الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الجمعة 18/4/2025 العدد 1286

الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات
هآرتس 18/4/2025
قضية هذا الأسبوع تخدم رئيس الحكومة في حربه الشخصية
بقلم: عاموس هرئيلِ
خطاب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومؤيديه ضد الدولة العميقة المتخيلة، تصاعد في الأسابيع الأخيرة، لكن عمليا لم تسجل للحكومة أي إنجازات حقيقية. أعضاء الائتلاف انتقلوا من عملية الانقضاض من اجل الاقالات في كل الجبهات الى تكتيك تجفيف حراس العتبة على أمل أن يستسلموا للضغط وأن يغادروا بارادتهم. محاولة احباط تسلم اسحق عميت منصب رئيس المحكمة العليا فشلت. أيضا جهود اقالة المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، ورئيس الشباك، رونين بار، تواجهها صعوبات.
نتنياهو، كبديل، يتجاهلهم ويقاطعهم. عندما وزير العدل ياريف لفين جلس على بعد بضعة كراسي عن عميت في احتفال رسمي ورفض تبادل أي كلمة معه، فانه يحرج بالأساس نفسه. ولكن عندما امتنع نتنياهو منذ أسبوعين عن استدعاء ممثلي الشباك الى معظم الجلسات الهامة فان ذلك تسبب بضرر أمني مباشر.
إن السلوك الموضوعي والمهني لرئيس المحكمة العليا عميت في جلسة مناقشة الالتماسات التي قدمت للمحكمة العليا ضد اقالة بار، أوضح لماذا لم يرغب به لفين ونتنياهو لتولي هذا المنصب. في الأسبوع القادم ستنتهي الفترة التي حددها القضاة للحكومة والمستشارة القانونية للحكومة من اجل بلورة حل وسط فيما يتعلق بإقالة رئيس الشباك. مع الافتراض المعقول أنه لن يتم التوصل الى اتفاق، وعلى أمل أن بار لن ينكسر (هو يعمل تحت ضغط كبير)، فان الحكومة ستضطر الى البحث عن قناة عمل بديلة. المعنى سيكون كما يبدو عقد لجنة غرونس لتعيين الشخصيات الرفيعة في عملية اقالة من شأنها أن تستمر لاشهر.
أيضا محاولة اقالة المستشارة القانونية للحكومة تظهر في هذه الاثناء كعملية لا فرصة نجاح لها، التي هدفها الأساسي هو حرف الانتباه. ولكن هذه الطريقة واضحة وهي لن تقتصر على الأعداء الثلاثة المعلنين الذين شخصتهم الحكومة. نتنياهو يعمل على تجاوز واضعاف حراس العتبة. الحملة الممنهجة في الشبكات الاجتماعية ضد بار، مع التطاول الجامح للمتحدثين باسم الحكومة هو جزء من الخطة.
رئيس الحكومة، رغم نجاحه في تثبيت الائتلاف وتمرير الميزانية، يظهر مؤخرا مضغوط وقلق. هذا يتعلق بالتوبيخ الذي تلقاه في بداية الشهر في البيت الأبيض، وتعقد الحرب في غزة، ولكن أيضا يتعلق بالعقبات القادمة التي تعرض للخطر بقاءه الشخصي والسياسي: القضية القطرية التي تواصل التدحرج، والبداية المخطط لها لمرحلة التحقيق المضاد في محاكمته وأزمة قانون التجنيد. كالعادة، نتنياهو يفضل التركيز على الخلافات على الانقلاب النظامي وعلى نظرية مؤامرة وهمية، بدلا من انشغال وسائل الاعلام والجمهور بالاقتصاد المنهار والعبء غير المحتمل لرجال الاحتياط والتفريط المتواصل بالمخطوفين. كل خطواته، بالتأكيد في جبهة الحرب، مرتبطة بجهود بقائه. من الجهة الأخرى، المعارضة تقريبا غير موجودة والاحتجاج يجد صعوبة في مراكمة الزخم الكافي.
في العام 2020، في جلسة مناقشة الالتماسات ضد تكليف رئيس حكومة متهم بتشكيل الحكومة (حتى في ذلك الوقت) نتنياهو، قالت رئيسة المحكمة العليا، القاضية استر حيوت، بأن “الحصن لم يسقط”. ولكن في الخمس سنوات التي مرت منذ ذلك الحين فان المزيد من الجهات الرسمية تتعرض للافساد. الحلف غير المقدس الذي عقده نتنياهو في نهاية 2022 مع الكهانيين من اجل تشكيل حكومة جديدة والعودة الى الحكم، حدد بداية السقوط. الشرطة ومصلحة السجون، التي يسيطر عليها الوزير ايتمار بن غفير، توفر المثال البارز ولكن ليس الوحيد. في المستقبل نحن سنشاهد توجهات مشابهة أيضا في الجيش الإسرائيلي.
في هذا الأسبوع ثارت عاصفة عندما اعتقل الشباك أ.، وهو رجل احتياط في الجهاز، بتهمة أنه سرب وثائق سرية للوزير عميحاي شيكلي والمراسلين عميت سيغال وشيريت افيتان – كوهين. النبأ الذي نشره سيغل استنادا الى هذه الوثائق تناول فحص الشباك لنشاطات كهانية في الشرطة وفي مصلحة السجون. مناقشة هذا الامر ليست نظرية. فعاصفة إعلامية سابقة تناولت تسجيلات لرئيس القسم اليهودي في الجهاز، ومحادثات مع قائد الوحدة المركزية في شرطة لواء شاي (يهودا والسامرة)، العقيد في الشرطة افيشاي معلم، الذي هو أحد الابطال المؤقتين لليمين المتطرف، وهو نفسه يوجد رهن التحقيق بتهمة إعطاء رشوة في قضايا تتعلق بمعالجة ملفات “جريمة قومية متطرفة” (إرهاب يهودي).
جهات رفيعة في الجيش قالت في هذا الأسبوع للصحيفة بأن التغير في سلوك معلم وكل اللواء ظهر بوضوح بعد تسلم بن غفير لمنصبه. في احدى الحالات قتل فلسطيني في حادث عنيف مع مستوطنين. اثناء جنازة هذا الفلسطيني وصلت سيارة سكودا سوداء، والركاب فيها اطلقوا النار في الهواء قرب المشاركين في الجنازة. الضباط في قيادة المنطقة الوسط توسلو للشرطة لاجراء تحقيق في الامر. ولكن كبار قادة اللواء ببساطة تجاهلوا ذلك. روح القائد لها الأولوية، وهذه وصلت من بن غفير نفسه.
هناك قاسم مشترك بين القضايا الثلاثة الأخيرة – تسريب وثائق استخبارية من مكتب نتنياهو الى صحيفة “بيلد” الألمانية، العلاقات التجارية لثلاثة موظفين في المكتب مع قطر، والآن تسريب الوثائق من الشباك الى شيكلي ومراسلين. فيها جميعا رجال جهاز الامن ومكتب رئيس الحكومة مشتبه فيهم بإخراج وثائق سرية وحساسة بدون صلاحية أو استخدام معلومات سرية لأغراض سياسية وتجارية.
