للمتظاهرين في تل أبيب: الدفاع عن الديمقراطية يبدأ من باب العامود ووقف مسيرة “اليوم الملعون”

هآرتس 21/5/2023

للمتظاهرين في تل أبيب: الدفاع عن الديمقراطية يبدأ من باب العامود ووقف مسيرة “اليوم الملعون”

بقلم: جدعون ليفي

كان على احتجاج شارع كابلان أن يصل في “يوم القدس” إلى شارع الوادي. يصعب فهم كيف يمكن لحركة إنقاذ الديمقراطية أن تغيب عن ذلك المكان في “يوم القدس”؛ ففي هذا الشارع بالحي الإسلامي في البلدة القديمة تم سحق الديمقراطية جسدياً يوم الخميس مثلما لم يحلم في تخريبها نتنياهو ولا ياريف لفين حتى الآن. أي حركة احتجاج لم تكن هناك خانت مهمتها. كان يجب أن تخرج من مناطق راحتها في كابلان وايالون، وتصل إلى منطقة باب العامود بأعداد كبيرة. كان يمكن أن تدافع وهي هناك عن الديمقراطية أكثر من أي مكان آخر.

كانت الصور أقسى من أن تحتمل. يكفي مشاهدة الصورة التي تثير القشعريرة لأوليفيا بيتوسي في الصفحة الأولى في “هآرتس” أول أمس: مذبحة نازية جديدة. فلسطيني عاجز ملقى على الأرض ويحاول حماية رأسه من الضرب والركل، وعشرات من الذين يقومون بأعمال الذبح هذه “يحتفلون بيوم القدس” ويقومون بضربه وركله، بعصيهم ونظراتهم القاتلة، هم ليسوا شبيبة هامشيين، هم أفضل شباب المستوطنين، “خميرة العجينة”، فخر شباب المدارس الدينية والبؤر الاستيطانية. بقمصانهم البيضاء بمناسبة العيد والقبعات الكبيرة التي يرتدونها احتراماً للخالق. هذه الصورة الأيقونية كان يجب أن تهز كل إنسان. هي تشبه بالضبط صور اليهود الذين كان يتم ضربهم في أوروبا عشية الكارثة. نشر نير حسون بأن ضحيتهم كانت فراس الأطرش، المقدسي ابن 37 سنة، الذي ذهب بغباء كي يشتري الملابس في مدينته في يوم العيد. لن يتجرأ على الخروج من المنزل في “يوم القدس” القادم. وربما أقرب من ذلك.

كان يجب أن يلغى “يوم القدس” منذ فترة طويلة، وإخراجه خارج القانون. ولكنه تحول إلى يوم العنصرية والعنف الإسرائيلي. وإذا كان هذا هو عيد المدينة، حينئذ يجب أن يتحول آخر أحبائها غير المسيحانيين إلى كارهين لها يمقتونها إزاء ممارسة سيادة محتليها. تحويل يوم احتلال إلى يوم عيد هو مرض. وإن فعل ذلك على ظهر الشعب الواقع تحت الاحتلال هو أيضاً أمر مثير للاشمئزاز. “يوم قدس سعيد” ليس يوم عيد، بل هو يوم كارثة، يوم ملعون. لم يتم “توحيد” المدينة ولم يتم “تحريرها”، بل تم احتلالها بالقوة مع سكانها، فـ 40 في المئة تحولوا رغم أنفهم إلى رعايا لنظام احتلال متوحش وعنصري. إذاً، ما الذي نحتفل به هنا؟

هذا بالضبط هو المكان الذي كان يجب على الاحتجاج أن يرفع رأسه فيه. بدلاً من عشرات الآلاف في كابلان كان يجب أن يأتي عشرات الآلاف إلى الحي الإسلامي وأن يدافعوا عن سكانه وعن الديمقراطية. صحيح أن الأمر هناك أقل راحة وأمناً مقارنة بما هو في منتهى السبت على الجسر. تخيلوا زعران هؤلاء المستوطنين، الذين لا يوقفهم أحد، واجهوا عشرات آلاف المتظاهرين الذين هم أيضاً مثلهم يحملون أعلام إسرائيل، ويقطعون طريقهم. كان يمكن لهذه أن تكون مسيرة أعلام للديمقراطية الإسرائيلية. تخيلوا هؤلاء الجبناء الأبطال على الضعفاء فقط، يواجهون متظاهرين يقفون أمامهم مثل قوة دفاعية. مجموعة صغيرة تستحق الثناء من متظاهري حركة “ثمار القدس” حاولت وبحق منع مرور المستوطنين من “غوش عصيون”، لكنها لم تكن كافية.

“سأنتقم لإحدى عيني”، هكذا غنوا، “سأنتقم من فلسطين، ليمح الله اسمهم”. كان يجب على أحد ما أن يرد عليهم وأن يغني “سأنتقم لعيني من المستوطنين العنيفين، ليمح الله اسمهم”. كان يجب على أحد ما إنقاذ كرامة إسرائيل. كان يجب على أحد ما أن يدافع عن الفلسطينيين الذين لم يعد هناك من يدافع عن أمنهم وممتلكاتهم وكرامتهم، سواء في غزة أو القدس. صحيح أنه تم إنقاذ الأطرش من فتك مؤكد هذه المرة، لكنه مرة ربما لن تتكرر. ليس البطل هو الذي ألقى الخطابات، وليس الرقص في المدينة المحتلة هو الاحتفال بإهانة سكانها. الأطرش هو البطل الحقيقي لـ “يوم القدس”. كان محظوراً تركه وحيداً.

--------------------------------------------

هآرتس 21/5/2023

في مهمته الاستيطانية.. سموتريتش بين “معونة الرب وحمير المسيح”: طريق نحو الانتحار

بقلم: أسرة التحرير

تواصل حكومة السلب بيع التصفية لإسرائيل. ائتلاف قومي متطرف وحريدي يتخلى عن تعليم المواضيع الأساس ويعمل على ما يسميه سموتريتش “مهام أساسية”. وزير المالية والوزير في وزارة الدفاع أمر مندوبي الوزارات الحكومية بالاستعداد لاستيعاب نصف مليون مستوطن آخر في “المناطق” [الضفة الغربية] في غضون سنتين. ليس أقل. هذه الخطة المنفلتة، التي ستدفن إمكانية حل وسط إقليمي وسلام مع الفلسطينيين نهائياً وستقيم على إسرائيل الأسرة الدولية، يسميها المهمة الأساس للحكومة. إن مضاعفة عدد المستوطنين، كما يقترح سموتريتش، يفترض استعداداً بالبنى التحتية. وبالفعل، أمر سموتريتش بتحسين البنى التحتية لكل أنواع المستوطنات في “المناطق”، صغيرها وكبيرها، المستوطنات التي تُعرّف “قانونية” برأي دولة إسرائيل – وبرأيها وحدها – وكذا بؤر استيطانية غير قانونية بما في ذلك المواصلات العامة، والتعليم، والتشغيل – كل ما هو ضروري. الحكومة تخطط لشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية في الأشهر القادمة.

