الجيش الإسرائيلي يواجه صنفاً جديداً من "الفدائيين"

بات مصطلح "الذئاب المنفردة" هو الأكثر تداولاً بين الخبراء والمحللين العسكريين الإسرائيلين، بعد سلسلة من الهجمات التكتيكية التي نفذها شبان فلسطينيون خلال الأسابيع الأخيرة في مدن عدة داخل الخط الأخضر، وذلك بعد فشل التوقعات الأمنية في تحديد شكل رد الفعل على الانتهاكات والممارسات الإسرائيلية اليومية تجاه الفلسطينين، إضافة الى حسابات أمنية وسياسية خاطئة.
فبحسب تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، تغيرت الصورة المألوفة للفدائي الفلسطيني وبرز صنف جديد من المقاومين الذين لا ينتمون الى أي تنظيم حزبي سياسي أو عسكري، يحتقر السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية القائمة وتحركه كراهيته لإسرائيل".
وكتبت الصحيفة الإسرائيلية بحسب تقرير نشر في صحيفة النهار العربي للصحفية مرال قنيطة: "هكذا كان منفذاً عملية بني براك وشارع دزينغوف، ما جعل المنظومة الأمنية الإسرائيلية برمتها تستعد لمواجهة عدو مجهول، جزء من هذا الاستعداد هو عودة الجيش الإسرائيلي الى الواجهة بعد سنوات عديدة من عدم الانخراط في أمن الجبهة الداخلية، حيث تحملت الشرطة وحرس الحدود المسؤولية عن ذلك، فيما يستكمل الجيش حالياً عمل هيئة الأركان لإنشاء سرايا احتياط لتأمين الطرق والمحاور. يعود الجيش الى الصورة ربما متأخراً فقد تغيرت المعادلة".
رغم محاولات الإعلام الإسرائيلي تصوير الشبان الفلسطينيين الذين نفذوا العمليات الأخيرة بأنهم عانوا من مشاكل مادية أو اجتماعية او نفسية، إلا أن أصدقاء مقربين من عائلتي رعد حازم منفذ هجوم شارع دزينغوف من مخيم جنين، وضياء حمارشة منفذ هجوم بني براك من بلدة يعبد جنوب غربي جنين في الضفة الغربية أكدوا لـ"النهار العربي" عكس ذلك تماماً، فرعد حازم (29 عاماً) والده كان عسكرياً برتبة عقيد في الأمن الوطني الفلسطيني، والشاب كان معروفاً على مستوى مخيم جنين بذكائه الخارق وقدرته على التعلم على أنظمة وبرمجيات الحاسوب بمفرده، كان هاكر محلياً وخبيراً في الحماية السيبرانية، وكان يطلق عليه "سايبر جنين"، إضافة الى أن حالته المادية كانت جيدة وتمكن من شراء شقة. كان لطيفاً هادئاً جداً، تصعب ملاحظته بين الشبان الاخرين اذا حضر، والأكثر صعوبة هو ملاحظة غيابه، خلال السنوات الأخيرة كان من الشبان المتحمسين لتداول العملات الإلكترونية "البيتكوين" على مستوى المنطقة، لكن الجميع يشهد بتربيته العالية ودماثة أخلاقه، وحسن تعامله مع الآخرين والقدر الكبير من الاحترام للناس، الأهم من ذلك أنه لم يقم يوماً باستعراض إمكاناته أو حتى آرائه السياسية، أو يلفت الأنظار اليه كما يحب الشبان أن يفعلوا.
ضياء حمارشة (28 عاماً) هو أبن أحد تجار التبغ والهواتف الخليوية في بلدة يعبد. المستوى المادي للعائلة جيد جداً، لديه منزل كبير وسيارة جديدة، معروف عن عائلته الانتماء الى حركة "فتح". كان ضياء قريباً من اليسار الفلسطيني "الجبهة الديموقراطية" قبل اعتقاله عام 2016 حيث أمضى 30 شهراً بتهمة "حيازة سلاح والتجارة به"، وعند خروجه من السجن عرف عنه تقربه من الأحزاب الدينية ("حركة الجهاد الإسلامي"، و"حماس") بعد أن قضى فترة اعتقاله في قسم اسرى الجهاد، إلا أنه لم ينخرط في أي منهما تنظيمياً، كان معروفاً عنه طموحه الكبير وعلاقته الواسعة مع الناس، كان يتصرف برجولة وعقل متزن، كان هادئاً بشكل عام وصامتاً في أغلب الأحيان.
