مستشار وزارة الخارجية الأمريكية ديريك شوليت : على الفلسطينيين الالتحاق بعربة أبراهام… وعواقب كبرى إذا استخدم بوتين النووي

التقيت ديريك شوليت، مستشار وزارة الخارجية الأمريكي، ضمن جلسة مسجّلةOn Record مع مجموعة من الصحافيين الذين انصبّت تعليقاتهم، قبيل الجلسة، على كون شوليت ممثلاً مخضرماً للمؤسسة السياسية والأمنية الأمريكية، وعلى اتساع اطلاعه وخبرته السياسية، وقد أظهر فعلاً خلال ردوده على أسئلتنا مقدرة على تذكر تواريخ ووقائع زمنية وجغرافية محددة على اتساع المواضيع العالمية. كان أمراً معبّراً أيضاً عن شخصية الدبلوماسي المتمرس أنه جاء للاجتماع من دون أن يستريح من السفرة الطويلة من واشنطن.
تركّزت الأسئلة حول الموضوع الأوكراني ـ الروسي بسبب تفجره وارتباطه بالقضايا الأخرى، ولكن الوقت سمح بأسئلة أيضاً حول فلسطين وإيران وقطر وأوبك… وباراك أوباما.
تفاجأ شوليت، حين قلت له وأنا أبتسم، إنني حين حاولت العثور على مقر السفارة الأمريكية في لندن، حيث عُقدت الجلسة، أن محرّك البحث غوغل يقول إن مالك السفارة هو شركة الديار القطرية.
انتقلت الملكيّة طبعاً من شركة الديار إلى الحكومة الأمريكية قبل 4 سنوات، لكن ذلك الحدث كان أحد المواضيع التي أثارت انتقاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، باعتباره رجل أعمال في مجالات التطوير العقاري، بل إنه قال إنه ألغى زيارته الأولى إلى لندن بسبب هذه الانتقالة من وسط لندن، حيث كانت السفارة تشكّل عبئاً أمنياً وتتسبب في استعصاءات السير (وحتى مشاكل قانونية مع بلدية لندن التي كانت تطالب الأمريكيين بتسديد غرامات مرورية بالملايين)، إلى منطقة ناين آلمس، على ضفّة نهر التيمز الجنوبية.
التطبيع أهم من الفلسطينيين؟
تنقل شوليت في عدة مناصب أمنية وعسكرية، منها رئاسة سياسات الدفاع والأمن في صندوق جيرمان مارشال الأمريكي، والعمل مساعداً لوزارة السياسات الخارجية للأمن والدفاع، وأشرف على إدارة سياسات أمريكا حول أوروبا، وحلف الأطلسي، والشرق الأوسط، وأفريقيا والعالم الغربي في عهد وزيري الخارجية الأسبقين ليون بانيتا وتشاك هاغل.
لديه عدة كتب، منها «الطريق الوسطى: كيف صاغ ثلاثة رؤساء الدور الأمريكي في العالم»، و»اللعبة الطويلة الأمد: كيف تحدى أوباما واشنطن وأعاد صياغة دور أمريكا في العالم»، و»الطريق إلى اتفاقات دايتون»، و»أمريكا بين الحروب: من 9/11 إلى 11/9» وغيرها.
يستشهد شوليت في كتابه «اللعبة طويلة الأمد»، المخصص لبحث سياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما، بتصريح مثير لروبرت غيتس، يقول إنه بالنسبة «لدفاع إسرائيل فلم تقدم أي إدارة أمريكية بطرق متينة أكثر من إدارة أوباما، وبأن التحالف بين أمريكا وإسرائيل يرتكز على الحفاظ على التفوق النوعي ضد أي قوة في المنطقة.
«بالإضافة إلى حفاظكم على التفوق النوعي لإسرائيل»، قلت لتشيلوت، «فإن عدداً جديداً من الدول العربية أنجزت اتفاقات تطبيع، أو نسجت علاقات حميمة (مثل السودان)، مع إسرائيل».
تابعت قائلاً: «لقد ساهمتم عبر دعم هذه العملية بترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة إحدى أكثر الدول قوة عسكرية في الشرق الأوسط»، مضيفاً: «هل هناك فكرة حول تسوية تاريخية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، تسمح للفلسطينيين بإقامة دولة ذات سيادة؟».
يرى شوليت أن التطبيع بين إسرائيل وجيرانها من الدول العربية هو من أكثر الأشياء إيجابية التي حصلت في السنوات الأخيرة. وأكد أنه كان شاهداً على الجذور الأولى لهذا التطبيع قبل عشر سنوات حين كان يعمل في وزارة الدفاع الأمريكية. حسب شوليت، فإن الإسرائيليين والإماراتيين كانوا حينها «يتحدثون مع بعضهم سراً». يرى شوليت أيضاً أن إدارة ترامب تستحق الشكر على هذا، وأن إدارة بايدن تقوم حالياً بالعمل على ما قامت إدارة ترامب بتأسيسه.
