جرد حساب إسرائيلي لمكاسب تل أبيب وبيروت من تفاهمات الحدود البحرية

 يعتبر معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب أن اتفاق/ تفاهم الحدود وحقول الغاز غير النهائي مع لبنان إنجازاً اقتصادياً أمنياً واستراتيجياً مهماً لإسرائيل. وهذا الاتفاق، الذي يفترض أن تصادق عليه حكومة الاحتلال اليوم الأربعاء، بات ناجزاً أو في مراحله النهائية.

واستناداً إلى التسريبات يبدو أنه ينص على ما يأتي: تبني الخط 23 كخط حدودي (لا حداً نهائياً)، لكن ليس بكامله، إذ ستبقى مساحة الـ 5 كم الأولى الموازية للساحل على ما هي عليه، استناداً إلى الخط العائم الإسرائيلي. ومع بدء استخراج الغاز من حقل كاريش، والموجود كله في المياه الاقتصادية الإسرائيلية، ستبدأ أيضاً الحفريات في حقل الغاز المُحتمل في الجانب اللبناني المُسمّى حقل قانا/ صيدون بوساطة مجموعة دولية تتشكل من شركتي توتال الفرنسية (40٪) وإيني الإيطالية (40٪) أمّا الشركة الروسية فقد انسحبت، وبات الجزء المخصص لها في يد الحكومة اللبنانية. كما سيتم تعويض إسرائيل عن جزء من حقل قانا (الثلث تقريباً) الموجود ما بعد الخط 23 إلى الجانب الإسرائيلي (كما يبدو بموافقة الشركات المعنية)، في حال بدأ استخراج الغاز من هذا الحقل.

ويقول معهد دراسات الأمن القومي إن الأخبار عن الاتفاق أثارت العديد من ردات الفعل في إسرائيل، وبالتحديد من طرف المعارضة السياسية التي انتقدت مضمون الاتفاق، بحجة أنه ينص على تقديم تنازلات كثيرة، والتي تساءلت عمّا إذا كانت حكومة تصريف الأعمال مخولة بالمصادقة عليه أصلاً، وخصوصاً قبل وقت قصير من الانتخابات (في الأول من تشرين الثاني).

الجانب اللبناني

منوها أنه في المقابل، يبذل الجانب اللبناني جهداً لإثبات أن السلطة في لبنان لم تتنازل عن موقفها الأصلي، حتى أنها طلبت تعديلات على الصيغة المعروضة عليها (على الرغم من الإشارة إلى أن الملاحظات ليست جوهرية).

ويتابع: “كذلك خفّف نصر الله من حدة التهديدات في خطابه الأخير الذي ألقاه في الأول من تشرين الأول، فتوقف عن تكرار تهديداته، وادعى أن الحديث يدور حول اتفاق مهم للشعب اللبناني على الصعيد الاقتصادي، وأن توقيعه هو مسؤولية السلطة اللبنانية. وفي حال تم توقيع الاتفاق، سينسب نصر الله الانتصار إليه بسبب تهديده بضرب منصة كاريش، وسيدّعي أن الاتفاق لا يتضمن أي مكون تطبيعي مع إسرائيل، ولا يُشير إلى أي تغيير في العلاقات بين الدولتين”.

ربح متبادل

ويعتبر “المعهد” أنه رغم ذلك، فإن التدقيق في بنود الاتفاق التي تم نشرها يشير إلى أنه يتضمن إيجابيات لإسرائيل ولبنان معاً، ويخلق بينهما وضع الفوز المتبادل ويتساءل عملياً، ماذا سيحقق كل طرف بحسب هذا الاتفاق، وعن ماذا سيتنازل؟

عن ذلك يقول “المعهد الإسرائيلي”: “بالنسبة إلى لبنان، الذي يعاني جرّاء أزمة اقتصادية هي الأصعب في تاريخه، فإن الأرباح التي سيكسبها هي في الأساس أرباح اقتصادية، إذ ينص الاتفاق على أن الحفريات في حقل صيدون/ قانا ستبدأ مباشرة، بعد أن كانت الشركات تتفادى الاقتراب من هذه المنطقة”.

وبرأيه بالطبع لن تكون هناك أرباح فورية من استخراج الغاز، والحديث يدور فقط عن بدء الحفريات، وفي حال تحققت التوقعات بشأن وجود الغاز في المنطقة فإن الاستخراج سيبدأ بعد عدة أعوام. لكن مع ذلك يرى “المعهد” أن الاتفاق سيسمح للسلطة في لبنان بإشاعة بعض أجواء الأمل لدى المواطنين اللبنانيين الذين هم على بعد خطوة من إعلان الإفلاس الكلي لمنظومة الكهرباء في الدولة. كذلك يرجح أن يؤدي الاتفاق مع إسرائيل في هذا المجال إلى استقطاب جهات غربية (وربما خليجية أيضاً) لمساعدة لبنان.

