تقرير : انقذوا الأسرى من بين فكي السجن والسجان

خلف القضبان الحديدية والاسلاك الشائكة وعتمة الزنازين ابطالاً اعتلوا سرج التاريخ مكبلي الايدي ومعصوبي الاعين متسلحين بإرادتهم الفولاذية وبعدالة قضيتهم الوطنية في وجه غطرسة السجان بكل مكوناته الهمجية واجراءاته التعسفية وسياساته القمعية.
رمزية الاسير
يحيي الشعب الفلسطيني واحرار العالم في السابع عشر من نيسان/ ابريل يوم الاسير الفلسطيني الذي اقره المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974م واعتبره يوماً لتوحيد الجهود والفعاليات لنصرهم ودعم حقهم المشروع بالحرية.
يأتي يوم الاسير هذا العام مختلفاً حيث حقق الاسرى في سجون الاحتلال انجازاً نوعياً في تاريخ الحركة الأسيرة وانتصاراً في معركة " الكرامة الثانية " بعد ثمانية ايام من الاضراب عن الطعام استجابت ادارة مصلحة السجون لمطالب الاسرى وتراجعت عن اجراءاتها القمعية والعقابية.
إحصائيات وأرقام
تشير الاحصائيات الصادرة لعام 2023م عن مؤسسة الضمير لرعاية الاسير ونادي الاسير الفلسطيني ان مجمل الأسرى القابعين في سجون الاحتلال الاسرائيلي بلغ  نحو 4800 أسيراً فلسطينياً ، من بينهم 39 أسيرة ونحو170 قاصراً و 554 أسيراً ادارياً ،  فيما بلغ عدد الاسرى القدامى المعتقلين قبل اتفاقية اوسلو 23 أسيراً  وبلغ  عدد الاسرى المحكومون بالسجن المؤبد الى نحو 554 أسيراً وأعلاهم حكماً الاسير عبد الله البرغوثي المحكوم 67 مؤبداً.
فقد وصل عدد الأسرى المرضى إلى أكثر من 700 أسيراً  منهم200  اسيراً يعانون امراضاً  مزمنة وما يقارب 30 أسيراً على الاقل مصابون بالسّرطان وأورام بدرجات متفاوتة وباستشهاد الاسير ناصر ابو حميد واحمد ابو علي ارتفعت قائمة الشهداء بالحركة الاسيرة الى 236 شهيداً ،فيما يواصل الاحتلال باحتجاز جثامين 12 أسيراً من شهداء الحركة الأسيرة. هذه الارقام غير ثابتة وهى في حراك مستمر وتغير دائم نتيجة استمرار الاعتقالات اليومية.
ابجديات أسرى محررين
هنا سأخط بقلمي حكايا الظلم والسجان بابجديات جراح اسرانا المحررين الذين رسموا بأوجاعهم ومعاناتهم وآلامهم طريق المجد والحرية
الاسير المحرر فتحي ابو حميد (38عاماً) تم اعتقاله عام 2002م  بتهمة اقتحام لمستوطنة اسرائيلية يلتقط انفاس الحرية بعد قضائه عشرين عاماً في الاسر داخل المعتقلات الاسرائيلية يروي عذابات أسرانا وأسيراتنا ومعاناتهم لكافة اشكال التعذيب والتنكيل النفسي والجسدي داخل سجون الاحتلال الاسرائيلي بدءًا من لحظة الاعتقال مروراً بمرحلة التحقيق التي تعتبر المرحلة الاخطر قائلاً ان المحاكم العسكرية للاحتلال شكلت الاداة الظالمة لترسيخ سياسة الاعتقال الاداري فانها محاكم  صورية توفـر إطاراً قانونياً شكلياً للشاباك لإصدار أحكام انتقامية وقاسية بحق الاسرى دون تمكينهـم مـن حقهم في إجراء محاكمات عادلة.
بصوت خافت يملأه الحزن يروي أبو حميد حديثه عن معاناة الأسرى والاسيرات قائلاً يواجه الاسرى ظروفا ً حياتية واعتقالية  قاسية منها نقص حاد في كمية ونوعية الاطعمة ، منع المستلزمات الشخصية مما يستدعي الاسير شرائها من الكانتين باسعار مضاعفة ،العزل الانفرادي والاهمال الطبي الحرمان من الزيارات ، سياسة التفتيش العاري أثناء عملية نقل الأسيرات إلى المحاكم بهدف إذلالهن وإهانتهن.
