إسرائيل لعبة في أيدي فصائل المقاومة

كل عملية توقع إصابات، وكل موجة من العمليات تُحدِث عندنا ردة فعل هستيرية. جميع النشرات الإخبارية والبرامج اليومية تبدأ بتقرير مطول من الميدان ومن الاستوديوهات، والكثير من التحليلات التي تزيد بشكل عام من مفعول الصدمة. تفتح الاستوديوهات، والجنرالات وكبار مسؤولي "الشاباك" المُحالين إلى التقاعد يحضرون، وفي بعض الأحيان يتغير جدول البث، ويشرعون بتناول مسألة "الفشل الاستخباراتي"، ولماذا لم يتم إحباط هذه العملية أو غيرها؟

في الـ 26 من مايو 2000، وفي أعقاب انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان؛ ألقى حسن نصر الله خطاب "بيت العنكبوت". في خطابه، شبّه نصر الله قوة دولة إسرائيل بقوة بيت العنكبوت "إسرائيل تبدو قوية من الخارج، لكنها سهلة التدمير والإخضاع مثل بيت العنكبوت. إسرائيل رغم أنها تبدو وكأنها ذات قوة عسكرية كبيرة وتفوق تقني؛ غير أن المُجتمع الإسرائيلي لن يصمد أمام المزيد من الهجمات الإرهابية، العمليات وصواريخ الكاتيوشا. المجتمع الإسرائيلي مُرهق من كثرة الحروب، ولا يملك القدرة على الصمود في الصراع الدموي، وتحمل وقوع الإصابات".

إذًا، ورغم أننا ليس بيت عنكبوت، لكن من السهل جدًا أن نبدأ في تجربة غير ذكية، ونتساءل "هل هذه موجة؟ هل هو إرهاب أفراد؟"، وغير ذلك من الأسئلة. قليل جدًا - في حال وجد أساسًا - هناك تناول للمسائل الجوهرية مثل "ما هو الوزن الحقيقي للإرهاب كتهديد تواجهه إسرائيل؟ وما هو وزنه الحقيقي في التأثير على الصمود القومي، الحاجة إلى الاستيعاب بأن الإرهاب ليس في طريقه إلى الاختفاء، لكنه لا يهدد وجودنا؟ وكيف يجب أن نعيش في ظل وجود الإرهاب، والذي يتم إحباطه طوال الوقت؟ وكيف يرفع رأسه كل مرة؟ والكثير من الأسئلة العميقة التي لا تناقش.

كذلك مناقشة الأمن الشخصي يُعطى وزنًا زائدًا. لم أر في إسرائيل طرقات فارغة، ولا مطاعم ولا صالات مناسبات خالية، ولا ممرات مشاة أو أسواق غير مزدحمة. قسم كبير من الشعور بعدم وجود أمن شخصي في مختلف المناطق؛ ينبع من الجرائم الإسرائيلية، وليس بالضرورة من "الإرهاب".

من يتغيبون عن مناقشة هذه القضايا هم القادة، فهم لا يتناولون بما يكفي قيادة الصمود القومي وتعزيز الحزم العام، إنهم منشغلون أكثر من اللازم بالسياسة الصغيرة، والقليل جدًا بالقيادة القومية. الوزارة الجديدة للأمن القومي (التجاهل المخيف للأمن القومي) لا تؤتمن على هذه القيادة.

 

نسبة إحباط مرتفعة بشكل خاص

"الإرهاب" ليس تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، إنه مُقلق، وفي أسوأ الأحوال يُشوش جدول الأعمال لفترات زمنية قصيرة للغاية. رغم ذلك، فإنه يُعطى حجمًا ضخمًا في الاستجابة الاستخباراتية - التشغيلية وتخصيص الموارد. نسب النجاح في الإحباط هي تلك التي تبقي "الإرهاب" مجرد قلق، وليس تهديدًا يغير نمط الحياة.

لن أبالغ إذا ما قارنت جودة الإحباط وتأثيره على تغيير قواعد اللعب وبين تحول القبة الحديدية إلى مغير لقواعد اللعب المتعلق بإطلاق الصواريخ باتجاه مراكز السكان في إسرائيل بالضبط. الحياة في الدولة كانت ستبدو مختلفة لو أن نسب النجاح في الإحباط كانت قد هبطت عند 50%.

تتمتع إسرائيل بمنظومة إحباط نادرة في جودتها وفق جميع المعايير الدولية، الدول تحضر للتعلم منا كيف تواجه "الإرهاب" وتحبطه. جودة الاستخبارات العميقة، الجمع بين التقنية الأكثر حداثة والمنظومة التشغيلية الاستثنائية تؤدي إلى نسب إحباط لا تعرفها أيّ دولة في العالم. عن كثرة الإحباطات لا يتحدثون، من دواعي سروري، إنهم لا يناقشون لساعات ولا "يسوقون" لدى الجمهور، وجيدٌ أن الأمر كذلك.

النسبة الصغيرة التي لا يتم إحباطها تعتبر أحيانًا فشلًا لأنظمة الإحباط والاستخبارات، بدلًا من توازن نسب النجاح المذهلة الصورة للاتجاه الاخر. صحيح، كل عدم نجاح في إحباط فرد كان موضوعًا للبحث الداخلي والتعلم في أنظمة الاحباط، وبالفعل هذا ما يفعلونه، ولكن المسافة من هنا وحتى خلق الشعور بالانهيار بعيدة جدًا.

في السطر الأخير أقول: ليس هناك خطر حقيقي يهدد إسرائيل من قِبل "الإرهاب"، محاربة "الإرهاب" تضربه بشدة، مواطنو إسرائيل من المُفترض أن يظهروا صمودًا وصلابة لكي يبثوا إلى بيئة "الإرهاب" أنه حتى وإن نجحوا هنا أو هناك؛ فلا فرصة لديهم لكسرنا. لسنا مصنوعين من خيوط العنكبوت، وإنما من الفولاذ المتين. يا قادة إسرائيل، أظهروا قيادة وطنية، وليس شغلًا سياسيًا.

disqus comments here