حسب رجال القانون، فإن محاولة تنفيذ الخطة ستضعها في أقرب وقت ممكن في اختبار محكمة العدل العليا ومشكوك أن تسوغها المحكمة في صيغتها الأصلية. لكن من يدري إذا كانت المحكمة في صيغتها الأصلية ستنجو حتى ذلك الحين. فالانقلاب لم يسحب بعد.

ومن سيدفع ثمن كل هذه الوفرة؟ تقدر كلفة الخطة بمليارات عديدة وفي الميزانية المخصصة للعامين 2023 و2024 والتي يسعى سموتريتش لتنفيذها بالخطوات التي عرضها، وإن خصصت ميزانيات لبناء وإقامة بنى تحتية في المستوطنات لكن بحجوم أصغر بكثير مما يلزم. وبالفعل، المال ليس المشكلة، قال سموتريتش، وتعهد في الأحاديث بإيجاد مصادر التمويل. من أين؟ لعله يعول على معونة الرب.

من سيوفر الحماية لمئات آلاف المستوطنين؟ يتبين أن جهاز الأمن لم يتلق ما يكفي من المعلومات التي تسمح لهم بعرض موقف تجاهها؛ وعندما يُطلب منهم تناول الخطة سيعربون عن معارضتهم لقسم كبير منها بخاصة في ما يتعلق بالبؤر الاستيطانية غير القانونية الموجودة في نقاط ذات احتمال احتكاك عال مع الفلسطينيين. لكن ما لكل هذه الصغائر ومشروع سموتريتش المسيحاني؟ الجيش الإسرائيلي، وأناس الخط الأخضر، والجمهور الذي يسعى لحياة عادية، كلهم حمير المسيح.

الانقلاب النظامي جزء من برنامج سياسية مسيحانية تسعى لـ”ضم المناطق” وتشويه القيم التأسيسية للمجتمع والدولة الإسرائيليين. على الحمار الإسرائيلي أن يتنكر ويعمق معارضته، وعلى الأسرة الدولية أن تستيقظ، وعلى الجميع أن يوقفوا هذا الجنون معاً.

--------------------------------------------

هآرتس 19/5/2023

إلى الإسرائيليين: لماذا أوقفتم الاحتجاج ضد الانقلاب النظامي؟

بقلم: أسرة التحرير

مرت أربعة أشهر منذ اشتعل الاحتجاج ضد الانقلاب النظامي. فيها خرج مئات آلاف الناس من بيوتهم، أسبوعاً إثر أسبوع، وأعلنوا: “حتى هنا”. كل شيء مفتوح للنقاش، لكن في إطار قواعد اللعب. تغيير القواعد ليس جزءاً من النقاش، ولا يمكن أن يكون كذلك: هذه هي التصفية العملية للديمقراطية الإسرائيلية. صحيح أن حكومة إسرائيل وفرت مع الوقت مزيداً من الأسباب العديدة للإحباط وللغضب، وعلى رأسها الميزانيات الضخمة التي حولت إلى الحريديم و”الصهيونية الدينية”، وكذا مسألة التجميد وغلاء المعيشة، ولكن على الرغم من أن المسائل الأخرى تثير الغيظ هي الأخرى فعلينا ألا ننسى بأن تحطيم جهاز القضاء هو مفتاح الحكومة لتمرير كل هذه القوانين والميزانيات بطريقة سائبة وعديمة الرقابة القضائية.

هذا الأسبوع ضرب مثال على ذلك دون خجل؛ فبعد أن طلب النائب مئير باروش من “يهدوت هتوراة” أن يحولوا له “ماله” – مصروف جيب من ربع مليار شيكل – جاء وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وشرح بأن المال لم يحول بسبب “وجود لاعبي فيتو، لعدم إقرار الإصلاح القضائي”. بكلمات أخرى، الهدف الحقيقي لـ “الإصلاح” هو السماح بالسلب والتمييز دون أن تتمكن محكمة العدل العليا من منع ذلك.

كما أن الحوار في مقر الرئيس بما في ذلك التقارير عن التوافقات المتوقعة، لا يجب أن تمس بدافع المحتجين وبشدة الاحتجاج. فرواد الانقلاب أنفسهم يعترفون بأن “الإصلاح” لا يزال على جدول الأعمال. وقد كتب سكرتير الحكومة يوسي فوكس بصراحة يقول إن الحكومة ستعين مندوبين للجنة انتخاب القضاة، سواء مع توافقات أم بدونها؛ وقال رئيس لجنة الدستور سمحا روتمن من “الصهيونية الدينية” إنه حتى لو لم تكن توافقات “فسندفع قدماً في كل حال بما اختاره الجمهور”، وأضاف بأنه “بدون إصلاح جهاز القضاء لن ينجح الائتلاف في البقاء على قيد الحياة”. ونقل عن وزير العدل يريف نفسه قوله إن “لحظة الحسم في الإصلاح هي فور إقرار الميزانية… يجب العودة لتشريع شيء ما من الإصلاح في هذه الدورة”.

محظور الاستسلام لصرف الانتباه ولوابل الأحابيل الإعلامية من حكومة بنيامين نتنياهو. على الاحتجاج أن يستمر بل ويتعاظم. الهدف ليس تأخير الانقلاب النظامي، بل شطب تام “للإصلاح” والحفاظ على استقلالية جهاز القضاء.

---------------------------------------------

هآرتس 19/5/2023

السعودية في إدارتها لاستراتيجية جديدة في الشرق الأوسط: قد ننظر في أمر إسرائيل لاحقاً

بقلم: تسفي برئيل

معرض المنتجات “آندي فارهول” الذي أقيم بمدينة جدة على البحر الأحمر انتهى قبل ثلاثة أيام. يمكن مشاهدة عروض سيرك ديسوليه. مقابل 350 دولاراً سيتمكن الزوار في المدينة من شراء تذكرة “في.آي.بي” ومشاهدة بطولة “دبليو دبليو إي” للمصارعة، التي ستقام في 27 أيار الحالي. وفي مدينة الترفيه الدولية بالسعودية، تعرض في هذا الشهر الكثير من الأحداث والتجارب في مسار السير المشهور فيها، الذي يحتوي على المطاعم ومدينة الرعب المثيرة والقفز في المياه والمحلات التجارية للأزياء باهظة الثمن.