ورأى خبراء جهاز الأمن العام "الشاباك" في القنوات الإخبارية الإسرائيلية أن "رعد وضياء ينتميان الى الجيل والصنف الجديدين من منفذي العمليات، عكس جيل السكاكين الذي عرفناه بين 2015 و 2016، لا أحد يرسلهم هم أصلاً لا يقيمون اعتباراً لأي أحد، بالنسبة اليهم الفصائل الفلسطينية، بما فيها "فتح" و"حماس"، قد تخلت عن الكفاح المسلح".
وطرح الخبراء السؤال: "كلاهما ذئبان منفردان قررا الذهاب في رحلة صيد في شوارع إسرائيل، كم يوجد مثلهما، وكيف يمكن العثور عليهم؟" وأشاروا الى أن "المواجهة في هذه المرحلة دفاعية، المزيد من القوات على الطرق والحدود، عقاب جماعي شديد لعائلات المنفذين وأقاربهم، واعتقالات لا نهاية لها في الأراضي الفلسطينية والقدس وبين فلسطينيي الداخل في محاولة لوضع اليد على الذئب المنفرد التالي، لأنه اذا لم يتم وقف هذه الهجمات سيتعين على الجيش دخول الضفة الغربية، تماماً كما حدث خلال الانتفاضة الثانية، لكن الاقتراب والدخول الى المدن والبلدات الفلسطينية قد يشعل انتفاضة ثالثة".
واعتبر الخبير السياسي والاستراتيجي في جامعة رايخمان الدكتور ميخائيل ميلشتاين في تحليل نشره على الموقع الإلكتروني للجامعة أن "هذه الموجة من العمليات أندلعت من دون سبب محدد كما في الماضي، وبزيادة معينة في التوتر العام الذي يحدث بين الفلسطينيين مع قدوم شهر رمضان، منفذو العمليات اليوم مثل أولئك الذين نفذوا عمليات قبل 7 سنوات، تصرفوا بشكل مستقل وفردية مطلقة وليس داخل إطار تنظيمي رسمي، قرارهم جاء بشكل عفوي وبتأثير عميق من شبكات التواصل الاجتماعي، او مستوحى من منفذي العمليات السابقة".
وأضاف ميلشتاين أن "التعامل مع هذا النموذج من العمليات معقد للغاية، كون أن التهديد ليس له عنوان محدد أو اطار تنظيمي واضح، وغالباً ما يكون توقيت العمليات ومكان ظهورها غير متوقعين، مع ذلك فإن منفذي العمليات الأخيرة يختلفون عن أسلافهم من حيث نوع السلاح الذي استخدموه، ونشاطهم ومتوسط أعمارهم، فالعمليات قبل 7 أعوام نفذها شبان في العشرينات من العمر أو أصغر قليلاً، معظمهم عازبون استخدموا أسلحة بيضاء (سكاكين)، أما العمليات الأخيرة فمتوسط أعمار منفذيها قريب من 30 عاماً أو أكثر قليلاً واستخدموا أسلحة نارية، ما أدى الى سقوط عدد أكبر من القتلى".
وبحسب ميلشتاين "يمكن القول إن منفذي العمليات اليوم هم الشبان أنفسهم بين عامي 2015 و 2016 الذين كبروا قليلاً وأصبحوا أكثر ذكاء وتخطيطاً وتعقيداً، فضلاً عن امتلاكهم الامكانات التي تتيح لهم شراء أسلحة نارية، ميزة اخرى فريدة لموجة العمليات الحالية تكمن في وزن فلسطينيي الداخل ودورهم في تنفيذ عمليتي بئر السبع والخضيرة، اللتين وفرتا الهاماً لمنفذي العمليات من الضفة الغربية لتنفيذ عمليتي بني براك وديزينغوف في تل أبيب".
وخلص ميلشتاين الى أن إسرائيل لا تستطيع أن تتجاهل أو أن تتهرب أكثر من التعامل مع القضية الفلسطينية التي أصبحت تؤثر أكثر من ذي قبل في الساحة الداخلية، وتوضح موجة العمليات الحالية أنه في وقت تتحسن مكانة إسرائيل استراتيجياً في المنطقة، فإن الواقع في ساحاتها يبقى متفجراً ويؤثر في جميع القضايا الجوهرية وعلى رأسها الشعور بالأمن.