 اما الاكثر إيلاماً وقساوة البوسطة اداة للتنكيل والتعذيب تستخدمها ادارة مصلحة السجون كوسيلة نقل الاسرى الى المحاكم الاسرائيلية او الى المستشفيات خارج السجون سيارة مصفحة محكمة الاغلاق يبقى الاسير مقيد اليدين والقدمين جالس فوق كرسي حديدي على وضعية واحدة لساعات  تفتقر إلى مقومات السلامة المدنية سياسات قهرية انتقامية تنتهجها ادارة مصلحة سجون الاحتلال بحق الاسرى تخالف القوانين والمواثيق الدولية التي نصت عليها اتفاقية جنيف الثالثة والرابعة.
تنهد ابو حميد شارداً بفكره مسترجعاً آهاته يستكمل حديثه قائلاً تعددت وسائل الدفاع النضالية للأسرى واخذت اشكالاً متنوعة  فمن ابرز الوسائل النضالية التي تسلح بها الاسرى  الاضراب عن الطعام او ما يطلق علية معركة الامعاء الخاوية  ويلجئون لها كوسيلة للاحتجاج السياسي وتسليط الضوء على معاناتهم ولتحدي سجانيهم لمواجهة سياسة الاحتلال العنصرية وتحقيق مطالبهم العادلة وانتزاع حريتهم.
اشاد الأسير أبو حميد خلال حديثه بدور  الحركة الأسيرة قائلاً قد تميزت في السنوات الاخيرة كصوت هادر في زنازين الاحتلال الاسرائيلي لكشف ممارساته التعسفية وفضح جرائمه على الملأ دفاعاً عن كرامة الاسرى والاسيرات. ولكن بالمقابل هناك تقصيراً اعلامياً تجاه قضايا الأسرى باعتباره هو المحرك العام والاساسي في تسليط الضوء على معاناتهم فيجب عدم التعامل معها بشكل موسمي وان يكون الاهتمام بها دائم ومستمر داعياً الاعلام الى تبني استراتيجية جديدة لخدمة قضية الاسرى.
قانون خطير
قانون الاعدام سيف في خاصرة الاسرى الفلسطينيين بهذا الصدد توجهنا الى الأسير المحرر احمد ابو جزر (38 عاماً) اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني في عام 2003م بتهمة أعمال مقاومة اصدرت المحكمة بحقه حكماً بالسجن عشرين عاماً. 
خلال لقاءنا بالأسير أبو جزر طرحنا عليه عده اسئلة بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني ومنها كيف ترى محاولة الاحتلال سن قانون الإعدام بحق الأسرى؟
 بلمحة موجزة  بدأ أبو جزر حديثه قائلاً يُعتبر مشروع قانون "إعدام الأسرى" قانوناً جائراً وظالماً  فقد طُرح سابقاً من قبل احد الوزراء وهو ليبرمان رئيس حزب اسرائيل بيتنا في عام 2015م وصادقت علية الحكومة بالقراءة الأولى ولكن لم يتم اعتماده بسبب تفكك الحكومة ، من ثم جاء المتطرف بن غفير بعد تشكيل الحكومة اليمينية في اسرائيل برئاسة نتنياهو وكان شرطه الاساسي سن هذا القانون واعتماده  وكان له ذلك. 
كما أبدى أبو جزر رأيه للواقع على الساحة الاسرائيلية قائلاً ان هذا القانون لن يطبق على الاسرى بسبب الظروف المحلية والدولية التي تعيشها المنطقة وبالأخص داخل إسرائيل وسيكون في حال تم اعتماده سيكون هناك  ضغط دولي  من أجل الغاء هذا القانون العنصرية.
فعلى اوتاد الصبر والعزيمة يستكمل ابو جزر حديثه قائلاً رسالة الاسرى تنقسم الى شقين الشق الأول الوحدة الوطنية بين شطري الوطن غزة والضفة والشق الثاني هو تحريرهم من سجون الاحتلال الصهيوني بكل الوسائل المتاحة .
