الاستيطان في أريحا والأغوار.. تمدد سرطاني يمزق الأحياء الفلسطينية

عبر سلسلة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية والمواقع العسكرية أوجد الاحتلال بيئة جغرافية معقدة مزقت الأحياء والقرى الفلسطينية في أريحا والأغوار شرق الضفة وحولتها إلى جزر معزولة، يسهل التحكم بها.

وتواجه محافظة أريحا والأغوار الواقعة في الطرف الغربي لغور الأردن، العديد من المخططات الاستيطانية والأمنية، وباتت مؤخرًا في بؤرة استهداف سلطات الاحتلال، ضمن محاولات فرض الأمر الواقع وتكريس الهيمنة الاستيطانية وتهجير أصحاب الأرض والحق.

جزر معزولة

وفي أرجاء المحافظة تنغرس غصبًا 16 مستوطنة، و12 بؤرة استيطانية، و11 معسكرًا، و5 حواجز عسكرية ثابتة، و20 مكبًّا للنفايات الصلبة والسائلة، ما أوجد بيئة جغرافية معقدة، مزقت الأحياء والقرى الفلسطينية، وحولتها إلى جزر معزولة، يسهل التحكم بها.

وفضلاً عن تداعيات التقسيم الذي فرضته اتفاقية أوسلو على الضفة وتوزيعها بين مناطق أ وب و ج دون أي ترابط ومرجعيات إدارية مختلفة؛ يستغل الاحتلال الاتفاقية ويضع 88٪ (524كم) من أراضي أريحا والأغوار تحت سيطرته الأمنية، من خلال تصنيفها مناطق (ج).

وأريحا هي أقدم المدن المبنية عبر التاريخ، وتبلغ مساحة محافظة أريحا مع الأغوار 593 كيلومترًا مربعًا، أي حوالي 10.5٪ من إجمالي مساحة الضفة الغربية، وتضم 14 تجمعًا سكنيًا ما بين المدينة والقرى والمخيمات، وفقًا لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني.

مستوطنات ومناطق نفوذ
وبحسب مسؤول ملف الأغوار ومقاومة الاستيطان، معتز بشارات، في حديث خاص فقد بلغ عدد المستوطنات في محافظة أريحا والأغوار 16 مستوطنة هي: أرجمان، معالي أفرايم، بيتاف، مسواه، جلجال، جيتيت، بتسائيل، نتيف هجدود، نعران، الموج، متسبي يريحو، تومر، فيرد يريحو، يافيت، بيت هعرفا، نعامي، وتقدر مساحة الأراضي التي تسيطر عليها المستوطنات بنحو 7863 دونمًا.

وتمتد سيطرة المستوطنات إلى جانب الأراضي المقاومة عليها إلى المناطق المحيطة والتي يُمنع الفلسطينيون من الوصول إليها أو استغلالها، ويطلق عليها "مناطق نفوذ أمني"، أو "مناطق عسكرية مغلقة"، وتقدر بآلاف الدونمات، وفقًا لدراسة أعدها مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير.

ويبلغ عدد سكان هذه المستوطنات حوالي 8460 مستوطنا، ويسكن أكثر من نصفهم في مستوطنتي متسبي يريحو ومعالي أفرايم.

يتضح من ذلك اهتمام الاحتلال الكبير بتعزيز وجوده الأمني والعسكري على الأرض في أريحا والأغوار، كما يظهر أن هدفه الأهم من بناء هذه المستوطنات، هو السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي، لأهداف أمنية وعسكرية، وللسيطرة على الموارد، وأهمها المياه.

ويمثل النشاط الاقتصادي الاستيطاني أهمية كبيرة بالنسبة لسلطات الاحتلال في هذه المنطقة، لما تحويه من الموارد الطبيعية والأراضي الزراعية الخصبة، بالإضافة إلى مزارع الأبقار الضخمة، وعدد كبير من المصانع التي تعتمد على الإنتاج الزراعي والحيواني في تصنيعها.

أنواع المستوطنات
تختلف أنواع المستوطنات المقامة علي الأراضي الفلسطينية، فهناك مستوطنات سكنية وزراعية وصناعية وسياحية وعسكرية، ووفقًا لمعتز بشارات فإن معظم المستوطنات المقامة على أراضي محافظة أريحا والأغوار ذات طابع زراعي، وتتبع المجلس الاستيطاني المعروف باسم المجلس الاستيطاني "أرفوت هياردين" (وادي الأردن).

