56% من الإسرائيليين يريدون وقف الحرب فورًا.. يائير لبيد: نتنياهو لا يستطيع الانتصار على “حماس”

ماذا نفعل بالضبط في غزة؟ يتساءل معلّق إسرائيلي بارز، معبّرًا بذلك عن موقف أوساط إسرائيلية واسعة أصابها خطاب نتنياهو المسجّل من ليلة السبت بـ “خيبة أمل”، لفقدانه أي بشرى، واجتراره شعارات عن النصر والاستسلام.
في مقال تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم الإثنين، يتساءل المعلق السياسي ناحوم بارنياع عن مستقبل الحرب المتوحشة على غزة، فيقول إن قائد الجيش زامير وزملاءه يريدون ضغطًا عسكريًا فقط بهدف دفع “حماس” لـ “صفقة”، بينما نتنياهو يريدها حربًا طويلة واسعة تنتهي بـ “احتلال كل القطاع”.
ويرى بارنياع أن نتنياهو يريد بذلك الضغط على “حماس” إرضاء جمهور اليمين، أو جعلها حربًا بلا نهاية… طمعًا وبحثًا عن “نصر” غير قابل للتحقيق.
في مقاله، الذي يشبه لائحة اتهام ضد نتنياهو، يؤكد بارنياع أن الأخير تنازل عن المحتجزين الإسرائيليين، فهم لا يناسبون أجندته.
يشار إلى أن وسائل إعلام عبرية كشفت، أمس، عن أن حكومة الاحتلال تفحص وسيلة أخرى للضغط على “حماس” من خلال إعادة اعتقال عشرات الأسرى المفرج عنهم في الصفقة، لأن التصعيد الدموي، والقصف العشوائي منذ الثامن عشر من آذار/مارس الماضي لم يقرّب إسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة.
حكومة الاحتلال تفحص وسيلة أخرى للضغط على “حماس” من خلال إعادة اعتقال عشرات الأسرى المفرج عنهم في الصفقة
الحزام الأمني
وتشير “يديعوت أحرونوت”، اليوم، إلى نشوء واقع أمني جديد في القطاع يتمثّل ببناء “حزام أمني” في محيط القطاع، أقام فيه الاحتلال 15 ثكنة عسكرية بهدف منع هجمات “حماس” على النقب الغربي، محذّرة من أن حادثة مقتل الجندي، وإصابة خمسة آخرين، قبل يومين، داخل هذا الحزام الأمني تثير علامات سؤال حول جدواه.
في هذا المضمار، يقول المراسل العسكري في هذه الصحيفة يوآف زيتون إن الحزام لا يؤمّن حياة الجنود ويذكّر بما شهده الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان بعد حرب لبنان الأولى. ويلمح زيتون وبارنياع وغيرهما من المراقبين الإسرائيليين إلى المخاوف من دفع ثمن الاجتياح البري لأن “حماس” حتى الآن تكتفي ببعض العمليات فقط، ليس لأنها غير قادرة على ذلك، بل لأنها تنتظر التوقيت المناسب للاشتباك.
وتحذّر مصادر إسرائيلية من أن الجيش سيقتل الكثير من المدنيين، وعددًا من المخطوفين، عند القيام باجتياح بري واسع، ومن احتمال التورّط بحرب استنزاف، خاصة أن الأعباء على الجنود، وعلى الإسرائيليين ثقيلة، كما يرمز كاريكاتير “يديعوت أحرونوت”، اليوم، وفيه يظهر نتنياهو تحت عنوان “حرب القيامة”، وبيده أمر استدعاء للخدمة للمرة الخامسة، وهو يخاطب جنديًا في حالة استراحة ونوم.
في افتتاحيتها، تحذّر صحيفة “هآرتس”، اليوم، من تبعات الاجتياح الواسع، وتقول إن ذلك سيؤدي إلى أن يلقى المحتجزون مصير ملاح الجو الإسرائيلي رون أراد، الذي فُقِدت آثاره في لبنان، قبل نحو أربعة عقود. وتنقل “هآرتس” عن والدة الجندي الأسير متان تسانغاوكر قولها إن المخطوفين سيلقون ذات المصير، إلا إذا انتفض الإسرائيليون وخرجوا للشوارع، وأجبروا نتنياهو على التوقّف عن الحرب.
نتنياهو عاجز عن التغلب على “حماس”
على خلفية ذلك، يفيد استطلاعٌ جديد للإذاعة العبرية العامة، اليوم الإثنين، أن 56% من الإسرائيليين يريدون وقف الحرب بالكامل فورًا، وصفقة دفعة واحدة تقوم على مبدأ “الكل مقابل الكل”.
