مخطط دولة الاحتلال.. الأقصى في «عين العاصفة»

بات واضحا و«مكشوفا»، أن ما يتعرض له المسجد الأقصى من استباحات سياسية وميدانية غير مسبوقة، مع إطلاق العنان لغلاة المستوطنين وممثليهم في الحكومة و«الكنيست» لاستباحة الحرم القدسي، يعد ترجمة لنوايا مبيتة للاستيلاء على الحرم القدسي أو تقسيمه..ويمثل حلقات متصلة من عملية التهويد المستمرة والمتصاعدة للقدس.

 

وبالضرورة أيضا لم تهدأ حركة التربص بالمسجد الأقصى.. وتواصلت موجات الاقتحامات العدوانية، وعملياتها  تتدافع في تلاحق لا يحده شيء ؟! وكل المحاذير قائمة، لايستطيع أحد أن يحسب مداها أو حجم تأثيرها وسرعته!!، فالرغبة لديهم محمومة، والاقتحامات والاعتداءات المتواصلة لا تخفي «الهدف الأكبر» من العمليبات المتوازية التي تجري تحت جدران المسجد الأقصى القائم حاليا على شبكة من الأنفاق والحفريات..حتى يصبح إنهيار الأقصى«حدثا طبيعيا»، لتبدأ خطوات بناء الهيكل المزعزم.

أوهام «أسطورة الهيكل»

 

والخطوات التدريجية تتصاعد.. شهر بعد شهر.. وعام بعد عام.. على التوالي.. وفي خريف 2007 قامت منظمة «معهد الهيكل» بنصب شمعدان ذهبي أطلقت عليه اسم «شمعدان الهيكل» قبالة باب المغاربة بالقرب من الجهة الغربية للمسجد الأقصى المبارك.. الشمعدان كان قد وضع سابقا في أحد شوارع البلدة القديمة في القدس، ثم أجرت المنظمة الصهيونية إضافات عليه بتكلفة 100 ألف دولار، وقامت بنصبه على موقع ظاهر وعال يقابل المسجد الأقصى من الغرب.. تمت صناعة الشمعدان من الذهب الخالص بوزن 45 كيلو جراما من عيار 24 قيراطا وبتكلفة 3 ملايين دولار )بأسعار العام 2007(.. وتعترف جماعة «معهد الهيكل» بوضع «شمعدان الهيكل» بالقرب من المسجد الأقصى في خطوة عملية أخرى على طريق بناء الهيكل الثالث، وإنهم تعمدوا نصب هذا الشمعدان في موقع يحجب رؤية المسجد الأقصى وقبة الصخرة، إستعدادا لنقله إلى داخل الهيكل بعد بنائه !!

  • ومنذ أن برزت طلائع الحركة الصهيونية في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وحين بدأت الأحلام تدفعها الأوهام باتجاه فلسطين..ومنذ سنوات الاحتلال ولا يزال السؤال قائما: إلى متى ينتظر المسجد الأقصى المدد العربي والإسلامي قبل انهياره ؟!

التاريخ بكشف أوهام الأساطير

 

وتسجل حوافظ التاريخ ، أنه مع الأيام الأولى من الفتح الإسلامي، شهد المسجد الأقصى أعمال حفر قام بها الخليفة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، في القدس عام 15 هـ / 636 م، باحثا عن أساس موقع المسجد الأقصى والصخرة المقدسة، حيث كان الموقع مطمورا بالأتربة التي تكاد تخفي معالمه، وعند رفع الأتربة كان المكان خاليا تماما من بقايا أي مبان سابقة، وأمر الخليفة عمر بن الخطاب بإقامة مسجد بموضع المسجد الأول، وأقام ظلة من الخشب فوق الصخرة المقدسة.. وفي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان تم بناء قبة الصخرة فوق الصخرة المقدسة عام 72 هـ / 691 م، ثم بنى الخليفة الوليد بن عبد الملك المسجد الأقصى عام 86 هـ / 705 م .

