شيرين أبو عاقلة.. نقلت الحقيقة في حياتها وقلبت الوقائع باستشهادها

شاء العدو "الإسرائيلي" الغاشم ألا تسلم الإعلامية الشهيرة من رصاصة غدره، لا بل تمادى ليحاول اغتيالها مجدداً باستهداف نعشها وحملته من الشبان الفلسطينيين الذين أبوا ألا يتركوا هذا النعش، وأصروا أن يزفوا الشهيدة بالطريقة التي تليق بها وبتضحياتها في سبيل القضية، بحسب ما قال الشاب عمر أبو خضير من بلدة شعفاط، أحد حراس النعش الأشاوس، الذي تم اعتقاله لاحقاً وتوجهت إليه تهمة الإنضمام لمجموعات إرهابية.
لقد نال هؤلاء الشبان ما نالهم من ضرب همجي بالهراوات وتنكيل طال الأيدي والأرجل والرؤوس والبطون، في محاولة من جيش الاحتلال لثنيهم عن المشاركة في تشييع شعبي للشهيدة. فما كان من الشبان إلا أن صمدوا ومنعوا النعش من ملامسة الأرض، صموداً لا نشهد له مثيلاً إلا عند شبابنا الفلسطيني، أصحاب الحق.
تم إخراج النعش من مستشفى القديس جوزف بالسيارة المخصصة للجنازة. وقد سعت قوات الاحتلال بكل ما أوتيت من حقد وجبروت لمنع أي مرافقة شخصية للنعش أو حتى لرفع الأعلام الفلسطينية، ليتفاجأ المشاهد بإخراج النعش من القدس القديمة بجنازة شعبية مهيبة شارك فيها مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين ملأوا أزقتها الضيقة. وبعدما تم منع الشبان والشابات عنوةً من رفع العلم الفلسطيني أمام المستشفى، ارتفعت الأعلام الفلسطينية وغطت شوارع القدس العتيقة، ورفرفت في سماء هذه المدينة المحتلة التي احتضنت شوارعها أبناء فلسطين في مشهدٍ أحب أن أصفه بأنه تجربة أداء لعودتنا الحتمية قريباً.
بالنسبة لغالبية القنوات والصفحات الإعلامية الغربية فإن ما حصل أمام المستشفى الفرنسي لم يتعد كونه "تدافع" في محاولة وقحة منهم لتزوير الحقيقة وإظهار القوات "الإسرائيلية" في موقف الدفاع عن النفس. وتعدت وقاحتهم الحد لتصف هجوم قوات الإحتلال على حملة النعش بأنه "إندلاع عنف" لا هجوماً متعمداً منهم.
بطبيعة الحال فإن هذا الإعلام هو جزء من آلة الدعاية والتسويق المتواطئة مع المشروع الصهيوني الإستعماري وسبباً في إستمراريته لا بل وجوده، لا سيما من خلال تخدير الرأي العام العالمي بالتعمية المقصودة على قضية فلسطين وتشويه الأخبار وقلب وتزوير الحقائق. إلا أننا نعيش الآن في زمن الثورات الإلكترونية والبرمجيات التي توصل الأخبار الى هواتفنا الذكية، بغض النظر عن متابعتنا للقضية او لا.
لقد كان لوسائل التواصل الإجتماعي دوراً أساسياً في انقلاب الرأي العام الدولي (عن الشعوب أتكلم), وتسليط الضوء على حقيقة ما يجري في الأرض المحتلة من شعوذة وعدوان ضد الحجر والنبات والبشر, الأحياء منهم والأموات. إذ قام العديد من الناشطين والمشاركين في الجنازة بنقل مباشر لوقائع الإعتداء على حملة النعش وما ترافق من اعتقالات طالت بعض الصحفيين أثناء أدائهم لواجبهم المهني في تغطية الجنازة.
وقد اندهشت صراحةً للكمّ الهائل من التعليقات من متابعين أمريكان، أوروبيين, وآسيويين، إستنكروا بشاعة الحدث، وتساءلوا أين منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة مما يحصل؟.. لا بل تجاوزوا التساؤل للقيام بذكر هذه المنظمات في تعليقاتهم لضمان وصول المنشور الى حساباتهم الالكترونية، وقام البعض بالطلب من رؤساء دولهم بوقف تمويل دولة "إسرائيل" على حساب الشعوب.