عمليا، ربما قضية تجر قضية. ايلي فيلدشتاين، المشتبه فيه الرئيسي في القضيتين الأوليين، كان في البداية محبوب البيبيين الى أن ثار الشك بأن يفتح فمه على شخصيات اكبر منه في السلسلة. بعد ذلك تم نقل التعاطف الى ضابط الصف في شعبة الاستخبارات العسكرية، آري روزنفيلد، الذي نقل الى فيلدشتاين الوثائق. في هذه الاثناء بدأ (ما زال في الذروة) تشريع “قانون فيلدشتاين”، الذي يعطي حماية جنائية لرجل أمن ينقل بدون صلاحية معلومات حساسة الى رئيس الحكومة أو الى عضو في الكابنت. من غير المستبعد أن أ، المشتبه فيه في القضية الحالية، عمل من خلال الاعتقاد بأن افعاله ستكون محمية بهذا القانون.
روني الشيخ، المفتش العام السابق للشرطة ونائب رئيس الشباك، قال في هذا الأسبوع لـ “اخبار 12” بأن “الانشغال الاعلامي الزائد بالقضية الجديدة يخدم رئيس الحكومة. كل يوم ستكون لدينا مؤامرة جديدة”. الهدف هو وقف الانشغال بالقضية الأمنية الأكثر خطرا، قضية قطر. أنا بشكل متعمد لا أقول قطر غيت، لأنها فقط جزء صغير في الحدث القطري”. وحول تسريب الوثائق الجديد قال: “يوجد هنا حدث قام به سياسي. وزير في حكومة إسرائيل يشغل عميل، يورط عميل، داخل الجهاز. أنا اعرف المعايير في هذا الجهاز، ولا أتذكر أن هناك اشخاص اخرجوا وثائق من الشباك”.
الشيخ أكد على الاقوال التي نشرت هنا في هذا الأسبوع، التي بحسبها الحكومة تقوم بتشغيل عملاء يخرجون وثائق سرية من داخل جهاز تجسس، هذا يوجد فيه الدليل على بداية تفكك داخلي للشباك. هذا يبدو كأحد اهداف نتنياهو ومعسكره، الذين يعملون بجهد من اجل قطع كل الروابط في المجتمع وفي الدولة.
يوجد لنتنياهو خط دفاع ثابت، الذي يتم تسويقه للجمهور اكثر من تسويقه للمحكمة. حسب رأيه فان كل الاتهامات الجنائية والسياسية ضده هي محاولة لاسقاطه بوسائل غير مشروعة. فقط الادعاءات ضده تتبدل. أيضا مذبحة 7 أكتوبر وجد لها مبرر دفاعي مقنع حسب رأيه: لو أنهم فقط ايقظوه في الوقت المناسب لكان كل شيء سيكون مختلفا. ولكن الحقيقة البائسة هي أن رئيس الحكومة فقد جزء من حدته الشهيرة في السنوات الأخيرة. الحديث لا يدور فقط عن استراتيجية رعاية حماس واستيعاب التهديد من غزة. ففي الأشهر التي سبقت الحرب هو تجاهل كل تحذيرات رؤساء جهاز الامن بشأن تداعيات الازمة الداخلية على الوضع الأمني، واهتم بالتقاط صورة مع زوجته وهما يضعان نظارات وردية اللون.
لم يعد هناك الكثير من الوزن الحقيقي للاقوال التي تقال على لسان نتنياهو ورجاله. بعد أن تفجرت قضية فيلدشتاين (وبعد فشل محاولته للتنكر له)، وصف نتنياهو المشتبه فيه بأنه “وطني إسرائيلي وصهيوني متحمس”. في هذا الأسبوع، في محاولة للدفاع عن ابنه يئير، الموجود في الخارج في معظم أيام الحرب، قال إن الابن هو “صهيوني حقيقي”، في حين أن الوزير شيكلي بالغ عندما وصف أ.، المسرب من الشباك، بأنه “بطل إسرائيل”. ايال ايشل، والد المراقبة الشجاعة روني ايشل التي قتلت مع صديقاتها في معسكر ناحل عوز في 7 أكتوبر، قدم ملاحظة صحيحة عندما قال بأن ابنته والجنود الذين قتلوا اثناء تأدية الواجب هم الابطال الحقيقيون، وليس رجل جهاز أو موظف في مكتب، المشتبه فيه بأنه تجاوز صلاحياته وعمل خلافا للقانون.
ذكريات من فيتنام
انشغال الاعلام في القضايا يجري، هذا ما يجب أن نتذكره، عندما في قطاع غزة استأنفوا القتال وازداد الخطر على حياة الـ 21 مخطوف الذين ما زالوا على قيد الحياة. الآن مر شهر على هجوم إسرائيل الجديد الذي قامت به إسرائيل من خلال خرق اتفاق وقف اطلاق النار الذي دخل الى حيز التنفيذ في منتصف شهر كانون الثاني الماضي. الحكومة صادقت على العملية، التي بادر اليها رئيس الأركان الجديد ايال زمير، التي استهدفت استخدام ضغط جديد على حماس بهدف علني من اجل حثها على التوقيع على صفقة تبادل جديدة، لو جزئية.
منذ ذلك الحين قتل اكثر من 1500 شخص في القطاع، حسب بيانات وزارة الصحة لحماس، والجيش الإسرائيلي احصى بينهم مئات من رجال حماس. حتى الآن تظهر مرونة معينة في الموقف الفلسطيني بخصوص طبيعة الصفقة. ولكن حتى الآن لا يوجد اتفاق. سبب ذلك بسيط: حماس تطالب بأنه في أي صفقة يجب أن تضمن انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع وانهاء الحرب. حماس ستوافق على صفقة مؤقتة أخرى فقط من خلال موقف ضعف صعب – الامر الذي لا يظهر في هذه الاثناء رغم وعود الابواق.
عشية استئناف الحرب سمع زمير من رجال الاستخبارات بأن حماس راضية عن نفسها. وقف اطلاق النار مكن حماس من العودة الى انتاج محدود للسلاح وتجنيد وتدريب المزيد من الشباب وجمع الأرباح من بيع المساعدات الإنسانية للتجار. رؤساء القيادة العسكرية الحالية، عز الدين حداد ومحمد السنوار، تبين أنهما ليسوا اقل تطرفا وعنادا من يحيى السنوار ومحمد ضيف. هذا لا يمنعهما من اظهار مرونة في التكتيك. من عملية القتال في الشهر الماضي يظهر أن حماس تحذر بقدر الإمكان من مواجهة مباشرة. عدد كبير من رجالها في رفح تم نقلهم الى الشمال، الى منطقة المواصي، من اجل تجنب الخسائر. المنظمة تركز على اطلاق النار من بعيد (نار القناصة، اطلاق الصواريخ المضادة للدروع)، وتحاول تنفيذ عمليات يمكن توثيقها ونشرها بعد ذلك.
نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس يحاولان تسويق للجمهور فكرة منظمة من وراء تجدد الحرب. كاتس قال أول أمس إن “هدف العملية في المقام الأول هو بذل كل الجهود من اجل تحرير جميع المخطوفين في اطار خطة ويتكوف وبناء جسر لهزيمة حماس فيما بعد”. وقف المساعدات الإنسانية، كما قال، استهدفت المس بسيطرة حماس على السكان، وبعد ذلك القصد هو وضع “بنية تحتية للتوزيع بواسطة شركات مدنية… وخلافا للسابق الجيش الإسرائيلي لا يقوم باخلاء مناطق تم تطهيرها واحتلالها. الجيش الإسرائيلي سيبقى في المناطق الأمنية كفاصل بين العدو والمستوطنات في كل واقع مؤقت أو دائم في غزة، مثلما في لبنان وفي سوريا”.