ويتابع: “تتّمثل التنازلات اللبنانية الأساسية في قبول لبنان بالموقف الإسرائيلي الذي يشير إلى أنه لا حقوق للبنان في حقل كاريش، والموافقة عملياً على ترسيم حدود مع إسرائيل، حتى لو كانت حدوداً بحرية فقط، وبشكل جزئي، وهي خطوة امتنع عنها لبنان حتى الآن”. يشار هنا إلى أن لبنان، وعلى عكس إسرائيل، لم يتبنَّ “الخط الأزرق” الذي تم رسمه على طول الحدود البرية بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان عام 2000.

تنازل إسرائيل

بالنسبة إلى إسرائيل، يوضح “المعهد الإسرائيلي”: إن التنازل الأساسي هو قبولها بالخط 23، الذي تمسك به لبنان، كأساس لترسيم الحدود، وبذلك تكون تنازلت عملياً عن أغلبية المنطقة المتنازع عليها، والممتدة على نحو 860 كلم (في السابق كانت إسرائيل جاهزة للتنازل فقط عن 55٪ من مساحة المنطقة).

ويضيف: “لكن، عملياً، فإن هذا التنازل لا يؤثر كثيراً لأن هذه المنطقة تقع في معظمها في المياه الاقتصادية، لا في المياه السيادية التي تمتد إلى 12 ميلاً من الساحل. وفي المقابل، تمت الاستجابة لمطلبين إسرائيليين مهمين، هما: أولاً، الامتناع عن القيام بتغيير ترسيم الحدود البرية، وترك المنطقة الموازية للساحل بعمق 5 كلم (الخط العائم الإسرائيلي)، ما له أهمية أمنية كبيرة بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي (وليس الخط 23). ثانياً، الموافقة على حصول إسرائيل على تعويضات في أعقاب استخراج الغاز من حقل قانا الذي يمتد إلى أبعد من الخط 23 في الجهة الإسرائيلية، في حال وُجد الغاز وتم استخراجه.

مكاسب أخرى

ويقول “المعهد” إنه من المهم الإشارة إلى أن الشركات الدولية امتنعت عن العمل في هذه المنطقة بسبب عدم وجود اتفاق بين إسرائيل ولبنان، وحتى لو كان التعويض قليلاً بالنسبة إلى إسرائيل، فإن الوضع الحالي أفضل من الوضع السابق حين لم يكن ممكناً لإسرائيل ولبنان الاستفادة من الغاز في هذا الحقل. زاعماً أنه إلى جانب العائد الاقتصادي المتوقع لإسرائيل، فإن الترتيبات بشأن الحدود البحرية مع لبنان تعود عليها بعائدات مهمة أُخرى تتركز في الأساس في ما يأتي:

على الصعيد الأمني: بالإضافة إلى الاتفاق على عدم إجراء تغييرات بشأن المسؤولية الإسرائيلية عن مساحة الـ 5 كلم الموازية للساحل، فإن توقيع الاتفاق وبدء أعمال الحفر في الجانب اللبناني من شأنهما ضمان الهدوء في المنطقة البحرية، وتقليص الحاجة إلى حماية منصة كاريش. وعلى الرغم من أن الاتفاق لن يمنع احتمال أن يجد “حزب الله” مبرراً جديداً لاستئناف تهديداته في حال أراد ذلك، فإن من شأنه أن يكبح جماح الحزب بسبب وجود مصلحة اقتصادية للبنان بالانضمام إلى الدول المصدرة للغاز في المتوسط، وبسبب مشاركة عدد من الدول الغربية في عملية استخراج الغاز (فرنسا وإيطاليا في الجانب اللبناني، وبريطانيا واليونان في الجانب الإسرائيلي)، وفي السعي من أجل التوصل إلى الاتفاق (الولايات المتحدة). كما يقول إنه في المقابل، وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن الوضع الأمني المتوتر سيبقى على ما هو عليه، مع احتمال اندلاع معارك مع حزب الله في المنطقة البحرية.

على الصعيد الإستراتيجي: من شأن الاتفاق بين لبنان وإسرائيل أن يُحدث تغييراً إيجابياً جوهرياً في العلاقة بين الدولتين اللتين هما في حالة عداء، كما من شأنه أن يفتح الباب أمام تطورات في العلاقة المستقبلية بين الدولتين، على الرغم من نفي هذا الأمر من جانب السلطة اللبنانية الرسمية، كما من جانب الناطقين باسم “حزب الله”، وعلى رأسهم نصر الله. ويرجّح “المعهد” أن يحاول نصر الله التقليل من أهمية الاتفاق، الذي يجعل ادعاءاته بشأن عدوانية إسرائيل وضرورة حفظ سلاحه كـ “حارس للبنان” تفقد معناها. كذلك تستطيع إسرائيل أن تشير إلى مساهمتها في مساعدة لبنان على النهوض باقتصاده المنهار، لأن في استقراره مصلحة لها.

