حزب ماكرون يخسر الأغلبية المطلقة وتقدم تحالف اليسار وتسونامي لوبان

 فشل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الحصول على أغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية الفرنسية، حيث حقق اليسار نتائج أكبر من التي توقعتها الاستطلاعات فيما سجل أقصى اليمين قفزة تاريخية.

وخسر تحالف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، غالبيته في البرلمان أمس الأحد بحصوله على 245 مقعدا في المجلس المؤلف من 577 مقعدا في ختام الدورة الثانية للانتخابات التشريعية، وفقا لوزارة الداخلية فجر الاثنين.

ويعني ذلك أن تحالف "معا" بعيد جداً عن النتيجة المطلوبة لضمان الحصول على الغالبية المطلقة (289 مقعدا).

فيما فاز تحالف اليسار، الذي يقوده زعيم حزب "فرنسا الأبية" جان لوك ميلانشون، بـ135 مقعدا، وحصل تحالف اليمين بقيادة مرشحة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، مارين لوبان بـ89 مقعدا، وفقا لوزارة الداخلية الفرنسية.

وبذلك، يكون حزب مارين لوبان التي واجهت ماكرون في الدورة الحاسمة من الانتخابات الرئاسية، قد ضاعف عدد نوابه خمس عشرة مرة وتجاوز السقف المطلوب لتشكيل كتلة في الجمعية الوطنية، في سابقة لم تتحقق منذ أكثر من 35 عاما.

 

وقالت مصادر إعلامية، إن خسارة ريشار فيران رئيس الجمعية الوطنية في الانتخابات التشريعية يعد انتكاسة لحزب ماكرون.

وأضافت أن كريستوف كاستاتنير وزير الداخلية السابق في حكومة ماكرون خسر في الانتخابات أيضا، مشيرة إلى أن جوستين بينا هي الأخرى خسرت في أقاليم ما وراء البحار، كما أن مجموعة أخرى من الوزراء في وضعيات صعبة وحرجة للفوز.

وذكرت وكالة "رويترز" أن الرئيس إيمانويل ماكرون في طريقه لخسارة أغلبيته المطلقة بالجمعية الوطنية، ما قد يحد من القدرة على الحكم بحرية، بعد أن أظهرت التوقعات الأولى لاستطلاعات الرأي أن تحالف الرئيس سيفوز بما يتراوح بين 205 إلى 235 مقعداً فقط، من بين 577.

وسجلت الجولة الثانية من الاقتراع إقبالاً أقل مقارنة بالدورة الأولى، وبلغت نسبة المشاركة حتى الساعة 15:00 بتوقيت جرينتش 38.11% بحسب وزارة الداخلية، في تراجع نسبته 1.31% مقارنة بالدورة الأولى قبل أسبوع، ولكن في ارتفاع مقارنة بالدورة الثانية من انتخابات 2017 التشريعية حين سجلت 35.33% في التوقيت نفسه.

وتغلق مراكز الاقتراع عند الساعة 16:00 بتوقيت جرينتش، باستثناء المدن الكبرى حيث سيستمر التصويت حتى الساعة 18:00 بتوقيت جرينتش، وعند الإغلاق ستنشر أولى تقديرات النتائج.

وتحدد نتائج الاستحقاق هامش المناورة المتاح للرئيس ماكرون في السنوات الخمس المقبلة، في مواجهة يسار موحد الصفوف ومستعد للمواجهة.

الغالبية المطلقة

وأظهرت نتائج آخر استطلاعات الرأي، الجمعة، أن الائتلاف الوسطي "معاً!" بقيادة الرئيس الفرنسي سيفوز، من دون أن يكون مؤكداً حصوله على الغالبية المطلقة أي 289 نائباً من أصل 577 في الجمعية الوطنية، وهي عتبة لا بد منها لإنجاز سياسته والإصلاحات المعلنة.

وفي حال حصوله على غالبية نسبية، سيضطر إلى البحث عن دعم ضمن كتل سياسية أخرى لتمرير مشاريع القوانين التي يقترحها.

 

في الدورة الأولى، حلت الغالبية الحالية في المرتبة الأولى مع حصولها على 26% من الأصوات، مسجلة نتيجة متقاربة جداً مع تحالف اليسار (نوبس) بقيادة جان لوك ميلانشون.

ونجح هذا الأخير في رهانه جمع شمل الاشتراكيين والمدافعين عن البيئة والشيوعيين، إلى جانب حركته "فرنسا الأبية" التي تنتمي إلى اليسار الراديكالي.

ويسعى اليسار الموحد للمرة الأولى منذ عقود إلى فرض "مساكنة" على رئيس الدولة، لكن أرجحية فوزه في الاستحقاق ضئيلة، إلا أنه بات مؤكداً أن اليسار سيشكل أكبر تكتل معارض في الجمعية الوطنية، علماً بأن هذا الدور كان إلى الآن يضطلع به اليمين.

"فرنسا أوروبية"

وفي المرحلة الأخيرة قبل الاقتراع، سعى ماكرون الذي زار كييف للمرة الأولى الخميس، إلى التشديد على أهمية الرهان، بقوله إن النزاع في أوكرانيا يؤثر على حياة الفرنسيين اليومية، مشدداً على "الحاجة إلى فرنسا أوروبية فعلاً يمكنها الحديث بصوت واضح".