في أوساط الجمهور، وبدرجة كبيرة في الجيش أيضا، هناك تشويش. هذا يظهر أيضا في المحادثات بين الضباط والمراسلين. أنا سمعت احاطة في هذا الأسبوع من الجيش لوسائل الاعلام عن الحرب. أسئلة المراسلين تكررت: ما هي الأهداف الحقيقية للحرب؟ ما الذي يجعل أعضاء هيئة الأركان يعتقدون أنه في هذه المرة ستتحقق هذه الأهداف خلافا للسابق؟ كيف يمكن هزيمة حماس وأيضا إعادة آخر المخطوفين وجثامين القتلى من غزة؟ أي تسوية يراها الجيش حسب رؤيته في القطاع على فرض أن الحرب ستنتهي ذات يوم؟. أنا اعتقدت أن الفروقات سهلة. هذه المحادثة كان يمكن أن تجري أيضا في 1967 في فيتنام، بين جنرالات ومراسلين أمريكيين.
هناك بالطبع فرق واحد جوهري. فبين الولايات المتحدة وفيتنام كان يفصل محيطان وآلاف من الكيلومترات، ولكن بين كيبوتس ناحل عوز، الذي سكانه لم يعودوا الى بيوتهم وبين حي الشجاعية المدمر شرق مدينة غزة، هناك بصعوبة كيلومتر واحد.
-------------------------------------------
هآرتس 18/4/2025
حرب غزة باتت ضد المدنيين
بقلم: جاكي خوري
استخدام كلمة “حرب” من اجل تحديد الوضع الذي يحدث في غزة الآن، هو مضلل ومشوه. في غزة لا توجد حرب. بل يوجد هجوم منفلت العقال لإسرائيل ضد مدنيين لا يشاركون في أي نشاطات ضدها. لقد انتهى لاسرائيل “بنك الأهداف”، لم تبق أي مباني حكومية لحماس أو “بنية تحتية إرهابية”، ونحن لا نعرف اذا تم تدمير جميع انفاق حماس.
اهداف الإرهاب الحالي لإسرائيل هي المسلحين الذين تتم مشاهدتهم في أفلام تحرير المخطوفين، لكن لا يمكن معرفة اذا كانوا حقا هم من نشطاء حماس أو ممثلين كومبارس. مهما كان الوضع فان متابعة كل واحد منهم يمكن أن تستمر لاشهر أو سنوات. اذا كان هذا هو معيار “النصر المطلق”، الذي يتطلع اليه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فان الطريق ما زالت طويلة.
إسرائيل تقصف من الجو والبر والبحر بؤر في القطاع، التي يوجد فيها الكثير من المدنيين: خيام النازحين والمهجرين، مباني آيلة للسقوط وما زالت تستخدم كمأوى (مثلا مستشفيات ومدارس الاونروا). المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي ربما يتحدث عن “مناطق آمنة”، لكن في غزة لم يسمعوا عن هذا المصطلح. في إسرائيل تعودوا على القول بأنه حتى في هذه المناطق يوجد إرهاب، وأن حماس تستخدم المدنيين كدروع بشرية، وأن نشطاء حماس يختبئون بين السكان. هكذا ادعي أيضا في هذا الأسبوع بعد مهاجمة المستشفى الأهلي في مدينة غزة. عمليا، البيانات القليلة التي يتم الحصول عليها تظهر أن معظم القتلى والجرحى في الهجمات الأخيرة هم من المدنيين، بالأساس نساء وأطفال. وحتى لو شككوا في مصدر هذه البيانات، وزارة الصحة في غزة، فان الصور لا تكذب.
حسب بيانات الوزارة فانه منذ 18 آذار قتل 1694 شخص في غزة، 595 منهم من الأطفال و308 من النساء و105 من كبار السن. حتى لو انطلقنا من فرضية أن الباقين هم مسلحون وارهابيون فانه يمكن الافتراض أن معظم القتلى غير متورطين في الإرهاب. ولكن باستثناء هؤلاء القتلى يجب ذكر أن الكارثة الإنسانية التي تحدث الآن في غزة تجعل مليوني غزي على شفا الموت وهم على قيد الحياة، وأن يموتوا بسبب الجوع أو بسبب المرض.
منذ شهر واكثر القطاع مغلق كليا. يسمح فقط بالخروج لمن يريد المغادرة وفي إسرائيل يتفاخرون بذلك. أي منظومة محتملة في المجال الصحي – الإنساني انهارت، ناهيك عن منظومة التعليم والمجتمع. في إسرائيل يبررون ذلك بذريعة أن الضغط على المدنيين سيؤدي الى نتائج في المفاوضات على تحرير المخطوفين. حماس تدعي أن تحرير المخطوفين دفعة واحدة هو أمر ممكن اذا وافقت إسرائيل على انهاء الحرب، لكن إسرائيل لا تكتفي بذلك. فرئيس الحكومة اعلن بأنه يطالب بنزع سلاح حماس والتنازل عن أي مظهر من مظاهر الحكم والسيطرة. هذا الطلب لن يوصل المفاوضات الى نقطة النهاية. إسرائيل ستواصل الايمان بالضغط العسكري – الإنساني وحماس ستواصل التلويح بالورقة الوحيدة التي بقيت لديها، وهي حياة المخطوفين.
حماس حتى الآن لا تتحدث بمفاهيم التضحية والصمود والتمسك بالأرض. فهي ترفض الادعاء بشأن استخدام المدنيين لحماية المسلحين، لكنها تستخدم خطاب متملص. فمن ناحيتها كل نشطاء حماس هم مواطنون غزيون، وفي اللحظة التي يخلع فيها المسلح الزي العسكري يصبح مدني. هذا هو أسلوب حماس والواقع على الأرض، ولا يبدو أنه سيتغير. في هذه الاثناء المدنيون الذين هم حقا غير متورطين وجدوا انفسهم بين احتمالين، إما الموت أو الموافقة على التهجير.
الأمل الذي علقه المدنيون ذات يوم على كل أنواع الكيانات المجردة – المجتمع الدولي، القانون الدولي، المحكمة الدولية والعالم العربي والإسلامي – تبين أنه كان أمل كاذب. ورغم أن إسرائيل غاضبة من هذه المقاربة إلا أن المدنيين في غزة اصبحوا أيضا رهائن. في إسرائيل ما زال هناك من يناضلون من اجل المخطوفين، وفي غزة تم ترك المدنيين لوحدهم.
------------------------------------------
إسرائيل اليوم 18/4/2025
من السابق لاوانه تأبين الهجوم العسكري على ايران
بقلم: تامير هايمن
نصف السنة القريبة القادمة هي فترة حرجة في الساحة الإيرانية. حتى نهاية السنة سنعرف الى أين وجهتنا حيال التهديد الإيراني. هل الى اتفاق نووي جديد، ربما هجوم على مواقع النووي، أم حالة وسطى متواصلة من مراوحة تصعيدية خطيرة، نعيشها منذ خمس سنوات.
