الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الثلاثاء 25/2/2025 العدد 1244

الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات
يديعوت احرونوت 25/2/2025
دروس 7 أكتوبر، لإسرائيل توجد استراتيجية دفاع حدود جديدة، ثلاثية الطبقات
بقلم: رون بن يشاي
اخفاق المذبحة أدى الى استراتيجية جديدة – تجاه الدول التي لإسرائيل سلام معها أيضا. الخطة تتضمن ثلاث منظومات دفاع، في حدود غزة، لبنان وسوريا: استحكامات وعوائق في أراضي إسرائيل، “منظومة دفاع متقدمة” في ارض العدو وطلب تجريد مناطق مهددة. إسرائيل تقيم المنظومات ترقبا لدعم إدارة ترامب لها، لكن ليس واضحا كيف سيردون في أوروبا. وفي كل حال – سيتطلب الامر الاف المقاتلين وميزانيات طائلة.
في الاحتفال الختامي لدورة الضباط أول أمس (الاحد) حين قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو انه يطالب “بتجريد كامل لجنوب سوريا من قوات النظام الجديد”، فقد كشف عمليا عن استراتيجية دفاع الحدود الجديدة لإسرائيل. عمليا، هذه الاستراتيجية تبلورت في نهاية السنة الماضية، بعد اتفاق وقف النار في لبنان وأول امس أضاف نتنياهو القسم الناقص في اللوحة حين أعلن انه سيطالب بان يكون جنوب غرب سوريا، من دمشق جنوبا منطقة مجردة من السلاح.
هذه الاستراتيجية تبلورت أساسا كنتيجة لدروس إخفاقات مذبحة 7 أكتوبر، وهي معدة أولا وقبل كل شيء لاعطاء الامن لسكان البلدات المجاورة للحدود في الجنوب، في الشمال وعلى حدود سوريا. تفرق الاستراتيجية بين الحدود مع الدول التي يوجد لها معها سلام، أي مصر والأردن وبين الحدود التي يحدق منها خطر مباشر وتهديد نشط على مواطني دولة إسرائيل، في البلدات المجاورة للحدود والبعيدة عنها عدة كيلومترات.
الاستراتيجية في الحدود التي تشكل خطرا: منظومة دفاع برية ثلاثية الطبقات
في الحدود التي لا تزال فيها حرب نشطة او شبه نشطة، أي في حدود قطاع غزة، في حدود لبنان وفي هضبة الجولان، ستكون منظومة دفاع برية ثلاثية الطبقات. منظومة الدفاع الأولى ستكون في داخل أراضي إسرائيل، وستتضمن استحكامات دائمة، عائق بري يتضمن جدار و/أو سور وجساسات مختلفة لضبط الحدود، وكذا منظومة محاور سير سريعة، قوات كثيرة وعناصر دفاع جوي ومدفعية. منظومة الاستحكامات والعائق هذه يفترض أن تفصل ماديا بين بلدات الحدود وبين القرى الشيعية ومراكز التنظيم المحتملة لحزب الله في جنوب لبنان. في قطاع غزة ستكون منظومة ذات مزايا مشابهة تفصل بين أراضي القطاع وبين بلدات غلاف غزة، الا انه بدلا من معسكرات تواجد للقوات على الحدود ستكون هذه استحكامات عسكرية حقيقية جاهزة لاعطاء دفاع لمحيطها والقتال ضد كل من يحاول الاقتحام – حتى بدون أن يكون اخطار استخباري. في حدود سوريا مع هضبة الجولان السورية يوجد منذ الان عائق، وتوجد استحكامات دفاع مأهولة، أي، كل هذا في أراضينا.
منظومة الدفاع الثانية في كل الجبهات الثلاثة هذه ستكون في داخل ارض العدو، وستشكل مدماك “دفاع متقدم”، كان قائما في حينه في الحزام الأمني في لبنان، من 1984 وحتى انسحاب الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي من الحزام الأمني في أيار 2000. في قطاع غزة يفترض ان يكون تواجد للجيش الإسرائيلي بهذا الشكل أو ذاك في الفاصل الأمني الذي يوجد في داخل القطاع. عمق هذا الفاصل وطريقة تواجد الجيش الإسرائيلي فيه بهدف منع اقتراب فلسطينيين من الجدار، ليسا واضحين بعد، وهذا موضوع للمفاوضات في المرحلة الثانية من صفقة المخطوفين الحالية، وهذه ستكون أساسا المفاوضات على ترتيبات الامن في الفاصل الأمني – حزام الدفاع المتقدم. لكن إسرائيل أوضحت منذ الان بانها ستطالب بحق العمل في هذا الفاصل الأمني – سواء كان هذا في شكل تواجد دائم أم من خلال دوريات برية، جوية وما شابه.
في حدود لبنان، الدفاع المتقدم يتم في هذه اللحظة من خلال خمسة استحكامات على طول الحدود والتي توجد في مناطق مسيطرة. توجد فيها قوة سرية وإسرائيل تقول انها ستخرج منها اذا ما وعندما يكف جنوب لبنان عن أن يكون مصدر تهديد على أراضي إسرائيل.
في هضبة الجولان، قوات الجيش الإسرائيلي التي دخلت الى المنطقة الفاصلة وانتشرت فيها لتواجد مؤقت لكن طويل تعطي طبقة الدفاع المتقدمة لبلدات هضبة الجولان ولسيادة إسرائيل في هضبة الجولان. المنطقة الفاصلة تقررت كارض فارغة من كل تواجد عسكري إسرائيلي او سوري، شرق الحدود مع إسرائيل، وهي معدة لان تكون كفاصل جغرافي بري يلزم السوريين ويلزمنا بان نجتازها اذا كانت لاي من الطرفين نوايا هجومية.
منطقة الفصل هذه تقررت في اتفاق وقف النار مع سوريا في 1974، والان مع اسقاط النظام السوري لبشار الأسد من المنظمة الجهادية هيئة تحرير الشام، سارعت إسرائيل بالدخول الى منطقة الفصل والاستيلاء عليها لخلق منظومة دفاع متقدمة عن بلدات هضبة الجولان، لم تكن من قبل. هذه المنظومة، مثلما في لبنان تتشكل أساسا من استحكامات رصد، تقام على أراضٍ مسيطرة ودوريات، لكن بخلاف جنوب لبنان، توجد للجيش الإسرائيلي علاقات مع السكان وللتواجد في قمة جبل الشيخ السوري توجد أيضا قيمة استخبارية وعملياتية هامة.
الجديد الحقيقي: تجريد المناطق المهددة لإسرائيل
منظومة الدفاع المتقدمة الثالثة، التي هي الجديد الحقيقي، هي تجريد المناطق التي يحدق فيها تهديد على إسرائيل. في قطاع غزة، اعلن رئيس الوزراء بان كل تسوية لانهاء الحرب يجب أن تتضمن ليس فقط إعادة المخطوفين وتقويض الحكم المدني والعسكري لحماس بل أيضا تجريد القطاع. التجريد هو اصطلاح عام، معناه انه في المنطقة التي ستكون في اطار ترتيبات التجريد إما ألا يكون سلاح على الاطلاق او الا تكون أنواع معينة من السلاح: مثلا سلاح شخصي، كلاشينكوفات ومسدسات يكون مسموح بها، وربما حتى بنادق تستخدمها السلطة لانفاذ القانون، لكن تكون محظورة أسلحة هجومية مثل صواريخ ومقذوفات أرض أرض، قذائف هاون، صواريخ مضادة للدروع، صواريخ آر.بي.جي وبالطبع مركبات قتالية مدرعة كالدبابات او المجنزرات، او القوارب والسفن الحربية والمُسيرات وكذا دواليك – كل الأمور القادرة عمليا على ان تطلق الى أراضي إسرائيل وتلحق بنا خسائر.
في إطار اتفاقات السلام مع مصر، وكذا في إطار ترتيبات وقف النار مع سوريا، توجد مناطق تقرر فيها في حينه قيود على القوات، أي مسموح حيازة دبابات حتى عدد معين، محظور التحليق بطائرات قتالية، محظور حيازة مدافع وراجمات فوق أطر معينة وكذا دواليك. ولهذا فان موضوع التجريد قابل للتفاوض وهو مركب، وعند الحديث عن التجريد – فان الرب والشيطان هما في التفاصيل الصغيرة.
الحكم ذاته ينطبق أيضا على جنوب لبنان. عمليا تطالب إسرائيل ان تكون منطقة جنوب لبنان، من الليطاني جنوبا وشرقا، مجردة من الصواريخ والمقذوفات الصاروخية من كل الأنواع: صواريخ مضادة للدروع ومُسيرات، راجمات وحوامات كبيرة. إسرائيل تطالب بالطبع الا يسمح لرجال حزب الله أيضا ان يتجولوا مسلحين في المنطقة جنوبي الليطاني ولا حتى بسلاح خفيف. يفترض بالجيش اللبناني أن يفرض هذا واذا لم ينجح في ذلك فإسرائيل ستفعل. لكن في لبنان تعمل إسرائيل أيضا في مديات بعيدة، حتى اكثر من 100 كيلو متر. كي يكون لبنان مجردا من الصواريخ الثقيلة، والدقيقة أساسا، الكفيلة بالحاق ضرر كبير في الجبهة الإسرائيلية الداخلية.