ويوضح بشارات أن هناك عددا من المستوطنات بنيت معسكراتٍ لجيش الاحتلال، ومن ثم تم جلب المستوطنين إليها، وزراعة أراضيها، مع إعلانها مناطق عسكرية مغلقة، حتى يمنع أي مواطن فلسطيني يملك أوراق طابو تثبت ملكيته لهذه الأراضي من رفع دعوى قضائية ضد المستوطنين، على أساس أنها منطقة عسكرية مغلقة، يسيطر عليها جيش الاحتلال.

ويبيّن مسؤول ملف الأغوار ومقاومة الاستيطان، أن من يسكن مستوطنات بيت هعرفا والموج ويطاف هم ضباط متقاعدون من جيش الاحتلال، ومعظم المستوطنات تزرع وتنتج لمصلحة جيش الاحتلال.

البؤر الاستيطانية

ويشير بشارات إلى أن سلطات الاحتلال أقامت 12 بؤرة استيطانية في أريحا والأغوار، في منطقة الجفتلك والعوجا والنبي موسى وفصايل.

وهذه البؤر غير معترف بها على أنها مستوطنات شرعية من حكومة الاحتلال، لكنها تخضع لحماية جيش الاحتلال.

الفصل العنصري

لم تخضع محافظة أريحا والأغوار لخطة الفصل العنصري، الممثلة بالجدار الفاصل، الذي بدأ الاحتلال بإقامته حول الضفة الغربية منذ عام 2004 بهدف إقامة "منطقة العزل الغربية" فيها، وذلك بسبب موقعها في الطرف الشرقي للضفة.

لكن هذه المحافظة خضعت قبل ذلك بعقود، لسياسة فصل من نوع آخر، وعدّها الاحتلال منطقة إستراتيجية، وشكلت مع محافظة طوباس "منطقة العزل الشرقية"، وأخضعت معظم أراضيها لسيطرة الاحتلال، وقد أقيم على طول حدودها الشرقية سياج فاصل مع الحدود الأردنية بالقرب من نهر الأردن بطول 50 كم تقريبًا، ويعزلها من الشرق بحدود دولية، ومناطق عسكرية، وألغام.

أما من الجهة الغربية، فيفصلها عن محافظات القدس ورام الله ونابلس، سلسلة من القواعد العسكرية، على امتداد المحافظة، لتشكل ما يشبه منطقة عازلة محاصرة من الشرق والغرب، وفقًا لدراسة أعدها مركز رؤية للتنمية السياسية 2021.

دوافع الاستيطان
تتمتع محافظة أريحا والأغوار بأهمية إستراتيجية كبيرة، حيث تشكل مع منطقة طوباس، غور فلسطين، الذي يمتاز بجودة أرضه، ووفره مياهه، وصلاحيته لزراعة الكثير من المزروعات، بالإضافة لأهميتها الأمنية والتاريخية والاقتصادية والسياحية، والجيوسياسية.

فمن الناحية الأمنية، تشكل منطقة الأغوار سدًّا منيعًا أمام أي هجوم من جهة الأردن، ومع أن طبيعة الحروب وآلياتها تغيرت، من خلال الهجمات الصاروخية، إلا أن منطقة الأغوار ما زالت تشكل منطقة عازلة جغرافيًّا وزمانيًّا، بين الأردن و"إسرائيل" (فلسطين المحتلة) ومستوطناتها.

ومن الناحية الجيوسياسية، يمكن أن تمثل الأغوار ثقلًا حيويًّا لأي دولة فلسطينية مستقبلية محاذية للأردن، حيث إنها تحتوي على مخزون من الأراضي الصالحة للزراعة، والموارد الطبيعية، وأهمها المياه، لذا فإن إمكانية حصول ذلك تعني زيادة المخاوف الأمنية الإسرائيلية على مستقبل المستوطنات داخل الضفة، وكذلك على كيان الاحتلال نفسه، وبالتالي فإن أهمية السيطرة على هذه المنطقة تكمن في منع إقامة أي حكم ذاتي فلسطيني فيها.

وتتمتع منطقة الأغوار كذلك بموقع إستراتيجي، لكونها تشكل امتدادًا طبيعيًّا لتوسع مدينة القدس المحاذية لها، وهذا يعني أن السيطرة على منطقة الأغوار سيسمح للاحتلال بتنفيذ مخططاته الاستيطانية الكبرى، وأهمها مشروع القدس الكبرى.

