الأسرى الطلاب في سجون الاحتلال: جيلٌ يُقيد خلف القضبان... وجامعاتٌ تُفرّغ من روّادها
Sat 19 April 2025

بين أروقة الجامعات وصفوف المحاضرات، كان يفترض أن يصنع هؤلاء الطلبة أحلامهم، وأن يخطوا خطواتهم الأولى نحو مستقبل واعد. لكن، بدلاً من ذلك، وجد المئات من الطلاب الفلسطينيين أنفسهم خلف قضبان الاحتلال، يُسلبون حريتهم، ويُحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية والأكاديمية، في حملة إسرائيلية ممنهجة لا تستهدف الأفراد فقط، بل تطال عمق الحياة الأكاديمية الفلسطينية.
يعتبر الاحتلال الطلاب الفلسطينيين، خاصة المنخرطين في العمل النقابي والأنشطة السياسية، فئة "خطرة" يجب احتواؤها. فهم يشكلون طليعة المجتمع الفلسطيني، وركيزة تطوره الثقافي والفكري. ولهذا، تعمل أجهزة الأمن الإسرائيلية على رصد تحركاتهم واعتقالهم، في إطار سياسة ترمي إلى إفراغ الساحة الأكاديمية من الطاقات الشبابية.
تشير الإحصائيات الحقوقية إلى وجود أكثر من 180 طالباً وطالبة رهن الاعتقال في السجون الإسرائيلية حتى بداية عام 2025، موزعين على عدة سجون، من أبرزها "عوفر" و"مجدو" و"النقب". ومن بين هؤلاء، ما لا يقل عن 40 طالباً يخضعون للاعتقال الإداري، دون تهمة أو محاكمة، تحت ذريعة "الملف السري".
تُعد سياسة الاعتقال الإداري واحدة من أكثر أدوات القمع التي يستخدمها الاحتلال ضد الطلبة، حيث يُعتقل الطالب دون لائحة اتهام، بناءً على "ملفات سرّية" يرفض الاحتلال الكشف عنها. يتم تجديد فترات الاعتقال بشكل دوري، مما يُبقي الطالب في حالة من اللا يقين والقلق النفسي المستمر.
وتفيد بيانات مؤسسات الأسرى أن أكثر من 60 من الأسرى الطلاب مرّوا بتجربة اعتقال متكررة، حيث يتم الإفراج عنهم ليُعاد اعتقالهم بعد أشهر، ما يحول حياتهم الجامعية إلى حالة دائمة من الانقطاع والضياع الأكاديمي.
يخرج الطلبة من السجن محمّلين بآثار نفسية واجتماعية عميقة. فالانعزال عن الحياة الجامعية، التعذيب الجسدي والنفسي، والحرمان من الأهل والتواصل مع المجتمع، كلها تترك ندوباً يصعب التئامها بسهولة. بعضهم يفقدون الحافز لاستكمال دراستهم، وآخرون يصابون بحالات اكتئاب واضطرابات نفسية نتيجة الصدمات المتكررة.
وفي حالات كثيرة، يعاني الطلبة الذين قضوا سنوات من الاعتقال من تأخر التخرج أو خسارة الفصل الدراسي بالكامل، ما يضعهم في تحديات مستمرة للعودة إلى الحياة الأكاديمية بعد الإفراج عنهم.
في الوقت الذي تكفل فيه المواثيق الدولية، لا سيما "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، حق الفرد في التعليم، تُنتهك هذه الحقوق بشكل صارخ في سجون الاحتلال. إذ يُمنع الأسرى الطلاب من مواصلة تعليمهم الجامعي، وتحظر سلطات السجون إدخال الكتب أو الأدوات الدراسية، ناهيك عن عدم توفير أي برامج تعليمية حقيقية داخل المعتقلات.
وتبرز جامعة بيرزيت كأكبر المتضررين، حيث يُشكل طلابها ما بين 30% إلى 35% من إجمالي الأسرى الطلاب في السجون، بسبب استهداف الاحتلال المكثف لنشطاء الحركة الطلابية فيها، خصوصاً أثناء فترة الانتخابات.
من بين أبرز الأهداف لحملة الاعتقالات، هي الكتل الطلابية داخل الجامعات الفلسطينية. إذ تستهدف قوات الاحتلال قيادات وأعضاء الكتل النشطة، ضمن ما يُعرف بـ"تجفيف منابع المقاومة الفكرية". وتم خلال الأعوام الماضية اعتقال عدد كبير من رؤساء مجالس الطلبة والناطقين الإعلاميين باسم الكتل، بالتزامن مع الانتخابات الطلابية، في محاولة للتأثير على نتائجها.
وتُظهر شهادات متعددة أن الاعتقالات لا تقتصر على فترات الانتخابات، بل تشمل حتى الطلبة الذين يشاركون في فعاليات ثقافية أو وطنية داخل الحرم الجامعي، تحت تهم فضفاضة مثل "التحريض" أو "العضوية في تنظيم محظور".
على الرغم من الجهود التي تبذلها مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية، إلا أن قضية الأسرى الطلاب لا تزال غائبة عن أجندات الكثير من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان. فالمجتمع الدولي يكتفي غالباً بإصدار بيانات "قلق"، دون اتخاذ إجراءات حقيقية لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها المتكررة للقوانين الدولية.
الأسرى الطلاب يمثلون جبهة نضالية فكرية لا تقل أهمية عن المقاومة الشعبية. هم طلاب لم تردعهم سياسات الاحتلال عن التعبير عن آرائهم، أو الدفاع عن حقوقهم، فوجدوا أنفسهم يدفعون ثمناً باهظاً لحريتهم.
معركتهم ليست فقط ضد السجن، بل ضد محاولات الاحتلال لكسر إرادتهم، وتدمير مستقبلهم الأكاديمي. واليوم، تقع على عاتق المؤسسات التعليمية والحقوقية واجب أكبر في دعم هؤلاء الطلبة، وتدويل قضيتهم حتى لا تُدفن أصواتهم بين جدران الزنازين.