في سوريا، قضى رئيس الوزراء بشكل صريح انه يطالب بتجريد منطقة الجولان السوري حتى الحدود مع الأردن في الجنوب ومن الشرق حتى المعبر الى منطقة السويداء المعروفة كجبل الدروز. في هذه المنطقة يطالب نتنياهو الا تتواجد المنظمة الجهادية لتسيطر الان في سوريا واساسا الا يتوجد أيضا الجيش السوري الجديد الذي هو تحالف منظمات إسلامية مسلحة انضمت الى هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع الجولاني.
تحاول هذه المنظمة الان اقناع العالم بانها وان كانت منظمة إسلامية الا انها محبة للسلام وعلاقات الجيرة الطيبة مع المحيطين بها ومع العالم بعامة. الشرع، الذي بدل بدلته العسكرية ببدلة مدنية وبربطة عنق يحاول الان الاقناع بان كل همه ينصب على اعمار سوريا من دمار الحرب الاهلية وانهاء ارث حكم الطغيان لعائلة الأسد والأقلية العلوية. ويشدد صراحة على أنه يريد علاقات جيرة بلا عنف مع إسرائيل لكنه لا يتحدث عن السلام.
في الخلفية في سوريا يوجد أيضا الاتراك الداعمين الأساسيين للجولاني ورجاله لكنهم لا يسيطرون عليهم. في إسرائيل يخشون من متلازمة “القط المتربص” في سوريا، أي لن يبعد اليوم الذي يغير فيه الجهاديون الذين يتحدثون الان بتعبير الدولة المحبة للسلام جلدتهم ليعودوا ليكونوا إسلاميين جهاديين تحت صورة “جيش سوريا الجديد” على حدودنا.
فضلا عن ذلك، فانهم يهددون أبناء الطائفة الدرزية في السويداء، واخوانهم في إسرائيل قلقون مما سيحصل في المستقبل. حاليا يحاول الشرع تهدئة روع الدروز وضمهم في نظامه لكن كونهم أقلية تختلف عن السلفيين فان الدروز مهددون، ولاسرائيل مصلحة في الدفاع عنهم. ولهذا أكد نتنياهو في خطابه بان إسرائيل تطالب الا يدخل الى المناطق جنوب دمشق، القنيطرة ودرعا والسويداء رجال هيئة تحرير الشام او جيش سوريا الجديد الذي هو جهادي بلباس جديد.
عندما سألت ما هو معنى منع دخول جيش سوريا الحر ورجال هيئة تحرير الشام الى المنطقة جنوب دمشق، شرح لي رجل أمن كبير بان إسرائيل تريد في واقع الامر تجريد هذه المنطقة ليس فقط من تواجد السلاح الثقيل بل واساسا من تواجد الإسلاميين الذين قد ينفذوا هجوما على نمط 7 أكتوبر الاجرامي من الحدود السورية. عمليا، مفهوم الدفاع ثلاثي الطبقات هذا يستهدف الدفاع عن إسرائيل من الإسلام المتطرف في قطاع غزة، في جنوب لبنان وفي سوريا أيضا. فيها جميعها، الجهات التي تعرض إسرائيل للخطر هم الجهاديون الشيعة والسُنة الذين سيشكلون تهديدا حتى في “اليوم التالي” في سوريا، في لبنان وفي قطاع غزة. ايران الشيعية ستبقى تدعم الميليشيات التي قد تندفع نحونا من أراضي العراق وتركيا ستدعم الميليشيات الجهادية التي ستأتي الينا من وسط سوريا وشمالها. عن حماس في غزة لا حاجة للحديث.
طبقات الدفاع الثلاثة هذه يفترض أن تعطي لسكان شمال، جنوب وشرق إسرائيل دفاعا من شكلي هجوم: انقضاض بري وتسلل الى داخل إسرائيل ونار مباشرة مثلما كان في الشمال وبقدر معين في غلاف غزة. عمليا، مفهوم دفاع الحدود هذا يقوم على أساس طبقة رابعة، وهي القدرات الاستخبارية والجوية لدولة إسرائيل. احد دروس 7 أكتوبر 2023 هو أن سلاح ا لجو يجب أن يكون في الميدان، وان يكون عنصر مدفعي في دفاع الحدود الجديد.
لهذا المفهوم بالطبع توجد فضائل امنية وعسكرية واضحة – السؤال هو فقط اذا كان قابلا للتطبيق وعلى مدى كم من الوقت. في سوريا أيضا مثلا أوضحت إسرائيل للاتراك وكذا للحكام الجدد في دمشق، من خلال الوسطاء بانها لا تنوي البقاء بشكل دائم في المنطقة الفاصلة وتقيم هناك دفاعا متقدما اذا كانت ترتيبات أمني دائمة وربما تركيا أيضا تضمنها. في لبنان، عمليا الطريقة الحالية لا يفترض أن توجد، وإسرائيل تقول انها ستطوي منظومة الدفاع المتقدمة، أي استحكامات السيطرة والرصد اذا تبين أن الجيش اللبناني بالفعل اخذ الى يديه بالفعل بشكل فاعل، متواصل وجدي السيطرة في المنطقة جنوبي الليطاني.
إسرائيل كان بودها أن ينزع سلاح حزب الله تماما على الأقل من جنوب الليطاني. مفهوم دفاع الحدود هذه هو ما كانت إسرائيل تريد أن يتحقق ويوجد لهذا احتمال – والسبب هو الإدارة في واشنطن برئاسة ترامب. في إدارة بايدن او أوباما ما كان احتمال لإسرائيل حتى ان تنظر الإدارة الامريكية في عناصر هذا المفهوم الذي يجري قسم هام منه في ارض ليست بسيادة إسرائيل. اما لدى ترامب فلهذا المفهوم احتمال.
مفهوم الدفاع في الحدود مع مصر والأردن
صورة مفهوم دفاع الحدود لن تكون كاملة دون رسم ماذا سيحصل في الحدود مع مصر والأردن. في حدود السلام توجد نية لتكثيف منظومات الدفاع المادية التي تتضمن استحكامات، عائق (سياج حديدي او سور) ووسائل رصد وجمع معلومات من كل الأنواع. الدفاع في هذه الحدود سيتم في أراضينا، وفي الحدود الشرقية، أي أساسا مع الأردن ستقام فرقة جلعاد واساس عملها منع التهريب من حدود الأردن الذي هو وجع الرأس الأساس في الضفة ولكن ستكون جاهزة أيضا لامكانية تهديدات برية من الشرق.
في الحدود مع مصر أيضا سيكون دفاع مختلف للاهداف ذاتها حقا، رغم أن سيناء تعطي للحدود عمقا انذاريا واستراتيجيا افضل مما للحدود مع الأردن.
هذا سيتطلب ليس اكثر من 10 الاف مقاتل ومقاتلة بل ومقدرات مالية كبيرة.
وأخيرا ستكون منظومة الدفاع المتقدمة مكشوفة وستصبح هدفا، بعد فترة معينة بهجمات حزب الله او مسلحين من القطاع، سواء كان هؤلاء حماس ام جماعات مسلحة أخرى. وهكذا أيضا في هضبة الجولان. استحكامات الرصد والتحكم في لبنان، منطقة الفصل الأمني في قطاع غزة وربما أيضا في الجولان السوري قد تنتج لنا معارك عصابات وإرهاب مثلما كان في الحزام الأمني في جنوب لبنان. وعليه فيتعين على اسرائيل أن تستكمل منظومات الدفاع البرية بمنظومة انفاذ من الجو أساسا، للاتفاقات والتسويات بعد أن تتصمم نهائيا.
----------------------------------------
يديعوت أحرونوت 25/2/2025
يستعدون لانهيار وقف النار، حماس تعيد تنظيم نفسها والجيش الإسرائيلي يستعد للقتال
بقلم: يوآف زيتون
أزمة تأخير تحرير المخربين والشكوك المتزايدة حول استمرار وقف النار في صالح المفاوضات على المرحلة الثانية من صفقة المخطوفين، تتوافق مع رفع حالة التأهب في حدود قطاع غزة – نحو إمكانية استئناف القتال. إضافة الى ذلك، معقول أن حماس هي الأخرى تستعد للقتال او للمبادرة بهجوم من جانبها. 35 يوما من وقف النار حتى الان ساعدت المنظمة على إعادة تنظيم نفسها، بناء السرايا والكتائب التي تضررت في الـ 14 شهرا من المعارك وبالاساس عدم التخلي عن خطة الهجوم لديها، تلك التي استخدمتها على نحو مفاجيء في 7 أكتوبر.
الشهر الطويل من الهدنة في القتال أدى بالاف نشطاء حماس الصعود الى شمال قطاع غزة، في اعقاب انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور البتر نتساريم وبرعاية نحو نصف مليون فلسطيني عادوا الى مدينة غزة ومحيطها. عشرات الالاف من أولئك الغزيين وجدوا مبانٍ مدمرة أو خربة، بلا مياه او كهرباء وعادوا على اعقابهم الى مدن النزوح غربي خانيونس. الاف النشطاء انضموا الى الاف المخربين الاخرين الذين بقوا في شمال القطاع، ولا سيما في احياء مدينة غزة قبل وقف النار. في جهاز الامن يقدرون بان هؤلاء نظموا أنفسهم في اطر عسكرية جديدة، وان لم يكن في المستوى ذاته الذي كان للذراع العسكري في 6 أكتوبر 2023.