ويقول إن ما أنجزته إدارة بايدن في هذا الصدد كان الاجتماع «التاريخي» الذي جمع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بنظرائه من إسرائيل ومصر والإمارات والبحرين والمغرب ومصر في صحراء النقب في شهر آذار/مارس الماضي. «إذا اعتبرنا اتفاقات إبراهيم هي البداية، فإن ما نعمل عليه الآن هو تحويل العملية إلى شراكة كبيرة (استخدم مصطلح blue chip company وهي الشركات الكبرى في السوق العالمية، مثل غوغل وأبل وأمازون)، بحيث يتكرر الاجتماع سنوياً.
«ماذا عن الفلسطينيين؟»، سألت مستنكراً.
«بالنسبة للفلسطينيين، نحن لا نعتبر ما يحصل بديلاً عن العمل على الملف الفلسطيني، لكننا نأمل أن يقوم الفلسطينيون بأخذ الفرصة والمشاركة في إطار أكبر».
تابع قائلاً: «المسألة الثانية التي تعرفها هي أن الرئيس بايدن تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حول دعم حل الدولتين، كما أنه ذكر المسألة في خطابه الأخير في الأمم المتحدة».
تبدو الدبلوماسية الأمريكية، إذا اعتبرنا جواب شوليت نموذجاً عليها، مهتمّة بالخطوط العريضة لتوسيع تطبيع إسرائيل مع الدول العربية، كبديل عن إيجاد حلول تاريخية للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. «الشركة الكبرى» التي تشكلها إسرائيل مع الدول العربية تتوسع، وما على الفلسطينيين سوى القفز إلى عربتها!
من الخط الأحمر الكيميائي إلى النووي!
كان مهماً، خلال اللقاء، مناقشة سياسات الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما التي أزجى تشيلوت المديح لها، فسألته:
«في كتابك «الطريق الوسطى» قارنت أوباما بأيزنهاور وجورج بوش (الأب)، ممتدحاً تقليداً في القيادة الأمريكية يدافع عن الوسطية والمسار الفعال في السياسة الخارجية».
هزّ شوليت رأسه، فأضفت: «كما أنك بدأت كتابك «اللعبة طويلة الأمد» بفصل عن «الخط الأحمر الكيميائي» في سوريا، وقلت فيه إن سوريا كانت قصة للفرص الضائعة، والخطوات الخاطئة، والعجز عن اتخاذ القرار».
«هل تظن» قلت متابعاً «أن عدم وقف النظام السوري حين استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وعقد صفقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبشار الأسد، عملياً، كان إعلاناً عملياً عن بدء تضعضع الربيع العربي، وساهم لاحقاً في الاستعصاءات في المنطقة، من ليبيا وتونس إلى لبنان وسوريا واليمن، وهو ما توّج باجتياح روسيا لأوكرانيا؟».
أنهيت سؤالي بالقول: «ألا يجب عليك شخصياً، وعلى المؤسسة السياسية الأمريكية، أن تقوم بمراجعة لتداعيات ذلك القرار الخطيرة؟».
رد شوليت قائلاً: «يمكن أن أعطيك تحليلاً طويلاً حول الخط الأحمر وحول المنطقة التقليدية حول الحصول على شيء 1300 طن من الأسلحة الكيميائية من دون الحاجة لعمل عسكري أبداً، مع إمكانية وصول تلك الأسلحة إلى تنظيم «الدولة»، كان أمراً مذهلاً بكل المقاييس!».
الفوز بأطنان الكيميائي وخسارة العالم العربي
كان جواب تشيلوت مفزعاً حقاً؛ فالحكمة التقليدية التي يستخدمها عن كسب شيء كبير من دون خوض حرب يتجاهل كل النتائج الكارثية التي ترتبت على ذلك القرار، ورغم أنه يستدرك بالقول إن تنظيم «الدولة» لم يكن موجوداً حينها، لكنه لا يرى عملياً كيف أن كل السياسة الأمريكية، بدءاً من جورج دبليو بوش الذي فتح اجتياحه للعراق، وسياسات استئصال البعث وتدمير الجيش العراقي الطريق للحرب الطائفية ونشوء تنظيم «القاعدة»، وتمكين أحزاب فاسدة قضت على التغيير السلمي للنظام، وأن امتناع أوباما عن الفعل في سوريا خوفاً من المثال العراقي، أكمل، من الجهة الأخرى، تدمير المنطقة، وأطلق نيران تنظيم «الدولة الإسلامية» من العراق نحو سوريا. لقد ربح أوباما 1300 طن من الأسلحة الكيميائية لكنه دمّر سوريا، وشارك في نهاية الربيع العربي وأعطى بوتين انطباعاً أن الغرب لن يحارب إذا استخدم سلاح تدمير شامل، وهو درس قاده لاحتلال شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا، ثم أوكرانيا نفسها، مع التهديد المتكرر باستخدام السلاح النووي.
