حكومة أرض إسرائيل

لا أستطيع إلا أن أقدر نجاح إطلاق تقرير مدار الاستراتيجي، فقد كان تقريراً لا يحمل «مكياجاً» ولا مجمّلات، بل ذهب صوب صميم الفكرة وعرض الحقائق دون تهويل ودون تقليل من أهميتها، ولم يذهب إلى نشر تفاؤل، وكأن هناك نافذة هنا ونافذة هناك، استطاع المتحدثون والباحثون أن يلخصوا ويقدموا ما خلصوا إليه بتركيز مع مهارات العرض والالتزام بالتوقيت، وتميزت إدارة المؤتمر بمهنية عالية تسأل حيث يفرض السؤال نفسه والتعقيب حيث يتطلب التعقيب.
افصح تقرير مدار الإستراتيجي للعام 2023- المشهد الإسرائيلي 2022»، الذي أطلقه المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، إلى أن سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية، تنذر بآثار إستراتيجية على الشعب الفلسطيني وقضيته، بدفعها إلى انتقال إسرائيل من مرحلة المناورة في ما يتعلق بخطاب «حل الدولتين»، إلى مرحلة شطبه لصالح خطاب السيادة على ما يسمى «أرض إسرائيل»، والضم بحكم الأمر الواقع للمناطق المصنفة «ج» والانقضاض على الوجود الفلسطيني فيها، وتعزيز التهويد والاستيطان في القدس وعلى جانبي الخط الأخضر.
بدلاً من النقاش حول «معقوليات» - حسب التقرير- الانسحاب من الكتل الاستيطانية الكبرى، أصبح النقاش داخل إسرائيل حول «معقولية» و «ضرورة» تسوية أوضاع البؤر الاستيطانية الصغرى المبعثرة في جبال الضفة الغربية.
من المتوقع أن يستمر الجدل المحتدم داخل إسرائيل على خلفية تأليف الحكومة الأكثر تطرفا وتدينا في تاريخ الدولة. وهو جدل يخص بالأساس قضايا داخلية، ولا ينطوي على خرق لتخوم شبه الاجماع المتعلق بالقضية الفلسطينية والموقف من الفلسطينيين في الداخل.
ويشير التقرير الى مفصلين مهمين الأول حرص نتنياهو على استمرار الائتلاف الحكومي بأي ثمن رغم تصاعد دفع الأحزاب الدينية صوب دفع قضايا أكثر أهمية بالنسبة لهم إلى الواجهة، قد تشكل توتراً بتصعيد تحركات المعارضة التي لا تتعلق بخلافات في القضية الفلسطينية، والثاني هو تولي وزير المالية مسؤولية الإدارة المدنية، فهو يقبض على ملفين مهمين: المالية التي تتعلق بالمقاصة وتطبيق بروتوكول باريس الاقتصادي، والادارة المدنية الذاهبة لأبعد السيناريوهات باتجاه أرض إسرائيل والمناطق (ج) والاستيطان.
لم تعد البكائيات على المناطق المصنفة (ج) تجدي نفعاً خصوصاً أننا بقينا نعتبرها فعلياً خارج الجغرافية الفلسطينية، تارة نقول إن الزراعة فيها ممنوعة ومحاصيلنا كافة تزرع فيها وحليبنا الطازج فيها، وتارة نقول البناء ممنوع، وتارة نقول المشي فيها ممنوع، ونرسل التقارير صوب المؤسسات الدولية لتستنتج أن استعادة سيطرتنا عليها سينعش الاقتصاد الفلسطيني وكأن هذا يكفي.
ومن المفيد الإشارة لاستخلاص الدكتور نبيل قسيس الذي عقب على التقرير بأن سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية وإجراءاتها بحق الشعب الفلسطيني، يمكن أن تمنح فرصة للشعب الفلسطيني على المستوى الدولي لإبراز مواقف هذه الحكومة المتطرفة وتعريتها وعزلها، وصولاً إلى وصمها بـ «التمييز العنصري».
وتساءل متحدثون إن كانت الحكومة الحالية ستظل تمارس سياسة العصا والجزرة، ففي الوقت الذي تعلن فيها كل هذه السياسات، وفي ذات الوقت تقدم بطاقات وتصاريح عمل مقابل «الهدوء» بصيغته الأمنية وما شهدناه من جرائم في نابلس وما سبقها.