إعادة التنظيم المتجدد كفيلة بان تتضمن تغيير قادة الأقسام، السرايا والكتائب، استخدام الانفاق التي لم يعثر عليها الجيش الإسرائيلي وخلق فضاءات تحت أرضية جديدة، تنظيف أماكن عاد اليها مواطنون فلسطينيون من العبوات الناسفة التي زرعتها حماس، واساسا خلق ساحات عبوات جديدة. في بعض الأماكن لوحظ أيضا إخفاء منصات اطلاق صواريخ وعثر على نشر كاميرات متابعة لاستخدام المخربين. في الأسبوع الماضي اطلق ما لا يقل عن ثلاثة صواريخ من البريج، وامس من رفح على ما يبدو بالخطأ وكجزء من ذاك الاستعداد المتجدد لحماس. كما لوحظ اطلاق حوامات الرصد التابعة للمنظمة في الشهر الأخير إضافة الى الحوامات التي حاولت جهات عربية إسرائيلية تهريبها الى غزة ولكنها فشلت.
يمكن الافتراض بان حماس استخلصت دروس عديدة من المناورة العسكرية الإسرائيلية ومن الاجتياحات المتكررة مع سطر واحد أخير: حماس لن تستخدم كل ألـ 30 الف نشيط المسجلين لديها عشية الحرب ولم تستخدمهم على مدى سنة وشهرين من المواجهة البرية مع الجيش الإسرائيلي لفهمها انها تبقت وحدها ولا تتمكن من مواجهة مناورة عسكرية إسرائيلية كامنة – بعد أن تركها حزب الله ولم تفتح ضد إسرائيل حرب من عدة ساحات بالتوازي.
إضافة الى ذلك، يلاحظ الجيش ان حماس تستغل المحور المدني – السلطوي كي تعيد بناء نفسها عسكريا واقتصاديا. في أسابيع وقف النار تمسكت المنظمة بالبلديات في ارجاء القطاع والخدمات التي تقدمها للفلسطينيين، بما في ذلك مؤسسات التعليم والرفاه. كما نشر نشطاء حماس حواجز كثيرة في القطاع لاستباق عشائر محلية واجرامية والسيطرة على مئات أطنان الغذاء، الوقود والمياه التي تدخلها إسرائيل كل يوم الى القطاع كجزء من الاتفاق. كما استأنفت المنظمة جهاز الضرائب وهي تجبي من المواطنين الدفعات على خدمات المساعدات الإنسانية لاجل استئناف دفع الرواتب لنشطائها. ويقول الجيش ان “كل يوم من وقف النار يساعد حماس على تحريك نشطاء وقادة وإصدار تعليمات. توجد لديها فجوات كبيرة في العتاد القتالي، بالاشخاص وفي القيادة والتحكم بسبب عملية الجيش الإسرائيلي وانعدام المقدرات الجديدة. لكن الشهر الأخير اثبت بانه لا يزال يوجد عمل كثير في الطريق الى هزيمة حماس”.
بالمقابل، وفي ضوء انعدام الدافعية الواضح في الحكومة للسير في المرحلة الثانية من الصفقة في الجيش يستكملون الاستعدادات لاستئناف القتال البري في قطاع غزة. وسيكرس الجيش قوات كبيرة في صالح استئناف القتال، وقد جمع أهدافا جديدة للهجوم في القطاع ضربها سيضعف السيطرة المدنية لحماس في غزة. مثل هذه الخطوة ستستند الى قوات كبيرة والى سلاح الجو الذي يستعد لذلك أيضا. الى جانب ذلك في الجيش الإسرائيلي يأخذون بالحسبان أيضا تآكل قوات الاحتياط التي انهكت في السنة والنصف الأخيرة.
بالنسبة لخطة التهجير التي اثارها الرئيس ترامب، وبتشجيع نتنياهو فانها تخبو منذئذ كل يوم وتوضح أوساط جهاز الامن بان الشرط الأساس لتحريك الفكرة ليس قائما ولا يبدو في الأفق: اقناع دولة ثالثة لاستيعاب الغزيين وهذا حدث سياسي أساسا. ويقدر مصدر امني كبير بانه “توجد عوائق ومشاكل اكثر من فرص عملية لتحقق ذلك. لكن اذا نجحنا في تجربة اختبارية لنقل بضع مئات من الغزيين ممن يجتازون حواجز حماس عندها يمكن لهذا أن يمتد الى آخرين فيتبعونهم. وربما مع الوعد بانه سيتاح لهم العودة في المستقبل الى غزة.
في الجيش ثمة من يشكك بقدرة اقتراح ترامب على المساعدة في تحقيق اهداف الحرب واساسها تقويض حماس: “حتى لو نجحنا في أن نخرج من القطاع عشرات الالاف او مئة الف او حتى نصف مليون دون أن نتهم بجريمة حرب، فكيف سيؤدي هذا الى تقويض حماس؟ صحيح انه في مثل هذا الوضع ستتضرر شرعية حماس الداخلية لكن سيبقى لها اكثر من مليون غزي لتتطور وتبقى في داخله”.
-------------------------------------------
هآرتس 25/2/2025
وماذا بعد اليوم التالي؟
بقلم: ألوف بن
موسم الانتخابات يقترب، وفي طرف “فقط ليس بيبي” يتأثرون قبل تتويج نفتالي بينيت كزعيم جديد للمعسكر، الذي سيقود المعركة الحاسمة ضد بنيامين نتنياهو. خائبو الأمل من بني غانتس، يئير لبيد، غادي ايزنكوت وجدعون ساعر، يعلقون الآن الآمال على الزعيم الفاشل لـ “حكومة التغيير”، الذي يستعد للعودة (رفيف دروكر، “ما الذي ينتظره بينيت”، “هآرتس”، أمس). اليميني المتطرف السابق يمكنه أن ينقل الاصوات من الطرف البيبي الى ما كان يسمى ذات مرة “الوسط – يسار”، وارسال نتنياهو الى البيت مرة والى الأبد.
بينيت نجح في السابق في التلاعب بنتنياهو والوقوف بنجاح ضده. وتوجد له قدرة مثبتة على التركيز على الهدف وكسب ود المحيطين به واطلاق الشعارات القابلة للاستيعاب، مثل لمن نسي: “توقفنا عن الاعتذار”، “يخافون من المدعي العسكري العام اكثر من السنوار”، “بينيت سيهزم حماس، وشكيد ستهزم المحكمة العليا”. والاكثر اهمية هو أنه من غير المسؤولين المباشرين عن كارثة 7 اكتوبر. ولكن مهمته في هذه المرة معقدة اكثر مما في السابق أمام نتنياهو. مشكلة بينيت وكتلة “فقط ليس بيبي” الاولى ستكون السحب على المكشوف لعشرات آلاف الناخبين الذين غادروا البلاد قبل الحرب وخلالها. “هجرة الثمانين ألف” تتعلق بمعارضي نتنياهو الذين سئموا من حكمه ومن الاضرار الشديدة التي الحقها باسرائيل. هؤلاء لن يعودوا بسرعة ولن يقفزوا الى رحلات شركة “ال عال” من اجل التصويت، الامر الذي يمكن أن يغري نتنياهو ويقوم بالدعوة الى اجراء انتخابات مبكرة، لأنه يوجد مصوتون من المعارضة في تايوان واليونان والبرتغال.
المشكلة الثانية هي اكثر شدة وهي عدم وجود رسالة. معارضو نتنياهو يقدمون الآن طلبين مهمين: اعادة المخطوفين وتشكيل لجنة تحقيق رسمية في اخفاقات 7 اكتوبر. وفي اساسهما يوجد التوق الى العالم القديم الذي كان قبل هجوم حماس. وماذا بعد ذلك؟ الى أين ستذهب الدولة بعد اعادة المخطوفين، مع أو بدون لجنة تحقيق؟. معسكر بيبي لديه جواب واحد وهو أن العرب هم نازيون وأن الترانسفير هو الحل الوحيد، وترامب معنا. صفحة الرسائل هذه لها شعبية كبيرة في اوساط الجمهور اليهودي، وهي تنطلق في كل برنامج في التلفزيون. نتنياهو يعززها بالوعد بالحرب الخالدة وتوسيع حدود الدولة، ويركب في الطريق الى صناديق الاقتراع على موجة تقوية التدين والقومية المتطرفة في الجيش، الثقافة وفي اوساط المخطوفين العائدين.
ماذا يوجد في المقابل؟ لا شيء. يئير غولان (“الطريقة الوحيدة لتدمير حماس”، “هآرتس”، أمس)، يطرح نموذج معقد لادارة غزة في اليوم التالي. اذا فهمت بشكل صحيح فان غولان يقترح احتلال طويل للقطاع (“اشراف عملياتي وثيق”)، ونقله على مراحل الى نظام فلسطيني معتدل. كاتب محتوى فقير سيضطر الى استخلاص شعار لهذه الحملة. يجب عليه البحث عنه في “اليس في بلاد العجائب”. ومثل اصدقاءه في الكتلة فان غولان يتجنب، وهو زعيم بقايا اليسار بقدر استطاعته، مصطلح “الدولة الفلسطينية” وحتى “السلطة الفلسطينية. هذا مخجل لأن اليمين سيظهر دائما مقنع اكثر منه في اقتراحات الاحتلال والهدم والطرد.