يبدو أن العرض الممل سيقام الجمعة: مؤتمر القمة العربية. تزينت المدينة بالأعلام وتم حجز فندق “ريتس كارلتون” لصالح المشاركين في القمة، حتى القرارات اتخذت مسبقاً في لقاء أجراه وزراء خارجية الأعضاء في الجامعة في هذا الأسبوع. سيظهر أمامهم هذه المرة نجم قديم، أكبر بـ 12 سنة من ظهوره السابق على المنصة، وهو الرئيس السوري بشار الأسد، الذي دعاه الملك سلمان للعودة إلى مكانه الذي طرد منه في 2011 بعد معرفة حجم المذبحة التي ارتكبها ضد أبناء شعبه.

بشار الأسد استخف في حينه بجهود وساطة زعماء عرب والغرب، واستمر في تنفيذ الفظائع، وحول ملايين المواطنين في سوريا إلى مشردين ومهجرين في بلادهم، ولاجئين في دول أخرى. مبادرات سلام بين النظام والمعارضة التي اقترحتها روسيا بقيت حتى الآن على الطاولة. قرارات الأمم المتحدة والعقوبات الدولية التي أضيفت إليها عقوبات شديدة فرضتها الولايات المتحدة، لم تؤثر في بشار الأسد، الزعيم العربي الوحيد الذي نجا من انقلابات الربيع العربي. رأى كيف أن شخصيات الشرق الأوسط مثل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، والرئيس الليبي السابق معمر القذافي، ورؤساء اليمن وتونس، قد فقدوا الكراسي وقتلوا أو توفوا بسبب المرض، في حين أنه يواصل الحكم، بل وأعاد لنفسه بمساعدة كثيفة من روسيا معظم المناطق التي فقد السيطرة عليها في العقد الأخير.

عودة سوريا للجامعة العربية لم تكن مفاجئة. ففي العام 2018، عندما قررت الإمارات استئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بدأ التحدث عن إنهاء المقاطعة. ولكن في حينه، كانت دائرة الدول المعارضة كاملة ومكتظة تقريباً، ووقفت على رأسها السعودية وقطر ومصر والولايات المتحدة بالطبع، التي حذرت أبو ظبي من مواصلة التقرب من سوريا. قانون قيصر، الذي وضعه الرئيس الأمريكي السابق ترامب، وفرض عقوبات على سوريا، وعلى أي دولة أو أي جسم تجاري يعقد الصفقات مع النظام، دخل حيز التنفيذ وعرض العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها للخطر. الآن، رغم أنها عقوبات ما زالت سارية المفعول، لكن السعودية قررت استئناف التطبيع مع سوريا، وحتى مناقشة التعاون الاقتصادي معها. بدأت العملية السعودية على الفور بعد التطور الدراماتيكي الذي أدى في آذار الماضي إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بوساطة الصين.

محللون في السعودية مقربون من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، شرحوا وحذروا خلال أشهر من أن البرود الشديد الذي يهب من البيت الأبيض تجاه بن سلمان سيجبره على إيجاد شركاء جدد. معاملة أمريكا الغريبة لم تتوقف حتى بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة في تموز 2022. وافقت السعودية للحظة على طلب بايدن زيادة إنتاج النفط لمواجهة النقص الناتج عن الحرب في أوكرانيا. ولكن بعد ثلاثة أشهر، وجهت السعودية صفعة لبايدن عندما لم تمنع قرار “الأوبك” تقليص إنتاج النفط.

هدد الرئيس الأمريكي بالتداعيات التي قد تأتي نتيجة لهذه الخطوة. لم تصب السعودية بالذعر. وفي كانون الأول، استقبلت الرياض الرئيس الصيني باحتفاء في قصر اليمامة. والبيت الأبيض لم يتفاجأ. السعودية لا تخفي عن الولايات المتحدة خطواتها السياسية، لكنها لا تطلب الإذن. والأهم أن الحملة الاستعراضية الدبلوماسية التي تديرها السعودية لا تأخذ رغبة أو ضغط الولايات المتحدة في الحسبان. مثلاً، التطبيع مع سوريا يحدث رغم تحذير وتهديد أمريكا، من بينها مشروع قانون طرح في الكونغرس ينص على فرض عقوبات إضافية على من يساعد النظام السوري.

دور جديد

لا حاجة لقاموس خاص كي نفهم بأن السعودية قررت إدارة استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، التي لن تبقى فيها عضوة في تحالفات يبنيها آخرون. ستكون المبادرة والمخططة والمنفذة للخطوات السياسية التي قد تغير وجه المنطقة. قبل استئناف علاقاتها مع إيران، قامت بانعطافة مذهلة في علاقاتها مع تركيا عندما استأنفت علاقاتها مع الرئيس التركي الذي قاد حملة دولية ضدها بسبب قتل الصحافي جمال خاشقجي، بل ساعدت اردوغان أيضاً بمليارات الدولارات لمواجهة الأزمة الاقتصادية العميقة في بلاده.

التطبيع مع سوريا اعتبر ثمناً سعودياً لاستئناف العلاقات مع إيران، لكنه مرحلة أخرى في هذه الاستراتيجية التي وضعت فيها السعودية نصب عينيها إنهاء صراعات وحروب في الشرق الأوسط. بدلاً من التحالف المناهض لإيران الذي قاده بن سلمان قبل تعيينه ولياً للعهد، قرر إقامة ميزان ردع سياسي يطلب فيه من إيران تنسيق سياستها مع الدول العربية، لا سيما السعودية، مقابل مكاسب سياسية يمكن للسعودية إعطاؤها إياها.

استئناف العلاقات مع إيران وعودة سوريا إلى الحضن العربي هو إنجاز مهم لإيران يعطي طهران ودمشق شرعية عربية، ربما تتحول في المستقبل إلى شرعية دولية. في الوقت نفسه، هذه الشرعية قد تمنح السعودية مكانة وقوة للتأثير على الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، وتؤدي إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ 8 سنوات في اليمن، ويبدو أن الخطوة القادمة ستكون استئناف العلاقات بين إيران ومصر.

حسب تصريحات جهات رفيعة في إيران، من بينها عضو لجنة الأمن القومي في إيران فدا حسين مالكي، فإن وفوداً من الدولتين أجرت في آذار محادثات في بغداد، ويتوقع أن تلتقي مرة أخرى في تموز المقبل. وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، صرح مؤخراً بأنه يتوقع اختراقة في العلاقات بين مصر وإيران. والمحللون في إيران بدأوا يتحدثون عن لقاء محتمل بين الرئيسين الإيراني والمصري. مصر، التي لم ترد بعد على هذه التصريحات، يبدو أنها لم تكن لتخاطر بعقد مثل هذه اللقاءات بدون دعم السعودية، بعد أن مهدت المملكة نفسها المسار العربي نحو إيران.