مضيفاً المطلوب لنصره الاسرى هو الالتفاف الشعبي الجماهيري في الوقفات التضامنية وهذا لا يقتصر على اهالي الأسرى بل يكون الحشد كبير جداً لان هذا يرعب الاحتلال ويوقف هجمته الشرسة بحق الاسرى ويعلم بأن هؤلاء الأبطال ليسوا لوحدهم وهناك من يساندهم وسيدفع ثمن تعديه عليهم وايضا على المستوى الدولي مثل المؤسسات الحقوقية الدولية نشر قضية الأسرى ومعاناتهم بشكل اوسع  .    
آنين القيد
بين حنايا الزمن  تروي لنا ام ضياء الاغا بحرقة عن فلذة كبدها عميد اسرى غزة الاسير ضياء الاغا المعتقل في سجون الاحتلال الاسرائيلي منذ عام 1992م بسرد حكاية ألمها  قائلة قد عشت بين نارين نار السجن ومرارة عذاباته وحرماني من الزيارة وما بين اشتياقي لاحتضانه وملامسة ملامحه التي غيرها الاسر.
وفي حال تم السماح بالزيارة  تقوم قوات مصلحة السجون الاسرائيلية بفرض العديد من القيود والمنغصات حيث لا تسمح بالزيارة الا لمن تربطه بالاسير قرابة من الدرجة الاولى يوماً شاقاً عبر الحواجز والمضيقات غير التفتيشات الجسدية والكترونية.
لم تتمالك ام ضياء دموعها وتماسكت بصبرها مرددة بأن ضياء لم يفقد الامل وعلى يقين ان علقم السجن مهما طال سنواته لا محالة ستكسر قيوده ويعود الى احضان تراب وطنه ليكمل مشوار عطائه ، اما عن مشاركتي في الاعتصامات والفعاليات لتفعيل قضية ضياء وباقي الاسرى والاسيرات  لنكشف للعالم اجمع القناع الحقيقي والدموي للاحتلال ونقول للعالم ان هناك اسرى ضحوا بسنوات عمرهم نضالاً  صامدين ينتظرون حريتهم.
ضريبة الاسر
يستلقي على عتبة حجرية يرتشف قهوته المريرة مبتور الساقين يخفق قلبه شوقاً وحزناً دفيناً يتوشح لياليه دمعاً على الفراق والحنين  
 عبد المنعم عرام (65عاماً) والد الاسير ابراهيم عرام المعتقل في سجون الاحتلال الغاصب منذ عام 2003م واصدرت بحقه حكماً بالسجن 24 عاماً بتهمة مقاومة الاحتلال قائلاً لا شئ اقسى من ان يقيد الانسان في حريته ويبتلي فقداً واسراً وحرماناً وظلماً فمنذ 2012م حرمنا الاحتلال من الزيارة بقيت والدة ابراهيم تتحسر على البعد والفراق إلى أن أسكن المرض جسدها ووافتها المنية فكان الخبر من أشد الصدمات التي تعرض لها ابراهيم في حياته لحرمانه من عناق من كان يعد الأيام للقائها، فموت والداته سقط عليه كالصاعقة ، تلك ضريبة الاسر والاعتقال.
طالب والد الاسير ابراهيم في يوم الاسير الفلسطيني قائلاً " على الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وفئاته التظافر بدعم واسناد قضية الاسرى فهم ناضلوا وضحوا وافنوا زهرات شبابهم خلف قضبان السجون من اجل فلسطين انقذوا اسرانا من بين فكي الظلم والسجان.
لم تنتهي الحكاية بعد وتبقى القصص الأكثر ألماً عن الاعتقال وأثره على الأسر الفلسطينية لم تروى بعد، فالاعتقال لون كل الذكريات التي يفترض أن تكون جميلة لعائلات الأسرى بالحزن والأسى، الاعياد والمناسبات كلها ذكريات ناقصة دون إطلاق سراح الأسرى وإعادة شملهم الى عائلاتهم.
أسرانا البواسل نخاطب فيكم الصبر والثبات والصمود، ستشرق يوماً الحرية ويبزغ الفجر الجديد، وستخرجون منتصرين بعزيمتكم وإرادتكم التي قهرت السجن والسجان.

disqus comments here