كما أن التخلي عن هذا المنطقة، يعني بالضرورة، تقلص المشروع الاستيطاني الكلي في الضفة الغربية، وبالتالي زيادة المخاطر على دولة الاحتلال نفسها.

وتمثل منطقة الأغوار أهمية اقتصادية إستراتيجية؛ بسبب الموارد الطبيعية التي تحويها هذه المنطقة، حيث تتميز بأراضيها الزراعية الخصبة، وبمناخها الدافئ شتاءً، والحار صيفًا، ما يجعلها بيئة مناسبة للكثير من المزروعات.

وتمثل أراضي المحميات الطبيعية حوالي 27٪ من منطقة الأغوار، وهي منطقة يمنع الاحتلال الفلسطينيين من استخدامها، أو البناء فيها.

وتتميز هذه المنطقة بوفرة المياه، حيث تحتوي على العديد من ينابيع المياه في السفوح الجبلية، وعلى ما يقارب 133 بئرا جوفيًّا، الأمر الذي يساهم في استخراج ما يقارب 16 مليون متر مكعب، وهذا يعني أن منطقة الأغوار تربض على بحيرة من المياه، تشكل ما يقارب ثلث احتياطي المياه الجوفية في الضفة الغربية، بحسب دراسة أعدها مركز رؤية للتنمية السياسية 2019.

إجراءات التهويد
ومنذ عام 1967 عدت حكومات الاحتلال المتعاقبة الأغوار من المناطق الحيوية للأمن والاقتصاد الإسرائيلي، وقد انتهجت هذه الحكومات خططًا متعددة لتهويد الأغوار، بدأت منذ اليوم الأول للاحتلال، وتمثلت بمجموعة من الإجراءات، أهمها:

1- عزل الشريط الحدودي مع الأردن بعمق 1-5 كم، وبالتالي ترحيل وتشريد آلاف السكان الفلسطينيين من منطقة الزور والكتاير إلى الجهة الشرقية من النهر.

2- عزل وسلب آلاف الدونمات الزراعية المحاذية للسياج الحدودي مع الأردن، وما يعرف بالخط الأخضر، بدعاوى أمنية واهية، مثل سهل القاعون.

3- سلب آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة لمصلحة إقامة المستوطنات الزراعية والأمنية.

4- منع البناء والتطور العمراني في جميع قرى الأغوار.

5- إغلاق آلاف الدونمات من المراعي أمام الماشية بعد إدراجها ضمن مناطق تدريب عسكري أو مناطق أمنية أو بيئية مغلقة.

6- انتهاج سياسة العزل على جميع الأغوار عن الجسم الفلسطيني، ومنع الدخول والخروج منها إلا في أوقات محددة، ولمن يحمل في بطاقته الشخصية عنوان الأغوار أو تصريحا خاصا.

7- تدمير السياحة وخاصة في أريحا والعوجا والمالح شمالاً نتيجة المنع والإغلاق.

8- السيطرة على مصادر المياة الجارية (نهر الاردن) والمياه الجوفية.

وهذا يندرج تحت سياسة ممنهجة للاحتلال بهدف إفراغ المنطقة من سكانها، وعدها منطقة عسكرية مغلقة، وتنفيذ مخطط ضم (سلب) الأغوار على أرض الواقع، بعدها خط الدفاع الشرقي للاحتلال، والعمل على تهويدها من خلال المشاريع الاستيطانية.

وتبلور إجماع لدى قادة الاحتلال -على اختلاف توجهاتهم- بضم (سلب) القدس والأغوار، خاصة ما عرف بمشروع آلون الاستيطاني، الذي بدأت سلطات الاحتلال بتنفيذه أواخر الستينيات ببناء مجموعة كبيرة من المستوطنات على طول نهر الأردن، هذا عدا عن المعسكرات والقواعد العسكرية التابعة لجيش الاحتلال، والحواجز العسكرية، والبؤر الاستيطانية، وفقًا لدراسة أعدها مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير.

مراحل التوسع الاستيطاني

بدأ المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية عام 1967 وذلك بعد احتلال فلسطين كاملة، لكن في منطقة أريحا والأغوار خصوصا بدأت الحركة الصهيونية مبكرًا وقبل حرب عام 1948 بالعمل على إنشاء نواة للمشروع الاستيطاني فيها، على عدّ أنها منطقة إستراتيجية تاريخيًّا، وجغرافيًّا، وأمنيًّا، فوضعت ضمن أولويتها السيطرة على منطقة البحر الميت الإستراتيجية.