في التزامن، أكد رئيس المعارضة يائير لبيد للإذاعة ذاتها أن نتنياهو غير قادر على الانتصار على “حماس”، فقد حاز على كل الدعم طيلة سنة ونصف ولم يفعلها، لأنه يرفض تحديد ملامح اليوم التالي في القطاع، ويرفض بناء بديل لـ “حماس”، ويواصل تمكين عشرات الآلاف من الشباب اليهود الحريديم التهرّب من الخدمة العسكرية.
رغم رغبة الإسرائيليين وعشرات المذكّرات والعرائض المطالبة بوقف الحرب، يبدو نتنياهو هاربًا للأمام، لا يكترث بوجع الإسرائيليين، وبمصير المحتجزين، ولا يقدّم أيّ جواب منطقي حول كيف يمكن التوفيق بين تدمير “حماس” عسكريًا واستعادة الرهائن أحياء. ما الذي سيغيّر موقف نتنياهو إذن؟ نتنياهو يريدها حربًا طويلة طمعًا بنصر على “حماس” ربما يشفع له لدى الإسرائيليين الذين يتهمونه بالفشل الإستراتيجي في السابع من أكتوبر، ويرغبون بمحاسبته بلجنة تحقيق رسمية، وبأقرب انتخابات عامة، مثلما أنه يوظّف الحرب لصرف النظر عن فضائح الفساد ومظاهر الاستبداد الداخلية.
ربما يضطر نتنياهو للتوقّف بحال قُتل عدد كبير من جنود إسرائيليين دفعة واحدة تحمل مفاعيل نفسية كبيرة، وتدفع الإسرائيليين بكمية كبيرة جدًا للشوارع، أو مقتل عدد من المخطوفين جراء قصف عشوائي واجتياح بري.
كما أن الإدارة الأمريكية باتت هي صاحبة مفتاح هذه الأزمة، وحتى الآن تواصل منح نتنياهو المزيد من الضوء الأخضر لتجربة الضغط العسكري، لكن أولويات الرئيس ترامب ربما تكون مختلفة، وهو قابل للتأثر بحراك إسرائيلي داخلي، بحال تصاعد، مثلما أنه سيتأثر بموقف عربي موحّد وجاد يحمي المدنيين الفلسطينيين من هذه المذبحة ومن الحرمان من حبة دواء وشربة ماء.
مذبحة المسعفين
في سياق الحديث عن الدم الفلسطيني المسفوح، والروايات الإسرائيلية الكاذبة، ينضم، اليوم الإثنين، عددٌ من المراقبين الإسرائيليين أيضًا لمن يرفض نتائج تحقيق الجيش الإسرائيلي بمذبحة المسعفين.
في بيان رسمي قال الجيش، أمس، إنه لم تجرِ عملية إعدام للمسعفين، لكن الجنود أخطأوا وكذبوا. من هؤلاء المعلق السياسي البارز في القناة 13 العبرية رافيف دروكر، الذي يقول، في مقال تنشره “هآرتس” اليوم، إن ما جرى ليست حادثة استثنائية، ويؤكد أن الحرب مليئة بعمليات قتل عشرات المدنيين الأبرياء من أجل اغتيال قائد واحد.
ويرى دروكر أن “مثل هذه المذابح منبعها شهوة الانتقام، الرغبة بالقول إن صاحب البيت مسّه جنون، والتعميم السائد أنهم كافّتهم مخربون… كل ذلك دفع لـ”عمليات” كثيرة لا يمكن تبريرها.. فهذا غير أخلاقي، وليس إنسانيًا، ويصمنا جميعًا بوصمة كبيرة”.
غير أن المعلق السياسي في الصحيفة نير حسون يبدي موقفًا أشد وضوحًا، وأقل دبلوماسية، بقوله إن هذا “ليس شاذًا”، ويخلص للقول: “قصة المسعفين تدلل على ما يخبئه الجيش: الكثير من التقارير حول المخربين كاذبة”.
وبمقدور النظام العربي الرسمي، إنْ رغب بالمساهمة في وقف المذبحة، على الأقل بـاستغلال ذخائر سياسية وإعلامية كبيرة في إسرائيل تدلل على نوايا ومخططات نتنياهو، الذي يعطّل الصفقة، ويمضي في الحرب رغم قتل عشرات من الأبرياء يوميًا، لدفع الرئيس ترامب للقول كفى، لا سيّما أنه سبق أن قال إنه يريد لهذه الحرب أن تنتهي قريبًا.