مدينة أم الفحم.. من كاريكاتير ناجي العلي وعروس تصوّت إلى يأس من الأحزاب العربية

في كل ما يتعلق بالسياسة، تبقى أم الفحم أكثر من مجرد مدينة عربية؛ فهي تشكل رمزاً للكفاح في سبيل الوجود العربي في الدولة، هي معقل تاريخي لأحزاب ومنظمات وطنية فلسطينية داخل إسرائيل. وهكذا أصبحت ذات أهمية عليا في الخطاب العربي – اليهودي.
الفنان الفلسطيني ناجي العلي، الذي عرف بنقده السياسي لإسرائيل، رسم ذات مرة كاريكاتير “لا لفلان ولا لعلان، أم الفحم هي اسم فلسطين”، والمعنى أن كل الحركات والأحزاب العربية خرجت من أم الفحم. في الستينيات والسبعينيات، كانت المدينة كلها مغطاة بأعلام حمراء للحركة الشيوعية. وبعد ذلك، مع قيام الحركة الإسلامية، رفعت أعلامها الخضراء، وحتى حزب التجمع دشن في أم الفحم في 1996. يروى أن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رأى هو الآخر في أم الفحم مدينة ذات أهمية مركزية بل وزارها عدة مرات. في منطقة “أم الفحم وبناتها”، كما يصف المحليون المدينة والقرى الصغيرة حولها، تسكن أربع عائلات كبرى: اغبارية، محاميد، محاجنة، وجبارين – والمنطقة تشكل تجمعاً سكانياً كبيراً لأكثر من مئة ألف نسمة.
يروي رجال المدينة بأنها توجد دوما في بؤرة التحريض ضد الجمهور العربي، من اقتراحات رحبعام زئيفي بالترحيل، وحتى الحملة التي قادها افيغدور ليبرمان في 2005 حين دعا إلى “فك الارتباط عن أم الفحم” كبديل عن خطة فك الارتباط لرئيس الوزراء في حينه أرئيل شارون. وعليه، فقد نشأ في أوساط السكان المحليين إحساس عظيم بالوحدة وحاجة دائمة لتمثيل المدينة في الكنيست. ولكن لخيبة أمل السكان، لا يوجد ممثل كهذا في هذه اللحظة. إضافة إلى ذلك، جلبت القائمة المشتركة كل الأحزاب العربية للعمل معاً، ونالت الوحدة عطفاً في أوساط الجمهور العربي. لكن تتنافس ثلاث قوائم منفصلة هذه المرة، ويصعب على النشطاء العاملين في المدينة التصدي للوضع.
في أم الفحم جماعة بما فيها أعضاء الجناح الشمالي من الحركة الإسلامية، تقاطع انتخابات الكنيست بشكل دائم لأسباب أيديولوجية، لكن الخطاب السياسي والاجتماعي في المدينة غني في كل زاوية ويمكن أن نرى مقاهي مليئة بالسكان الذين يتحدثون انطلاقاً من الاهتمام والاكتراث والفهم في المواضيع السياسية قبيل الانتخابات. التقينا رجال “البرلمان” الأكثر إثارة للاهتمام في المدينة التي في وادي عارة – ذاك الخاص بالنائب السابق د. يوسف جبارين، الذي كان عضواً في الكنيست عن الجبهة الديمقراطية. جبارين، من أصحاب فكرة القائمة المشتركة، ينال الاحترام والعطف في المدينة لدرجة أن عروساً بفستان أبيض جاءت كي تصوت للقائمة المشتركة لأجله فقط في الانتخابات الأخيرة.
“أردت أن يستمر مشروع القائمة الواحدة الكبرى، لكن “الموحدة” سارت بعيداً”، وأضاف: “ربما يتغير هذا مستقبلاً، كانت تجربة عظيمة؛ كنا 13 نائباً، وكان بوسعي أن أشعر بتأثرنا”. وواصل: “لو استمررنا بذات الصيغة لوصلنا إلى 18 مقعداً”.
جبارين آخر، أدهم، هو ناشط اجتماعي عاد إلى العمل السياسي في التجمع بعد أن تفككت القائمة المشتركة. “غضبت على أن التجمع أصبح برلمانياً أكثر مما هو سياسي، مع أجندة غير واضحة من الوطنية الفلسطينية”، روى يقول. بعد أن عاد التجمع إلى استقلاله، تنفس جبارين الصعداء وعاد للعمل في الميدان. “هدفنا الآن جلب أكثر من 6 آلاف صوت للتجمع من أم الفحم. أعرف أن هنا قرابة 4.500 وأجندة التجمع شعبية جداً في المدينة”، وأضاف: “في هذه اللحظة تأييد وعطف كبيران للتجمع، وأعتقد أن هذا سيرفع نسبة التصويت في أوساطنا”.
الناشطان الاجتماعيان يوسف محاميد ومحمد اغبارية، عضوان في “البرلمان”، ويهمهما وضع الجريمة وضائقة السكن، وشرحا بأن السكان ملوا التصويت بسبب خيبة أمل من معالجة هذه الظاهرة. وقال محاميد إن “الجريمة والقتل مسألتان مركزيتان ينبغي معالجتهما في الكنيست. السكان محبطون ويائسون، لغياب جواب على ذلك، ولعدم وجود أمن شخصي”.
أما وسيم حصري، وهو شاب ناشط في الجبهة الديمقراطية، فقال: “صوت في الانتخابات الأخيرة 30 في المئة من الشبان في المدينة، وهذه نسبة متدنية جداً. هذه المرة أتوقع ارتفاعاً، لكن ليس كبيراً”.
مع نهاية الحديث، التقينا وداد زيد، ناشطة اجتماعية لمنطقة وادي عارة، تتفق وتقول: “إن المجتمع العربي هو في مكان اليأس من السياسيين ومن مكافحة الجريمة وغلاء المعيشة. لذا، علينا أن نخرج لنصوت ونؤثر”.
 

disqus comments here