رصد خراج مصر لمدة 7 سنين لبناء مسجد الصخرة

 

ويتفق المؤرخون العرب على أن قصة بناء مسجد الصخرة بالقدس الشريف، بدأ بدعوة المهندس العربي المقدسي ( يزيد بن سلام ) إلى مجلس الخليفة عبد الملك بن مروان في مدينة القدس، وفاتحة الخليفة بما كان يشغل ذهنه في تلك الأيام من أمور العمران، واقترح «يزيد بن سلام» أن السبيل إلى ذلك هو الاهتمام بالمكان الذي أسرى الله فيه بعبده ورسوله من المسجد الحرام.. وأقر الخليفة الأموي الرأي وأمر ببناء مسجد الصخرة بالقدس الشريف، ولم يناقش في النواحي الفنية التي يستلزمها ويتطلبها مثل ذلك المشروع الضخم، ولكنه أفاض في ذكر الاهتمام بالمقدسات وحفظ تراثها من الضياع،

  • وأمر برصد خراج مصر لسبع سنين في سبيل بناء مسجد الصخرة في القدس..وورد في كتب التراث، أن أحد المختصين بنفقات المشروع جاء لينبئ الخليفة عبد الملك ، بأنه قد تبقى وفاض من المبالغ المخصصة لبناء المسجد مائة ألف دينار، فأمر الخليفة عبد الملك أن تسبك ذهبا وتفرغ على القبة والأبواب .

أبواب المسجد الأقصى

 

ويقول القرطبي: «إن من أبواب الأقصى: باب داود، وباب سليمان، وباب حطة، وباب محمد عليه الصلاة والسلام، وباب التوبة الذي تاب الله عز وجل على داود فيه، وباب الرحمة، وأبواب الأسباط 6 أبواب، وباب الوليد، وباب الهاشمي، وباب الخضر، وباب السكينة، وكان فيه من العمد ستمائة عمود من رخام، وفيه من المحاريب سبعة، ومن السلاسل للقناديل أربعمائة سلسلة إلا خمسة عشر، منها مائتا سلسلة وثلاثون سلسلة في المسجد الأقصى والباقي في قية الصخرة الشريفة، وذرع السلاسل أربعة آلاف ذراع، ووزنها ثلاثة وأربعون ألف رطل بالشامي ، وفيه من القناديل خمسة آلاف قنديل، وكان يسرج مع القناديل ألفا شمعة في ليلة الجمعة وفي ليلة النصف من رجب وشعبان ورمضان وفي ليلتي العيدين، وفيه من القباب خمسة عشر قبة سوى قبة الصخرة، وعلى سطح المسجد من شقف الرصاص سبعة آلاف شقفة وسبعمائة، ووزن الشقفة سبعون رطلا بالشامي غير الذي على قبة الصخرة، وكل ذلك عمل في أيام عبد الملك بن مروان، ورتب له من الخدم القوام ثلثمائة خادم اشتريت له من خمس بيت المال، كلما مات منهم واحد قام مكانه ولده أو ولد ولده أو من أهلهم، يجري عليهم ذلك أبدا ما تناسلوا، وفيه من الصهاريج أربعة وعشرون صهريجا كبارا، وفيه من المنابر أربعة، ثلاثة منها صف واحد غربي المسجد، وواحدة على باب الأسباط.

مساحة المسجد الأقصى

 

تبلغ مساحة المسجد الأقصى نحو سدس مساحة القدس المسورة ، وهو على شكل مضلع غير منتظم ، طول ضلعه الغربي 491 مترا ، والشرقي 462 مترا ، والشمالي 310 مترا ، والجنوبي 281 متر ، وهذه الحدود لم تتغير منذ وضع المسجد أول مرة كمكان للصلاة ، بخلاف المسجد الحرام والمسجد النبوي اللذان تم توسيعهما عدة مرات.. والمسجد الأقصى، هو اسم لكل ما دار حول السور الواقع في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من المدينة القديمة المسورة، واسم المسجد يطلق على الساحة كلها.. ويعد كل من مسجد قبة الصخرة والجامع القبلي من أشهر معالم المسجد الأقصى التي يصل عددها إلى 200 معلم ، وتقع قبة الصخرة وسط الحرم القدسي، وشيدت هذه القبة للحفاظ على الصخرة المقدسة من العوامل الجوية المتغيرة، سنة 72 هـ.