ان هجوما على مواقع النووي مع الولايات المتحدة في الوقت الحالي كان سيؤدي الى النتيجة الأفضل بالنسبة لإسرائيل. صحيح أن ايران كانت سترد ضد إسرائيل وضد قوات أمريكية في الشرق الأوسط، ورد على الرد يخلق آلية تصعيد. هذا تصعيد يتعارض والمصلحة الامريكية. ترامب يرى في الحروب امرا تبذيريا، وسبق أن اعلن انه يريد انهاء الحروب لا ان يبدأها.
في منتصف شهر أيار سينتهي انذار الرئيس ترامب. كما يذكر، في كتاب بعث به الى زعيم ايران آية الله خامينئي ذكر بانه ا ذا لم يتحقق اتفاق في غضون شهرين، فسيكون هجوم عسكري. ويبدو أن هذا الإنذار ترجم بتقديرات إسرائيلية لعملية عسكرية في ايران في شهر أيار (موعد انتهاء الإنذار). لكن حسب المنشورات الأخيرة أوقف ترامب هذه العملية. اغلب الظن خوفا من تورط امريكي في ا لحرب او لانه يفضل الاتفاقات (كما قال اكثر من مرة).
تفكيك أم تقييد
كما أسلفنا، تفضل الولايات المتحدة المسار الدبلوماسي للاتفاق. لكن ليس واضحا اذا كان الهدف هو تفكيك تام للبرنامج النووي الإيراني (النموذج الليبي) ام فقط تقييد البرنامج (نموذج اتفاق أوباما). مهما يكن من امر، فقد بدأت المفاوضات المباشرة، واذا حاكمنا الأمور وفقا لحقيقة أنها تتواصل – فان الاقتراحات الامريكية الأولية لم تتضمن طلب التفكيك الذي لا يعتبره الايرانيون “نقطة انطلاق”.
أمران من المهم أن نفهمهما عند الدخول الى مفاوضات مع الإيرانيين: هم اذكياء وهم مهنيون. ينبغي الامل في ان يتبنى الجانب الأمريكي ذلك، وهو ملزم بان ينزل الى التفاصيل وملزم بان يضع موعدا هدفا لانهاء المفاوضات والا فان الزعيم سيحقق ما يريد – مفاوضات لا نهائية وعديمة الغاية.
موعد إضافي يجب أن نتذكره هو 14 أكتوبر. هذا هو الموعد الأخير الذي يمكن فيه لألمانيا، فرنسا وبريطانيا أن تعلن بان ايران لا تلتزم بالاتفاق النووي وعليه فانها ستفككه. هذه الخطوة تشكل خطرا هاما على ايران. وذلك ايض لان الامر يفرض من جديد العقوبات الثقيلة من مجلس الامن (دون حق فيتو لروسيا والصين)، وأيضا واساسا لان الملف النووي الإيراني ينقل الى مجلس الامن. هذا هو الجسم الوحيد الذي يمكنه أن يقصي ايران عن الاسرة الدولية. وايران لا تريد ذلك. ايران ترى نفسها دولة شرعية وذات مكانة وشرف بين الشعوب وهي لا تريد أن تكون كوريا الشمالية، وهذا يقربها من هناك.
الطريق الإيراني لمواجهة هذه الضائقة يمكن أن يكون في مسارين: تصعيد وتمديد الوقت. مسار التصعيد هو من خلال الانسحاب من الميثاق الدولي لمنع نشر السلاح النووي (NPT)، امر الذي يحررها باتجاه تخصيب اليورانيوم الى مستوى عسكري أيضا (90 في المئة). هذا ناجع، لكنه يقربها من هجوم عسكري للتحالف الدولي. المسار الثاني أكثر أمانا – تمديد الوقت. ايران ستحاول طلب تأجيل الى موعد ال “سناب باك”(تمديد الفترة الزمنية المحددة لانتهاء مفعول الاتفاق في 14 أكتوبر.
معقول أن تفشل المفاوضات
وختاما، من السابق لاوانه التأبين لسيناريو الهجوم العسكري المشترك. معقول ان تفشل المفاوضات او ان تمتد الى ما وراء حدود صبر ترامب. فالرئيس لا يريد أن يبدو في صورة ضعيف، ولهذا فان الخيار العسكري سيبقى على الطاولة. هذه أداة ضغط حيوية، إذ بغياب التهديد بالهجوم – فان المفاوضات ستفشل بالتأكيد. في النهاية يطرح السؤال: هل يمكن لإسرائيل أن تكتفي باتفاق نووي ام ربما هجوم فقط سيؤدي الى إزالة التهديد. الجواب متعلق بنوع الاتفاق وبعمق انفاذه. اتفاق يفكك البنى التحتية للنووي، ويتناول كل عناصر البرنامج النووي الإيراني (التخصيب، الصواريخ وتطوير السلاح)، هو اتفاق ممتاز شريطة أن يوجد نظام رقابة متشدد وقدرة انفاذ على الخروقات وشريطة أن تبقى دوما القدرة العسكرية على الهجوم كوسيلة ردع ضامنة للاستقرار.
-------------------------------------------
هآرتس 18/4/2025
ترامب يغير الشرق الأوسط ونتنياهو في دور المشاهد
بقلم: تسفي برئيل
في الغد عندما ستلتقي البعثات الامريكية والإيرانية في روما للدفع قدما باتفاق نووي “جديد”، في القدس سيقضمون اظافرهم بعصبية. هل المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف سيضع امام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي طلب بحسبه “أي اتفاق نهائي يجب أن يرسخ اطار للسلام والاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط، الامر الذي يعني وقف وانهاء برنامج تخصيب اليورانيوم وتسلح ايران” مثلما اعلن في يوم الثلاثاء؟ أو أنه سيكرر الصيغة التي قالها في يوم الاثنين في مقابلة مع “فوكس نيوز”، التي بحسبها “ايران ليست بحاجة الى تخصيب اليورانيوم بمستوى اعلى من 3.67 في المئة”، وهي الاقوال التي تحدد بأن ايران يمكنها الاستمرار في مشروعها النووي، لكن فقط في اطار قيود الاتفاق الأصلي.
الفجوة بين الصيغتين توجد لها أهمية كبيرة، لأن الصيغة الأولى تتحدث عن الغاء وتحييد كل المشروع النووي، في حين أن الصيغة الثانية تبقيه على قيد الحياة، وفقط تطلب جهاز رقابة ناجع. عمليا، لا يوجد فرق كبير بين هذه الصيغة والاطار الذي تحدد في الاتفاق النووي الذي وقع في 2015 الذي انسحب منه الرئيس ترامب في أيار 2018. طلب الوقف المطلق لتخصيب اليورانيوم ترفضه ايران بشكل مطلق. واذا تم طرحه كانذار نهائي فهي ستنسحب من المفاوضات.
لكن حتى قبل رؤية ماذا وكيف سيطرح في المحادثات القريبة القادمة فان هناك أمر واحد لا يوجد حوله أي خلاف. فمجرد وجود حوار بين ايران والولايات المتحدة كان خلافا لموقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وقد تفاجأ مثل كل العالم من اعلان ترامب قبل أسبوعين عن البدء في اجراء المحادثات في سلطنة عمان. نتنياهو، الذي قبل عقد تقريبا نجح في تجنيد كل العالم ضد ايران، يجد نفسه فجأة في مكانة تشبه مكانة الدول الأوروبية التي وقعت على الاتفاق النووي، التي يبدو أنه لم تتم حتلنتها وربما اشراكها في كل العملية.
الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة النووية، رفائيل غروسي، سئل عن ابعاد أوروبا بالفعل عن المحادثات حول قضية المشروع النووي الإيراني في مقابلة مع صحيفة “لوموند” عشية وصوله الى ايران في هذا الأسبوع. غروسي أجاب بصراحة بأنه “يجب علينا أن نأخذ ما يمكن الحصول عليه”، قال وأضاف. “الاحداث الدولية غيرت دور عدد من الدول وقدرتها على التأثير في عملية النووي الإيراني”.
صحيح أن إسرائيل لم تنجح في التأثير على الاتفاق النووي الأصلي، ورغم معارضة نتنياهو الشديدة إلا أن الرئيس براك أوباما قرر التوقيع عليه، لكن بعد ذلك كان لنتنياهو موقف آخر، عندما تم استدعاءه الى الكونغرس لالقاء خطابه التوبيخي والمهدد. الآن هو لا يستطيع أن يتجرأ على اتخاذ خطوة مشابهة. بعد ثلاث سنوات سجل لنفسه “انجاز” كبير عندما اقنع ترامب بالانسحاب من الاتفاق، وهي الخطوة التي دفعت ايران قدما الى مكانة دولة حافة نووية. الآن ترامب هو الذي يدفع المفاوضات ويطمح الى نجاحها. يمكن التقدير بأنه يسمع تحفظات نتنياهو، لكن هناك شك اذا كان وزنها يشبه وزن التحفظات التي كانت في 2018.
ايران ربما هي المشهد الأبرز والاهم الذي يشير الى الانخفاض الواضح في مكانة نتنياهو في نسيج القوى الدولية المؤثرة على ترامب. ولكن هذا بصراحة ليس المشهد الوحيد. هذا الأسبوع نشر أن الإدارة الامريكية تنوي تقليص حجم القوات الامريكية العاملة في سوريا لتصل الى 1000 جندي بدلا من 2000. ليس فقط الاكراد والسوريين والدول الأوروبية أصيبوا بالصدمة من نية أمريكا. إسرائيل عملت في الأسابيع الأخيرة على اقناع الإدارة الامريكية بعدم اتخاذ هذا القرار، ليس لأنه يعرض للخطر الاكراد.
الانسحاب الأمريكي من سوريا كان طلب ثابت لتركيا، التي اعتبرت الدعم الأمريكي للاكراد الكابح امام نشاطاتها ضد الذين تعتبرهم تنظيم إرهابي يهدد أمنها القومي. الاتفاق الذي وقع عليه الاكراد في سوريا مع الرئيس السوري احمد الشرع، بتشجيع من تركيا والولايات المتحدة، يمكن أن يوفر لتركيا “التفويض” الأمريكي الذي طمحت اليه من اجل إدارة وتنسيق الحرب ضد داعش، عمليا، أن تصبح “الذراع العسكري” للولايات المتحدة في سوريا. الى جانب تأثير ذلك على حرية عمل إسرائيل في المجال الجوي لسوريا فان هذا التقاء مصالح استراتيجي، الذي وجد الآن بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وبين ترامب، الذي فيه إسرائيل تعتبر عامل مزعج.
المعركة على قمة الجبل، التي تديرها إسرائيل في سوريا، لا تنتهي بذلك. الشرع، بمساعدة اردوغان ودعم دول عربية كبيرة مثل السعودية، قطر واتحاد الامارات، تترسخ مكانته أكثر فاكثر كزعيم عربي شرعي. لقد سبق وتمت دعوته للمشاركة في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في العراق في شهر أيار الماضي. وفي نفس الوقت هو يجري بشكل مباشر وبواسطة تركيا ودول عربية حوار مكثف مع الإدارة الامريكية على رفع العقوبات التي فرضت على سوريا في فترة حكم بشار الأسد. الشرع سبق وحقق موافقة مبدئية أمريكية لرفع العقوبات، وفقا لستة شروط عليه الوفاء بها.
في شهر أيار أيضا يتوقع أن يزور الرئيس ترامب السعودية. حتى الآن غير معروف اذا كان سيلتقي مع اردوغان في تركيا قبل هبوطه في الرياض، أو سيقوم بزيارة دول عربية أخرى، أو أنه سيستدعي زعماءها للقاء قمة في السعودية. ولكن ترامب سمع من السعوديين والقطريين والأتراك في السابق عن ضرورة ليس فقط الاعتراف بالشرع، بل أيضا عن تحرير سوريا في اسرع وقت من العقوبات من اجل تمكينها من البدء في ضخ الاموال المطلوبة لها لاعادة الاعمار، ورؤية في النظام الجديد في سوريا عامل حيوي لوقف نفوذ ايران في المنطقة. من غير المستبعد، بالمناسبة، أنه في احد هذه اللقاءات ستتم دعوة الشرع أيضا لمصافحة ترامب. القدس حتى الآن تتعامل بتشكك مبرر مع الشرع كارهابي إسلامي متطرف، وتهدد بالمس به اذا سمح لجهات معادية بالعمل من أراضي سوريا ضد إسرائيل. عندها يمكن أن تجد نفسها في وضع محرج اذا حصل هذا “الإرهابي الإسلامي” على مصافحة يد الرئيس الأمريكي.
في هذا الأسبوع تبين أنه في شبكة العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية فان أداة التأثير الإسرائيلية لم تعد كما كانت في ولاية الرئيس جو بايدن. وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت اعلن في يوم الاحد اثناء زيارته في الرياض بأن الولايات المتحدة والمملكة “في مسار” قبيل التوقيع على اتفاق سيلبي طموحات السعودية في إقامة صناعة نووية.
اتفاق نووي كهذا الى جانب حلف دفاع امريكي – سعودي كانا الاغراء الذي عرضه بايدن من اجل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية. إسرائيل طرحت في السابق تحفظات ثقيلة الوزن ضد تطوير برنامج نووي سعودي حتى لو كان لاهداف سلمية. أيضا السعودية نفسها حذرت من أنه اذا اصبح لإيران سلاح نووي فانها هي أيضا ستحصل على هذا السلاح.
الطريق الى اتفاق نووي مع السعودية في الحقيقة طويلة، والرياض حتى الآن غير مستعدة لتبني الشروط المقيدة التي تنطوي على التوقيع عليه – لكن، كما قال رايت فانه “توجد طرق كثيرة لبناء صفقة تلبي طموحات السعودية والمصالح الامريكية”. فقط هناك امر واحد “نسي” أن يذكره وهو التطبيع مع إسرائيل كشرط للاتفاق النووي. يبدو أنه مثل الحوار بين الولايات المتحدة وايران، هكذا أيضا في قضية النووي السعودي، إسرائيل ستأخذ مكان محترم كمراقبة على المدرجات، لكن اللعبة سيديرها ترامب.
ترامب ما زال يسمح لإسرائيل بالسيطرة على مناطق في سوريا، وحتى توسيع السيطرة عليها، مثلما لا يقف ضد سيطرتها على خمس مناطق في لبنان. ولكن في نفس الوقت هو يدفعها الى بلورة تفاهمات مع تركيا حول آلية “منع مواجهات” وتقليل الاحتكاك في سوريا. هو أيضا يتطلع الى الدفع قدما بالتطبيق الكامل لاتفاق وقف اطلاق النار مع لبنان، الذي سيشمل نزع سلاح حزب الله وعملية ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.
