العبوات الناسفة.. السلاح الذي تخشاه إسرائيل في شوارع الضفة

إلقاء الحجارة ثم الطعن ثم القنابل اليدوية ثم عمليات إطلاق النار، ثم العبوات الناسفة محلية الصنع، على هذا النحو بالإمكان استعراض تاريخ تكتيكات الانتفاضة الأولى، وهو ما ينطبق إلى حد ما على الانتفاضة الثانية.

ولا يعني دخول تكيتك ما للعمل المقاوم، استبعاد أسلافه من جعبة الثائرين، هذا التطور في السلاح، يرافقه تعاظم الخسائر البشرية في صفوف جيش الاحتلال والمستوطنين.

 

“العبوات الناسفة” في الانتفاضات تأتي دومًا بشكل تدريجي، عندما تنتقل الأحداث من طور العفوية الشعبي إلى مرحلة التنظيم التدقيق، في الانتفاضة الأولى بدأت العبوات الناسفة باستهداف جيش الاحتلال في مساراته، ثم انتقلت إلى استهداف الحافلات التي تقل المستوطنين في الضفة الغربية، ولاحقًا لاستهداف الحافلات والمطاعم في عمق التجمعات السكنية داخل الخط الأخضر، وفق وسائل إعلام عبرية.

والعبوات هي السيف الذي يبدد شعور الإسرائيليين بالأمن الشخصي، ففي الانتفاضة الثانية حصدت غالبية القتلى، وهي التي أطاحت بدرة التصنيع العسكري الإسرائيلي، حينها، عندما أحالت دبابة “ميركافا” إلى أشلاء من الفولاذ، وقبل ذلك، في كمين منزل محمود الطوالبة، خلال معركة جنين الأولى، فتكت العبوات بقوة نخبة من كتيبة “نحشون” التابعة للواء المدرعات.

وبعد تفجير العبوة الناسفة بمصفحة “الفهد” في محيط مخيم جنين، شهر حزيران/يونيو، وإصابة ستة جنود، كشف أمير بخبوط، المعلق العسكري لموقع “والا” العبري، أن المنظومة الاستخبارية قدمت إنذارات للجيش حول اتساع نطاق مختبرات تصنيع العبوات الناسفة وبطريقة استخدامها من جانب المسلحين في مخيم جنين، وأنها تحولت لخطر محدق على حرية الحركة لقوات الجيش في الضفة الغربية، وبناء على ذلك صدرت التوصية بتنفيذ اجتياح مخيم جنين من أجل تجريد المسلحين من قدراتهم في مجال تصنيع العبوات الناسفة واستخدامها.

 

وخلال اجتياحه لمخيم جنين،أعلن الجيش أنه عثر على مختبرات لتصنيع عبوات ناسفة من مواد ذات استخدام مشترك عسكري ومدني، وصادر المئات من العبوات الناسفة، ودمر شوارع معبدة تزيد مسافتها عن كيلومتر، بزعم التخوف من وجود عبوات ناسفة كبيرة تحت الإسفلت.

بعد تدمير مصفحة “الفهد”، اعتبرت قيادة المنطقة الوسطى -الضفة الغربية- في جيش الاحتلال العملية “أمرًا خطيرًا وصادمًا، وتغييرًا في قواعد اللعبة”.

وأجرى جيش الاحتلال تحقيقًا في الحادثة لاستخلاص العبر منها، وبالتالي كان يحتاج معلومات استخبارية لمعرفة لتشخيص الخلل الذي أسفر عن وقوع “الفهد” وبقية القافلة في كمين العبوة الناسفة، لأن ذلك يعني أن المقاومين في المخيم كانوا يعرفون مسار اقتحام القافلة ومسار انسحابها أيضًا.

ربما بإمكان جيش الاحتلال و”الشاباك” تبرير عملية تدمير “الفهد” والفشل في كشف العبوات مسبقًا بأنها كانت عملية خاطفة، فبمجرد وصول “المعلومة الذهبية” عن وجود “المطلوبين” انطلقت القوات بسرعة وانسحبت بسرعة، ولم يكن لديها الوقت لتأمين المنطقة سلفًا، لكن ذلك يعني أن المقاومين في جنين أيضًا لديهم سرعة استجابة وعبوات فتاكة لم يدخلها “الشاباك” في حساباته لحظة اتخاذ قرار تنفيذ العملية الخاطفة.

تفجير حزيران/يونيو في جنين تكرر في نابلس آخر أيام آب/أغسطس، ولكن هذه المرة تجلى الفشل في الاستطلاع التكتيكي والعجز الاستخباري بشكل أوضح، فالعملية هنا لم تكن خاطفة، بل إن مسار الدوريات محدد مسبقًا، كما لم ترصد طائرات الاستطلاع التابعة لاستخبارات الجيش “أمان” عملية زرع العبوة الناسفة الكبيرة نسبيًا ولا وجودها، كما أن “الشاباك” لم يكن على علم مسبق بها.

