جون أفريك: الجزائر- فرنسا.. كيف يمكن إصلاح ما تكسّر؟

قالت مجلة “جون أفريك” الفرنسية إن العلاقات الفرنسية- الجزائرية تشبه قطار الملاهي، تتأرجح بسرعة من أقصى إلى أقصى، مُشيرة إلى أنه في يوم الأحد 6 أبريل/ نيسان، وفي ختام زيارة خاطفة إلى الجزائر لوزير الخارجية الفرنسي جان- نويل بارو، أعلن البلدان عن إنهاء أزمة خطيرة دامت أكثر من ثمانية أشهر، واتفقا على خارطة طريق لإعادة إطلاق التعاون الثنائي.
تشمل هذه الخارطة أولا استئناف التعاون الأمني والاستخباراتي بشكل فوري. غير أن هذا الجانب الحساس تحديدا هو ما أشعل فتيل الأزمة من جديد بعد أسبوعين فقط من زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية إلى الجزائر.
ففي يوم الثلاثاء 15 أبريل/ نيسان الجاري، أعلنت الرئاسة الفرنسية طرد 12 دبلوماسيا جزائريا، ردا على قرار السلطات الجزائرية قبل يومين بطرد 12 موظفا في السفارة الفرنسية بالجزائر. ولم تقف باريس عند هذا الحد، بل أعلنت في اليوم نفسه عن استدعاء سفيرها لدى الجزائر للتشاور. وقال بيان الرئاسة الفرنسية: “السلطات الجزائرية تتحمل مسؤولية تدهور مفاجئ في علاقاتنا الثنائية”.
وهكذا، تقول مجلة “جون أفريك”، تم الابتعاد كثيرا عن خارطة الطريق التي كان من المفترض أن تضع حدا لتوترات دامت ثمانية أشهر، بل إن العلاقات بين البلدين دخلت في دورة جديدة من الاضطرابات، ولا أحد يعلم كيف سيتمكن الطرفان من تجاوزها ومحاولة ترميم ما تآكل من روابطهما.
يعود سبب هذا التصعيد الجديد إلى توجيه تهم قضائية واعتقال أحد موظفي القنصلية الجزائرية في فرنسا يوم 12 أبريل/ نيسان، في إطار تحقيق حول اختطاف اليوتيوبر الجزائري المعروف باسم “أمير دي زاد”، الذي تطالب الجزائر بشدة بتسليمه. وكان هذا الناشط واللاجئ السياسي في فرنسا والذي يهاجم يوميا القيادة الجزائرية المدنية والعسكرية، قد زعم أنه كان ضحية محاولة اختطاف خُطط لها من الجزائر، وبتواطؤ من هذا الموظف القنصلي، تشير “جون أفريك”.
السلطات الجزائرية اعتبرت ذلك “غير مقبول”، وطالبت بإطلاق سراح الموظف فورا، قبل أن ترد بطرد 12 دبلوماسيا فرنسيا يعملون في وزارة الداخلية، التي يرأسها برونو روتايو، المعروف بعدم قبوله في الجزائر. وفي حديثه للقناة التلفزيونية الوطنية الجزائرية يوم 15 أبريل/نيسان الجاري، ندّد سفيان شعيب، كاتب الدولة المكلف بالجالية الجزائرية في الخارج، بـ”السلوك غير المسؤول” لوزير الداخلية الفرنسي، واتهمه بمحاولة إفشال عملية التقارب بين البلدين.
وهكذا، تواصل “جون أفريك”، دخلت العلاقات الفرنسية الجزائرية في أزمة جديدة، تختلف عن الأزمات الدورية التي عرفتها هذه العلاقة. وأكبر مؤشر على خطورة الوضع هو استدعاء السفير لدى الجزائر، المعين في يوليو/ تموز عام 2023.
ويُعدّ هذا الأمر سابقة في العلاقات بين البلدين خلال العقود الأربعة الماضية، حيث إنها المرة الأولى التي تستدعي فيها الرئاسة الفرنسية سفيرها في الجزائر للتعبير عن استيائها. وزاد الطين بلّة أن سفارة الجزائر في فرنسا بلا سفير منذ 30 يوليو/ تموز 2024، بعد “السحب الفوري” للسفير، احتجاجا على قرار فرنسا في اليوم ذاته الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، التي تدعم الجزائر بشدة حقها في تقرير المصير.