بالنسبة لإسرائيل، لا ترى في هذه الخطوة بشرى سارة. ليس فقط لأن التحالف العربي المناهض لإيران يتحطم أمام ناظريها، بل أيضاً بسبب التخلي عنها الرؤية الثنائية التقليدية، التي بحسبها لا يمكن لدولة مؤيدة لأمريكا تكون حليفة لإيران. معادلة “معنا أو ضدنا” تمر الآن بإعادة النظر، ليس بمبادرة من إيران بل من قبل السعودية التي تطمح إسرائيل بانضمامها لاتفاقات إبراهيم.

في الوقت نفسه، خطوة السعودية الاستراتيجية قد تقيد حرية عمل إسرائيل في سوريا، حيث إن سوريا كدولة سيادية وعضوة جديدة في الجامعة العربية، التي تقف أيضاً أمام استئناف العلاقات مع تركيا وتحصل على الدعم القوي من روسيا، يمكنها تجنيد شبكة علاقاتها الجديدة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها. طلب سوري كهذا ربما يحصل على دعم كبير إذا نضجت محادثات التطبيع بينها وبين تركيا، التي في إطارها ستوافق تركيا على إخراج قواتها من سوريا.       

تركيا ليست بحاجة إلى تشجيع من السعودية لاستئناف علاقاتها مع نظام الأسد. سواء أردوغان أو خصمه كليتشدار أوغلو، اللذان سيتنافسان في 28 من هذا الشهر في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، يؤيدان سياسة إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. نحو 3.5 مليون لاجئ سوريا يعيشون في تركيا، وإذا كان استيعابهم قد عرض في بداية الحرب كبادرة حسن نية إنسانية مؤثرة، فقد تحولوا مع مرور السنين إلى عبء اقتصادي ثقيل تتحمله الحكومة، والأهم إلى مركز كراهية الأجانب ثم قضية سياسية ساخنة.

“يجب أن يتم وبسرعة طرد 10 ملايين لاجئ… لم نعثر على وطننا في الشارع ولن نعطيه لمن سمح بدخول 10 ملايين لاجئ إليه”، قال كليتشدار هذا الأسبوع في خطاب شديد اللهجة ألقاه، في الوقت الذي يطيب فيه هذا لأذن الوطنيين الذين يسعى للحصول على أصواتهم. اردوغان من ناحيته يتحدث منذ سنة عن نية إعادة مليون لاجئ سوريا على الأقل حتى يساعد ذلك في الأزمة الاقتصادية.

لكن من أجل نجاح هذه الخطوة، ستضطر تركيا إلى استئناف العلاقات مع الأسد الذي يطالب في المقابل بإخراج القوات التركية من سوريا وبمساعدات مالية سخية لاستيعاب اللاجئين. لا توجد لتركيا مصادر تمويل تقدمها للأسد لاستيعاب مواطنيه العائدين: في إيران يطالب أعضاء البرلمان الحكومة بالحصول على الـ 20 مليار دولار ديناً من سوريا، ولا تسارع الدول الأوروبية إلى كتابة الشيكات لأمر بشار الأسد. فعلياً، لم يبق إلا دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، وبذلك تسلم بعملية التطبيع بين تركيا وسوريا وإيجاد حل سياسي لهذه الحرب الطويلة.

---------------------------------------------

إسرائيل اليوم 18/5/2023

معركة القدس لم تُحسم بعد

بقلم: نداف شرغاي

الإنجاز الإسرائيلي الأهم، مع حلول 56 سنة على توحيد القدس، هو الاستيطان الذي غير وجه شرق المدينة: 12 حياً يهودياً، يسكن فيها اليوم نحو 240 الف نسمة، من الشمال، ومن الجنوب، ومن الشرق لحدود الحكم المحلي القديم.

ان التفويت الإسرائيلي الأبرز، بعد 56 سنة توحيد مقدسية، هو التخلي عن الاستيطان في كل أجزاء البلدة القديمة، النواة التاريخية للقدس والتي فيها أيضا ستحسم المعركة على مستقبلها السياسي.

حسب الكتاب الإحصائي السنوي الجديد للقدس من معهد القدس لبحوث السياسة، يسكن في الحي اليهودي اليوم نحو 3250 يهودياً فقط، نحو العشر فقط من مجموع نحو 31.130 من سكان البلدة القديمة. هذا تفويت تاريخي.

طالما لا يسكن يهود في كل أحياء البلدة القديمة وليس فقط في الحي اليهودي، فإنها ستعتبر أرضا قابلة للتقسيم – مثلما يحصل فعلا – من جانب معاهد البحوث، وخطط الجارور، والوسطاء على أنواعهم، وعليه فيجب أن يقال باستقامة: المعركة على القدس لم تحسم بعد. الى جانب إنجازات عديدة، أبقت إسرائيل في العاصمة "ثقوباً" لا تزال تسمح للكثير من الفلسطينيين التعلل بالأوهام بانه ذات يوم سيدور الدولاب الى الوراء وستقسم المدينة من جديد.

قامت إسرائيل بعمل ما في الحائط الغربي. محت حي المغاربة، الذي شارك أهاليه مشاركة مركزية في التضييق على المصلين هناك على مدى أجيال عديدة. محت هذا الحي من على وجه الارض، وجعلت "زقاق المبكى" الضيق والعفن ساحة صلاة كبرى. بالمقابل، فوتت إسرائيل فرصة – من يدري اذا ما ومتى ستتكرر – لإحداث تغيير ذي مغزى في الحرم ايضا، حين تخلت مسبقا عن حق الصلاة لليهود هناك واعترفت عمليا بحكم ذاتي ديني إسلامي في المكان.إ

خرج هذا الحكم الذاتي منذ زمن بعيد عن نطاق الدين. الحرم هو اليوم مركز تحريض، "إرهاب"، والهام لمنفذي العمليات ومثيري المشاكل، واقع نعيشه غير مرة.

ان الفعل الاستيطاني – الصهيوني المهم الأخير الذي قامت به إسرائيل في القدس كان بناء حيي هار حوما ورمات شلومو رغم المعارضة الدولية الشديدة. تميزت السنوات الكثيرة التي انقضت منذئذ بصفر فعل صهيوني استيطاني. على خلفية معارضة الولايات المتحدة واوروبا تجمد إسرائيل منذ سنين بناء حيين يهوديين سوبر استراتيجيين آخرين - عطروت في شمال المدينة و E1 في شرقي القدس، بوابة معاليه ادوميم.

