ورود غزة.. صناعة الجمال ضاعت بين حصار الاحتلال وفساد المسؤولين
بألوانها البهية وأشكالها المغرية، وأصنافها الزاهية، التي تعطي راحة نفسية لا حدود لها، تبقى الورود النبتة الوحيدة التي يعشقها الجنسين وبلا منازع، وبها قد تحل قضايا شائكة، بضمة زهور تقدم لأحدهما فينتهي كل شئ، أو لتصنع جمالاً في العديد من المناسبات وترسم البسمة على الوجوه تلقائياً، فحكايتها مع البشر تلتقي في كل الأوقات والأزمان.
وفي غزة.. نفس الحكاية ونفس الراوي، والتقاء العقول، وصناعة الحب والسلام، ولكن معيقاتُها أكثر من حروف وعبق رائحتها وألوانها، فهي ضائعة بين محتل اغتصب الأرض ومسئولين اقترفوا الفساد.
ماهر محمد أبو دقة 45 عاماً، خريج جامعة القدس المفتوحة، تخرج من تخصص التنمية الاجتماعية والأسرية، من بلدة عبسان الكبيرة في محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، حاصل على دورات في عالم الزهور والزراعة ولديه مشتل "الفردوس- ماهر للزهور"، وهو مشروع شبابي ريادي لانتاج الورود.
يقول أبو دقة إننا "عملنا على تطوير نفسنا ومشروعنا للارتقاء إلى القمة، رغم الحصار والدمار والحروب التي حدثت في غزة، مشدداً أنّه في الحروب الماضية على غزة تعرضنا لأضرار كبيرة، كقصف الحمامات التي يتم فيها زراعة الزهور، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، كما الكورونا والحصار أيضاً أضروا بعملنا في الزهور".
وأضاف الغزي "كان من المفترض أن يتم انتاج الزهور وتصديرها لخارج قطاع غزة، مثل الضفة الغربية وأراضي 48، أو إلى الدول الخليجية والأوروبية"، مؤكداً أنّه بإمكاننا انتاج أكبر كمية من الزهور والورود، ولدينا عزيمة وإرادة وخبرة، لنقوم بتسويقها لخارج قطاع غزة.
مناخ فلسطين المميز وانتاج غزة المظلوم
وحول مناخ فلسطين بشأن الزهور أوضح ماهر، أنّ المناخ العام في فلسطين، مناخ ممتاز للزهور، وغزة كانت تزرع سابقاً ما يقارب 5 آلاف دونم، ولكن بعد عام 2007، وبدء الحصار الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، تراجعت زراعة الزهور لعدم تصديرها إلى العالم من ضمنها دول الاتحاد الأوروبي.
وأكمل، أنّ هذا أثر بشكل مباشر وغير مباشر، وأدى لمشاكل اقتصادية ضخمة وبطالة مرتفعة، لأنّ قطاع الزهور طان يشغل حوالي 5 آلاف عامل، أي 5 آلاف أسرة، فقدت مصدر رزقها.
ونوه، أنّه للأسف مساحة الزهور الموجودة في قطاع غزة، حوالي 20 دونم فقط، ويتم تسويق زهورها داخل قطاع غزة فقط.
موسم الزهور بغزة ثانوي وليس أساسي
ويؤكد أبو دقه في حديثه أنّ موسم الزهور في غزة، يعتبر ثانوي وزراعة 20 دونماً زائدة عن استخدام أهالي القطاع، فنسبة من يستخدم الزهور من الأهالي 1% خلال مناسباتهم.
واستدرك بالقول، إنّ "20 دونم تسد حاجات قطاع وهناك وهناك فائض أيضاً فتذبل ويتم اتلافها لعدم وجود تشويق لها".
وشدد، أنُه رغم كل هذه المعيقات إلا أنّ هذا عملي وخبرتي، وأحب العمل بها منذ أكثر من 25 عام.، وطورت منها ومن نفسي حتى في ظل الحصار والصعاب التي واجهتها، كالمشاكل الاقتصادية والسياسية والانقسام الفلسطيني الفلسطيني.
