هآرتس : يجب تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في مذبحة المسعفين والإفراج عن النصاصرة فوراً

دعت صحيفة “هآرتس” العبرية، في افتتاحيتها اليوم، إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لكشف حقيقة مذبحة المسعفين في قطاع غزة، مؤكدة أنه لا يمكن الوثوق بالجيش الإسرائيلي لإجراء هذا التحقيق بنفسه.
وتقول “هآرتس” إن نتائج التشريح الطبي التي كشفت عنها صحيفة “نيويورك تايمز” أمس تعزّز الشبهات بأن الجيش الإسرائيلي ارتكب جريمة حرب في رفح، بتاريخ 23 مارس/آذار الماضي، في ما يُعرف بـ”مذبحة المسعفين”.
وتشير الصحيفة إلى أن تشريح جثامين 14 مسعفاً في غزة يعكس مشهداً مروعاً لعمليات قتل متعمّد، ويعزّز الشبهات حول وقوع إعدامات ميدانية، وإخفاء أدلة، وخطف المسعف الوحيد الناجي، أسعد النصاصرة.
وتستند “هآرتس” إلى تقرير الطب العدلي، الذي يفيد بأن 11 من المسعفين قُتلوا بالرصاص، أربعة منهم أُصيبوا في رؤوسهم، وستة في ظهورهم أو صدورهم، معظمهم تلقّوا أكثر من طلقة، فيما قتل ثلاثة آخرون بشظايا القصف.
وتضيف الصحيفة: “عُثر على شارات توثيق وتكبيل على بعض جثث المسعفين، كما وردت شهادات تفيد بأن عمليات القتل تمت بعد إنزال الضحايا من سيارات الإسعاف، ما يعزز الشبهات بشأن إعدامهم في الميدان”.
وتذكّر “هآرتس”، التي تُعدّ من الأصوات القليلة المعارضة للحرب داخل إسرائيل، بأن شريط فيديو عُثر عليه في جيب أحد الضحايا، دحض رواية الجيش الأولى التي زعمت أن سيارات الإسعاف تحركت من دون تنسيق أو إضاءة مصابيح الطوارئ.
الصرخة المفقودة في إسرائيل
توضح الصحيفة أن مذبحة المسعفين لم تثر أي صرخة داخل إسرائيل، ولم توقظ الإسرائيليين من لامبالاتهم. وتحمّل الصحيفة، في مواجهة الأكاذيب الشائعة، المجتمعَ الإسرائيلي بأسره المسؤولية، قائلة: “الافتراض بأنه لا يوجد أبرياء في غزة تَحوّل إلى جدار يحول دون تحمّل المسؤولية. هذا وضع خطير جداً: لامبالاة الإسرائيليين تُعدّ منجماً لجرائم الحرب، تشمل أيضاً قتل المسعفين والأبرياء، بمن فيهم الأطفال”.
وتشير الصحيفة إلى تقارير جديدة تفيد بأن المسعف أسعد النصاصرة، الذي شوهد حياً أثناء اعتقاله من قبل جنود إسرائيليين، قد اختفت آثاره منذ ذلك الحين. وقد أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن النصاصرة محتجزٌ لدى إسرائيل، لكن المتحدث باسم الجيش رفض الرد على سؤال “هآرتس” حول مصيره.
وتعلّق الصحيفة قائلة: “اختفاء شخص شوهد حيّاً وهو قيد الاعتقال، وسط رفض السلطات الإسرائيلية الإفصاح عن مصيره، أمر خطير يجب ألّا يمر مرور الكرام”.
وتؤكد “هآرتس” أن تحقيق الجيش لا يكشف الحقيقة، بل يهدف إلى طمسها، مشيرة إلى أن عشرات التحقيقات المماثلة منذ بدء الحرب لم تفضِ إلى لائحة اتهام واحدة.
وتضيف أن إطلاق النار على الرأس والظهر، وتكبيل الضحايا قبل دفنهم في قبر جماعي وطمس الأدلة، لا يمكن اعتبارها “أخطاء عملياتية”، بل توجب فتح تحقيق خارجي مستقل.
وتختتم الصحيفة بالإشارة إلى أنه في حال رفضت إسرائيل إجراء تحقيق حقيقي، يجب السماح بتحقيق دولي، مضيفة: “إلى أن تتضح ملابسات القتل، على إسرائيل الكشف فوراً عن مصير النصاصرة، وإن كان في عهدة الجيش، فعليها الإفراج عنه فوراً”.
عرائض الجبناء
وبشأن الصرخة المفقودة في إسرائيل، يكتب المعلق السياسي في “هآرتس” جدعون ليفي مقالاً بعنوان “عرائض الجبناء”، ينتقد فيه مذكرات الاحتجاج الإسرائيلية التي طالبت بوقف الحرب، واصفاً إياها بالمتأخرة والجبانة: “إن مذكرات الاحتجاج الإسرائيلية على عدم وقف الحرب مباركة، لكنها جاءت متأخرة وجبانة”.
ويقول ليفي: “هذه العرائض تركز على مأساة 59 رهينة إسرائيلية، وكأن لا شيء آخر يحدث: لا 50 ألف قتيل فلسطيني، ولا عشرات الآلاف من الأيتام والمصابين، ولا مليوني مهجّر فقدوا كل شيء”.
وتعزز هذا الموقف الكاتبة الفلسطينية حنين مجادلة ابنة باقة الغربية، في مقال مماثل تنشره “هآرتس” بعنوان “لماذا كتبوا ذلك؟”، مشيرة إلى أن أغلب العرائض الإسرائيلية جاءت بدافع سياسي، ولا تؤدي للإفراج عن المخطوفين منوهة أن المشترك فيها أنها تتجاهل نكبة الغزيين والدمار وقتل 50 ألف معظمهم مدنيون. وتتابع بسخرية: “حتى عريضة الطيارين… على الأقل اعترفوا بمن قمتم بتفجيره في هجماتكم المتوحشة”.
آلاف الأولاد على حافة الجوع
يشار إلى أن إسرائيل جددّت عدوانها على غزة في مثل هذه الليلة (السابع عشر) في شهر آذار الماضي، فيما يستمر الحصار المطبق عليها منذ ستة أسابيع.
وفي الأمس، أكدت الأمم المتحدة أن الوضع الإنساني في غزة هو الأخطر منذ بدء الحرب، محذرّة من مجاعة، ومن موت جماهيري.
وهذا لم يردع وزير الأمن في حكومة الاحتلال كاتس للقول، أمس، إن إسرائيل لا تنوي تجديد إدخال أي شيء للقطاع قريباً، وهي تستعد لبناء بنى تحتية لتوزيع المساعدات بواسطة شركات مدنية لاحقاً”.
وألمحت ممثلية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لوجود أفعال ترتقي لعملية إبادة شعب في القطاع بقولها: “يبدو أن إسرائيل تفرض على الفلسطينيين في غزة شروط حياة لا تستوي مع استمرار عيشهم كمجموعة”.
في الأمس، ارتكبت قوات الاحتلال مجزرة خطيرة ارتقى فيها 11 شهيداً من عائلة حسونة، بينهم أطفال ونساء والمصورة الصحافية فاطمة حسونة، العائلة التي سبق أن هجرت من اللد، في نكبة عام 1948 إلى غزة.