ومستوطنة "كاليا" هي أول بؤرة استيطانية يقيمها الاحتلال البريطاني في منطقة البحر الميت، عام 1929، حيث بدأت على شكل "كيبوتس" زراعي على الشواطئ الشمالية للبحر الميت، وبعد حدوث النكبة عام 1948 تم إخلاء "كاليا" وتدميرها.

وبعد احتلال أريحا والأغوار عام 1967 أقام الاحتلال العديد من العديد من المستوطنات، والبداية كانت من إعادة بناء مستوطنة "كاليا" شمال البحر الميت عام 1968، أولَ مستوطنة بعد الحرب، وهي تقع حاليًّا ضمن حدود محافظة القدس، وعلى حدود محافظة أريحا والأغوار. (وفقًا لدراسة أعدها مركز رؤية للتنمية السياسية 2021).

وما بين 1975 إلى 1978 بلغ التوسع الاستيطاني ذروته في محافظة أريحا والأغوار حيث بنى الاحتلال خلالها 6 مستوطنات، وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

الطرق الالتفافية

بحسب معتز بشارات؛ فقد شقت سلطات الاحتلال 5 طرق التفافية في منطقة أريحا والأغوار بطول 105 كم، وسلب الاحتلال أكثر من 8 آلاف دونم من أراضي الفلسطينيين لشقها.

وهذه أبرز هذه الشوارع:

ـ شارع رقم 90 الرئيس: يمتد من أقصى شمال فلسطين التاريخية، إلى أقصى جنوبها، مرورًا بمنطقة أريحا والأغوار، ويبلغ طوله داخل محافظة أريحا والأغوار 57 كم.

ـ شارع رقم 1 الرئيس: الذي يربط أريحا والأغوار مع مدينة يافا مرورًا بمدينة القدس، ويبلغ طوله داخل محافظة أريحا والأغوار حوالي 18 كم.

ـ شارع رقم 505 الرئيس: يبدأ من منطقة شمال أريحا والأغوار، مرورًا بوسط الضفة الغربية، وينتهي قرب قرية كفر قاسم في الداخل المحتل، ويبلغ طوله داخل محافظة أريحا والأغوار حوالي 14 كم.

ـ شارع رقم 57: يربط قرى شمال أريحا والأغوار، مع قرى شرق نابلس، ويبلغ طوله داخل محافظة أريحا والأغوار حوالي 11 كم.

- شارع 449: يربط محافظة أريحا والأغوار بمحافظة رام الله والبيرة، ويبلغ طوله داخل محافظة أريحا والأغوار 5 كم.

والطرق الالتفافية أقامتها قوات الاحتلال لتسهيل حركة المستوطنين، وتسهيل سيطرة جيش الاحتلال على الأرض، خاصة مع أهميتها الإستراتيجية.


المواقع العسكرية

منذ العام 1967 سلبت سلطات الاحتلال آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين في محافظة أريحا والأغوار لتقيم فيها قواعد عسكرية، من أجل إحكام القبضة العسكرية على المحافظة، وخدمة المستوطنين وحمايتهم أثناء تنقلهم على الطرق والشوارع الالتفافية.

ويتمثل خطر هذه القواعد في التدريبات العسكرية المنتظمة التي تجريها قوات الاحتلال على مدار العام بين منازل وخيام المواطنين، إذ توزع أوامر بإخلاء البيوت، والخيام من السكان قبل البدء بالمناورات، التي تستخدم فيها الذخيرة الحية، وهي إحدى الوسائل القمعية التي تستخدمها سلطات الاحتلال، من أجل تهجير السكان.

ولا يتوقف خطر المناورات العسكرية عند انتهائها، بل يتعداها إلى ما بعد ذلك، من خلال ما تخلفه وراءها من ذخائر حية، وقنابل وقذائف وألغام غير منفجرة، وعادة ما تنفجر إذا لمست.

والمعسكرات في محافظة أريحا والأغوار، وفقًا لما أوضحه مسؤول ملف الأغوار ومقاومة الاستيطان، معتز بشارات، هي:

1- معسكر أريحا: الواقع في على المدخل الجنوبي لمدينة أريحا بالقرب من مخيم عقبة جبر.

2- معسكر عين الديوك: الواقع على تلة مطلة علي مدينة أريحا من الجهة الغربية، بالقرب من دير قرنطل.

3- معسكر جسر الملك حسين: المقام على المنطقة الحدودية مع الأردن.

4- معسكر الليدو: الواقع جنوب أريحا، على البحر الميت.