مأساة اليسار والوسط هي غياب المرشحين الذين يعودون الى الاساس الفكري للمعسكر الليبرالي: تقسيم البلاد الى دولتين كاساس لاتفاق سلام اقليمي، مساواة كاملة بين الاسرائيليين من الشعبين. من غير السهل تسويق ذلك بعد 7 اكتوبر، لكن هذه هي الرسالة الشاملة والعادلة، التي تطرح البديل الفكري والقيمي للتطهير العرقي الذي يطرحه البيبيون. والى أن يتجرأ أي أحد على قول كلمة “سلام” بدون اعتذار، نحن سنبقى مع اليمين بدون بيبي، الذي يقترحه بينيت. ربما بالنسبة له الترانسفير سينزلق بصورة اسهل في الحلق.
------------------------------------------
هآرتس 25/2/2025
رونين بار، لقد حان الوقت للتحدث عن اختراق قطر في مكتب نتنياهو
بقلم: اوري بار يوسف
الاستقالة القريبة لرئيس الاركان هرتسي هليفي تجعل رئيس الشباك رونين بار هدف رئيسي للاستبدال من قبل الحكومة، التي تعنى برئيس مدجن أكثر واقل خطرا بالنسبة لها. في هذا الوضع من الواضح أنه يجب بذل كل جهد لابقاء بار في منصبه الى حين مرور الغضب، أي الى حين يكون لنا رئيس حكومة آخر، غير متهم بمخالفات جنائية وغير محاط بمجموعة المستشارين الذين يحصلون على رواتبهم من نفس الصندوق الذي يمول حماس ايضا.
مع ذلك، لا يوجد في ذلك ما يمنع طرح علامات استفهام تتعلق بالأداء الشخصي لبار وأداء الشباك في القضية التي تسمى “قطر غيت”. للاسف الشديد، يوجد مثلها عدد غير قليل ويجب التحدث عنها ايضا.
قانون الشباب ينص على أن احد اهداف هذا الجهاز هو “وضع تعليمات حول السرية الامنية للمناصب والوظائف العامة في الاجهزة الاخرى… وتحديد ما اذا كان الشخص مناسب للوظيفة الأمنية، بما في ذلك اجراء امتحان كشف الكذب. نحن لا نحتاج الى قانون من اجل القول بأن مكتب رئيس الحكومة الذي يجب أن يوافق على أي نشاط سري في دولة اسرائيل، هو مكان مليء بالاسرار، وربما هو الاكثر حساسية في الدولة. بطبيعة الحال فانه من الواضح أن تحديد تصنيف أمني لمن يدخل ويخرج اليه هو وظيفة اساسية لهذا الجهاز.
في العام 2015 تم تعيين يونتان اوريخ بتصوية من يئير نتنياهو، في منصب رئيس جهاز الدولة والمتحدث بلسان رئيس الحكومة. في العام 2019 اصبح يسرائيل اينهورن المستشار الاعلامي لنتنياهو. وحسب وصفه في موقع شركة النشر التي قام بتاسيسها “بيرسبشن”، “قدم الاستشارة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في حملاته الانتخابية الخمسة الاخيرة، وفي نهاية المطاف ساهم في اعادته بنجاح الى منصبه في انتخابات 12 تشرين الثاني 2022”. بحكم دورهم وقربهم من نتنياهو فان اوريخ واينهورن تجولا في المكتب الاكثر حساسية في الدولة وكأنه بيتهما. في 2022 قاما بادارة، في موازاة عملهما من اجل نتنياهو، حملة لتبييض صورة قطر كدولة لا تقوم بتمويل الارهاب، بل دفع قدما بالسلام والاستقرار في ارجاء العالم.
على خلفية ذلك يجب طرح عدة اسئلة على الشباك ورئيسه. هل اوريخ واينهورن حصلا على كل المصادقات الامنية المطلوبة من اجل القدرة على الوصول كل يوم الى مكتب رئيس الحكومة؟ هل اقامة شركة النشر “بيرسبشن” التي تقدم خدمة علاقات عامة لجهات حكومية اجنبية أدت الى فحص آخر أو تغيير مستوى التصنيف الامني؟ هل حملة تحسين صورة قطر، التي لها سمعة ثابتة كدولة تدفع الرشوة بالملايين لسياسيين ومقربين في ارجاء العالم من اجل تحقيق النفوذ، لم تثر في الشباك التحفظ حول قدرتهما على الحركة؟ هل تم تحذير نتنياهو؟ هل تم فحص هواتفهما والحواسيب للتأكد من أنه لا يوجد فيها برامج تجسس؟.
الآن قضية ايلي فيلدشتاين، المتحدث العسكري في مكتب رئيس الحكومة والذي في البداية قام نتنياهو بنفي علاقته معه. وبعد ذلك وصفه في خطاب للأمة بأنه “وطني اسرائيلي وصهيوني متحمس”. فيلدشتاين، كما هو معروف، تجول في مكتب نتنياهو بحرية في فترة الحرب، رغم أنه فشل في امتحان التصنيف الامني الذي اجراه الشباك، رغم أنه اثناء نشاطاته في المكتب انضم لـ “بيرسبشن” وحصل على الاموال من قطر من اجل تحسين صورته في قضية المخطوفين. في حزيران 2024، كما كشف عن ذلك بن كسبيت، شارك في نقاشات حساسة في قيادة المنطقة الجنوبية الى جانب رؤساء جهاز الامن، بما في ذلك جهات رفيعة في الشباك.
حارس العتبة الذي سمح لفيلدشتاين بذلك هو الون حليفه، الذي بدأ حياته المهنية كرجل حراسة في مقر رئيس الحكومة في شارع بلفور، وتقدم بطرق مجهولة الى منصب رئيس قسم الامن والطواريء في مكتب رئيس الحكومة، والمسؤول عن حماية المعلومات السرية في المكتب. حليفه تمت اقالته في تشرين الاول 2022 بسبب عيوب في سلوكه. رغم ذلك هو ما زال يشغل المنصب الحساس بسبب الضغط الذي يستخدمه نتنياهو ومن يخدمونه.
الآن اليكم بعض الاسئلة لرئيس الشباك: من الذي يقرر بالفعل من سيدخل الى مكتب رئيس الحكومة، حليفه أو الشباك؟ على فرض أن الشباك هو الذي كان يجب عليه اعطاء الكلمة الاخيرة، فلماذا وكيف تم اعطاء المصادقة على دخول فيلدشتاين رغم أنه لم ينجح في التحقيق الامني؟ كيف يسمح الشباك لمن يدخل ويخرج من مكتب رئيس الحكومة بتمثيل قطر في موازاة ذلك، ويمنحها علاقات عامة مقابل مبلغ محترم؟ هل كبار قادة الشباك الذين شاركوا في النقاشات في قيادة المنطقة الجنوبية، التي شارك فيها فيلدشتاين، عرفوا أنه لا توجد له مصادقة أمنية؟. اذا كانت الاجابة لا فكيف حدث ذلك؟ واذا كانت نعم فلماذا لم يفعلوا أي شيء؟ هل تم فحص هاتف وحاسوب فيلدشتاين للتأكد من أنه لا يوجد فيها برامج تجسس؟.
بالمناسبة، يجب على الشباك التوضيح ايضا اذا قام بفحص العلاقة بين خطوات رئيس الموساد السابق يوسي كوهين – الذي دفع قدما بشكل شخصي بنقل الاموال من قطر الى غزة، واغلق في 2018 لاسباب مجهولة وحدة “تسلتسيل”، المختصة في تعقب اموال الارهاب، وبين نشاطاته التجارية الواسعة في قطر. هناك اسئلة اخرى لكن المجال ضيق هنا.
عندما سأل يوفانليس الشاعر الروماني الهزلي: من سيقوم بحراسة الحراس، هو لم يفكر بامتدادات قطر في مكتب رئيس الحكومة. بعد مرور 2000 سنة على ذلك، بعد ما ظهر كفشل أمني مكشوف امام الحراس فان هذا السؤال بقي قائما.
لقد حان الوقت لأن يبدأ الشباك في تقديم اجابات. رئيس الشباك لا يجب عليه القلق في هذه المرة. اذا تبين أنه كان يوجد فشل فان نتنياهو سيكون آخر شخص ينتقده بسبب ذلك.
------------------------------------------
يديعوت احرونوت 25/2/2025
خطر المبادرة العربية
بقلم: بن درور يميني
الاونروا، قال لي قبل يومين شخص تولى مناصب عدة في الأمم المتحدة، عملت عشرات السنين بتشجيع ودعم إسرائيل. هو محق. كما أن المساعدة الدائمة من قطر لحماس، كما هو معروف نقلت على مدى سنين عديدة بتشجيع ودعم من إسرائيل. هكذا أيضا ترسانة حزب الله. فقد اتسعت، منذ نهاية حرب لبنان الثانية، تحت العين المفتوحة لإسرائيل.
