جدعون ليفي : إسرائيل تستطيع تنفيذ بقدر ما تريد من المذابح

كم كنا ساذجين وحساسين في حينه. في 18 نيسان 1996، قبل 29 سنة، اطلقت بطارية مدفعية تابعة للجيش الإسرائيلي النار من اجل انقاذ قوة “مجيلان” بقيادة الرائد نفتالي بينيت، التي تعرضت لكمين في قرية قانا في جنوب لبنان. اربع قذائف سقطت على مبنى للأمم المتحدة كان اللاجئون يختبئون فيه. 102 شخص مدني، بينهم عدد كبير من الأطفال، قتلوا في هذا القصف.
المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي حاول طمس ذلك والكذب كالعادة. ورئيس الحكومة في حينه شمعون بيرس قال “نحن آسفون جدا، لكننا لن نعتذر” والعالم أصيب بالغضب. بعد بضعة أيام اضطرت إسرائيل الى انهاء عملية “عناقيد الغضب”، التي هي احدى العمليات في لبنان. وبعد شهر من ذلك هزم بيرس في الانتخابات وبنيامين نتنياهو صعد الى الحكم، جزئيا بسبب كفر قانا. كم كنا ساذجين وحساسين في حينه.
كفر قانا أصبحت منذ ذلك الحين الى كابوس إسرائيل في كل حرب: قتل عشرات المدنيين، الامر الذي سيضطر إسرائيل الى وقف الحرب، فقط ليس ذلك. تلك الأيام انقضت. دولة إسرائيل يمكنها الذبح بقدر ما تشاء. بدون أن يهددها ذعر كفر قانا مرة أخرى.
في الأسابيع الأخيرة إسرائيل تقوم بتنفيذ “كفر قانا” تقريبا كل يوم في القطاع. لا أحد يطلب منها التوقف. كابوس كفر قانا تلاشى. لم تعد حاجة الى الحذر بعد الآن من أن يقتل عشرات الأبرياء، لأن لا أحد يهمه ذلك. المتحدث بلسان الجيش لا يجب عليه الكذب، ورئيس الحكومة لا يجب عليه التأثر – العالم صمت وتبخر وضمير إسرائيل كذلك. اذا لم يوقف حمام الدماء الفظيع في اليوم الأول في المرحلة الحالية في الحرب في القطاع إسرائيل، واذا لم يوقفها قتل الطواقم الطبية في رفح، فما الذي سيوقفها؟ لا شيء. فهي تستطيع تنفيذ بقدر ما تريد من المذابح. وكما يبدو هي تريد ذلك.
في الضربة الافتتاحية لاستئناف الحرب الحالية في قطاع غزة قتلت إسرائيل 436 مدني، بينهم 183 طفل و94 امرأة. ما يعادل 4 مذابح مثل مذبحة كفر قانا وربما اكثر. الافتتاحية الصادمة في “ملحق هآرتس” في يوم الجمعة الماضي، التي كتبتها حنين مجادلة ونير حسون، جلبت الوجوه والاوصاف. هم كانوا العكس للجنود. في هذا الأسبوع نشرت أيضا تفاصيل مذبحة فظيعة أخرى، ربما الأكثر بربرية من بينها حتى الآن: مذبحة الطواقم الطبية في حي تل السلطان في رفح. 15 جثة، من بينها جثة مع ارجل مكبلة وجثة اطلق عليها 20 رصاصة، دفنت في الرمال فوق بعضها، مع سيارات الإسعاف والدفاع المدني.
حسب الشهادات فانه على الأقل البعض منهم تم اعدامهم. جميعهم كانوا من طواقم الإنقاذ التي حاولت تقديم المساعدة لمصابين بسبب القصف الإسرائيلي. وصف الحادثة في “هآرتس” (نير حسون وجاكي خوري وليزا روفسكي) كان في الأوقات العادية سيوقف تقريبا أي حرب في نفس اليوم. كفر قانا تتقزم من حيث حجم الوحشية مقارنة مع تل السلطان. في كفر قانا كان يمكن الاعتقاد أنه لم تكن أي نية لقتل عشرات الأبرياء. ولكن في تل السلطان كانت توجد نية، خبيثة وواضحة ومجرمة، لفعل ذلك.
ما حدث في تل السلطان هو مذبحة ماي لاي الإسرائيلية المصغرة في غزة، في حين أن مذبحة ماي لاي بشرت ببداية انعطاف الرأي العام الأمريكي ضد الحرب في فيتنام، فان مذبحة تل السلطان حتى لم يتم ذكرها في معظم وسائل الاعلام الإسرائيلية. أمريكا العسكرتارية، مغسولة العقل، ثارت بسبب ماي لاي. ولكن إسرائيل غضت النظر عن تل السلطان. فليس فقط أن هذه المذابح لم تبشر بانعطاف الرأي العام أو وقف الحرب، بل هي أعطت التشجيع على ارتكاب مذابح أخرى. أمس قصف الجيش الإسرائيلي عيادة تابعة للاونروا في مخيم جباليا وقتل 19 شخص بينهم أطفال. هذه مذبحة لانهائية. من كان يصدق أننا سنشتاق الى مذبحة كفر قانا أو عملية “عناقيد الغضب” أو حكومة بيرس. ها أنتم ترون ذلك.