فايننشال تايمز: ضغوط واشنطن تتزايد على “ديكتاتور ترامب المفضّل”.. لكن المصريين لن يستسلموا

نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرًا أعدته هبة صالح قالت فيه إن خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لغزة، تزيد من الضغوط على “ديكتاتور ترامب المفضل”، أي الرئيس عبد الفتاح السيسي.
فعندما فاز الرئيس ترامب بالانتخابات توقّعَ رئيسُ مصر أن تكون علاقات أفضل مع ساكن البيت الأبيض الجديد. وقد كانت بشائر العلاقة واضحة من وقف إطلاق النار الهش في غزة، الذي ساعد فريقُ ترامب على التوصل إليه مع إدارة جو بايدن السابقة، فيما أعلن الحوثيون في اليمن عن وقف استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر، بشكل أثار الآمال لعودة السفن إلى قناة السويس، التي خسرت موارد بـ 17 مليار دولار العام الماضي.
يواجه السيسي مشكلة اليوم في التعامل مع دعوات ترامب لإفراغ غزة من سكانها، لأن دعم الخطة مستحيل على أي زعيم عربي
وقد تبددت آمال الرئيس المصري بانتهاك إسرائيل وقف إطلاق النار واستئناف الحرب ضد غزة، ومعها عاد الحوثيون إلى حربهم ضد الملاحة البحرية، وبدأت الولايات المتحدة غارات جوية ضد الجماعة اليمنية التي تسيطر على معظم شمال-غرب اليمن.
وأضاف ترامب إلى هذا دعواته المتكررة لتهجير 2.2 مليون فلسطيني في غزة إلى مصر والأردن.
كل هذا وضع ضغوطًا على الرئيس المصري، الذي حاول تجنّب إغضاب الرئيس الأمريكي المتقلب والتعاقدي، وقاد جهودًا للبحث عن مبادرة سلام بديلة في غزة.
وقالت ميريت مبروك، الزميلة في معهد واشنطن، إن الرئيس المصري يحاول لعب أوراقه بحذر لأن ترامب لديه طريقته لقلب القواعد المعتادة رأسًا على عقب.
وتتلقى مصر مساعدات عسكرية سنوية أمريكية بـ 1.3 مليار دولار، وحصلت على دعم أمريكي للحصول على قرض بقيمة 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، لوقف التراجع الاقتصادي.
وجاءت المساعدة الأمريكية كاعتراف بدور مصر في الوساطة وتأمين وقف إطلاق النار في غزة، وكذلك المساعدة على استقرار أكبر دولة عربية تعدادًا للسكان. وكان فوز ترامب في انتخابات عام 2016 تغيرًا مهمًا في العلاقة المصرية مع أمريكا، والتي اتسمت بالبرود في ظل باراك أوباما، وبخاصة بعد انقلاب السيسي، وهو جنرال سابق، ضد الحكومة الإسلامية في مصر عام 2013.
وقد استقبل ترامب السيسي مرتين في البيت الأبيض، ووصفه، أثناء قمة بفرنسا، بـ “ديكتاتوري المفضل”. ويواجه السيسي مشكلة اليوم في التعامل مع دعوات ترامب لإفراغ غزة من سكانها، لأن دعم الخطة مستحيل على أي زعيم عربي.
ولو قرر هذا فسيعتبر خائنًا، حيث اغتال إسلاميون أنور السادات عام 1981 لأنه عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل. إلا أن ترامب لا يساعد السيسي، ففي اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بالبيت الأبيض، الأسبوع الماضي، كرر ترامب حديثه عن غزة، وكونها “قطعة أرض مهمة”، وأنها يجب أن تكون تحت السيطرة الأمريكية.
وخشيت مصر، مع اندلاع الحرب، من خطط إسرائيل لتهجير المواطنين إلى صحراء سيناء. وشردت إسرائيل أكثر من ثلثي سكان القطاع داخليًا، وشددت الحصار عليهم، ومنعت الماء والدواء والطعام من دخول القطاع. ولتعزيز نيّتها في دعم خطط التهجير، أنشأت دائرة خاصة لتشجيع هجرة الفلسطينيين الطوعية. واتهم نتنياهو مصر بأنها من يعيق الفلسطينيين، وليس إسرائيل، قائلًا إنه يجب منحهم اختيارًا.
ونقلت الصحيفة عن مايكل وحيد حنا، من مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل، قوله إن تدهور الأوضاع في غزة بسبب الهجوم الإسرائيلي والحصار يظهر وكأنه تمهيد للتهجير، مشيرًا: “لو نظرنا إلى الخطاب [في واشنطن] وشاهدنا ما يحدث على أرض الواقع في غزة وما يقوله الإسرائيليون، فمن الصعب الاعتقاد بأن النقل والتهجير ليسا جوهر هذا”. وقد امتنع السيسي عن انتقاد الرئيس الأمريكي، مكتفيًا بالقول إنه لن “يشارك في ظلم الفلسطينيين”.
وحاول السيسي مدح ترامب والتملق إليه، ووصفه، في كانون الثاني/يناير، بأنه رجل قادر على تحقيق الهدف الذي طال انتظاره، وهو السلام في الشرق الأوسط.
مبروك: لن يستسلم المصريون، لأنه لا يوجد شيء يمكن للولايات المتحدة فرضه سيكون أسوأ مما سيحدث إذا وافقوا على إخلاء غزة من السكان
وحاول السيسي تعبئة الدعم الدولي لخطة سلام بديلة تشتمل على إعادة إعمار غزة بدون تهجير الفلسطينيين. وحصل على دعم عربي وأوروبي لخطته وإنشاء حكومة تكنوقراط في غزة، وهي التي رفضتها إسرائيل والولايات المتحدة.
لكن الولايات المتحدة وإسرائيل رفضتا هذا المقترح، معتبرتين أن الخطة لا تتناول نزع سلاح “حماس”، أو ضمان رحيلها، وهو أمر سيدينه الرأي العام العربي باعتباره تواطؤًا مع الاحتلال.
وقال حنا: “تدرك مصر محدودية الخطة، لكنها لا تستطيع المضي قدمًا فيها بشأن القضايا الجوهرية دون دعم دبلوماسي أوسع نطاقًا”.
وفي المقابل؛ يدرك السيسي أن تحدي ترامب سيكون بثمن باهظ. فقد ألمح الرئيس الأمريكي، في شباط/فبراير، إلى أنه قد يقطع المساعدات العسكرية عن مصر والأردن بعد رفضهما مقترحه. وبدا ترامب وكأنه يتراجع لاحقًا، إلا أن صبره قد ينفد. ففي محادثة مسرّبة عبر تطبيق سيغنال لمسؤولين أمريكيين يناقشون هجوم الشهر الماضي على الحوثيين، قال مسؤول إن على الإدارة “توضيح” ما تتوقعه من مصر “في المقابل”.
وفي النهاية، ترى مبروك أن مخاطر دعم مصر لتهجير الفلسطينيين هي أكبر من كل المكافآت، و”لن يستسلم المصريون، لأنه لا يوجد شيء يمكن للولايات المتحدة فرضه سيكون أسوأ مما سيحدث إذا وافقوا على إخلاء غزة من السكان”.