القاسم المشترك لكل هذه الاحداث هو الرغبة في الهدوء. فقط لا لمواجهة أخرى. أملنا أن تصدأ صواريخ حزب الله في المخازن. أملنا أن تنسي الاونروا العالم، وربما تنسينا نحن أيضا، وجود قضية فلسطينية. وكان اجماع واسع، في اليسار وفي اليمين، بان الازدهار في غزة، من خلال مساعدة قطر وقرابة 20 الف عامل في إسرائيل، سيؤدي الى هدوء لسنوات طويلة.
كل هذه المفاهيم تفجرت لنا في الوجه. صواريخ حزب الله لم تصدأ. في مخيمات لاجئي الاونروا ربوا على الكراهية وخلدوا القضية الفلسطينية. في قطاع غزة استخدموا المداخيل الهائلة، من العمل في إسرائيل ومن قطر، لغرض بناء بنية تحتية إرهابية بالغة التطور في العالم من فوق ومن تحت الأرض.
فهل تعلمنا شيئا؟ هل استخلصنا الدروس؟ ليس مؤكدا على الاطلاق. لان الكثيرين منا يتمنون “عودة السلطة الفلسطينية الى قطاع غزة”. في العقدين الأخيرين كان الكثير من محاولات المصالحة بين فتح وحماس. في 2007 وقع اتفاق مصالحة في مكة. في 2008 وقع اتفاق في صنعاء. في تشرين الأول 2011 تحقق اتفاق مصالحة في القاهرة. في 2012 وقع اتفاق في الدوحة لغرض تنفيذ اتفاق القاهرة. في 2014 مرة أخرى وقع اتفاق، تحقق في غزة وفي القاهرة. في 2017 تحقق اتفاق في القاهرة. في 2020 تقرر تعاون استراتيجي، هذه المرة في رام الله. في 2022 تحقق اتفاق آخر، هذه المرة في الجزائر. كل الاتفاقات تشهد عمليا على سلسلة من الإخفاقات. لان أيا منها لم ينل التنفيد. الاتفاق الاخير تحقق في تموز 2024، هذه المرة في الصين. بخلاف الاتفاقات السابقة تحقق توافق على نقل المسؤولية عن القطاع الى السلطة الفلسطينية.
حماس خلقت دمارا وخرابا. السلطة الفلسطينية مع قصة معتدلة اكثر بقليل ظاهرا، يفترض أن تنفذ خطة اخلاء الإنقاض والاعمار. هكذا بحيث أن هذه المرة تختلط المبادرة العربية بالتوافق الفلسطيني الداخلي. الاحتمالات لتنفيذ المبادرة اعلى بقليل لانه تحصل ثلاثة أمور. الأول، لا توجد خطة إسرائيلية لما بعد الحرب، بقدر ما يخطط احد ما على الاطلاق بان يصل الى مثل هذا العهد. الثاني، خطة الترحيل لترامب اصطدمت بمقاومة منيعة. كانت هذه منذ البداية خطة هي بين الارتجال والخيال. نتنياهو أعلن بان هذه خطته لليوم التالي، مما يشهد فقط على أنه يوجد لنا رئيس وزراء ليس لديه أي خطة. فقد ركب على موجة ترامب. والثالث، للفراغ الذي خلقه نتنياهو دخلت في الأسابيع الأخيرة الدول العربية. وهي التي تبلور الخطة لاعمار قطاع غزة. وكلما مرت الأيام يتبين ان هذه الخطة هي الامر الوحيد الذي سيبقى على الطاولة لغرض البحث العملي.
ترامب لن يقنع محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، بتبني الترحيل. لكن يوجد احتمال أعلى لان يقنع ابن سلمان ترامب. ينبغي الانتباه الى ان الرياض تصبح محورا مركزيا. المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا على التسوية في أوكرانيا ستجرى هناك. في لعبة الشطرنج العالمية يوجد لهذا الموقع معان استراتيجية جدية ببحث منفصل.
لكن مع كل الاحترام للمبادرة العربية لليوم التالي – هذه مبادرة خطيرة. لان حماس قد تقف قليلا من خلف الكواليس. لكن طالما لا تتضمن المبادرة خطة عملية لنزع سلاح منظمة الإرهاب، فستكون هذه مبادرة أخرى تمنح الهدوء في المدى القصير وثمنا دمويا خطيرا بعد سنوات غير طويلة. حماس ستصبح حزب الله السلطة الفلسطينية، بداية في القطاع ولاحقا، وهذا يحصل منذ الان، في مناطق الضفة أيضا. الاغراء لتحقيق الهدوء، مثلما كان في الماضي، مع الاونروا، مع حماس، مع حزب الله سيدفع إسرائيل الى الشرك إياه. هدوء زائف في المعركة الأولى، وربما أيضا في الثانية، الذي يتفجر لنا في الوجه في المعركة الثالثة.
تقويض حماس ليس شعارا ثابتا. فهذه ايديولوجيا ابادية من الواجب ابادتها. الاقتراح لرفع الحصار ولاستثمارات في القطاع مقابل التجريد ليس شيئا جديدا. فقد عرض هذا المرة تلو الأخرى من الاسرة الدولية ورفضته حماس المرة تلو الأخرى. والان، بعد الدمار والخراب الذي تسببت به حماس للقطاع، نعود عمليا الى تلك الاقتراحات. لكن المسألة الأساسية كانت وتبقى تجريد القطاع. لا يمكن إبادة الأيديولوجيا الاجرامية لحماس. لكن بعد 7 أكتوبر تجريد القطاع ضروري.
يحتمل الا يكون مفر من استئناف القتال لغرض تحقيق الهدف. لكن فقط بعد أمرين. الأول، تحرير كل المخطوفين، بانه بدون التحرير سنعود لنقول ان الدافعية للقتال ستكون متدنية. والثاني، فقط بعد أن يتبين بان ليس للمبادرة العربية اسنان حقيقية لنزع سلاح حماس. فقد تبنت إسرائيل مفاهيم مغلوطة كثيرة جدا تتعلق بالهدوء. وهذه كلفتنا دماءً. لا حاجة لواحد آخر.
-------------------------------------------
هآرتس 25/2/2025
قرار واحد اتخذ في القدس أوقف حياة الفلسطينيين في الضفة
بقلم: هاجر شيزاف
الساعة 8:30 صباحا، لكن على مدخل قرية ترمس عيا قرب رام الله كان يوجد صف طويل من السيارات. السائقون غير الصبورين ينتظرون في الحاجز الذي يربط القرية مع الشارع الرئيسي الى أن يتم فحص بطاقات الهويات. في السابق لم يكن يوجد هنا حاجز دائم، وفي المكان الذي يتواجدون فيه اعتاد الجنود على توقيف فقط السيارات التي كان يوجد سبب للشك فيها، لكن الآن التعليمات تغيرت – هذا زمن ازدهار الحواجز، وكل شخص مشتبه فيه الى أن يتم اثبات العكس. أحد المنتظرين كان نضال (33 سنة)، وهو معلم لغة عربية في مدرسة في رام الله. “الطلاب ينتظرون منذ ساعة”، قال بخيبة أمل. “هذا يحدث تقريبا مرة – مرتين في الاسبوع بسبب الحاجز”.
مثل حواجز كثيرة اخرى فان الحواجز التي تم وضعها في الضفة عند اندلاع الحرب غيرت بشكل كبير حياة نضال. في شهر آب غادر قريته دير جرير بعد أن اغلق الجيش مدخلها تقريبا بشكل كامل. هو وزوجته الحامل استأجروا شقة في ترمس عيا بسبب قربها من مكان عمله، لكن هذا ايضا لم يساعد. حواجز كثيرة في الضفة غير ثابتة، والطريق التي كانت مغلقة أمس ستكون مفتوحة في الغد والعكس صحيح. لذلك، يصعب على السكان التخطيط لجدول الاعمال اليومي مسبقا وتوقع متى يمكنهم العبور بسهولة ومتى سيتأخرون. “أول أمس انتظرت اربع ساعات”، قال. “قبل اسبوعين سافرت الى تركيا وعندما عدت الرحلة من جسر اللنبي في اريحا استغرقت 11 ساعة، في الاوقات العادية السفر يستغرق ساعة”.
في اعقاب الاحباط فكر نضال وزوجته في الانتقال الى مكان ابعد من هذا المكان. “زوجتي تحمل الجنسية الامريكية ونحن نريد الهجرة من هنا”، قال واضاف. “الوضع صعب جدا. في السابق لم أفكر في الهجرة”.
الحواجز الطيارة مثل الحاجز في ترمس عيا هي فقط نتيجة واحدة لتوجه يشوش على حياة السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، والى جانبها توجد ايضا البوابات التي يتم غلقها أو فتحها حسب قرار من الجيش، وحواجز ترابية أو مكعبات اسمنتية تغلق كليا مداخل القرى أو الطرق الزراعية، ايضا الحواجز “الكلاسيكية” التي تربط الضفة باسرائيل. قبل اندلاع الحرب عبر فيها حوالي 160 ألف عامل ممن لديهم تصاريح عمل، لكن منذ 7 اكتوبر يحظر العبور فيها.