لما كانت المعركة على القدس لم تحسم بعد، فمن شأن إسرائيل أن تدفع ثمنا باهظا على ذلك. الفلسطينيون، باسناد وزارة الخارجية الأميركية ومعاهد البحوث، يسعون لقطع "الاصبع" الشمالي للقدس وضمه الى نطاق السلطة. كما يسعون أيضا لمنع الربط الإسرائيلي بين القدس ومعاليه ادوميم، ويملؤون ببنائهم الأرض المخصصة للربط. بالضبط مثلما كان في هار حوما وفي رمات شلومو هكذا أيضا في عطروت وفي E1 – هذا هو إما نحن أو هم. لكن إسرائيل، بسبب الضغط الدولي الشديد، تمتنع منذ ثلاثة عقود عن البناء هناك.

وهاكم مسألة أخرى تتصدى لها إسرائيل، دوما بنجاح: في الـ 32 سنة الأخيرة ترك العاصمة نحو 550 الف نسمة، معظمهم ان لم يكن كلهم يهود، لكن فقط 335 الفا جاؤوا للسكن فيها. عدد التاركين مذهل. لو ان نصفهم فقط بقوا في المدينة لكان الميزان الديمغرافي لصالح اليهود يتحسن ومعدلهم بين السكان كان سيصل الى 70 في المئة، أي 10 في المئة اكثر مما هو اليوم.

إذا كانت إسرائيل تريد ان تحسم المعركة على القدس، او على الأقل ان تحسن جدا فرصها في أن تنتصر فيها فهذه هي "الثقوب" المركزية التي ينبغي أن تتناولها – وعلى عجل – لأن الفلسطينيين لم يتخلوا أبداً عن خطة التقسيم.

---------------------------------------------

معاريف 18/5/2023

لنجرّب طريقاً ثالثاً لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي

بقلم: مئير غولان

محبطة هي تجربة التنقل بين الأستديوهات لشرح القاعدة البسيطة، الأولية: "لا توجد حرب، بل استمرار السياسة بوسائل أخرى"؛ ولا توجد لدينا سياسة تجاه "حماس"، ولا توجد سياسة تجاه السلطة الفلسطينية، ومنذ 15 سنة، منذ أن خبت مبادرة أنابوليس في عهد أولمرت ونحن عالقون في الموجة ذاتها التي لا تنتهي، والتي يقود فيها إسرائيل والفلسطينيون اشد المتطرفين الى مصيبة سياسية هي بمثابة مأساة يونانية شرق أوسطية عديمة الأمن.

ليس قدراً أن يكون الأمر على هذا النحو. فالدولة الأقوى في الشرق الأوسط، تلك المزودة بالوسائل القتالية الأكثر تطوراً، مع منظومة الدفاع الجوي الأفضل، ومع جودة القوة البشرية الأعلى، يمكنها أن تأخذ المخاطرة الفظيعة، وبالذات من مكان القوة، وان تحاول كسر الجمود السياسي – الامني الذي من شأنه أن يحكم عليها بالفناء. إسرائيل ملزمة بان تحسم الى اين تتجه: الضم أم الانفصال عن الفلسطينيين. ترسيم حدود واضحة ومعترف بها للدولة اليهودية، أم ضم ملايين الفلسطينيين، وانطواء مؤكد في تحول إسرائيل الى دولة أبرتهايد منبوذة وضعيفة ام الى دولة كل مواطنيها – نصفهم عرب ونصفهم يهود، وباحتمال عال ستعلق في حرب اهلية.

يوجد الكثير مما يمكن عمله من طرف واحد، طرفين، أو عدة اطراف. يمكن البدء ببناء خط الحدود المستقبلي لإسرائيل في ظل تقليص دراماتيكي في مستوى الاحتكاك المدني، وتهدئة التوتر الامني، وحفظ حرية العمل العملياتية للجيش و"الشاباك". يمكن البدء بسلسلة مشاريع اقتصادية وبنى تحتية لصالح تعزيز الاقتصاد الفلسطيني، ورفع مستوى المعيشة، ورفع ثمن الخسارة، وتعزيز قدرة الانفصال بين السكان. يمكن الربط بين كل المشاريع في خطة اقليمية للمساعدة الاقتصادية يشارك فيها الاردن، مصر، ودول الخليج. تصوروا ما الذي سيحصل في اليوم التالي لاعلان إسرائيل ان وجهتها هي نحو تحقيق رؤيا الدولتين، وبان خطة عملية للعمل على تحقيقها ستعرض قريبا وان التنفيذ سيبدأ بسلسلة خطوات من طرف واحد، لكن دون أن يتضرر أمن مواطني إسرائيل. هذه خطوة عديمة المخاطر الأمنية، كثيرة المخاطر السياسية والقومية، وهي تعبر عن إرادة أغلبية مواطني إسرائيل – التحرر من عبء السيطرة على ملايين الأشخاص ممن لا يريدون سيطرتنا، وضمان طابع إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي – دولة حرة، متساوية وديمقراطية.

ستكون مبادئ هذه الخطة على النحو التالي: ضم نسب قليلة من اراضي الضفة، بما فيها معظم السكان الإسرائيليين، في ظل تعويض السلطة الفلسطينية بمناطق بمساحة مشابهة، وستحاط كل المستوطنات التي ستضم بعائق ارضي يضمن أمنها يضمن، وتقسيم القدس في ظل التنازل عن معظم الاحياء العربية في المدينة (ولمن نسي، نذكر بان القدس اليوم هي المدينة العربية الكبرى في إسرائيل)، لتصبح الأحياء العربية عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية، ويكون غور الأردن بسيادة فلسطينية، لكن يسود فيه نظام أمني خاص في ظل حفظ سيطرة إسرائيل على معابر الأردن وفي خط المياه. تحفظ حرية العمل العملياتية للجيش و"الشاباك" في كل المنطقة ووفقا للواقع الأمني الذي ينشأ.

يمكن الانتقال الى تفاصيل اخرى، لكن يخيل أن لا حاجة في هذه المرحلة. يكفي أن تحقق إسرائيل البندين الأولين، وعلى الفور سنشهد آثار الإيجابية على الخطاب الداخلي، وحدة الصف القومية، المكانة الدولية، والوضع الإقليمي تجاه إيران وبشكل عام.

ان الصهيونية في نموذج 2023 تستوجب أخذ المبادرة والمسؤولية عن مستقبلنا؛ مستقبل يجب أن تقوده الأغلبية الديمقراطية المعتدلة وليس العصبة القومية المتطرفة. لاشهر طويلة نهتف "الديمقراطية او التمرد"، لكننا ننسى مبدأ بسيطاً: لن تكون ديمقراطية بدون الانفصال عن الفلسطينيين، وبدون احياء الرؤيا الصهيونية الحقيقية من قبل القوى التي حملتها حتى الآن – الجمهور المنتج، الديمقراطي، الليبرالي والمعتدل، الذي هو اغلبية السكان الفلسطينيين دون فرق في الدين، العرق، أو الجنس.