  • والمسجد الأقصى يقع في الجزء الجنوبي من الساحة الكبيرة، وله أربع مآذن هي : مئذنة باب المغاربة الواقعة في الجنوب الغربي، ومئذنة باب السلسة الواقعة في الجهة الغربية، ومئذنة باب الغوانمة الواقعة في الشمال الغربي، ومئذنة باب الأسباط الواقعة في الجهة الشمالية .

أسماء المسجد الأقصى

 

وفي كتابه (حضارة العرب)، تحدث المؤرخ الفرنسي«غورستاف لوبون» عن إنشاءات المسجد الأقصى وترميماته، وذكر أنه تصدّع وتهدّمت بعض جدرانه نتيجة الزلزال، ثم جددّ بناؤه في سنة 785 م ، كما رممّه صلاح الدين في سنة 583 هـ الموافق 1187 م، ثم جددّ في القرن الخامس عشر بعض أجزائه .. ويقول «غورستاف لوبون» : (يحتوي المسجد الأقصى على محراب أنيق بالفسيفساء، وتدل كتابته على أن صلاح الدين هو الذي أنشأه، ويعود زجاج نوافذه التي تعلو محرابه إلى القرن السادس عشر من الميلاد).

 

وعن أسماء المسجد الأقصى يقول الإمام الفقيه جلال الدين السيوطي في كتاب «إتحاف الأخصا في فضائل المسجد الأقصى»، أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، وجمعت في ذلك سبعة عشر إسما وهي من النفايس المهمة : المسجد الأقصى، وسمى الأقصى لأنه أبعد المساجد من المسجد الحرام التي تزار ويبتغي بها الأجر..وقيل لأنه ليس وراه موضع عبادة .. وقيل لبعده عن الأقذار والخبائث.. وروى أن عبد الله بن سلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما تلى قوله تعالى : (إلى المسجد الأقصى ) ولما سماه الأقصى؟ قال لأنه وسط الدنيا لا يزيد شيئا ولا ينقص. قال صدقت.. وبمعنى ( الأقصى ) تضاف كلمة (مسجد) إلى أكثر أسماء القدس، فيقال مثلا مسجد إيلياء، ومسجد بيت المقدس، ومسجد القدس، والمعنى هو ( الأقصى) .

قراءة في الشواهد والحقائق

 

  • والقراءة الأولى للمصادر والحقائق التاريخية، تسجل مكانة وقدسية المسجد الأقصى في العقل والضمير والوجدان العربي والإسلامي.. وهي «قدسية» تلامس جغرافية وتاريخ الموقع ، ومنذ بشائر الرسالات السماوية الأولى بعد أن وطأ آدم بقدمه على الأرض، ثم ترسخت مع الزمن بشواهد ووقائع وأحداث لها دلالاتها وأحكامها ومعانيها على مسار التاريخ، وفوق الأرض التي بارك الله حولها.
  • والقراءة الثانية المتأنية تكشف أن التربص بالمسجد الأقصى، يفصح بعبارة صريحة وفعل مباشر، بأن «الأقصى هو العائق الوحيد أمام تحقيق نبؤات العقيدة بإعادة بناء هيكل سليمان، تحقيقا للإستقراءات الوهمية للأساطير».. وأيضا تجسيدا للرغبة التي أعلن عنها، تيودور هرتزل، مبكرا بأنه « إذا حصلنا يوما على القدس وكنت لا أزال حيا وقادرا على القيام بأي شيء، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسا لدى اليهود، وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون !! »..
disqus comments here