5- معسكر النبي موسى: يقع جنوب مدينة أريحا، بين محافظتي أريحا والقدس.

6- معسكر الخان الأحمر الغربي: الواقع في منطقة الخان الأحمر، جنوب أريحا، على طريق أريحا القدس.

7- معسكر ميفعوت أريحا: الواقع على طريق أريحا – العوجا، قرب المدخل الشمالي لأريحا.

8- معسكر معالي أفرايم: الواقع شمال غرب محافظة أريحا والأغوار، بالقرب من شارع رقم 505 الرابط بين نابلس وأريحا.

9- معسكر الجفتلك: يقع شمال أريحا والأغوار، بالقرب من شارع رقم 57، الرابط بين طوباس وأريحا.

10- معسكر طويرش: الواقع شمال مدينة أريحا، قرب قرية فصايل.

11- معسكر مول نيفو: الواقع على بعد 4 كم شرق مدينة أريحا.


الحواجز العسكرية

خلال السنوات الماضية أقامت سلطات الاحتلال العديد من الحواجز العسكرية في جميع أنحاء المحافظة، وصل عددها في الانتفاضة الثانية إلى أكثر من 10 حواجز.

ويشير معنز بشارات إلى أن محافظة أريحا والأغوار تتأثر من حواجز عسكرية دائمة تحيط بالمحافظة وتعد بوابات لها، مثل: حاجز الحمرا شمالًا، والذي يربط محافظتي نابلس وطوباس بمحافظة أريحا والأغوار، وحاجز الطيبة غربًا، والذي يربط محافظة رام الله والبيرة بمحافظة أريحا والأغوار، وحاجز معالي أفرام شمالًا، والذي يربط محافظة نابلس بمحافظة أريحا والأغوار، وحاجز تياسير الواقع على بعد 10 كم من محافظة طوباس.

ويضيف: حفرت سلطات الاحتلال خندقًا حول مدينة أريحا، وتمنع الدخول والخروج إلى المدينة، إلا عبر بوابتين يسيطر عليها جيش الاحتلال، وحفرت خندقًا آخر يمتد من شرق طمون وحتى منطقة فروش بيت دجن.

ويقترف جنود الاحتلال شتى أنواع القهر في حق المواطنين الفلسطينيين، من خلال ملاحقة رعاة الأغنام والمزارعين في المنطقة، والاستيلاء على جرارات زراعية وتنكات المياه الخاصة بالسكان، والاستيلاء على الأبقار، والمواشي، والحمير، التي يستخدمونها للتنقل، في منطقة لا يوجد بها بنى تحتية، تسهل على المواطنين حياتهم اليومية.


منطقة الألغام العسكرية
خصصت سلطات الاحتلال مناطق في أريحا والأغوار كمناطق ألغام، بنسبة 42٪ من المساحة الإجمالية لمحافظة أريحا والأغوار، حيث تمتد على طول الحدود الشرقية من محافظة أريحا والأغوار، بدءًا من مستوطنة أرجمان في أقصى شمال المحافظة، وحتى الشواطئ الشمالية للبحر الميت.

تعطيش الأغوار
تتكون مصادر المياه المتجددة في محافظة أريحا والأغوار أساسًا من المياه الجوفية، والتي تقع جميعها فوق الحوض الشرقي لخزانات المياه الجوفية في الضفة الغربية.

وتقدر كمية المياه المنتجة بحسب إحصائية العام 2010 ما يقارب 25 مليون متر مكعب من المياه من الحوض الشرقي بواسطة الينابيع والآبار الواقعة في محافظة أريحا والأغوار.

عقب الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية استولت تلك القوات على مياه نهر الأردن، ومنعت المزارعين الفلسطينيين من استخدام مصادر المياه الرئيسة القريبة من النهر، وأعلنت الأراضي المحاذية له مناطق عسكرية مغلقة، وبالتالي حرمت الفلسطينيين من حقهم الشرعي والتاريخي في استغلال مياه هذا النهر.

وعملت حكومات الاحتلال المتعاقبة على السيطرة على مصادر المياه الجوفية، وفرضت قيودا على استخدام المياه من الفلسطينيين.

وفي حين لا يسمح للفلسطينيين بحفر آبار جديدة أو ترميم الآبار القديمة الأخرى، تعطي قوات الاحتلال حق احتكار لـ"شركة ميكوروت" الإسرائيلية بحفر آبار ضخمة على أحواض المياه الجوفية، واستخراج كميات كبيرة من المياه الجوفية، وضخ الجزء الأكبر من هذه المياه للمستوطنات بأسعار زهيدة، في حين يضطر الفلسطينيون إلى شراء المياه من الشركة بأسعار باهظة.