وتحدث عن التهديد الذي يشكله "المتطرفون" الذين إن فازوا في الانتخابات، سيزرعون "الفوضى" في البلادمتهماً إياهم أيضاً بالعزم على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

ويضع هذا الاقتراع حداً لسلسلة انتخابات طويلة شهدتها فرنسا، أظهّرت مشهداً سياسياً جديداً في البلاد يتركز حول 3 كتل رئيسية على حساب الأحزاب التقليدية، كان بدأ يرتسم مع انتخاب ماكرون رئيساً في 2017.

وفي مركز اقتراع في ليون (وسط) قال فاجنر تيو البالغ من العمر 39 عاماً، وهو مطوّر تطبيقات إلكترونية يرافقه ابنه، إنه "نسي أن يصوت" في الدورة الأولى بسبب "عدم متابعتي للحملة".

وبإحدى ضواحي باريس، قال المستشار نسيم جلالي البالغ من العمر 32 عاماً إنه لم يصوت في انتخابات عامة منذ عام 2012، موضحاً "أنا أصوت فقط في الانتخابات البلدية لأن رئيس البلدية يحقق للمدينة أشياء ملموسة".

وتوجه الفرنسيون إلى صناديق الاقتراع ما لا يقل عن 4 مرات في غضون سنتين، في أجواء توتر بسبب أزمات متتالية لا سيما جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا والتضخم والتهديدات التي تحدق بالاقتصاد.

أما الرهان الثاني في انتخابات الأحد، فهو صعود اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبن، التي بلغت الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في عامي 2017 و2022.

 

ويأمل حزبها التجمع الوطني الحصول على 15 نائباً لتشكيل كتلة في الجمعية الوطنية. في حال تحقق ذلك ستكون المرة الثانية فقط التي يتمكن فيها الحزب من تشكيل كتلة في تاريخه.

أما اليمين التقليدي فيعول على الحصول على 60 نائباً تقريباً. وللمفارقة قد يؤمن له ذلك تولي دور الحكم في الجمعية الوطنية المقبلة.

وأظهرت أولى النتائج الواردة من مقاطعات ما وراء البحار خسارة سكرتيرة الدولة لشؤون البحار جوستين بينان في جوادلوب، أمام مرشح اليسار كريستيان باتيست.

وتطبيقاً لقاعدة غير مكتوبة بدأ ماكرون تطبيقها في عام 2017، سيتعين على بينان التي عيّنت مؤخراً التخلي عن منصبها الحكومي.

ويمكن أن ينطبق هذا الأمر على وزراء آخرين بينهم كليمان بون (وزير شؤون أوروبا) وأميلي مونشالان (التحول البيئي) والأمين العام للحزب الرئاسي ستانيسلاس جيريني (الخدمات العامة)، الذين يخوضون منافسات محتدمة في مواجهة اليسار في منطقة باريس.

وأظهرت توقعات أولية لمؤسسات بارزة لتنظيم استطلاعات الرأي أن الانتخابات التي جرت اليوم الأحد ستفضي إلى برلمان معلق.

 وحقق حزب التجمع الوطني اليميني اختراقا كبيرا عبر حصوله على ما بين 60 و100 مقعد في الجمعية الوطنية، وفق توقعات أولى.

وبذلك، يكون حزب مارين لوبن التي واجهت إيمانويل ماكرون في الدورة الحاسمة من الانتخابات الرئاسية، قد ضاعف عدد نوابه خمس عشرة مرة وتجاوز السقف المطلوب لتشكيل كتلة في الجمعية الوطنية، في سابقة منذ أكثر من 35 عاما.

وأشاد الرئيس بالوكالة للتجمع الوطني اليميني المتطرف بالنتيجة التي حققها حزبه الاحد في الانتخابات التشريعية الفرنسية، معتبرا أنها "تسونامي".

وقال جوردان بارديلا لقناة "تي اف1" "إنها موجة زرقاء في كل أنحاء البلاد. إن أمثولة هذا المساء أن الشعب الفرنسي جعل إيمانويل ماكرون رئيس أقلية".

وفي حال تأكدت التوقعات، فإن هذا الوضع غير المعتاد في فرنسا، يتوقع له أن يزيد مناورة ماكرون السياسية، صعوبة.

كما يتوقع أن يصبح تحالف جديد- يضم اليسار المتشدد والاشتراكيين والخضر- قوة المعارضة الرئيسية بـ 150 إلى 200 عضو في البرلمان.

من المتوقع أن يؤدي الأداء القوي للائتلاف اليساري، بقيادة تحالف الزعيم اليساري المتشدد جان لوك ميلونشون، إلى زيادة صعوبة تنفيذ ماكرون للأجندة التي أعيد انتخابه فيها في مايو، بما في ذلك التخفيضات الضريبية ورفع سن التقاعد في فرنسا من 62 إلى 65 عامًا.

وستظل حكومة ماكرون تتمتع بالقدرة على الحكم، ولكن فقط من خلال المساومة مع المشرعين. يمكن أن يحاول الوسطيون التفاوض على أساس كل حالة على حدة مع مشرعين من يسار الوسط ومن الحزب المحافظ - بهدف منع نواب المعارضة من أن يكونوا كثيرين بما يكفي لرفض الإجراءات المقترحة.

ويمكن للحكومة أيضًا في بعض الأحيان استخدام إجراء خاص ينص عليه الدستور الفرنسي لاعتماد قانون بدون تصويت.

حدث وضع مماثل في عام 1988 في عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران، الذي كان عليه بعد ذلك طلب الدعم من الشيوعيين أو الوسطيين لتمرير القوانين.

ومرة أخرى، حسمت هذه الانتخابات البرلمانية إلى حد كبير من خلال لامبالاة الناخبين - حيث بقي أكثر من نصف الناخبين في منازلهم.

disqus comments here