---------------------------------------------

هآرتس 18/5/2023

من صفحات احتلال القدس: أعاد مفتاح باب المغاربة بعد أن سرقه 56 عاماً

بقلم: نير حسون

في 7 حزيران 1967 كان يئير براك (24 سنة) أحد المظليين الذين دخلوا باحات الحرم. يوم الأحد الماضي قبل أربعة إيام على إحياء يوم توحيد القدس الـ 56 جاء مرة اخرى الى الحرم للمرة الثانية منذ الحرب. ومثل الزوار اليهود الآخرين دخل من باب المغاربة، لكن خلافاً لهم لم يقم بالتجول في منطقة الحرم، ولم يقم بالصلاة. ذهب من الباب مباشرة بمرافقة موظف الأوقاف الإسلامية ومراسلين الى مكتب الشيخ عزام الخطيب، مدير عام الأوقاف الإسلامية. في المكتب المصنوع من الخشب، والذي علقت فيه صورة الملك حسين والملك عبد الله، جرى احتفال قصير، أعاد فيه براك لعزام الخطيب مفتاحاً كبيراً كان يستخدم لإغلاق باب المغاربة، حيث كان غنيمة أخذها في يوم احتلال الحرم. شكر الخطيب براك على المفتاح، وقال إن المفتاح عاد لأصحابه الشرعيين.

"في العام 1967 كنت في الكتيبة التي دخلت شرقي القدس. مشيت في طريق الآلام، ودخلت الى هنا، ووصلت الى باب المغاربة. رأيت هذا المفتاح معلقاً على الجهة اليسرى. قمت بإنزاله، في الواقع سرقته"، قال براك للشيخ عزام الخطيب والشيخ عمر الكسواني، مدير المسجد الاقصى. "تقدمت من الباب ووضعت المفتاح في الثقب وقمت بإدارته وأغلقت الباب، وفتحت القفل، ثم فتحت الباب ونزلت الى اسفل. هذا المفتاح كان لدي حتى الآن. اكثر من مرة أردت إعادته لأنه ليس لي، بل هو للأوقاف. قبل شهر قررت فعل ذلك".

تم تغيير باب المغاربة بعد أن فحص براك القفل قبل 56 سنة، ومفتاح الحديد الكبير لم يعد بالإمكان استخدامه لإغلاقه. ولكن هناك أهمية رمزية كبيرة. بالنسبة لبراك ترمز اعادة المفتاح الى أن إسرائيل يجب عليها اعادة كل ما أخذته في حرب "الأيام الستة".

كان المفتاح واحداً من ثلاث غنائم أخذها براك، (سرقها حسب تعبيره)، في حرب "الايام الستة". الاشياء الأخرى هي بندقية كاربين لجندي أُردني قتل في البلدة القديمة، ومنفضة سجائر لشركة الطيران الوطنية السورية، وجدها في فندق في شرقي القدس.

بدأت حرب "الأيام الستة" لديه بأيام مملة من الانتظار في قواعد تجمع لواء المظليين. "صرخ الجميع بأنهم يريدون العودة الى البيت"، قال. "في نهاية المطاف أحضرونا الى بيارة مهملة قرب جفعات برنر وقالوا لنا إن الحرب ستبدأ في صباح الغد، ونحن يجب علينا الهبوط في مدينة العريش في سيناء. ربطوا لنا المظلات والمعدات. ولكن في هذه الاثناء وصلت فرقة إسرائيل طال الى هناك، ولم يعودوا بحاجة إلينا. عندها قلنا بأن الاردنيين يطلقون النار على القدس ونحن سنذهب الى القدس. سافرنا في كل الطرق المتعرجة، وأنزلونا في بيت هكيرم".

في اليوم التالي دخلت وحدة براك الى المعارك في الشيخ جراح، وقد قتل اثنان من أصدقائه بنار القناصة في الحي. من هناك تم نقل الفصيل الى جبل الزيتون.

"دخلت فندق الانتركونتننتال. وكما أذكر كانت كل الطاولات معدة لتقديم وجبة. بدأت انزل الى اسفل (الى البلدة القديمة)، فجأة وجدت نفسي وحدي ولم أعرف أين ذهب البقية. دخلت من باب الأسباط، لم أكن بين الأوائل. أطلق القناصة النار علي من احد الأزقة. ولكن كما ترى ما زلت على قيد الحياة. توجهت نحو اليسار ودخلت الى الحرم. شاهدت قبة الصخرة وأدركت ما الذي أراه. بعد ذلك قررت الذهاب الى حائط المبكى"، قال. "وصلت الى الباب التالي، وتبين أنه باب المغاربة. هناك شاهدت المفتاح معلقاً. لم أعرف لماذا قررت أن آخذه. ذهبت الى حائط المبكى وفي غضون ربع ساعة وصل الحاخام غورن مع حاشيته".

استمر براك في القول: "لم يكن لي أي ارتباط أو أي صلة بحجارة حائط المبكى. شاهدت الناس يدخلون أوراقاً الى الداخل وسألت ما هذا؟ أجابوني: هذه طلبات من الله. كان هذا غريباً بالنسبة لي؛ لأنه لم يكن من حياتي. فأنا عضو في كيبوتس".

بعد ذلك بساعات شارك في المعركة الاخيرة في البلدة القديمة عندما قاد قائد الكتيبة، عوزي عيلام، قوة من اجل تطهير سطح أحد المباني الذي كان يتمترس فوقه ستة جنود اردنيين، وقاموا بقنص جنود الجيش الإسرائيلي. في هذه المعركة قتل الجندي يهودا فايس. من فوق جثة أحد الجنود الاردنيين أخذ براك الكاربين. نقل فصيله من القدس الى الشمال قبل المشاركة في المعارك في هضبة الجولان. وقام بدفن الكاربين تحت شجرة أمام مدخل قرية الشجرة. كنتُ متفائلاً بأن أعود سالما من المعركة"، قال. ولكن الحرب انتهت قبل أن يتمكنوا من الوصول الى هضبة الجولان. اعيد الفصيل الى القدس للمشاركة في احتفالات انتهاء الحرب. وهناك في احد الفنادق وجد منفضة السجائر. بعد أسبوع على انتهاء الحرب عاد الى قرية الشجرة وأخرج البندقية، ونقلها الى الكيبوتس. ومنذ ذلك الحين وهي برعاية رعاة الأبقار في الكيبوتس. المنفضة والمفتاح أخذهما معه. بعد ذلك تحطمت المنفضة ورماها أما المفتاح فبقي معه. "ذات مرة عرضت المفتاح على عدد من المتطوعين، وقلت إن هذا المفتاح هو لباب قرب حائط المبكى. قال أحد المتطوعين لي بأنه سيجند جماعته وسيدفعون لي عشرة آلاف دولار مقابله. ولكن بالطبع لم اوافق. بين حين وآخر عرضته على عدة اشخاص".