الحاجز هو الرسالة
التغيير الكبير جاء في الشهر الماضي بعد أن امر المستوى السياسي الجيش باضافة عشرات الحواجز التي يوجد فيها جنود على الشوارع التي تؤدي الى المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، اضافة الى الحواجز التي وضعت عند اندلاع الحرب. هذا الامر تم اعطاءه في اعقاب طلب من الكابنت بذريعة أن الامر يتعلق بوسيلة لمنع الاشتعال، بسبب اطلاق سراح السجناء الفلسطينيين في اطار صفقة تحرير المخطوفين.
في اطار هذه العملية اغلق الجيش مداخل قرى كثيرة بالبوابات الحديدية، وهكذا منع الخروج المباشر منها الى الشوارع الرئيسية. وبدلا من ذلك تم تحويل الحركة الى مداخل توجد فيها حواجز للفحص (في الشهر الماضي، حسب لجنة مقاومة الاستيطان التابعة للسلطة، حوالي 900 حاجز من كل الانواع كانت تنتشر في ارجاء الضفة). الامر كان هكذا ايضا في الحاجز الذي انتظر فيه نضال، اضافة الى اشخاص كثيرين لا يعيشون في ترمس عيا، بل في قرى اخرى في منطقة رام الله. بالنسبة لهم الانتظار في الحاجز هو بالفعل نهاية حملة متعبة في الطرق الالتفافية في الطريق الى الشارع الرئيسي.
هذه الحواجز لم تحول حياة الفلسطينيين فقط الى كابوس، بل هي تؤكد وجود منظومتي شوارع في الضفة، الاولى للمستوطنين، الثانية، المتدنية، للفلسطينيين. في الاوقات العادية المنظومة الاولى الافضل التي تتكون من الشوارع الرئيسية التي استثمرت فيها اسرائيل اموال كثيرة في السنوات الاخيرة تخدم المستوطنين والفلسطينيين. ولكن الآن الوضع غير عادي، أو على الاقل ليس الروتين المعتاد. الآن قوانين الحركة مختلفة والفلسطينيون يضطرون الى استخدام المنظومة الثانية المخصصة فقط لهم، التي تربط القرى بالمدن بواسطة طرق متعرجة.
أحد الجنود في حاجز ترمس عيا قال إنه قبل مجيئه للخدمة في الضفة، خدم في الاحتياط في لبنان وفي غزة. وحسب قوله فان الحاجز الطيار تم وضعه بعد رشق الحجارة من القرية على السيارات الاسرائيلية على الشارع الرئيسي. وقد قال بأنه يأمل بأنه بفضل هذا الحاجز سينقل الاشخاص البالغين في القرية رسالة الى الشباب وهي أنه من غير المجدي رشق الحجارة. حقيقة أن بعض السائقين ليسوا من سكان القرية لم يكن يعرفها.
بجانبه كان ينتظر لؤي وبيسان حميد، أب له خمسة أولاد من كفر مالك. وقد وصلوا الى حاجز ترمس عيا بعد أن أغلق الجيش مدخل القرية على الشارع الرئيسي. “قبل الحرب كانت الطريق الى العمل تستغرق ربع ساعة، الآن تستغرق ساعة ونصف على الاقل”، قال لؤي. “ايضا عند العودة نفس الشيء”.
بيسان قالت إنه اضافة الى فحص بطاقات الهوية فان الجنود في الحاجز قاموا بتصوير وجهها ورقم السيارة، الامر المعتاد كي يستخدمه الجيش في نظام “الذئب الازرق”، قاعدة البيانات التي تمكن من تغذيتها بصور وارقام سيارات الفلسطينيين من اجل تشخيصهم مستقبلا. في المحادثات مع سكان المنطقة يتم طرح قضية بين حين وآخر وهي التأثير الاقتصادي المؤلم للحواجز. وثائق المنظمات الدولية تؤكد على ذلك، بما في ذلك تقرير البنك الدولي الصادر في كانون الاول الماضي. التقرير نسب الانخفاض بنسبة 23 في المئة في النشاطات الاقتصادية في الضفة الغربية في النصف الاول من سنة 2024 الى القيود التي فرضت على الحركة في الضفة الغربية، وحظر دخول العمال الفلسطينيين الى اسرائيل، اضافة الى خصم اموال الضرائب التي تجبيها اسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية بناء على طلب من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
نحن لم يعد لنا عمل”، قال أنس (19 سنة) من قرية دوما، الذي يعمل في الرخام. الآن يقول بأنه يقف في الحاجز منذ ساعتين. “كل يوم هذا الامر يتكرر. احيانا انتظر في الحاجز في طريقي الى العمل، وبعد ذلك اعود الى البيت”. حسام وعلاء ايضا، تجار من سكان مخيم العروب للاجئين، تحدثا عن المس بجيوبهم. في السابق كان يوجد لهما تصاريح لدخول اسرائيل، الآن لا يوجد لديهما أي شيء. “في هذا الوضع لم يبق أمل في أي شيء. احباط”، قال علاء. “أنت تخرج من البيت ويكون حاجز، مرة البوابة (التي وضعها الجيش على مدخل المخيم ومرة اخرى مفتوحة. أنا اشعر للمرة الاولى بأنني تحت الاحتلال، لا توجد حدود لأي شيء”. حسام قال إنه من اجل أن يصل الى هدفه فهو يسافر في “الطرق الترابية أو عن طريق الجبل، وهو يغسل السيارة مرتين في اليوم. السفر الذي كان في السابق يستغرق ساعة أصبح يستغرق الآن ساعتين”.
في هذه الاثناء هناك من يحاولون استغلال الوضع الجديد والكسب بقدر الامكان: بائعو القهوة يظهرون على جانبي الشارع في وقت الذروة، آخرون يحاولون بيع العطور للسائقين اثناء انتظار فحص بطاقات الهوية، أو أن الجنود ببساطة يقومون بالمغادرة.
من اجل من يختارون المخاطرة توجد خدمة جديدة، التي وجدت ايضا في الاوقات الصعبة، وهي نقل الى البيت بالدفع للعاملين. هنا لا يوجد انتقائية، الخدمة يتم تقديمها ايضا لمن يقطعون ويعودون طوعا، ومن يحاولون الاجتياز وتتم اعادتهم من قبل الجيش. كل هؤلاء ينتظرهم عدد من السائقين في الصباح الباكر على الحاجز الذي يؤدي الى قرية رنتيس في منطقة رام الله. احدهم، سامي أبو سليم، قال إنه كان يعمل في العاد، حتى قبل اقامتها وحتى اندلاع الحرب. الآن هو يحاول كسب الرزق من النقل. “أمس كنت هنا من الساعة السابعة صباحا وحتى الحادية عشرة ليلا. في النهاية نقلت شخص الى حوارة”، قال. “عبأت بنزين بمئة شيكل، وهذا الشخص دفع لي 120 شيكل”. صديقه علاء قال إنه قبل الحرب كان له مطعم حلال في الميدان وراء الحاجز. المستوطنون ايضا كانوا يأتون اليه”، قال. “منذ 7 اكتوبر اغلقت المطعم وتراكمت الديون علي. هذا اعادنا عشرين سنة الى الوراء”.
-------------------------------------------
هآرتس 25/2/2025
هل يأتي يوم يتخلى فيه ترامب عن إسرائيل فجأة كما تخلى عن أوكرانيا؟
بقلم: نحاميا شترسلر
أمس أحيت أوكرانيا الذكرى السنوية الثالثة لغزو روسيا لأراضيها. حتى وقت متأخر، كانت الولايات المتحدة هي الداعم الأكبر لها. الآن جاء ترامب ورماها تحت إطارات الحافلة. خلال ثلاث سنوات، قدم بايدن لأوكرانيا سلاحاً بقيمة 120 مليار دولار حتى تستطيع الوقوف أمام الجيش الروسي. أوقف ترامب كل إرساليات السلاح، واتهم الرئيس الأوكراني فولودومير زيلنسكي، بأن الأموال الأمريكية هي كل ما يريده. ولكن الحقيقة مختلفة؛ أوكرانيا فاجأت العالم عندما حاربت بشجاعة، وأظهرت قدرة على الصمود مثيرة للانطباع.
لكن ترامب غير معني بالحقائق؛ فهو ينشر واقعاً مختلفاً، ويتهم زيلنسكي بشن الحرب. لا مشكلة لديه في اختلاق المعطيات. مثلاً، زوّد بايدن أوكرانيا بالسلاح بمبلغ 350 مليار دولار، رغم أن المبلغ هو ثلث هذا الرقم. هو يسمي زيلنسكي بـ “الديكتاتور” ويختلق أن له 4 في المئة فقط من المؤيدين، رغم أنه يحظى بدعم 57 في المئة من الجمهور. الديكتاتور الحقيقي، بوتين، يحبه ترامب، ويقول بأنه ذكي جداً، ويستحق الإعجاب والتقدير، في أعقاب خطواته “العبقرية”. في محادثة هاتفية معه، باع أوكرانيا بثمن زهيد بالموافقة على إبقاء المناطق التي احتلتها روسيا في يد بوتين. بل وينوي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، وهكذا ينقذها.
