لا صدفة في تغيير المفاهيم

تلتزم منظمة التحرير الفلسطينية والمؤسسات المتفرعة عنها بما في ذلك الدولة والحكومة والدوائر المنبثقة عنها بمبدأ عدم التدخل في الشؤون العربية، وعدم السماح للدول الشقيقة بالتدخل في الشؤون الفلسطينية، وإن لم تلتزم القوى الفلسطينية كافة بالمبدأ المذكور، وكذا لم يلتزم جزء كبير من الدول بعدم التدخل، مع ذلك يبقى هذا المبدأ ناظم للعلاقات التبادلية بين المنظمة والدول الشقيقة. ورغم تأكيد المنظمة في الزيارات القيادية بقيادة الرئيس محمود عباس لها، وخاصة من الدول التي تحتضن أراضيها قسما من اللاجئين الفلسطينيين، على تكريس سيادة الدول على أراضيها، والالتزام بكون مؤسساتها السياسية والأمنية واللوجستية هي صاحبة الولاية والمسؤولة الأولى والأخيرة على أراضيها، الا ان هناك شقا يتعلق بحقوق ومصالح اللاجئين الفلسطينيين تحرص قيادة المنظمة على الاهتمام به، وتسعى عبر الحوار المسؤول مع القيادات العربية ذات الصلة في دول الطوق خاصة، وحيثما تواجد الفلسطينيون عموما لحماية تلك الحقوق وتعزيزها بما يخدم اللاجئ الفلسطيني والدول الشقيقة على المستويات المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والديمغرافية.
في الآونة الأخيرة لاحظ الفلسطينيون استبدال مفهوم او مصطلح "لاجئ فلسطيني" بمفهوم غريب "أجنبي مقيم" على الوثائق والمعاملات وسجلات الأحوال المدنية السورية، التي جاءت بعد تولي نظام الشرع (أبو محمد الجولاني) مهامه نهاية عام 2024، بعد سقوط نظام بشار الأسد، مما أثار جدلا واسعا في أوساط أبناء الشعب العربي الفلسطيني المقيمين في سوريا، وطرح أسئلة عديدة عن مستقبل العلاقات الثنائية المشتركة بين أبناء الشعبين الشقيقين والقيادتين الفلسطينية والسورية. لا سيما وان هناك القانون 260 الصادر عام 1956، في عهد الرئيس شكري القوتلي، الذي صادق عليه البرلمان السوري آنذاك، وحدد بشكل قاطع وواضح مكانة الفلسطيني اللاجئ في سوريا، حيث ساوى بين اللاجئ الفلسطيني والمواطن السوري في كل الحقوق والواجبات، باستثناء حق التصويت والترشح في الانتخابات، الوصول الى بعض المناصب السياسية، وتضمنت مادة القانون الأولى النص التالي "يعتبر الفلسطينيون المقيمون في أراضي الجمهورية العربية السورية بتاريخ هذا القانون كالسوريين أصلا في جميع ما نصت عليه القوانين والأنظمة النافذة المتعلقة بحقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم مع احتفاظهم بجنسيتهم الاصلية."
وعلى إثر ذلك، نفى المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا، وجود أي تغيير في توصيف اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، مؤكدا أن وضعهم القانوني لا زال يستند الى المرسوم 260، وأوضح ل"العربي الجديد"، أن "ما حصل هو إشكال تقني وفني، سببه أن الفلسطينيين في ادلب كانوا يسجلون ضمن دائرة المهاجرين بصفة فلسطيني مقيم أو غير مقيم. عند توحيد السجلات المدنية في ادلب مع باقي المحافظات، بعد ان كانت ادلب خارج المنظومة الرسمية في زمن النظام السابق، حصل هذا الارباك، وهو أمر غير مقصود، لكنه طبيعي في المراحل الأولى من التجربة."
ولو كان الامر كذلك، كان يجب ان يجري تنظيم السجلات المدنية في ادلب وفقا للسجلات المدنية في العاصمة ومركز قرار النظام الجديد، لا العكس، وبالتالي يتوجب على اهل النظام الجديد تعديل المفهوم، وإعادته الى الأصل الناظم لتحديد مكانة اللاجئ الفلسطيني في سوريا، وتجاوز الخلل التقني والفني، حتى لا يبقى القلق والريبة والاسئلة المثارة محل جدل، وأخذ ورد. لكن في حال لم يتغير الخلل فإن المفهوم الجديد يعكس تحولا تجاه مكانة الفلسطيني، لان بقائه له دلالات سياسية وقانونية واجتماعية واقتصادية وتربوية، لها ارتدادات جوهرية على حياة اللاجئ الفلسطيني في سوريا سيحملها المستقبل المنظور تدريجيا، حيث يمكن تمريرها خطوة خطوة.
ووفق ما ذكر المحامي الفلسطيني ايمن أبو هاشم ل"العربي الجديد"، إن "اللاجئين الفلسطينيين في سوريا يتمتعون منذ عقود بوضع قانوني خاص يميزهم عن الأجانب، فهم يحملون وثيقة سفر خاصة تشبه الجواز السوري، ويسجلون لدى الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، وهي هيئة حكومية تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية، ويذكر في قيدهم المدني انهم (لاجئون فلسطينيون)، ويتمتعون بمعظم الحقوق التي يتمتع بها المواطن السوري باستثناء الجنسية والانتخابات والترشح." ويعمق أبو هاشم فكرته في قراءة دلالات تغيير الصفة في الوثائق المدنية، أن ذلك يعني "عدم الاعتراف الرسمي بصفة اللاجئ، التي لها وضع دولي خاص يحظى بالحماية بموجب قرارات الأمم المتحدة، إضافة الى تغيير المرجعية القانونية للفلسطيني في سوريا، والذي يخضع للهيئة العامة للاجئين الفلسطيني، بينما المقيم الأجنبي يخضع لإدارة الهجرة والجوازات، مما سيحرم الفلسطيني من بعض الحقوق (لا بل جلها) التي كان يتمتع بها، مثل التعليم والصحة والعمل الحكومي، أو على الأقل يجري تقييدها بشروط، إضافة الى التأثير على حق الإقامة ووثائق السفر، وعلى قدرة الفلسطيني على التملك أو الزواج." وتابع "هناك فرضيتان، إما أن هناك خطأ تقنيا، كما جاء في خبر صغير ورد على قناة الاخبار السورية، وفي هذه الحالة يقع على عاتق الحكومة مسؤولية تصحيح هذا الخطأ، أو انها سياسة جديدة لا نعلم مدلولاتها حتى الان، خاصة ان الأمر تكرر في كل المحافظات." والصحيح ان دلالاتها معروفة وخطيرة، وتعني الغاء ما حمله القانون 260 لعام 1956.
باختصار شديد، ودون إطالة الحديث حول ما كان، وما سيكون عليه الوضع القادم للاجئ الفلسطيني، تملي الضرورة تصويب الخطأ التقني والفني، إن كان الامر كذلك، او ليعلن النظام صراحة عن سياسته الجديدة تجاه الفلسطيني، وفي مطلق الأحوال على أبناء الشعب العربي الفلسطيني في سوريا وخاصة النخب السياسية والأكاديمية والثقافية وقبلهم قيادة منظمة التحرير والسفارة الفلسطينية في سوريا فتح حوار واسع مع النظام الجديدة والضغط لإعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل توليه مهامه في حكم البلاد. لأن الشعب الفلسطيني ملتزم بولاية النظام الجديد على البلاد بما في ذلك المخيمات الفلسطينية في الأراضي السورية. وللحديث بقية حول هذا الملف في قادم الأيام.