بعد ست سنوات على الحرب تم تجنيد براك مرة اخرى، في هذه المرة لحرب "يوم الغفران". في هذه المرة أيضا كان لواؤه في الجبهة وهو كان أحد الجنود الذين اجتازوا قناة السويس في عملية العبور التي غيرت وجه الحرب. حتى قبل الحرب ترك الكيبوتس وعمل في التعليم ومحررا صحافيا ورجل علاقات عامة. وفي السنوات الأخيرة بدأ في التحقيق ونشر أبحاثا عن اقتصاد إسرائيل. بقي المفتاح في بيته وعرف عدد من أبناء العائلة والأصدقاء عنه.

في الوقت الذي كان فيه المفتاح موجود في منزل براك تحول باب المغاربة الى مكان رمزي للصراع على السيطرة على الحرم. لم يكن المفتاح الذي أخذه براك المفتاح الوحيد للباب كما يبدو. ففي تلك الفترة أخذ الجيش مفاتيح أخرى كانت تستخدم لابواب الحرم ومنها باب المغاربة. بعد عشرة أيام على الاحتلال جاء وزير الدفاع، موشيه ديان، الى الحرم والتقى رجال الاوقاف. في تلك الفترة قام ديان باملاء الوضع الراهن في الحرم. الحرم هو مكان عبادة للمسلمين، ومكان زيارة لغير المسلمين. عادت الاوقاف الاسلامية وحصلت على السيطرة في باحات الحرم. وحسب بحث للدكتور امنون رامون، من معهد القدس لابحاث السياسات، في نهاية اللقاء قام دافيد برحي، وهو أحد مساعدي ديان واحد الاشخاص المهمين في تشكيل شبكة العلاقات بين إسرائيل والاوقاف في تلك الفترة، باعادة مفاتيح بوابات الحرم للشاويش حسنين، رئيس الحراس في الأوقاف. ولكن المفاتيح لم تبق لديهم فترة طويلة.

بعد بضعة أسابيع تم عقد عدة جلسات للجنة الوزارية لشؤون القدس، تركزت على الوضع الراهن. ناقش الوزراء، ضمن أمور اخرى، حق اليهود في زيارة المساجد وملابس الزوار. "كان يجب التأثير قليلاً على فتياتنا كي لا يذهبن الى هناك بالبنطالات، لأن هذا يمس بمشاعرهم جدا"، قال الوزير مناحيم بيغن. "لا سيما عندما تكون الفتاة جميلة"، أضاف. وأول من تحدى الوضع الراهن هو الحاخام العسكري الاول، شلومو غورن، الذي كان على قناعة بأنه يجب تقريب الخلاص عن طريق افعال دراماتيكية في الحرم. قام غورن واعضاء الحاخامية العسكرية باحتلال مبنى داخل الحرم قرب باب المغاربة، واستخدموا الباب للخروج من المبنى والدخول اليه. في آب 1967 اقام الحاخام غورن صلاة جماعية هناك بمناسبة التاسع من آب العبري. وقد خطط لإقامة صلاة اخرى بعد ثلاثة أيام من ذلك بمناسبة سبت برشات نحامو. أقلقت نيته الحكومة والوزراء. توجه دافيد بن غوريون، رئيس الحكومة السابق، لديان وقال له: "عمل الحاخام غورن غريب، يعتقد كما يبدو بأن الله يختبئ في مسجد عمر، وذهب لاقامة الصلاة في مكان مقدس للمسلمين يوحي لاعدائنا أننا نقوم بتدنيس المقدسات الاجنبية. من يريد هذا التطاول؟".

قامت الاوقاف الاسلامية بإغلاق باب المغاربة بالمفتاح الذي كان لديها بخطوة استباقية. فهم موشيه ديان أن هذا الامر سيحسم مصير الوضع الراهن الذي ولد للتو. وقد أمر رئيس الاركان، اسحق رابين، باصدار أمر للحاخام غورن من اجل التراجع عن نيته وإخلاء المبنى. وأرسل مساعده برحي الى مكاتب الاوقاف من أجل أخذ المفتاح. المفاتيح، كما كتب الجنرال شلومو غازيت في كتابه "العصا والجزرة"، تم تسليمها "مع احتجاج". "فُتح الباب ووضع بجانبه رجال من الشرطة العسكرية. وبقي الباب منذ ذلك الحين مفتوحا تحت اشراف الجيش الإسرائيلي"، كتب غازيت.

بعد ذلك انتقلت السيطرة على الباب من الجيش الى الشرطة، التي تضع على الباب قوة بشكل دائم. أصبح باب المغاربة الباب الوحيد الذي يسمح بدخول غير المسلمين منه الى باحات الحرم. في العام 2000 في أعقاب زيارة أرئيل شارون المشهورة للحرم واندلاع الانتفاضة الثانية تم إغلاق الباب. وقد بقي مغلقاً ثلاث سنوات لم يدخل أثناءها الى الحرم أي زوار غير المسلمين. في العام 2003 قامت إسرائيل بفتح الباب رغم أنف الاوقاف الاسلامية، ومنذ ذلك الحين في نظر المسلمين يستخدم رمزاً لاحتلال إسرائيل للحرم.

عندما تندلع بين حين وآخر مواجهات في المسجد الاقصى، الذي يوجد قرب الباب، تقوم الشرطة باعداد القوات على جسر باب المغاربة وتقتحم من خلاله من النقطة التي تعتبر رمزا للتصعيد في الاحداث في القدس، والتي تزيد احتمالات امتداد العنف الى اماكن اخرى.

"في مرحلة معينة بدأ هذا الامر يضايقني لأنني أحتفظ بالمفتاح"، قال براك. "في الأساس امتعضت مما يحدث يوم القدس. وعندها قررت أنه في السنة الخمسين، أي 2017، سأعيده. ولكن هذا لم يحدث، حاولت ايجاد طريقة لاعادته ولكني لم اجد. وصلت البندقية هدفها، والمنفضة كسرت، وبقي فقط المفتاح. زوجتي تشهد على أنني قلت إنه يجب علي اعادته".