إضافة لذلك لم ينجح الجهازان في اكتشاف مجموعة الاستطلاع الفلسطينية التي أعطت الضوء الأخضر لتفجير العبوة الناسفة لحظة اقتراب القوة الراجلة التي كانت مكلفة أصلاً باستطلاع الميدان، وفقًا لإذاعة جيش الاحتلال.

“عبوة نابلس”، تؤكد أن جيش الاحتلال لم يحقق هدفه بتجريد المقاومين من قدراتهم على إنتاج العبوات الناسفة الذي كان أحد أهداف مخيم جنين.

وبخلاف عملية افتراس مصفحة الفهد التي تمت بطريقة التفجير السلكي، فقد كان التفجير في نابلس عن بعد، إذ انتظر المقاتلون وصول القوة إلى الموقع وترجلهم من المركبة ثم فجروها.

والأخطر من ذلك أن دائرة استخدام العبوات لم تعد تقتصر على جنين بل توسعت لتشمل نابلس، وفق إعلام الاحتلال.

وفي تقريرها حول “عبوة نابلس”، أوضحت القناة 12 الإسرائيلية أنها “عبوة كبيرة نسبيًا، تزن حوالي 20 كغم، والفحص الأولي أظهر أنها لا تحتوي على مادة متفجرة عادية، ولكن لزيادة تأثير الانفجار أضيفت لها البراغي والمسامير، ولهذا السبب جاء تأثير الانفجار كبيرًا جدًا.

وأضافت، أن “عبوة نابلس تثير قلق المؤسسة الأمنية، إذ يُمكن من مسافة بعيدة رؤية صورة الانفجار وأعمدة الدخان، إلى جانب اللون الذي قد يشير إلى مادة متفجرة يتم تجميعها في مختبرات مرتجلة من الأسمدة والمكونات الأخرى”.

 

وأظهر تحقيق جيش الاحتلال في تفجير “عبوة نابلس”، وفقًا لما نشر موقع “واللا”، أن العبوة زرعت على طرف الشارع قرب صخور ساعدت على إخفائها، وأخذت خلية استطلاع تراقب الوضع، ثم في اللحظة المناسبة أعطت الضوء الأخضر لشخص كان دوره تفجير العبوة، ليُصاب ضابط وثلاثة جنود بجروح خطيرة ومتوسطة.

في عقول منظري الحرب الإسرائيليين، العبوات الناسفة تستدعي “ميزان الرعب” الذين يعني تفجير العبوات الناسفة التي يحملها الشبان في قلب التجمعات السكنية اليهودية، وهو خيار يلجأ إليه الفلسطينيون في ظل تزايد ضحاياهم المدنيين سواء بنيران الجيش أو المستوطنين كما حدث ردًا على مذبحة الحرم الإبراهيمي.

وفي الأثناء، حذر ضباط في لواء “الكوماندوز” في جيش الاحتلال الإسرائيلي من المخاطر التي تمثلها العبوات الناسفة التي يستخدمها المقاومون في الضفة الغربية.

ونقل موقع “والا” عن ضباط في اللواء الذي يضم الوحدات الخاصة في جيش الاحتلال، قولهم في جلسات مغلقة، إنهم باتوا يشعرون بتأثير النقص في العربات المصفحة بسبب تأثير العبوات الناسفة التي يستخدمها المقاومون.

وحسب ما زعم الضباط، فإن العلاقة بين إيران والعبوات التي باتت تستخدم كثيراً في الضفة الغربية، تتمثل بتمويل طهران إنتاج هذه العبوات وتوجيه المقاومين لكيفية إعدادها، وفق زعم الموقع.

وأشار الموقع إلى أن تحذيرات الضباط جاءت في أعقاب إصابة ضابط وثلاثة من جنود وحدة “إيجوز” الخاصة في انفجار عبوة ناسفة عندما كانوا يؤمنون اقتحام مستوطنين لقبر يوسف في نابلس قبل أيام.

ووجه الضباط انتقادات للأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية التي لا توفر المعلومات الدقيقة اللازمة قبل توجه الوحدات الخاصة لتنفيذ عمليات في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ودعا الجيش إلى الاستعداد بشكل مختلف قبل تنفيذه عمليات داخل المدن والبلدات ومخيمات اللاجئين في الضفة، في ظل التهديدات التي باتت تمثلها العبوات.

وزعم الضباط أيضاً أن حركات المقاومة في الضفة الغربية كثفت أخيراً من إنتاج العبوات الناسفة، فضلاً عن نجاحها في تهريب “عبوات تقنية” عبر الحدود واستخدامها ضد قوات الاحتلال خلال اقتحاماتها.

وتوقع الضباط أن يتعاظم خطر العبوات الناسفة التي يستخدمها المقاومون الفلسطينيون في الضفة الغربية، مشيرين إلى أن الكشف عن معمل إنتاج العبوات الناسفة في جنين قبل شهرين يدل على حجم المشكلة.

disqus comments here