“نائب الرئيس الفلسطيني: من محاولة التوريث السياسي إلى إعادة إنتاج الشرعية؟”

مقدمة: قيادة في الفراغ، وشرعية على حافة التآكل
في لحظة مفصلية من التاريخ الفلسطيني، حيث يواجه المشروع الوطني أسوأ تهديداته منذ النكبة، يأتي قرار الرئيس محمود عباس باستحداث منصب “نائب رئيس منظمة التحرير ودولة فلسطين” كخطوة تحمل أبعادًا تتجاوز مجرد التنظيم المؤسسي. إنها محاولة لإعادة ترتيب مشهد القيادة تحت ضغط الزمان السياسي، والانهيار الجغرافي في غزة، وتفكك البنية الوطنية في الضفة، وسط اشتداد الهجوم الإسرائيلي المزدوج: التدمير الفيزيائي في الجنوب والتفكيك السياسي في الشمال.
منصب نائب الرئيس: توريث أم تحصين للشرعية؟
بعيدًا عن التفسيرات الإدارية، فإن استحداث هذا المنصب في غياب انتخابات ومجلس تشريعي فاعل، يفتح الباب لعدة قراءات:
قراءة براغماتية: المنصب ضرورة تنظيمية في ظل التحديات السياسية وشيخوخة القيادة، ومحاولة لمنع الفراغ الدستوري في حالة غياب الرئيس.
قراءة نُخبوية: إعادة توزيع للسلطة داخل النخبة الحاكمة، خصوصًا بين محور “التنسيق الأمني” بقيادة حسين الشيخ، ومحور “الشرعية التاريخية” الذي ما زال يمثل شخصيات كاشتية.
قراءة استعمارية: محاولة إسرائيلية غير مباشرة لإنتاج قيادة ما بعد عباس، تكون “مقبولة أمنيًا”، وتتماهى مع منطق إدارة السكان لا تمثيلهم.
. لماذا لا تكون نائبة الرئيس امرأة؟ ولماذا لا يأتي من الشتات؟
وسط انغلاق الخيارات التقليدية وتكرار الأسماء ذاتها في دوائر القرار، تبرز أسئلة جوهرية حول غياب التمثيل الحقيقي للمرأة الفلسطينية، التي دفعت وما زالت تدفع أثمانًا فادحة في النضال الوطني، دون أن تُترجم تضحياتها إلى مواقع قيادية فاعلة. ألا يُعد استحداث المنصب فرصة تاريخية لكسر هذا الاحتكار الذكوري للقيادة؟
كما أن تجاهل الفلسطينيين في الشتات، الذين يُشكّلون أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، يُعيد إنتاج سردية محلية ضيقة للتمثيل الوطني. فلماذا لا يكون نائب الرئيس القادم صوتًا من مخيمات اللجوء، أو من فلسطينيي أوروبا وأمريكا اللاتينية؟ أليس الشتات هو المخزون الأعمق لفكرة العودة والهوية الوطنية العابرة للجغرافيا؟
توسيع خيال القيادة لا يعني فقط اختيار اسم جديد، بل يعني تفكيك المنظومة التقليدية التي تُعيد إنتاج ذاتها منذ عقود. تعيين امرأة، أو فلسطيني من الشتات، كنائب للرئيس، سيكون فعلًا سياسيًا رمزيًا يعيد تعريف من يُمثّل القضية، ولمن تُوجَّه الرسائل الوطنية
. هل من مرشحين؟
رغم غياب التوافق الوطني، يبقى المشهد منفتحًا على أسماء متعددة تُطرح في الكواليس، بعضها من داخل حركة فتح، وبعضها الآخر من خارجها أو من تيارات إقليمية. لكن التركيز على الأسماء قد يحجب السؤال الأهم: أي مشروع سيُحمّل لهذا المنصب؟ وأي تمثيل يُراد تعزيزه؟
إن تعدد الأسماء لا يعكس بالضرورة تنوع البدائل، بل يعكس تصدّع النظام السياسي الفلسطيني نفسه، حيث تتصارع مراكز القوة على “من يخلف الرجل”، بدلًا من طرح السؤال الأعمق: “أي مشروع نحتاجه؟”
غزة والضفة: ثنائية التفكك في مقابل ثنائية القيادة
بينما تُدمَّر غزة ماديًا، تُفرَّغ الضفة من مضمونها السياسي. التهجير في الجنوب يتزامن مع اغتيال السياسة في الشمال. ولذلك، يصبح الصراع على من يشغل موقع نائب الرئيس صراعًا على من يملك حق تمثيل الفلسطيني في لحظة صمت البنادق وخفوت المشروع الوطني.
