عائلة كممجي.. حكاية فلسطينية تعانق حب الوطن

أحبت الوطن فأحبها من سكن فوق ترابه، وعشق أبناءها فلسطين وحلموا بالحرية التي لم يرونها بعد بسبب عدو إسرائيلي لا يرحم، فاعتنقوا الكوفية واستوطنت عقولهم حمل السلاح للدفاع عن كرامتهم، وأرضهم التي سلبت منذ عقود.
عائلة الكممجي من بلدة كفر دان في مدينة جنين، هي إحدى العائلات التي ضحت وما زالت من أجل الوطن، ليسقط أحد أبطالها شهيداً في معركة جنين المستمرة، وآخر سجل اسمه التاريح بحفر نفق بمعلقة وضعت هيبة الجيش الذي يسمى نفسه بأنه لا يقهر، داخل حفرة صرف صحي.
فؤاد نايف كممجي 56 عاماً، أب لـ(7) من الأبطال وهم "أيهم، عماد، محرم، والتوأم عهد ومجد، وشأس"، فمنهم من غادر الدنيا ليلحق بأمه التي توفيت في مارس لعام 2019 عندما كان "أيهم وعهد" داخل السجون، وآخر يقبع خلف قضبان الاحتلال الظالمة، وبقيةً مطاردين للاحتلال الإسرائيلي تحت تهمة حب الوطن.
تعرض أبا أيهم، لعشرات المقابلات العقابية والمهينة من الاحتلال الإسرائيلي ومخابراته.
استشهاد شأس
خلال حديث ابا أيهم قال: إنّ قوات الاحتلال تواصل ملاحقة أبناءه الذين يناطحون الصعاب ويقارعون أجراس الحرية، حيثُ قامت باغتيال أحدهم وهو شأس البالغ من العمر 29 عاماً متزوج ولكن لم يرزق بالأطفال".
وتابع الكممجي ، أنّه تلقى استشهاد شأس بتاريخ الـ14 من الشهر الجاري، مع وقت الضحى حيثُ تم اخباره بأنه مصاب، وعندما ذهب إلى المستشفى فكان الأطباء يجرون تنفس صناعي له، وحينها أدركت بصعوبة وضعه الصحي".
ويكمل حديثه قائلاً: "بعد نصف ساعة من إصابته، أعلن الأطباء عن استشهاد شأس، وحينها قلت "الحمدلله".
وتابع، عندما اشتريت أرض لأبنائي في مكان غير المنطقة التي أسكن فيها وتبعد عنها حوالي 2 كيلومتر، فرفض شأس أن يسكن بعيداً عني، وطلب مني أن يبقى في نفس البيت، وعندما استشهد وفي النظرة التي ودعته بها عاتبته كثيراً لأنه تركني بعد أن صمم بالبقاء معي، لماذا ذهب وتركني".
وشدد ، "تزوجت بعد وفاة أم أيهم بسبب شأس ومجد، ولأنني لم أرزق بالاناث والبيت الذي لا يوجد به إناث، فأردت أن يكون أنثى بيننا".
أيهم.. وضع هيبة جيش الاحتلال في حفرة صرف صحي
أيهم 35 عاماً، اعتقل من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 4/7/2006، لعدة تهم كان أبرزها خطف مستوطن اسمها "إلياهو بن نحاش أشيعي"، وهو من سكان مستوطنة ايتمار، والذي تم خطفه في حرب شاليط بغزة، وهددوا بقتله إن تم اجتياح القطاع وبعد 3 أيام تم قتله في الطيرة، واعتقل في منطقة البالوع في البيرة بالضفة المحتلة.
تنقل الكممجي بحسب حديثه سابقاً مع شقيقه المحرر "عهد"، من مركز المسكوبية في القدس، إلى سجن عسقلان وبئر السبع، ومن ثم إلى ريمون ونفحة، وأعادوه إلى هداريم ثم لجلبوع وريمون.
وفي ريمون قال المحرر الذي التقى بأخيه داخل السجون بعد اعتقاله من قبل جيش الاحتلال، بعدها تم إعادة الكممجي أيهم، إلى بئر السبع، ومن ثم إلى جلبوع مرة أخرى حتى وقوع علمية نفق الحرية.
وأكد عهد في حديثٍ خاص ، أنّ أيهم مكث أكثر فترة له في سجن ريمون ولمدة 10 سنوات تقريباً لفترات متقطعة، وبعدها بسجن جلبوع.