قلت له: «إذن، لا مراجعة شخصية أو عامة لموقف أوباما حينذاك»؟
«لا. لا تغيير».
«رغم أنكم تواجهون إمكانية عبور خط أحمر نووياً هذه المرة؟»
«لم نر شيئاً غير اعتيادي في مجال نقل أماكن الأسلحة النووية لكننا نراقب الأمر بتركيز شديد. نتحدث مع حلفائنا الأقرب كفرنسا وألمانيا، لكن كل الاتصالات لم تؤد إلى تراجع بوتين للأسف».
«لم نستعمل جملة خط أحمر في سياق تهديدات بوتين، فروسيا موقعة على التزامات بعدم استخدام السلاح النووي. سياستنا ما تزال: دعم الجهد العسكري الأوكراني، وقد قدمنا حتى الآن 17 مليار دولار مساعدات، وهذا يعادل ثلاثة أضعاف الميزانية العسكرية لأوكرانيا 2021، وفوق ذلك قدمنا 9 مليارات مساعدات إنسانية وتنمية. نحن واحدة من 15 دولة تقدم مساعدات في هذا الاتجاه».
«ثانياً: صرح الرئيس بايدن عدة مرات أننا سنحافظ على أقاليمنا، وسيتضمن ذلك نشر قواتنا، ولدينا الآن قوات أمريكية على الأراضي الأوروبية أكثر مما كان العام الماضي، سنرد على أي اعتداء عليها، كما أننا نعمل مع حلفائنا لنضمن مشاركتهم في كل هذه الجهود».
أشار شوليت إلى أنها ليست المرة الأولى التي يذكر فيها بوتين السلاح النووي خلال الأشهر الماضية، والرد الأمريكي في كانون الثاني/يناير الماضي من هذا العام كان التأكيد على أن حرباً نووية لا يمكن أن تربح ولا يجب أن تخاض، وأكد أن الإدارة الأمريكية أخبرت الروس مباشرة أنهم «إذا استخدموا السلاح النووي فسوف يواجهون عواقب شديدة».
أوبك وإيران وقطر
انتقلت بسؤال لشوليت حول قرار أوبك + روسيا بخفض إنتاج النفط يومياً بمعدل مليوني برميل يومياً. سألته إن كان هذا يعتبر تصويتاً من قبل حلفاء عرب لأمريكا ضد الإدارة الديمقراطية الحالية في انتخابات الكونغرس المقبلة، وعن الأوراق التي تملكها أمريكا لتعديل هذا الأمر أو احتوائه؟
الرد كان دبلوماسياً مجدداً، إذ قال إنه لا يمكن أن يتكهن دوافع للقرار، لكنه يرى أنه قرار غير حكيم وخصوصاً أن روسيا ستستفيد منه، فإن القرار لا يؤثر على السياسة الأمريكية داخلياً بل يؤثر على أوضاع العالم كله، من بريطانيا هنا وأوروبا، وأن واشنطن ستتخذ قرارات استراتيجية لتضمن إمدادات النفط في الأسواق العالمية.
بالنسبة لموضوع النووي الإيراني، فإن طهران، حسب تشيلوت، صارت لديها مسودة الاتفاق، وأنها هي التي لا تقبل توقيعها، وأنها تقوم بوضع مطالب لا علاقة لها بالاتفاق النووي، وهي مطالب رفضها حلفاؤنا في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، ويبدو أن الإيرانيين صاروا مشغولين الآن بتهدئة الأوضاع المتفجرة في شوارعهم.
بعد المزاح الصاخب الذي أثاره موضوع غوغل والشركة القطرية المالكة السابقة لبناء السفارة الأمريكية وغضبة ترامب، أخذت السؤال إلى شوليت حول تقييمه للعلاقات القطرية – الأمريكية، وخصوصاً ما تقدمه الدوحة من شغل دبلوماسي شاق في مواضيع معقدة مثل أفغانستان وإيران وفلسطين وليبيا وسوريا، وكذلك مساهمتها في حلحلة أزمة الغاز العالمية.
«علاقتنا مع قطر هي جزء مهم من سياستنا الخارجية»، قال شوليت، ثم تابع مازحاً: «لا أستطيع مع ذلك التعليق حول الشؤون العقارية بين البلدين». تابع: «لم نكن نستطيع أن نؤمن انسحاب جنودنا من أفغانستان، وكذلك في مجال مساعدة الراغبين في الرحيل من هناك لولا المساعدة القطرية، كما ساهمت الدوحة مؤخراً في عملية إطلاق الرهينة الأمريكي باقر نمازي. نقدر دائماً الدبلوماسية القطرية في العالم.