واستمر بالحديث قائلاً أننا مستمرون في زراعة الزهور وصنع السلام، لأن الزهور تستخدم للمجاملات والكلمات السعيدة والراقية والود والمحبة والرقي والتقدم، لأنها تبث الشهور الجميل والرائع فنحنا صناع للجمال والحب.
رسائل وعتاب
واستكمل صانع الجمال أبو دقه حديثه قائلاً، إننا نتج الزهور على مدار العام، لأنّني إن لم أنتج بشكل يومي فسأخسر، لدي مدخلات ومخرجات وأيدي عاملة يومية وكهرباء لأن الزهور تعيش على الكهرباء، وماء حلوة وأدوية ومبيدات حشرية.
وأوضح، أنّه يتم إنتاج كميات الورود بحسب المناسبات، فنحن لدينا مناسبات مثل رأس السنة، عيد الحب، عيد الأم، المرأة، فصل الصيف وغيرها الكثير التي يتم فيها استخدام كميات أكبر من الورود.
وأكد أيضاً، أنّ شعب قطاع غزة، مثقف وواعي ويدخل على جميع الحضارات، فمثلا على مستوى الحلويات يوجد جميع الأصناف وحلويات العالم في قطاع غزة، كالجزائرية والتركية والمغربية والتونسية والأوروبية والشرقية، وغيرها، فهو شعب منفتح بطبيعته، ومتعلم وأخذ جميع الصفات من كل الشعوب، ولكن وضعنا المادي واقتصادنا السيئ هو الذي يؤثر على الانتاج والتسويق، ولكن لو كان لدينا اقتصاد جيد ولا يوجد بطالة وهناك دخل وعمل مثل باقي الشعوب سيكون مجاملات أوسع بين الناس وتزداد مناسباتهم السعيدة، مثلا حينها سيتم الاهتمام بأعياد الميلاد، والزواج وغيرها.
وجدد تأكيده، أنّ الناس تحب الزهور وتقدرها، ولكن الوضع الاقتصادي أدى لتراجع مشتريات الورود، وقلت المجاملات بين الناس، ولكن الاحتلال الإسرائيلي يمنع تصدير الزهور من غزة، ورغم كل محاولاتها منذ 15 عاماً.
وحول منعه من السفر، قال أبو دقع إنني حصلت على سجل تجاري "تصريح" في عام 2019، وأحاول الدخول إلى أراضي 48 لأجدد الأشتال وأطور من الزهور المتواجدة داخل مشتلي، ولكن هناك معيقات من السلطة ووزارة الاقتصاد والزراعة والشئون المدنية يتحملون مسئولية ذلك أولاً ثم الاحتلال، لذلك أنا غير قادر للحصول على هذا التصريح.
ووجه رسالته، للسلطة والرئيس محمود عباس ود.محمد اشتية للعمل على تعويضنا عن الأضرار نتيجة عدواني (2014-2021)، وأيضاً أضرار كورونا، واعلان حالة الطوارئ المفاجئ لنا، وحينما كان مفترض لم ننتج زهور ولكن أنتجنا وخسرنا نتيجة الاغلاق التام المفاجئ، فتعرضت لأكثر من 150 ألف دولار، وهم وعدونا بالتعويض، لذلك أتمنى سرعة ذلك، لنتمكن من انتاج الزهور.
وطالب من الشئون المدنية وعلى رأسهاد.اياد نصر للعمل على مساعدتي في الحصول على تصريح تجاري حتى أتمكن من تعويض مشتلي واستيراد الزهور والنوعيات الجديدة..
اذن.. يبقى موسم الزهور في غزة معانياً مثله كالمواطنين الذين يعيشون الأمرين بين فكي كماشة الاحتلال وحصاره من جهة، والمسئولين وانقسامهم من جهةٍ أخرى، ولكنها تنتظر ساعة فرج أو لحظة رحمة لتصنع جمالاّ وابتسامة جديدة على وجوه شعب حرم منها ولا زال.