هذه الخطوات ستقتضي تدخل وموافقة سوريا، على الأقل في كل ما يتعلق بقضية مكانة مزارع شبعا. هذه المزارع معروفة كمنطقة تحت سيادة سوريا، خلافا لادعاء لبنان بأنها تعود لها. طالما أن سوريا تدعي امتلاكها فانه تصعب رؤية كيف يمكن استكمال ترسيم الحدود، وبالتالي، جعل إسرائيل تنسحب منها. الحل، كما يبدو، سيكون مرهون بالطريقة التي سيتصرف بها ترامب مع الشرع، وما هو المقابل الذي سيعرضه عليه. ولكن هنا أيضا قدرة إسرائيل على التأثير على العملية ستكون محدودة.
في لبنان، بالمناسبة، يظهر خط فاصل آخر واضح بين نتنياهو وترامب، يتعلق بدور قطر. الرئيس اللبناني جوزيف عون زار في هذا الأسبوع الدوحة من اجل الحصول على مساعدات مالية لترميم لبنان وتمويل الجيش اللبناني. قطر، التي في السابق أرسلت للجيش اللبناني 60 مليون دولار للاحتياجات الجارية، تعهدت بمواصلة التبرع بسخاء لترميم اقتصاد الدولة وتعزيز جيشها. هذه بشرى هامة للرئيس اللبناني الذي يتطلع الى تجنيد 6 آلاف جندي آخر للجيش كي يستكمل انتشاره على طول الحدود مع إسرائيل وعلى الحدود الشرقية مع سوريا. ترامب لا يعنيه كثيرا من أين ستأتي الأموال للبنان، شريطة أن لا تأتي من ايران. حقيقة أن قطر تعتبر في إسرائيل مؤيدة للارهاب، لا تؤثر عليه بالفعل.
الامر المقلق هو أنه امام الحركات المشكالية لترامب في شبكة العلاقات الإقليمية فان إسرائيل ما زالت عالقة في الرؤية القديمة التي تتضمن الاعتقاد بأن نتنياهو يمسك بدفة حاملة الطائرات الامريكية، وأن اهمية إسرائيل الاستراتيجية في نظر الولايات المتحدة راسخة.
-------------------------------------------
يديعوت احرونوت 18/4/2025
المفاوضات التي منعت الانفجار
بقلم: رون بن يشاي
رئيس الوزراء لم يتفاجأ حقا عندما بلغه مبعوث الرئيس ترامب ستيف ويتكوف عند زيارته واشنطن ببدء مفاوضات بين الولايات المتحدة وايران – المفاوضات التي بدأت يوم السبت الماضي في مسقط عاصمة عُمان.
يمكن الافتراض أن إسرائيل كانت على علم بالخلافات في الإدارة حول مسألة النووي الإيراني. من جهة معسكر الصقور وعلى رأسه مستشار الامن القومي مايكل فالتس ومسؤولو البنتاغون ممن يطلبون التدمير التام للبرنامج النووي الإيراني. ومن الجهة الأخرى نائب الرئيس جيدي فانس، وزير الدفاع بيت اغسف، رئيسة الاستخبارات تولسي غبارد والمبعوث ويتكوف الذين يسعون الى اتفاق يشمل تجميدا للبرنامج ورقابة متشددة. قبل بضعة أيام من رحلة نتنياهو العاجلة الى الولايات المتحدة كان واضحا بان يد المعسكر المعتدل هي العليا.
وأفادت “نيويورك تايمز” في ليل يوم الأربعاء على لسان مسؤولين كبار في الإدارة بان إسرائيل “بمشاركة كاملة مع الولايات المتحدة خططت لهجوم على منشآت النووي في ايران، ويحتمل في الشهر القادم، لكن الرئيس ترامب استخدم الفيتو على العملية في صالح القناة الدبلوماسية. وحسب التقرير، في 2 نيسان التقى قائد المنطقة الوسطى الامريكية الجنرال مايكل كوريلا مع مسؤولين إسرائيليين كبار واطلعهم بذلك. اما نتنياهو الذي كان في هنغاريا فقد اتصل بترامب في محاولة لارجاعه عن قراره. اما الرئيس فأجاب بانه غير معني بان يبحث في ذلك هاتفيا ودعاه الى البيت الأبيض.
خرج نتنياهو من لقائه مع ترامب بيدين فارغتين. فليست الخطة العسكرية فقط تبقت حاليا على الورق بل وتبين أيضا بان للرئيس ولرجاله لا توجد خطة متبلورة لخوض المفاوضات وما يريد ان يحققه من خلالها باستثناء الا يكون لإيران سلاح نووي. من توقع منه قولا صريحا عن التزامه بتصفية البرنامج النووي الإيراني – خاب ظنه.
العبث هو ان ايران توجد اليوم في قمة ضعفها كدولة وكمجتمع، لكن في نفس الوقت هي دولة حافة نووية يمكنها في غضون اشهر معدودة من لحظة القرار أن تحوز سلاحا نوويا عملياتيا وبه تهددنا وتهدد دول المنطقة بل وحتى أوروبا والولايات المتحدة. عمليا، ايران تقترب من مكانة كوريا الشمالية التي تحوز سلاحا نوويا وصواريخ بعيدة المدى وبالتالي تتمتع بالحصانة.
في جهاز الامن في اسرائيل مقتنعون باننا اذا لم نعمل في غضون اشهر معدودة لإزالة التهديد، فاننا سنفوت فرصة تاريخية. بتقدير كل محافل الامن في إسرائيل، وكذا محافل غير قليلة في البنتاغون وفي اسرة الاستخبارات الامريكية، فان إنجازات حرب السيوف الحديدية، واساسا الهجوم الأخير في ايران، الى جانب التدهور الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه تشكل نافذة فرص لهجوم على منشآت النووي وتدميرها من الأساس. نافذة الفرص ستكون مفتوحة لزمن قصير، ربما فقط لاشهر. ما أن تغلق، حتى يكون الهجوم اقل نجاعة بكثير وسيجبي ثمنا اكبر ممن سيهاجم. اعتبار هام آخر هو ان كوريلا، الذي يؤيد الهجوم على منشآت النووي سينهي مهام منصبه بعد عدة اشهر، ولا يمكن أن نعرف ماذا سيكون موقف بديله وكم يمكن الاعتماد عليه في أن يقف الى جانب إسرائيل في هذه المسألة.
هذه الفرضيات الأساس هي التي أدت الى خطة الهجوم التي عرقلها ترامب. وحسب “نيويورك تايمز” فقد أمر نتنياهو بداية الجيش الإسرائيلي ان يعد خطة تدمج بين اجتياح كوماندو لمواقع نووي تحت أرضية وبين هجوم من الجو. لكن هذا الخيار شطب عن جدول الاعمال. نتنياهو أراد أن ينفذ هجوما مبكرا قدر الإمكان، قبل ان تغلق نافذة الفرص، وفي جهاز الامن بدأوا يبلورون خطة بديلة لهجوم جوي واسع يحتاج الى مساعدة أمريكية – ليس فقط في الدفاع عن إسرائيل من رد إيراني بل وأيضا في الجانب الهجومي.
بالمناسبة، في إسرائيل لا يغضبون على التسريب الأمريكي ويفهمون بانه جاء لخلق ضغط على ايران وللاظهار بان التهديد العسكري جدي وملموس، ناهيك عن أن ليست كل التفاصيل التي نشرت في “نيويورك تايمز” دقيقة.