إعجابه بالديكتاتور الروسي، يذكر بمغازلته المخجلة في ولايته الأولى لرئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون. ففي حينه، مدح الديكتاتور وأعلن بأن كوريا الشمالية موافقة على نزع السلاح النووي. ولكن كيم ابتسم له ولم ينزع شيئاً.
أسلوب ترامب هو الصدمة والفوضى؛ يهاجم بشكل دراماتيكي، ويختلق الوقائع، ويخلق الفوضى، ويخرج الخصم عن أطواره. تخلى عن أوكرانيا، والآن يتصرف كمن ينوي التخلي عن الدول الغربية. خلال بضعة أيام، حول السياسة الأمريكية الخارجية التقليدية 180 درجة عندما أصدر تعليماته لرجاله بالوقوف ضد فرنسا وألمانيا والناتو. أصيبت أوروبا بالصدمة. قام الرئيس الفرنسي بتسمية الهجوم “صعقة كهربائية”، ونشر المستشار الألماني التارك أولاف شولتس، “تنديداً شديداً”.
وجدت أوكرانيا نفسها في وضع صعب جداً بذنب منها؛ فقد ارتكبت خطأ مصيرياً في كانون الأول 1994 عندما وقعت على “مذكرة بودابست”، التي نقلت مخازن السلاح النووي التي بقيت في أراضيها إلى روسيا. وتعهدت روسيا في حينه باحترام سيادة أوكرانيا وعدم العمل ضدها، عسكرياً واقتصادياً.
في العام 2014 احتلت روسيا شبه جزيرة القرم، وقبل ثلاث سنوات من ذلك غزت واحتلت 18 في المئة من أراضي أوكرانيا. من الواضح أنه لو أن أوكرانيا احتفظت بمخازن السلاح النووي، لما تجرأت روسيا على غزو أراضيها، ولتعامل معها ترامب باحترام أيضاً. من هنا تظهر عدة دروس لإسرائيل؛ ففي نهاية المطاف، نحن نعتمد كلياً على الولايات المتحدة، وبدونها لا وجود لنا. وإذا لم نحصل على السلاح المتقدم والمظلة السياسية والسند الاقتصادي، فلن نتمكن من البقاء. المشكلة أننا نعتمد على رئيس مزاجي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، ويرى العالم بمنظار تاجر العقارات الذي يبحث عن عقد صفقة. لذلك، إذا حصل على صفقة جيدة مع الصين مثلاً، سيبيع إسرائيل في لحظة. وإذا ظهرت صفقة جيدة مع السعودية فسنكون في خطر أيضاً. الأمر الأكثر إثارة للخوف هو التوصل إلى صفقة ناجحة مع إيران، تسمح لها بمواصلة تطوير السلاح النووي.
إضافة إلى إدراك ضرورة التحالف مع الولايات المتحدة، علينا الاستعداد لخطوة غير متوقعة من ترامب. وفي مثل هذه الحالة، لن يكون لدينا إلا السلاح النووي. لا توجد طريقة أخرى يمكن من خلالها لدولة صغيرة أن تضمن وجودها في هذا العالم الفوضوي والعنيف والخائن.
------------------------------------------- هآرتس 25/2/2025
هليفي لنتنياهو: “تشكيل لجنة التحقيق ليس ضعفاً”.. ولزمير.. “العودة إلى غزة مهلكة”
بقلم: أسرة التحرير
خطاب رئيس الأركان هرتسي هليفي في الاحتفال الختامي لدورة ضباط قوات المشاة الذي عقد أول أمس، بدا كأنه خطاب وداع تضمن تحذيرات مهمة للمستقبل. ونفهم أقواله تلك على خلفية محاولة نتنياهو إلقاء الذنب والمسؤولية عن أحداث 7 أكتوبر بشكل حصري على قادة جهاز الأمن، وأيضاً على خلفية إمكانية عودة الجيش للقتال في غزة، هذه المرة بصيغة هدامة أكثر.
حين يقول هليفي إن “التحقيقات ليست ضعفاً بل قوة، يتعلم الجيش من النجاحات ومن الأخطاء أيضاً. ومن لا يستخلص الدروس يحكم على نفسه بالفشل في المستقبل”. وأقواله هذه تقصد رفض نتنياهو تشكيل لجنة تحقيق رسمية للكارثة الأفظع في تاريخ الدولة. وثمة حاجة لقول أمور مفهومة من تلقاء ذاتها تحت حكم متعفن أخلاقياً وقيمياً.
لقد أخذ هليفي المسؤولية عن إخفاق 7 أكتوبر، وحسناً فعل إذ إنه بالفعل من المسؤولين المركزيين. لكن لا يمكن أن نحكم على ولايته، التي ستنتهي قريباً، على نحو منقطع عن المحاولة لإضعاف الجيش وجهاز الأمن وتجاهل تحذيراته، بما في ذلك التي أسمعها يوآف غالنت، وزير الدفاع، إبان الانقلاب النظامي، قبل وبعد 7 أكتوبر. لا يمكن تفسير أقوال رئيس الأركان على نحو منقطع عن نية نتنياهو وحكومته – من خلال منفذ قوله وزير الدفاع إسرائيل كاتس – تنفيذ تطهير سياسي بكل المنظومات، وإطاحة كل من ليس مستعداً ليقسم الولاء لنتنياهو وملء هذه المنظومات بمن يقولون نعم.
ولكن الأهم هو قوله إن “طريق تحقيق إنجازات في الحرب ليس الاندفاع إلى الأمام كالجياد عديمة اللجام، بلا تمييز وبلا هدف واضح”، قالها هليفي أمام ضباط جدد في الجيش الإسرائيلي، لكنها موجهة أيضاً لرئيس الوزراء ووزير الدفاع.
على خلفية التخوف من عرقلة نتنياهو للمرحلة الثانية والعودة إلى الحرب حيث “خطة الجنرالات” تنتظره في الجارور، أو بلغة ترامب “فتح بوابات الجحيم”، لم تكن صدفة أن وجد هليفي من الصواب التحذير من هذه الطريق والتشديد على أن “القائد الجيد يعرف متى يركض إلى الأمام ومتى يتوقف ويفحص الطريق”.
بديل هليفي، أيال زمير، سيتسلم مهام منصبه بعد نحو أسبوعين. نأمل ألا يكون قد سمع تحذيرات سلفه، بل يعرف كيف يطبقها منذ بداية طريقه. يتعين على زمير ألا يندفع أمام حكومة متطرفة ومحبة للخراب، بل وعليه ألا يتوقف أيضاً، إذا ما طُلب منه أن يقود خطة عسكرية تظهر كجريمة حرب، وتتضمن إخلاء مكثفاً للسكان، وتدميراً تاماً للبنى التحتية وتجويعاً مقصوداً للسكان.
-------------------------------------------
عن مركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية 25/2/2025
معركة 7 تشرين الأول.. بداية للحرب
بقلم: إيرن أورطال
ومع ذلك، فإن قرار إسرائيل بشأن عدم استغلال ضعف القدرات العسكرية لـ "حزب الله" من أجل شنّ هجوم حاسم يعكس غياب رؤية حربية متكاملة في استراتيجيتها.
بدلاً من ذلك، اختارت إسرائيل الاكتفاء بتطهير البنية التحتية المادية في القرى الحدودية التي كان "حزب الله" أخلاها فعلاً، وحتى مع التميز الإسرائيلي في التكتيكات القتالية ضد "الإرهاب" والإنجازات الميدانية المهمة في الشمال لم يكن هذا كافياً لتعويض غياب استراتيجية عسكرية حربية متماسكة، أو القدرة على فرض حسم نهائي في المواجهة.
تكشف المواجهة المباشرة، التي تطورت خلال الحرب في الدوائر البعيدة، عن فجوة مشابهة، فقد أظهر سلاح الجو الإسرائيلي قدرات استثنائية، مدعوماً بالمنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية المتقدمة، فتمكن من الوصول إلى أهداف في إيران واليمن، وحتى اختراق الدفاعات الجوية الإيرانية.
ومع ذلك، من الواضح أن الحرب اندلعت بينما كانت إسرائيل تفتقر إلى رؤية استراتيجية متكاملة ونهج عملي واضح. فعلى سبيل المثال، لم يكن للهجمات الإسرائيلية على الموانئ ومنشآت الطاقة في اليمن تأثير يُذكر في دوائر صُنع القرار لدى الحوثيين، ولم تؤدِّ إلى ردعهم، بل ربما ساهمت في تعزيز قوتهم ونفوذهم، وربما عائداتهم المالية.
أمّا قرار إيران بشأن مهاجمة إسرائيل بشكل مباشر مرتين، فيمكن تفسيره بأنه استعراض للثقة بالنفس، والتي ازدادت بسبب حالة الجمود والارتباك التي ميزت إدارة الحرب حتى أيلول 2024.
حتى بعد تدمير رادار S-300 الإيراني في نيسان، وسلسلة الضربات القاسية التي تلقاها "حزب الله" في أيلول ظنت إيران أنها قادرة على ردع إسرائيل ومنعها من شنّ هجوم على لبنان خلال تشرين الأول.
في الواقع، تجاوزت إيران استراتيجيتها التقليدية التي تقوم على إبقاء الحرب بعيدة عن أراضيها، عبر استغلال قوى الوكلاء، واتجهت إلى المواجهة المباشرة، وهو أمر لم يكن متوقعاً في الحسابات الإسرائيلية.