كيف ستصادق إسرائيل على الاتفاق

أمّا بالنسبة إلى الأبعاد القانونية التي لها علاقة بمسار المصادقة على الاتفاق، والتي يستند إليها معارضو الاتفاق داخل النظام السياسي الإسرائيلي فهي على الشكل الآتي:

الإطار القانوني: قانون ترتيبات الحكم والقضاء كما تم تعديله في العام 2010، وقانون أساس الاستفتاء العام للعام 2014 يقران بأن التنازل من خلال اتفاق عن منطقة سيادية تابعة للدولة يجب أن تصادق عليه أغلبية أعضاء الكنيست في استفتاء عام، إلاّ في حال المصادقة عليه بأغلبية 80 عضو كنيست. كذلك تم سابقاً الاستناد إلى قاعدة يتم وفقها عرض الاتفاقات الدولية على الكنيست قبل المصادقة عليها في الحكومة، باستثناء حالات الطوارئ والأوضاع السرية، كما يمكن أن يتم عرض الاتفاقيات السياسية المهمة للمصادقة في الهيئة العامة للكنيست.

وحسب “المعهد الإسرائيلي” لا يبدو واضحاً إذا ما كان من الممكن اعتبار الاتفاق الحالي “اتفاقاً سياسياً مهماً”، كذلك فإن هذه الممارسات ليست موجودة في نص قانوني، ومن غير الواضح إن كان هناك شرط قانوني يمكن الاحتكام إليه، وما هو حجمه الدقيق. ويضيف: “هذا بالإضافة إلى صلاحيات حكومة تصريف الأعمال المحدودة في المجال السياسي، ذلك بأن الامتحان الأساسي المسيّر لعملها هو ضبط الوضع، إلاّ في حال بروز حاجة جماهيرية ملحة”.

موضوع السيادة البحرية: بحسب القانون الدولي، فإن الأميال الـ 12 الأولى بعد الساحل هي مياه إقليمية تابعة لسيادة الدولة، والمنطقة ما بعد المياه الإقليمية هي مياه اقتصادية. ففي المنطقة الاقتصادية يحق للدول استغلال الموارد الاقتصادية في المنطقة، لكن الحديث لا يدور عن المياه السيادية للدولة. وبالتالي، فإن الاتفاق على تقسيم هذه المنطقة، وبالتحديد الاتفاق على تقسيم الموارد الموجودة في المياه الاقتصادية التابعة لأكثر من دولة، لا يعدُّ تنازلاً عن المنطقة السيادية للدولة، ومن هنا لا حاجة إلى استفتاء عام من أجل تحديد هذه المنطقة. ومثال ذلك عندما تم الاتفاق مع قبرص على المياه الاقتصادية، وأعلنت الحكومة تحديد المنطقة الشمالية للمياه الاقتصادية في العام 2011، لم يجرِ استفتاء عام بهذا الشأن، كما لم يتم طلب موافقة 80 عضو كنيست.

المياه الإقليمية: هناك خلاف على الحدود بين إسرائيل ولبنان تم التعبير عنه في الأوراق الرسمية التي قدمتها كل من الدولتين إلى الأمم المتحدة في العام 2011. وفي حال كان الاتفاق على خطوط حدودية نهائية فيه تنازل عن الخط الذي حددته إسرائيل في هذه الأوراق، يمكن عندها الادعاء أن إسرائيل تنازلت عن منطقة سيادية تابعة للدولة. في المقابل قد يستند الادعاء العكسي على أنه لم يتم الاتفاق أبداً على خط حدودي، وأن الورقة التي قدمتها إسرائيل إلى الأمم المتحدة جاءت رداً على مطالب لبنان، لكنها لا تعكس الحدود النهائية، ويمكن دعم هذا الادعاء بأن إسرائيل لم تمنح عملياً حقوق استخراج غاز في هذه المنطقة.

صوغ الاتفاق: إذا سمح أسلوب صوغ الاتفاق بترك الاتفاق النهائي بشأن الحدود للمستقبل، يمكن عندها الادعاء بأن لا حاجة إلى استفتاء عام أو إلى موافقة أغلبية أعضاء الكنيست. وكلما كانت الصياغة أكثر ليونة، بسبب الاستعجال الأمني والسياسي، ولا سيما إذا افترضنا أنه لن تكون هناك فرصة أُخرى للوصول إلى اتفاق كهذا، سيكون من السهل على الحكومة الدفع قدماً في المصادقة على الاتفاق حتى في فترة الانتخابات، ومن دون إجراء مداولات في الكنيست.

ويرى معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب أنه في الخلاصة، من شأن الاتفاق مع لبنان، في حال تم توقيعه، أن يخدم عدة مصالح إسرائيلية بعيدة المدى على الصعيد الاقتصادي والأمني والإستراتيجي، كما يمكن أن تسمح بنود الاتفاق بتخطي العقبات القانونية التي طرحتها المعارضة. وهنا يوصي بـ: “لذا من الضروري أن تصر الحكومة الإسرائيلية على المصادقة عليه، والدفع قدماً في سبيل توقيعه، قبل البدء باستخراج الغاز من حقل كاريش، والذي من المتوقع أن يبدأ في الأسابيع المقبلة”.

disqus comments here