التطلع: نموذج القذافي
لاجل فهم الوضعية الحالية ينبغي تحليل الاعتبارات الاستراتيجية للولايات المتحدة، لإسرائيل ولايران.
الرئيس ترامب، في ولايته الثانية والأخيرة، يريد أن يدخل صفحات التاريخ كمن وضع حدا لنزاعات مضرجة بالدماء في ارجاء العالم من خلال المفاوضات التي يرى نفسه خبيرا فيها. واذا كان ممكنا أيضا الحصول على جائزة نوبل وعلى الطريق زق اصبع في عين كريه روحه بايدن – يكون افضل. الواقع الحالي في الشرق الأوسط يبدو في نظر الرئيس ومستشاريه كفرصة لتحقيق مبتغاه، وهو يريد أن يحقق هذا الإنجاز في زيارته القريبة الى المنطقة، في نهاية أيار او بداية حزيران. ترامب معني بان يعلن عن صفقة تضع حدا لتطلعات ايران بسلاح نووي وتوسيع اتفاقات إبراهيم من خلال اعلان السعودية عن التطبيع مع إسرائيل.
رحلة ترامب الى الشرق الأوسط ستكون منعطفا في الساحة العالمية. وبدون إزالة التهديد النووي الإيراني – هذا لن يحصل. وعليه فقد أوضح الرئيس بانه غير مستعد لان يضيع الوقت على مفاوضات طويلة وانه اذا لم يتحقق اتفاق، فانه سيفعل الخيار العسكري الذي جمد حاليا.
التهديد ليس فارغا من المضمون. فالولايات المتحدة تجمع قوة هجومية ودفاعية واضحة في الشرق الأوسط بل وتمنح ايران نموذجا لقدراتها ونواياها حين تقصف بلا انقطاع الحوثيين في اليمن. لكن في إسرائيل يخشون من أن يكون جمع القوة والتهديدات التي يطلقها ترامب تستهدف أساسا خلق ضغط وعي على ايران وفي النهاية لن يرغب في تبذير أموال دافع الضرائب الأمريكي على حرب أخرى في الشرق الأوسط وتعريض جنود أمريكيين يرابطون في القواعد في العراق، قطر، السعودية والبحرين للخطر. وعليه، كما يقدرون في القدس، سيفضل ترامب المساومة على اتفاق نووي سيء على أن يتمكن من التباهي بانجازاته الدبلوماسية.
في جهاز الامن وفي المستوى السياسي في إسرائيل يسود اجماع على أنه محظور الاكتفاء باقل من التدمير التام للقدرات النووية الإيرانية. بمعنى: تفكيك منشآت التخصيب وأجهزة الطرد المركزي، التدمير التام لمفاعل المياه الثقيلة والإخراج الى دولة ثالثة كل اليورانيوم المخصب الذي جمعته ايران. إضافة الى ذلك تطلب إسرائيل كشف وهدم منشآت تطوير وإنتاج السلاح النووي نفسه بما في ذلك الرؤوس المتفجرة النووية للصواريخ. إسرائيل تفضل أن يجري هذا على ايدي الأمريكيين وباشرافهم، بشكل لا تتمكن فيه ايران من إعادة ترميم وتطوير البرنامج النووي العسكري لديها ومنظومات انتاج الصواريخ الباليستية والصواريخ الجوالة.
من خلف كل هذا يوجد فهم استراتيجي إسرائيلي يعتقد بان تفكيك البرنامج النووي الإيراني سواء بطريقة عسكرية ام بمفاوضات سيوجه ضربة شديدة لنظام ايات الله قد تؤدي الى سقوطه – مثلما حصل لنظام القذافي في ليبيا. وعندها فقط كما هم مقتنعون في القدس، سيزال عنا التهديد النووي. طالما بقي النظام على حاله، فستتمكن ايران من إعادة بناء البرنامج النووي. العملية العسكرية التي خططت لها إسرائيل، وكبحها ترامب حسب “نيويورك تايمز” كان يفترض بها ان تخلق ظروفا محسنة لانهيار النظام في طهران.
أما ايران، التي تستشري فيها البطالة وعملتها توجد في اسفل الدرك في كل الأزمنة، فمعنية أساسا برفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا عنها، ولتكون لها إمكانية تصدر النفط، أساسا للصين. لكنها لن توافق على التنازل عن مكانتها كدولة حافة نووية. وحتى لو وقعت على صفقة مع الولايات المتحدة فانها ستتطلع لان تبقي في يديها القدرة على الاقتحام الى سلاح نووي في غضون أسابيع أو اشهر قليلة. وهي اليوم قادرة على ان تصل الى جهاز متفجر نووي في غضون 12 يوما وفي غضون أسابيع قليلة ان تحوز على ما يكفي من المادة المشعة – أي اليورانيوم المخصب لمستوى 90 في المئة – تكفي لست قنابل. لإيران توجد أيضا ترسانة من مئات الصواريخ الباليستية والصواريخ الجوالة، لبضع عشرات منها على الأقل قدرة كامنة لان تحمل رأسا متفجرا نوويا.
إسرائيل وان كانت ضربت بشكل شديد قسما من قدرات الدفاع الجوي الإيرانية التي تحمي منشآت التخصيب بل ودمرت، حسب منشورات اجنبية، الخلاطات المتطورة التي بواسطتها تنتج الوقود الصلبة للصواريخ. لكن لا تزال لدى ايران الاف أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي بنتها منذ انسحب ترامب من الاتفاق النووي في 2018، ولا تزال لديها منشآت تطوير وإنتاج الصواريخ. ويقدر الخبراء بان التخلي عن هذه الوسائل، فما بالك عن البرنامج النووي كله سيمس مسا شديدا بمكانة النظام بل وكفيل بان يؤدي الى انهياره، كما تتطلع إسرائيل.
-------------------------------------------
إسرائيل اليوم 18/4/2025
نتنياهو يخرج عن طوره على حسابنا جميعا
بقلم: يوسي بيلين
نكتة ذات لحية طويلة تروي عن ابن محامي ينضم الى مكتب أبيه، وفي اول يوم لعمله ينجح في اغلاق ملف لزبون ثري، انتظر هذه اللحظة منذ 15 سنة. الاب يتميز غضبا ويرفع صوته متسائلا: “لماذا فعلت هذا؟ 15 سنة ونحن نرتزق من هذا الملف!!!”.
في حالة بنيامين نتنياهو القصة معاكسة. وهي بعيدة عن ان تكون نكتة. رئيس الوزراء معني بتمديد الحرب في غزة لاسباب معروفة. الطاقم الذي عمل مع الوسطاء بيننا وبين حماس كان مهنيا ومتفانيا، نجح في أن يحقق صيغة لتحرير كل المخطوفين ولوقف نار دائم، ونتنياهو صادق على ذلك. وبعدها فعل كل شيء كي يفر من التزامه.
نجح في أن يبدل الطاقم الناجع بالوزير رون ديرمر، الذي يؤدي بنجاح زائد دور مؤجل النهاية. الرئيس ترامب لا يفهم لماذا تتأخر، رئيس الأركان يصرخ على أن ليس لديه جنود، أهالي المخطوفين والمخطوفون أنفسهم يشددون نبرة النقد ضده. والان رجال جهاز الامن أيضا، في الاحتياط وفي التقاعد، ينضمون بالافهم الى مطلب انهاء الحرب، التي قبل 16 شهرا كنا نبتعد خطوة عن “النصر المطلق” فيها.