في السنتين الأوليين بعد الحرب ذهب براك الى القدس للمشاركة في احياء ذكرى قتلى الكتيبة. "جئت لأنني جزء من هذا الامر. ولكن بعد مرتين توقفت عن القدوم لأنني رأيت الاتجاه الذي يسيرون فيه. أصبح الامر سياسيا". قبل سنتين شارك براك في احتجاج رجال الاحتياط من الكتيبة 71 ضد نية الجيش والكيرن كييمت توسيع النصب التذكاري لتخليد ذكرى أصدقائهم الذين قتلوا. يوجد النصب التذكاري في الشيخ جراح، احد مراكز الاحتكاك في المدينة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. حسب الخطط، يمكن أن يصبح النصب التذكاري الصغير منشأة كبيرة تشمل مسرحا فيه 300 مقعد لاستضافة احتفالات الذكرى، رغم أن موقع التخليد الاساسي للمظليين في القدس يوجد غير بعيد من هنا، في تلة الذخيرة. "لا نحتاج الى ذلك"، قال براك. "من يريد التذكر فليأت ويتذكر. لا نحتاج أي مبنى ضخم كي نتذكر، تكفي ورقة على الطاولة. هذا المشروع سياسي، بالضبط مثل يوم القدس. لا يجب اكثر من الوقوف قرب نصب تذكاري صغير وتذكر الأصدقاء".

ظهرت الفرصة لإعادة المفتاح قبل شهر ونصف عندما اطلع براك على مقال نشر في "هآرتس" عن الوضع القائم في الحرم، وطلب المساعدة لإجراء اتصال مع رجال الأوقاف. وعندما سئل اذا كان فكر بإعادة المفتاح للجيش أو للشرطة قال: "ليس بأي شكل من الأشكال. هذا ليس لهم. هذا مسروق". وواصل بصوت عال "هذا مسروق مثلما سرقت كل الضفة. كانت الحرب ضد الجيش الاردني، ولم يكن الفلسطينيون طرفاً في الحرب، بل ضحيتها".

"يمثل هذا عبادة أصنام"، قال براك عن أحداث "يوم القدس" و"مسيرة الأعلام". "هذا بعيد عني. هذه ليست ثقافتي. هناك فجوة كبيرة بين السبب الذي وصلنا من اجله الى هناك وبين السبب الذي يتحدثون عنه. فنحن جئنا لانقاذ الحياة ولم نأت لاحتلال ارض إسرائيل. البسوا الأمر لهذا الموضوع بعد ذلك. لم نفكر أبدا بمفاهيم ارض إسرائيل الكاملة. آمل أن يكون هذا العمل الرمزي إشارة لإعادة المناطق الى أصحابها. المناطق لا تعود لنا، والمفتاح كذلك".

---------------------------------------------

 

 

 

 

هآرتس 18/5/2023

لتسويغ “حومش” الاستيطانية: غالانت وسموتريتش ينقلان المدرسة الدينية أمتاراً في “خطة احتيال”

بقلم: هاجر شيزاف

يعمل كل من وزير الدفاع يوآف غالانت والوزير في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش، على إعادة المدرسة الدينية التي أقيمت في المستوطنة التي تم إخلاؤها “حومش”، إلى منطقة قريبة تعتبر أراضي دولة. الفلسطينيون أصحاب الأرض التي أقيمت عليها المدرسة الدينية، قدموا التماساً للمحكمة العليا وطالبوا بإخلاء البؤرة الاستيطانية والسماح لهم بالوصول إلى أراضيهم. هذه العملية التي يعمل عليها الوزراء إلى جانب فحص حلول أخرى تستهدف إحباط الالتماس وشرعنة البؤرة الاستيطانية. هذه التفاصيل نشرت مساء الأربعاء الماضي للمرة الأولى في صحيفة “إسرائيل اليوم”.

في الوقت نفسه، أمر الوزير غالانت قائد المنطقة الوسطى بالتوقيع على أمر يسمح للإسرائيليين بالمكوث في “حومش” وربما يفعل قائد المنطقة الوسطى ذلك في الأسبوع القادم. هذا الأمر سيصدر استمراراً لتعديل قانون الانفصال. ولسريان القانون الإسرائيلي في الضفة الغربية، يجب على القائد العسكري للمنطقة إصدار أمر يجعله سارياً في المناطق المحتلة. حسب التقديرات، فإن منع مكوث الإسرائيليين سيبقى على حاله في المستوطنات الأخرى شمالي الضفة التي أخليت في 2005 كجزء من الانفصال.

من جمعية “يوجد حكم” التي تمثل أصحاب الأراضي الفلسطينيين الذين قدموا الالتماس للمحكمة العليا، جاء: “وزير الدفاع سيوقع بنفسه على عملية تحايل. لأن إزاحة المدرسة الدينية بضعة مئات من الأمتار، من الأراضي الخاصة لسكان برقة وقرى أخرى إلى أراضي تسوية أصحابها غير معروفين، لا تسمح بتسوية الأمر”. وقالت الجمعية إن غالنت “يعرف جيداً أن الأمر يتعلق بعملية تضليل، لأن وجود المدرسة في المنطقة، يمنع أصحاب الأراضي من الوصول إلى أراضيهم بأمان وسيستمر خرق حقوقهم. وشرعنة البؤرة الاستيطانية هدية ومحفز للمجرمين وخرق للقانون الدولي”.

في آذار الماضي، صودق على تعديل قانون الانفصال الذي هدف إلى تمكين المستوطنين من المكوث في بؤرة “حومش”، لكن صيغته تسمح بالبدء بإجراء سيكون بالإمكان في نهايته إعادة شرعنة المستوطنات التي أخليت. منذ إخلاء مستوطنات “حومش” و”صانور” و”غنيم” وكديم” في آب 2005 منع الإسرائيليون وسكانها من المكوث فيها، إلا بموافقة من الجيش الإسرائيلي.

بؤرة “حومش” الاستيطانية تقع على أراض فلسطينية خاصة. ولكن قربها هناك قسيمتان تابعتان لأراضي الدولة. الجيش يسمح بزيارة أراضي الدولة ويمنع إقامة مستوطنات جديدة عليها، بصورة رسمية. ولكن بعد فترة قصيرة من الانفصال، أقيمت في “حومش” بؤرة استيطانية بنيت على أراض فلسطينية خاصة، وتستخدم منذ ذلك الحين كمدرسة دينية. في البؤرة الاستيطانية عدة مبان مؤقتة يتم إخلاؤها بين حين وآخر، يعاد إنشاؤها على الفور. وفي الفترة الأخيرة، يستخدم المكان كبؤرة للتجمعات العامة للمستوطنين.

---------------------------------------------

 

 

disqus comments here