1.الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – مقاطعة مبدئية ورفض للشرعية المنتجة من الأعلى
• أعلنت الجبهة الشعبية مقاطعتها لاجتماع المجلس المركزي، في موقف سياسي واضح يُعبّر عن رفضها لمسار التفرد في القرار.
• ترى أن القرارات المصيرية – استحداث منصب نائب الرئيس – لا يجب أن تُتخذ من داخل مؤسسات غير منتخبة، ولا في ظل غياب توافق وطني.
• تُصر على ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير عبر انتخابات جديدة وإصلاحات داخلية تُعيد تمثيل الكل الفلسطيني.
• من وجهة نظرها، فإن خطوة نائب الرئيس قد تتحول من حل تنظيمي إلى أزمة تمثيل، ما لم تُربط بمسار إصلاحي شامل يعيد الاعتبار لوحدة القرار الفلسطيني.
2. الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين – حضور متحفظ وانتقاد داخلي
تحافظ على وجودها داخل المنظمة مع تسجيل اعتراضات على سياسات التفرد. تعتبر أن استحداث المنصب يمثل خللًا في أولويات الإصلاح السياسي ما لم يُقرن بتوافق وطني
3. حركتا حماس والجهاد الإسلامي – خارج الإطار رسميًا
• غير ممثلتين في مؤسسات منظمة التحرير، رغم محاولات الحوار والمصالحة السابقة.
• تعتبران أن كل قرارات المنظمة الحالية لا تمثل الإجماع الوطني، وأن استمرار تجاهلها يُكرّس الانقسام.
• أي خطوة مثل تعيين نائب للرئيس من داخل هذا الإطار تُعتبر تثبيتًا للشرعية الأحادية.
4. فصائل صغيرة – حضور رمزي بلا وزن سياسي
• بعض الفصائل الأصغر (مثل حزب فدا، جبهة النضال الشعبي…) تُشارك، لكنها فعليًا تسير ضمن توجهات حركة فتح، وتفتقر إلى قواعد جماهيرية أو تأثير مستقل.
النتيجة السياسية: شرعية منقوصة ومسار محفوف بالمخاطر
إن استحداث منصب نائب الرئيس في ظل غياب قوى رئيسية ومقاطعة أخرى، يُنتج شرعية منقوصة ويُعمّق الفجوة بين المؤسسة الرسمية والواقع الفلسطيني، ما لم يُقرن بخطوات حقيقية نحو تجديد الشرعية التمثيلية وتعزيز المشاركة الوطنية
.الخاتمة
نائب الرئيس القادم… مشروع إنقاذ أم إعادة إنتاج؟
السؤال المركزي ليس من يشغل المنصب، بل أي مشروع سيحمله، ومن سيمثّل فعلًا الشعب الفلسطيني. فإما أن يكون تعيين نائب الرئيس لحظة انفتاح على قوى مُهمّشة كالمرأة والشتات، ومدخلًا لإعادة بناء المنظمة على أسس تمثيلية شاملة، أو يتحوّل إلى محطة جديدة لإعادة إنتاج سلطة مشلولة ومغتربة عن شعبها.
في الحالتين، اللحظة تفرض تحديًا أخلاقيًا وسياسيًا على النخبة الفلسطينية: هل ستبقى رهينة حسابات الداخل المغلق، أم تنفتح على أفق وطني جامع يليق بما تبقّى من حلم التحرر