بدأ البطل الكممجي، حياته بالإطار الطلابي لحركة الجهاد ومن ثم انضم لصفوف الحركة وبعد ذلك أصبح عنصراً في جناحها العسكري سرايا القدس، وفي الثانوية العامة قرر تنفيذ عملية استشهادية في بيسان وهو يحمل في مركبته متفجرات تقدر بـ(200) كيلو، ولكن لم ينجح بذلك وعاد إلى مدينة جنين وبعد 3 ايام اقتحمت قوات الاحتلال بقوة منزله بحثاً عن أيهم وتم مطاردته لمدة 15 يوماً.
حينها توصلت السلطة الفلسطينية، مع الاحتلال أن يتم أخذ أيهم لحمايته وبقي لمدة عام ونصف في سجن أريحا، وهرب مع الشهيد محمود كميل من قباطية، وهو نجى من محاولة اغتيال من الاحتلال وعادت السلطة واعتقلته في رام الله حتى تم اعتقاله عام 2006.
ويضيف عهد ، أحد ضباط الاحتلال اسمه هارون قال لأيهم أنا أريد أن أقتلك وليس اعتقلك وسألقيك من أعلى عمارة في رام الله، وبعد ذلك أيهم من محاولة اغتيال، وهناك صديقه الشهيد خليل الذي حماهم بنفسه وتم اطلاق النار عليه حتى استشهد وحينها قرروا خطف المستوطن وبعد 3 أيام قتلوه، ولكن أيهم أصيب برصاص في الركبة آنذاك.
وشدد، تم اعتقال أيهم في منطقة البالوع برفقة شاب اسمه حمزة طقطوق من نابلس وبسام قديح من غزة ويسكن في رام الله وكان جيش الاحتلال يريد تصفيتهم تصفية ميدانية ولكن شرين أبو عاقلة غطت حينها الحدث وبسبب التغطية الإعلام لم يتم اعدامهم أمام الشاشات وتم اعتقالهم ونقلهم لمركز التحقيق.
عهد المطارد
تلقى أيهم خبر استشهاد شأس، بقوة ايمان وصبر، فهو يخزن بداخله كثيراً وهذه صفة الرجال بأن يكون ما بقلبه لا يعلمه سوى الله، وهو مثلي تماماً، في قلبي نار تشتعل على فراق فلذة كبدي وآخر في السجن لم أحتضنه منذ زمن، وثالث مطارد لا أعرف مصيره أين سيكتب".
وحول عهد المطارد، أوضح الأب الفلسطيني الذي كتم في قلبه الكثير الكثير ولكنه حاول الحديث معنا بصلابة الرجال وعنفوان الشجاعة، أنا استودعت الله به وبأولادي جميعا وبمن أحب".
ونوه، لا أعترض على حكم الله، وما يعيطينا الله فأنا قابل به وأحمده عليه دائماً مهما كان".
رسائل وشكر
وفي رسالة وجهها لأبنائه، قال الكممجي الفذ، أقول لهم دائماً، ساعدوني بأن أوصل الأمانة إلى ربي كما يحب، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، واذا قلت لهم ضئ لا يرضي الله فلا تقومون به".
كما وجه رسالته للأسير أيهم قائلاً: أنت الثمرة الأولى، وبك كل المذاقات، ولا يوجد اثنين أو ثلاثة بهم نفس المذاق، لكنك تواجدت في كل هذه المذاقات، فأنا راضٍ عنك، وأتمنى أن يفرج الله كربك، وذكرك مرفوع بين الناس ورسالتك وصلت لهم".
ولشعبنا الفلسطيني أشار الكممجي في رسالته، أنّنا سنرى الحرية يوماً مهما طال الزمن، فلا تخافوا لأنّ الله معنا، ومهما صعب الأمر فنهايته جميلة لنا".
وقدم شكره للشعب الفلسطيني، بكل أطيافه وفصائله من وقف مع عائلة الكممجي ومن لم يقف معها في جميع ظروفها.
اذن.. ما زال تراب فلسطين يرتوي بدماء رجالها، الذين عاهدوا الله بأن يكونوا الدرع الحامي لها، فعائلة الكممجي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة من العائلات التي ضحت وستضحى من أجل الكرامة، وتحرير القدس ورفع علم فلسطين فوق مآذنها.