وبالتالي، فالجزائر بلا سفير في فرنسا منذ نحو تسعة أشهر، وسفير فرنسا في الجزائر على وشك مغادرة البلاد. وإذا كان من المبكر الحكم على مدة هذا الغياب أو موعد عودة سفير باريس إلى منصبه، فإن مجرد استدعائه يُعدّ مؤشرا على أن الأزمة مرشحة للاستمرار.
ومضت “جون أفريك” قائلة إنه في كل موجة توتر، وفي كل خلاف أو قطيعة، تتآكل الثقة بين البلدين، وتتشقق الروابط أكثر، وتبتعد قنوات التواصل، إلى حد أن الحوار ينقطع على جميع المستويات تقريبا. فكل دورة أزمة تضيف مزيدا من التعقيد، وكل تعليق للحوار يزيد الطين بلّة، إلى درجة أن هناك من يدعو، من الجانبين، إلى قطع العلاقات تماما.
وقبل قضية الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، كانت هناك قضية أميرة بوراوي، الطبيبة النسائية الفرنسية-الجزائرية، التي أثار تهريبها من تونس إلى باريس في فبراير/ شباط عام 2023 غضب الجزائر، ودفعها إلى استدعاء سفيرها في باريس لبضعة أسابيع، قبل أن تهدأ العاصفة.
تبون- ماكرون: خيانة بين الأصدقاء
لكن قضية بوراوي تركت آثارا عميقة، وما إن بدأت تبرد، حتى جاء حدث آخر ليقوّض جهود التقارب. فقد تم الإعلان باحتفال كبير عن زيارة دولة كان من المفترض أن يقوم بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا في عام 2023، ثم في عام 2024، لكنها أُجلت مرارا وتكرارا، إلى أن صرّح تبون: “لن أذهب إلى كانوسا”، تعبيرا عن رفضه الذهاب إلى باريس في موقف يشبه الاعتذار، تُذكِّر “جون أفريك”.
فسوء الفهم والالتباس والخلافات التي صاحبت التحضير لتلك الزيارة، كلها أدت إلى تآكل الثقة -بل وحتى التفاهم الحقيقي- بين تبون وماكرون. وتحطمت هذه العلاقة في يونيو/ حزيران عام 2024، حين أخبر ماكرون نظيره الجزائري بقراره دعم المغرب في قضية الصحراء الغربية. وهو قرار اعتبره تبون بمثابة طعنة في الظهر، وخيانة له ولبلاده، التي تعتبر دعمها لجبهة البوليساريو قضية سيادية، تُشير “جون أفريك” دائماً.
ثم جاءت سلسلة من القضايا الأخرى لتزيد الطين بلّة: قضية المؤثرين الجزائريين المدانين في فرنسا بسبب تحريضهم على العنف، وأيضا رفض الجزائر استقبال مواطنيها الخاضعين لأوامر مغادرة الأراضي الفرنسية، بمن فيهم منفذ هجوم مدينة ميلوز. فكل هذه الأحداث، بالإضافة إلى التصريحات النارية من الجانبين، عمقت الجراح إلى درجة الانقسام، تقول مجلة “جون أفريك”.
فكما هو حال الرئيسين اللذين يعتبران نفسيهما صديقين، رغم أنهما لم يتحدثا مع بعضهما البعض لأكثر من ثمانية أشهر، قبل المكالمة الهاتفية يوم 31 مارس/آذار التي كان يُفترض أن تعيد فتح “حوار مثمر”، لكن ذلك الحوار وُلد ميتاً. وعندما يتجاهل ويتجنب الرئيسان بعضهما البعض، فإن كل قنوات الحوار والتشاور الأخرى تُغلق بالكامل، توضح المجلة الفرنسية.
وتساءلت “جون أفريك” كيف يمكن إصلاح ما تكسّر؟ ناقلةً عن دبلوماسي فرنسي لم تذكر اسمه، ووصفته بأنه ما يزال يكنّ مشاعر قوية تجاه الجزائر، قوله: “لقد تركت هذه الأشهر من التوتر آثارا بالغة لدرجة أننا نتساءل هل يستحق الأمر المحاولة من الأساس، بالنظر إلى سوء نية الجزائريين وتصلّبهم”.
كما نقلت المجلة عن رجل أعمال فرنسي- جزائري، تعليقه على الوضع قائلا: “الرئيسان وصلا كلٌ بطريقته إلى نهاية الطريق”.
واليوم، كما تبين بعد مكالمتهما في 31 مارس/ آذار، فإن مجرد اتصال هاتفي جديد بين ماكرون وتبون لن يكون كافيا لتخفيف التوترات أو إطلاق مسار خفض التصعيد، الذي يبدو بعيد المنال، تقول “جون أفريك”.