تصاعد السُعار الاستيطاني الإسرائيلي

في إجتماع ثلاثي عقد مؤخرا، ضم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامنين نتنياهو، ووزير الجيش “يوآف جالانت” ووزير المالية ” بتسلائيل سموتريش ” تم البحث في مخطط وصفته صحيفة “إسرائيل اليوم، بـ”ثورة استيطانية كبرى” في الضفة الغربية، تتضمن خطوطه العريضة، المصادقة على مخططات استيطانية، لبناء 18 ألف وحدة سكنية في مستوطنات في الضفة الغربية في الأشهر القليلة المقبلة، في إطار مشروع الـ “مليون” مستوطن، وإخراج الإدارة المدنية الإسرائيلية من وزارة الدفاع، وأضافت الصحيفة، أن هذا المخطط عند اقراره سيُعتبر” ضماً مصغراً ” للضفة الغربية، وسيحصل الفلسطينيون في المناطق التي سيشملها هذا الضم، “الخدمات” من حكومة الإحتلال الإسرائيلي.
وفي تفاصيل الخبر فإن مخطط حكومة نتنياهو هذا، يتضمن استكمال المشاريع الاستيطانية التي توقفت في عهد حكومة بينيت – لابيد السابقة، وخاصة تعبيد الطرق وتطوير تلك القائمة منها، إضافة الى فرض إجراءات أمنية على طرقات الضفة الغربية، التي يستخدمها المستوطنون وحول المستوطنات كالكاميرات والأسوار، بالإضافة لتفعيل قوانين المرور، وزيادة الرقابة الشرطية على حركتها، وتوظيف قوى بشريه لضمان تنفيذ ذلك.

بؤرة غير قانونية

وفقا لتقارير حركة السلام الآن الإسرائيلية، فإن عدد المستوطنين في الضفة الغربية بما فيها القدس، بلغ حتى نهاية عام 2022 أكثر من 720 ألف مستوطن، موزعين على أكثر من 170 مستوطنة وأكثر من 220 بؤرة استيطانية “غير قانونية” تنتظر إضفاء حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية الشرعية عليها. وحسب تقريرلهيئة مقاومة الاستيطان شبه الرسمية الفلسطينية، فإن الحكومة الإسرائيلية صادقت خلال العام 2022 ، على 83 مخططا لبناء 8288 وحدة سكنية في مستوطنات في الضفة الغربية، وأكثر من2600 وحدة في القدس المحتلة .
وإذا كانت المعطيات حول الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس في العام 2022 هي كذلك، فما المتوقع أن تكون عليه في العام 2023، في ظل حكومة هي الأكثر تطرفا ودعما للاستيطان في تاريخ إسرائيل؟
إن حكومة “نتنياهو- سموتريش- بن غفير” ستعمل على إضفاء الشرعية على الـ 220 بؤرة استيطانية، بما فيها تلك القائمة على أراض فلسطينية خاصة، من خلال تمرير قوانين جديدة وتفعيل أخرى قديمة، كإلغاء قانون فك الارتباط الذي أقر في عهد رئيس الوزراء الأسبق آرئيل شارون عام 2004 ، الذي تم بموجبه إخلاء المستوطنات في قطاع غزة وأربع منها في شمال الضفة الغربية.

نزاع على الصلاحيات

وزير الجيش في حكومة نتنياهو الحالية “يوآف غالانت” الذي أصدر أمرا في 20/1/2023 بتفكيك مبانٍ مؤقتة في بؤرة “أور حاييم / نور الحياة” الاستيطانية العشوائية، التي أقيمت على أراضي قرية” جوريش” جنوب شرق نابلس شمال الضفة الغربية، تخليدا للأب الروحي لحزب الصهيونية الدينية “دروكمان” هو نفسه من وضع حجر الأساس لبؤرة “ميغرون” الاستيطانية شرق رام الله بعد ترخيصها كمستوطنة في العام 2018، عندما كان وزيرا للإسكان في حكومة نتنياهو آنذاك، حيث أعلن خلال إحتفال وضع حجر الأساس” أن أراضي يهودا والسامرة غير قابلة للتفاوض، وأن بناء هذه المستوطنة هو رسالة أنه ليس من الممكن اقتلاع الاستيطان من الضفة الغربية ” على حد تعبيره..
إن الأمر الذي أصدره غالانت لتفكيك البؤرة العشوائية، التي أقيمت على أراضي قرية جوريش الفلسطينية، لا يؤشر على أنه معارض لإقامة البؤر الاستيطانية وإضفاء الشرعية عليها بضخ الأموال لها، وإنما يعكس نزاعا على الصلاحيات مع سموتريش، الذي عينه نتنياهو وزيرا في وزراة الجيش مسؤولا عن الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، إلا أن نتنياهو تمكن من تسوية نزاع الصلاحيات هذا بينهما، والتوصل الى خطوط عامة للمخطط الذي وصفته صحيفة “إسرائيل اليوم” الثورة الاستيطانية الكبرى، و”الضم المصغر” للضفة الغربية.