لطالما شهدنا تعاطفاً من قلة من الأفراد وبعض الناشطين في دول العالم، إلا أن استشهاد شيرين أبو عاقلة الذي تزامن مع ذكرى النكبة في 15 أيار، ساهم رغم قسوته في إعادة قضية الشعب الفلسطيني الى دائرة الضوء عند فئة كبيرة من أهل الغرب المغيبين عمداً عن قضايا "الشرق الأوسط"، وبخاصة القضية الفلسطينية. وسلّط الضوء في العالم الإفتراضي وعلى وسائل التواصل الإجتماعي، وبالأخص الإنستغرام على هذا الجزء البعيد من العالم، ليثير أسئلة عديدة عند الأجيال المعاصرة حول دور دولهم في دعم المحتل الطاغي وتهميش الفلسطيني، الضحية.
لم تخلو مسيرات ووقفات التضامن في يوم ذكرى النكبة من مضايقات الشرطة للمشاركين، إن من حيث محاصرتهم للبقاء في أماكن تجمعهم، ومنع وعرقلة وصول المزيد من المواطنين المتضامنين من الإنضمام إليهم, أو من حيث منع رفع العلم الفلسطيني، او حتى لبس الكوفية، وهو ما حصل في برلين بألمانيا. بحيث تعلق شابة ألمانية على منشور على صفحة "عين على فلسطين" بقولها: "أنا آسفة. أشعر بالخزي من بلدي ألمانيا. أنا أدعم الفلسطينيين. أنتم تستحقون أفضل من هذا".
ويعلق أحد الإنكليز قائلاً: لقد تغير الوضع كلياً الآن. "أنا أعتقد بأن التغيير قادم طالما أن الناس أصبحت تهتم، وبعد أن رأى العالم المشاهد الوحشية كما حصل في الهجوم على النعش في الجنازة. إبقوا متيقظين".
شاب أمريكي علّق قائلاً: "ماذا تفعل القوات "الإسرائيلية" في المستشفى؟ ما هو عملهم هناك؟ إنهم إحتلال فعلاً، وللفلسطينيين الحق في الدفاع عن أنفسهم".
أما شابة كندية فعلّقت بأنه "عار على كندا أن تستمر بدعم هذه الجرائم ضد الإنسانية".
وتشابهت التعليقات بين مستنكر ومتعاطف، لنستخلص أن صاحب الحق على أرضه وفيها سلطان، وبأنه لا بد للقيد أن ينكسر.
يكتمل المشهد يوم ذكرى النكبة الذي أحياه الألوف من اللاجئين حول العالم يوم الأحد الواقع في الخامس عشر من أيار، بمشاركة العديد من الناشطين الأجانب. قامت عدة دول مثل ألمانيا (برلين) والمملكة المتحدة (لندن) بقمع التحرك وانهته باعتقال عدد من الناشطين الذين ارتدوا الكوفية وحملوا علم فلسطين.
أما في الولايات المتحدة الأميركية (مانهاتن ونيويورك) فقد قامت الشرطة الأميركية بإنذار المشاركين عبر مكبرات الصوت وتطويقهم في محاولة لفض النشاط ومنع المزيد من المتضامنين من الانضمام لرفاقهم في القضية.
لكل ما حصل دلالة على أن استشهاد شيرين أبو عاقلة قد أعاد القضية الفلسطينية الى الضوء من جديد، وأن قمع الأنشطة التضامنية حول العالم هو تعبير عن حجم خوف حكومات هذه الدول من انتفاضة شعوبهم ومطالبتهم بالوقوف ولو إنسانياً بجانب فريق الحق الفلسطيني، وهو ما ترفضه سياسة هذه الدول علناً. تماماً كما هو الحال في أميركا اليوم, ومجاهرة الرئيس جو بايدن علناً بأنه لا يعلم ما حصل تحديداً في قضية الإعلامية شيرين أبو عاقلة، لكنه "يظن" أنه يجب فتح تحقيق في الموضوع.
إنتهى بيان الأمس، نوافيكم دائماً بالجديد.
*كاتبة فلسطينية – الولايات المتحدة الأمريكية