تدمير مشاريع الري
بالإضافة إلى ما ذكر، عزلت قوات الاحتلال ودمرت 162 مشروعًا للري تقع بمحاذاة ما يعرف بخط الـ90 بمزاعم أمنية واهية، ما أدى إلى حرمان الفلسطينيين من مصدر عيشهم الوحيد (الزراعة)، ومنعت الأهالي الفلسطينيين من تحديث هذه الآبار وتطويرها.

بالإضافة إلى حرمان الفلسطينيين من حقهم في نهر الأردن والبالغة حوالي 264 مليون متر مكعب، الذي يتعرض للضخ الجائر لمصلحة المستوطنات، وكذلك إغلاق معظم المناطق ذات الكفاءة في تخزين المياه، بإدراجها ضمن "مناطق عسكرية" أو "محميات طبيعية" أو لمزاعم أمنية واهية، ومنع الفلسطينيين من حفر الآبار الزراعية الجديدة أو تغيير مكانها.

كما تسمح للمياه العادمة المتسربة من المستوطنات بالوصول إلى أحواض المياه التي يستخدمها الفلسطينيون (كما حدث مع تلوث مياه عين وادي القلط في أريحا)، والسيطرة الكاملة على البحر الميت واستغلاله، وحجز المياه الزائدة من الأودية الغربية لنهر الأردن وجمعها في برك ضخمة، حيث حفر مجلس المستوطنات بركتين ضخمتين بمحاذاة النهر لتخزين المياه تصل طاقتهما التخزينية إلى(800,000) متر مكعب، وفقًا لدراسة أعدها مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير.

ويشير مسؤول ملف الأغوار ومقاومة الاستيطان، معتز بشارات، إلى معطيات وثقها تقرير للأمم المتحدة عام 2017، بأن المستوطن الواحد في منطقة الأغوار وأريحا يستهلك يوميًّا ما بين 470-500 ليتر من المياه في اليوم الواحد، في حين لا يتجاوز استهلاك المواطن الفلسطيني عن 45-48 ليترًا يوميًّا.

التلوث البيئي
تتعرض محافظة أريحا والأغوار إلى اعتداءات خطيرة من خلال تلويث الأرض والبيئة من المستوطنين وقوات الاحتلال من خلال إلقاء النفايات الصلبة والسائلة في أراضي الفلسطينيين، ما أدى إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وتلويث المياه، بالإضافة إلى تسببها في انتشار لأوبئة والأمراض بين المواطنين والحيوانات والمزروعات.

وبحسب بشارات، يوجد في محافظة أريحا والأغوار 19 مكبًّا للنفايات السائلة، ومكب واحد للنفايات الصلبة، ومعظم هذه المكبات معلنة مناطق عسكرية مغلقة.

هدم البيوت والمنشآت
هدمت قوات الاحتلال في محافظة أريحا والأغوار منذ عام 2007 وحتى 2020 حوالي 257 بيتًا، ويوضح بشارات وجود هجمة مسعورة حاليًّا من سلطات الاحتلال لهدم منازل الفلسطينيين في جميع أماكن وجودهم في منطقة الأغوار شمالها وجنوبها ووسطها، سواء كانت في مناطق (ج) أو (ب) أو (أ).

وتسعى قوات الاحتلال من خلال سياسة هدم البيوت إلى تهجير السكان، وإجبارهم على ترك أراضيهم، لمصلحة التوسع الاستيطاني.

ويضيف بشارات: رصدت حكومة الاحتلال ما يزيد على 130 مليون شيكل شهريًّا لمجلس المستوطنات، من أجل إيصال الخدمات للمستوطنات والبؤر الاستيطانية، و30 مليون شيكل من هذا المبلغ رصد فقط من أجل متابعة البناء الفلسطيني في مناطق (ج) عن طريق المستوطنين، وأي بناء فلسطيني في هذه المناطق حتى لو كان خيمة واحدة يرصد فورًا، إذ يطلق المستوطنون طائرات التصوير الجوي الحديثة لمراقبة ورصد أي نشاط فلسطيني في هذه المناطق، وفي اليوم التالي تحضر ما تسمى الإدارة المدنية وجيش الاحتلال وتدمر أي مشروع فلسطيني.

 

disqus comments here