغم هشاشته البنيوية وكثرة التهديدات بالانسحاب.

المعارضة وأزماتها:

على الضفة الأخرى، تعاني المعارضة الإسرائيلية من تشرذم واضح يضعف فعاليتها السياسية. فالأحزاب المركزية مثل "هناك مستقبل" بزعامة يائير لابيد و"المعسكر الرسمي" بقيادة بيني غانتس لم تتمكن حتى الآن من صياغة برنامج موحد أو تحالف مستقر قادر على منافسة نتنياهو. كما أن العلاقة مع الأحزاب العربية تتأرجح بين التعاون التكتيكي والانفصال الكامل، وهو ما يعكس غياب استراتيجية شاملة لدمجها ضمن كتلة معارضة واحدة. هذا التشتت يجعل المعارضة عاجزة عن التأثير الحقيقي في التشريعات المثيرة للجدل مثل قانون التجنيد أو محاولات تعزيز الطابع الديني للدولة، وهو ما يمنح نتنياهو مساحة أوسع للتحرك، ويكرّس صورة ضعف المعارضة أمام الجمهور الإسرائيلي.

 الخارطة الحزبية وإعادة الاصطفاف:

تُظهر الخارطة الحزبية في إسرائيل تحولاً جوهرياً في طبيعة الاستقطاب السياسي، إذ لم يعد الانقسام التقليدي بين اليمين واليسار أو حتى بين المركز والأطراف هو المحرك الأساسي للعملية السياسية. بل باتت الثنائية "مع نتنياهو أو ضد نتنياهو" هي التي تحدد اتجاهات التحالفات، وترسم ملامح الصراع الداخلي. هذا الانقسام الشخصي حول زعامة نتنياهو يجعل من شخصه مركز الثقل الذي يدور حوله النظام السياسي برمته، سواء داخل الحكومة أو في أوساط المعارضة. وبذلك، تظل سيطرة نتنياهو قائمة رغم أزماته القضائية ومحاولات خصومه لإزاحته، حيث يواصل لعب دور الموازن بين التيارات المختلفة، والحامي لمصالح الشركاء، والضامن لاستمرار المشروع السياسي اليميني.

في المحصلة، يعكس المشهد الإسرائيلي الراهن حالة من التعقيد السياسي القائم على معادلة دقيقة بين هشاشة البنية الحزبية من جهة، وقوة السيطرة الشخصية لنتنياهو من جهة أخرى. فالائتلاف يعتمد على مصالح متناقضة تجمعها مظلته، والمعارضة عاجزة عن بلورة بديل منظم، والخارطة الحزبية تتشكل وفق موقع كل حزب من شخص نتنياهو أكثر من أي انتماء أيديولوجي. هذه الديناميكية تجعل من نتنياهو الفاعل الأبرز في السياسة الإسرائيلية، قادراً على إدارة التوازنات الداخلية رغم التحديات، ومكرّساً لمشهد تتقدّم فيه القيادة الفردية على المؤسسات الحزبية والبرلمانية.

disqus comments here