المعازل الفلسطينية

وظفت إسرائيل منذ بدايات إحتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967، الهندسة المعمارية للاستيطان كسلاح سياسي وعسكري وأمني ضد الفلسطينيين، كما وصفها “إيال وايزمان” في كتابه “أرض جوفاء: الهندسة المعمارية للاحتلال الإسرائيلي” إذ أن التوسع الاستيطاني بوتائر سريعة في ظل حكومة اليمين المتطرف، سيفضي إلى خلق كانتونات (معازل) فلسطينية، بتجمعات بشرية شديدة الازدحام، وبلا مناطق خضراء في مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية، المصنفة (أ، ب) وفقا لإتفاق أوسلو، كما سيتم الفصل بشكل كامل بين التجمعات الفلسطينية والاستيطانية، من خلال مشروع لبناء شبكة طرق، تفصل المستوطنات عن التجمعات الفلسطينية، وهو ذات المشروع الذي حاولت الحصول على تمويل له من دول مانحة، بالإدعاء أنه مشروع للتسوية السلمية مع الفلسطينيين.
وفي العام 2002، أنشأت إسرائيل جدارا كمعزل غربي يفصلها عن الضفة الغربية، ضم نحو 10% من مساحة الضفة الغربية المحتلة لها، وتسبب في محاصرة وعزل نحو مليون ونصف المليون فلسطيني في 200 تجمع سكاني تقريبا، بالإضافة لعزل آلاف الدونومات الزراعية، وأحواض المياه السطحية والجوفية .
أما المعزل الشرقي، فإن إسرائيل تهدف لبسط سيطرتها على مناطق الأغوار، وسفوح جبال الضفة الغربية الشرقية المطلة عليها، بمساحة تصل إلى نحو 33% من المساحة الإجمالية للضفة، وبالتالي قطع التواصل بين الفلسطينيين، والسيطرة على الحدود الشرقية لدولتهم التي يطمحون لإقامتها، وعزلهم عن عمقهم العربي.
الحكومة الإسرائيلية بتركيبة قادة الاستيطان فيها من الليكود، وحزبي العظمة اليهودية/بن غفير والصهيونية الدينية/ سموتريش، ستتحرر من الضغوطات الأمريكية والأوروبية لعدم البناء الاستيطاني في المنطقة المعروفة بـ (E1) شمال شرق القدس، والبالغة مساحتها نحو 12 كيلومترا مربعا، والتي كان قد وضعها إسحق رابين عام 1995، وتم تجميد العمل بها عام 2009.
إن هذه الخطة تهدف لمنع أي توسع فلسطيني محتمل للقدس الشرقية، بإنشاء رابط طبيعي بين مستوطنة “معاليه أدوميم” ومدينة القدس، كما أنها ستكمل هلال المستوطنات اليهودية حول القدس الشرقية، ما سيفصلها عن الضفة الغربية، ومراكز تجمعات السكان الفلسطينيين، وتخلق تجمعا سكانيا يهوديا متواصلا بين القدس ومعاليه أدوميم، ناهيك عن أنها ستؤدي الى عدم قيام دولة فلسطينية في حدود عام 1967، وستقطع التواصل الجغرافي بين جنوب الضفة الغربية وشمالها تماما.
السعار الاستيطاني الإسرائيلي تصاعد، بالدعوة لإزالة قرية الخان الأحمر التي يسكنها بدو من عرب الجهالين، القريبة من منطقة (E1)، بعد إزالة بيوت المستوطنين المؤقتة في بؤرة “أور حاييم / نور الحياة” على أراضي قرية جوريش جنوب شرق نابلس (تم إقامتها مجددا بعد يومين على إزالتها)، إذ إقتحم وفد من حزب الليكود اليميني الحاكم ، يترأسه عضو الكنيست داني دانون القرية البدوية، للضغط على نتنياهو للعمل على إخلائها، قبل أن تتقدم الحكومة الإسرائيلية بالرد للمحكمة العليا، على قضية إخلاء القرية من عدمه في الأول من شهر شباط / فبراير 2023.
كاتب فلسطيني

 

disqus comments here