بيبي يمكنه أن يبتلغ غير قليل من النقد، حتى وان كان صاخبا، لكن عندما تأتي الأصوات من صفوف الناس المرتبطين بجهاز الامن، فانه يخرج عن طوره حقا. وصفه الموقعين كـ “متقاعدين شائخين في هوامش المعسكر”، كشف الضائقة التي علق فيها حين انكشف أنه لا يوجد هدف للحرب. عندما يدعوه جمهور كثير ونوعي لانهاء الخطوة الزائدة هذه ولتحرير كل المخطوفين، فانه لا يمكنه أن يتجاهل ذلك.
قادة جهاز الامن في الماضي، ضباط كبار ورجال امن كبار يخدمون في الاحتياط لكنهم لا يوجدون في هذه اللحظة في الخدمة، لن يتأثروا بالخطوة المثيرة للشفقة لرئيس الأركان ولقائد سلاح الجو للتسريح من الجيش من وقعوا على العريضة. فالنقص الشديد في القوى البشرية لن يسمح لهما بمواصلة الاستخدام بهذه الوسيلة.
الناس ينضمون في كل يوم لموقعي العرائض. بعضهم ربما متقاعدون شائخين (وان كانوا اكثر شبابا من نتنياهو نفسه…)، لكنهم ملح الأرض وبُناتها. فقد كرسوا كل حياتهم لامننا واغلبيتهم العظمى فعلوا هذا سرا، دون أن يعرف الجمهور باسمائهم. ليس سهلا على آلة السم التشهير بهم، الغاؤهم والاستخفاف بهم. من هذا بالضبط خاف نتنياهو، من أن هؤلاء المتقاعدين الشيوخ سيقررون الحديث رغم الحذر الزائد الذي يتميزون به بشكل عام. الخوف من ان النقد على رئيس وزراء قائم مثله كالنقد على الدولة كان يمنعهم، حتى الان، من التعبير عن غضبهم علنا، لكن المعرفة الواضحة جدا بان من يقف على رأس المنظومة يملي عليها خطوة لا يوجد سبيل منطقي لشرحها، تدفعهم لان يصرخوا.
حماس هُزمت. نحن لم ننتصر. حماس ضُربت صدمة على الركبة. زعماؤها قتلوا وكذا كثير جدا من رجالها. مخزوناتها من السلاح تضررت جدا. لا يوجد شيء تريده الان اكثر من انهاء الحرب. وهي حتى مستعدة (ظاهرا) للتخلي عن حكمها واستبداله بمجلس خبراء. من الصعب التصديق بان صورة قطاع غزة هي ما فكر به مخططو العملية الشيطانية في قطاع غزة قبل أن تفتح بوابات الجحيم. حماس هُزمت لكننا لم ننتصر. الكثير جدا من الحقائق وضعت موضع شك. الكثير جدا من المؤسسات فقدت حصانتها.
الجيش، الشرطة، جهاز الامن العام. المحكمة. لم تعد أي نبأ مفاجئا. وزير العدل يقاطع رئيس المحكمة العليا، وزير المالية يقاطع رئيس الشباك، أجهزة الحكم يضرب الواحد الاخر كالزعران في السوق. الخط بين المسموح والممنوع، بين القانوني والاجرامي، بين العادي وما هو ليس كذلك، تشوش بشكل مثير للدوار. سنواريو العالم يمكنهم ان ينظروا لنا من قريب أو من الجحيم وان يفركوا أيديهم استمتاعا: فهم مع ذلك فعلوا شيئا، ولم نتحدث عن المخطوفين وعن الضحايا.
-------------------------------------------
هآرتس 18/4/2025
إلى متى يسكت العالم وهو يرى إسرائيل تفخر بسياسة تجويع أكثر من مليوني إنسان؟
بقلم: أسرة التحرير
الأربعاء، قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس إنه يتطلع لإنتاج بنية تحتية لاستئناف ضخ المساعدات والغذاء لقطاع غزة. وفي غضون دقائق، تعرض للهجوم من كل صوب بما في ذلك من جانب الوزير بن غفير، والنائب افيغدور ليبرمان، وآخرون. وحتى هيئة عائلات المخطوفين هاجمت كاتس في أن وعد فتح “بوابات الجحيم” على غزة لم يتحقق. أما كاتس فسارع للإيضاح بأنه لم يقصد استئناف المساعدات في الزمن القريب، بل في المستقبل.
هكذا، برعاية حكومة الترهات الإسرائيلية وإدارة ترامب، تطبعت سياسة تجويع أكثر من مليوني إنسان. بينما السنة الأولى من الحرب كانت إسرائيل الرسمية لا تزال تدعي بين الحين والآخر بأن الحرب ليست ضد المدنيين في غزة، وأنها تعمل على توريد احتياجاتهم الأساسية. ولكن في الأشهر الأخيرة، أصبح التجويع سياسة معلنة وسبباً للفخار. تقوم هذه السياسة على أساس خطاب شعبوي وكاذب حول العلاقة بين مساعدات لسكان القطاع وقدرة القتال لدى حماس. والنتيجة جريمة إنسانية متدحرجة.
منذ أكثر من ستة أسابيع لم تدخل أي إرسالية غذاء أو دواء أو خيام أو أي مساعدة أخرى إلى القطاع. الثمن لا يدفعه مسلحو حماس، بل مئات آلاف الأطفال والأمهات والشيوخ والفقراء. فحسب استطلاع أجرته منظمات إنسانية في القطاع، أدخل إلى المستشفيات في آذار وحده 5696 طفلاً عانوا من سوء تغذية خطير. برنامج الغذاء العالمي اضطر لغلق كل المخابز التي شغلها في القطاع، وبات ومعظم السكان يعتمدون على وجبة واحدة في اليوم توفرها مطابخ تشغلها الأمم المتحدة. الغالبية الساحقة من سكان القطاع لا قدرة لها على الوصول إلى منتجات غذائية طازجة، بما فيها اللحوم، ومنتجات الحليب والبيض والخضار والفواكه.
ينضم الجوع إلى نقص في المياه النقية، وسكن الخيام، وانهيار شبكات المجاري وجمع النفايات، وتدمير الجهاز الصحي وغيره. كلها مسببات خطورة متراكمة. فالأطباء يبلغون بأن أغلبية السكان تعاني من نقص خطير في السعرات الحرارية والبروتينات والفيتامينات. خبراء إسرائيليون في التغذية يصفون “ضرراً لا رجعة فيه على نمو الأطفال العقلي وأذى لقدرة إنتاج وجودة حليب الأم”. دوليون خبراء في الوفيات حذروا من تفشي الأوبئة والأمراض الجماعية في القطاع، والأمم المتحدة وصفت الوضع الإنساني في غزة بأنه الأخطر منذ بداية الحرب.
إن المعاناة والموت اللذين تتسبب بهما سياسة التجويع في غزة لا يدفعان قدماً بأي من أهداف الحرب. فموت الأطفال بسوء التغذية والأمراض لن يؤدي إلى تحرير المخطوفين أو إلى تقويض حماس. على إسرائيل ضخ المساعدات إلى القطاع فوراً، وعلى دول العالم الضغط على إسرائيل بكل وسيلة لإجبارها على ذلك.
-----------------انتهت النشرة-----------------