في المقابل، كانت الاستراتيجية الإسرائيلية إزاء الهجمات التي انطلقت من العراق هي التجاهل التام، وهو ما يعكس غياب خطة واضحة للتعامل مع تصاعُد التهديدات من هذه الجبهة.
ما هو التقييم الاستراتيجي الحالي لإسرائيل؟ هل أدّت إنجازات الحرب، فضلاً عن سقوط نظام الأسد في سورية، وصعود إدارة ترامب في الولايات المتحدة، إلى إزالة تهديد استراتيجية "الخنق" الإيرانية من إسرائيل؟
إذا كانت الإجابة نعم، فقد يكون في الإمكان العودة إلى اعتبار التنظيمات "الإرهابية" المحيطة بإسرائيل مجرد بقايا ضعيفة ومعزولة من الصراع العربي - الإسرائيلي، ونظراً إلى أن هذه التنظيمات تكبدت خسائر فادحة خلال الحرب، فإن إسرائيل استعادت مكانتها كقوة قادرة على خوض حرب استنزاف طويلة ضد حركات "التمرد" في غزة ولبنان.
ستركز هذه الاستراتيجية في السنوات القادمة على إنشاء مناطق عازلة على طول الحدود، إلى جانب حرب استنزاف مستمرة في المناطق الحدودية، أمّا في غزة، فسيتم استئناف العمليات العسكرية في أقرب وقت ممكن لاستكمال أهداف الحرب، حسبما تم تحديدها مسبقاً.
لكن اعتبار إيران أن الحرب ضد إسرائيل انتهت، هو طرح متفائل للغاية. من الأدق التقدير أن إيران وحلفاءها سيأخذون فترة توقُّف استراتيجية لاستيعاب دروس الحرب، وتحسين قدراتهم، والتكيف مع الواقع الجديد، بما في ذلك سقوط النظام السوري، وانتظار انحسار تأثير إدارة ترامب.
ومن الجدير بالذكر أن الإدارة الأميركية قد تضعف، فعلاً، خلال انتخابات منتصف الولاية، وهو ما قد يؤثر في توجهاتها وسياساتها الخارجية.
علاوة على ذلك، إن التطورات في سورية قرّبت إلى حدود إسرائيل نفوذ القوة النيو - إمبريالية الأُخرى في المنطقة: تركيا. فهي أيضاً قوة إقليمية تتبنى الإسلام السياسي، لكن في نسخته السّنية، وتُبدي عداءً تجاه إسرائيل.
من المتوقع أن تنافس إيران وتركيا بعضهما، وربما يصل الأمر إلى احتكاك استراتيجي حقيقي بينهما، لكن من غير المستبعد أن تتراكم التهديدات التي تشكلها كلٌّ منهما تجاه إسرائيل، بدلاً من أن تلغي إحداهما الأُخرى.
يجب أن تنظر إسرائيل في تقييمها الاستراتيجي إلى حرب "السيوف الحديدية" على أنها المرحلة الأولى في المواجهة مع التحالف الشيعي. كذلك، تغيرت البيئة الاستراتيجية في إسرائيل بشكل جذري، وينبغي أن تأخذ في الاعتبار تهديداً مزدوجاً يتمثل في كلٍّ من إيران وتركيا.
من المحتمل أن يكون الشرق الأوسط مجرد انعكاس للنيو - إمبريالية العالمية، في سياق ما يمكن تسميته الحرب الباردة الثانية.
وقد يؤدي الصراع المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين وروسيا إلى تأجيج التوترات في المنطقة، وليس بالضرورة بطريقة إيجابية، فقد يساهم في زعزعة استقرار التوازنات الإقليمية وتحفيز تحولات جيو استراتيجية غير متوقعة.
إذا تبنّينا هذا التصور للصورة الاستراتيجية يمكننا الإقرار بإنجازات الحرب: تمكّنا من صدّ الهجوم، ونعمل على استعادة المناطق التي أُخليت وإعادة تأهيلها، واستعدنا أسرانا، وأيضاً زعزعنا ثقة العدو الإيراني بنفسه، وقوّضنا معظم القدرات العسكرية لحركة "حماس" و"حزب الله" على حدودنا.
وفقاً للعقيدة العسكرية، فإن الهدف من الدفاع هو وقف المبادرة الهجومية للعدو، وكسب الوقت، وتهيئة الظروف للجولة المقبلة، وهي الهجوم.
لقد فاجأتنا حرب "السيوف الحديدية" لأنها اندلعت عندما كنا لا نزال نتصور أن المواجهة هي مجرد حرب ضد "الإرهاب"، في حين أن ما كان يُبنى خلف الحدود هو جيوش هجومية، بدعم من قوة إقليمية كبرى.
تحولت الحرب إلى معركة استنزاف بنيوية، بسبب قصور في الجاهزية الفكرية والعملية، وهو ما أدى إلى الحد من إنجازاتها في كلٍّ من الجنوب والشمال.
ومع ذلك، بفضل الشجاعة، والقدرة على الصمود، والتماسك الإسرائيلي الأساسي، وكذلك بفضل الاستخدام الإبداعي لتكتيكات مكافحة "الإرهاب" ضمن سياق حربي أوسع، يمكن اعتبار هذه الحرب مرحلة دفاعية تاريخية ناجحة.
يجب على إسرائيل الحفاظ على إنجازات الحرب، بقدر الإمكان، من خلال فرض نزع السلاح والالتزام بالاتفاقيات في الشمال، وكذلك في الجنوب، عندما يتم التوصل إليها.
إن فرض هذه الإجراءات لن يبطّئ فقط إعادة بناء التهديدات، بل سيوفر أيضاً مبرراً لتجديد العمليات العسكرية متى اختارت إسرائيل ذلك.
كلما نجحت إسرائيل في إبطاء تعاظُم قوة أعدائها - مع الإدراك التام أنه لا يمكن منع ذلك بالكامل - زاد عزل إيران، وأجبرها على استثمار موارد أكبر وأثمن في إعادة بناء نفوذها الإقليمي.
إن فرض إجراءات صارمة وحازمة يخدم الاستراتيجية الإسرائيلية، إذا كنا نتعامل مع حرب تاريخية بين إيران وإسرائيل. لكن، يجب تجنُّب الانجرار إلى حرب استنزاف ضد حركات "التمرد" في غزة ولبنان، وربما حتى في سورية، إذ إن مثل هذه الحرب سيستنزف الطاقة الإسرائيلية، ويبطّئ عملية إعادة تأهيل الجيش الإسرائيلي وتطوير قدراته، ويمنح "محور المقاومة" زخماً متجدداً.
يجب استغلال فترة الهدوء الاستراتيجي والزخم الذي توفره الإدارة الأميركية الجديدة لإعادة إحياء الحملة المناهضة لإيران في المنطقة، وتشجيع القوى الإقليمية والغربية على دعم استئناف الحرب ضد الحوثيين في اليمن، بهدف إضعافهم وإسقاطهم.
خلال العام المقبل، أو العامين المقبلين، يجب على إسرائيل تطوير نظرية عسكرية وقدرات قتالية مناسبة للحرب الإيرانية - الإسرائيلية.
بمعنى أدق، يجب على الجيش الإسرائيلي بناء قوة قادرة على إزالة التهديدات العسكرية في غزة ولبنان، دون الانجرار إلى حرب استنزاف طويلة.
لقد تمت مناقشة المتطلبات اللازمة لذلك في مناسبات عديدة سابقاً.
فيما يتعلق بالدوائر البعيدة، يجب أن تركز القوات الجوية والاستخبارات العسكرية والبحرية الإسرائيلية على تعطيل منظومات الإطلاق والهجمات الصاروخية المعادية، بالإضافة إلى القدرات السيبرانية والفضائية.
إن استهداف منشآت الطاقة والبنية التحتية وحده لا يكفي، لأن ضرب قدرات الإطلاق سيترك إيران ووكلاءها مكشوفين وضعفاء.
من المبكر تحديد مدى تأثير التوغل التركي المتزايد في المنطقة، لكن من المرجح أن يكون بعض الاتجاهات المذكورة أعلاه ذا صلة أيضاً في هذا السياق.
لقد أخطأت إسرائيل عندما اعتبرت نفسها قوة إقليمية آمنة لا تهددها مخاطر وجودية، إذ كشف هجوم السابع من تشرين الأول أنها ليست منيعة، ولا تملك قوة مطلقة.
والاتجاه المعاكس الحالي الذي يرى في الحرب فرصة "يجب الاستفادة منها بلا قيود"، هو انعكاس للخطأ الأساسي نفسه.
إسرائيل منخرطة في صراع طويل الأمد مع إيران، والاستنزاف الذاتي لا يشكل استراتيجية ناجحة في هذا السياق.
لطالما استندت العقيدة الأمنية الإسرائيلية إلى القوة الساحقة، وتجنّبت سباقات القدرة على التحمل الطويل.
بصرف النظر عن كيفية تعريف الوضع الاستراتيجي الحالي يجب على إسرائيل صقل استراتيجيتها وتركيزها بعناية.
-----------------انتهت النشرة-----------------