إسرائيل ليست دولة عميقة

بقلم: آفي شيلون

أحد الادعاءات الجديدة لمؤيدي نتنياهو والذي يتضح أيضا بالنسبة لإقالة رئيس الشباك يتعلق بما يسمى الدولة العميقة. فقد روى نتنياهو أن في أثناء خطاب له في هنغاريا بأن أباه أوصاه وأوصى وزراءه قبل أن يعين لرئاسة الوزراء، بالحصول على “تعليم واسع” كي يتمكن من التصدي لموظفي الدولة، الذين أسماهم الدولة العميقة. لا أعرف إذا كان بنتسيون نتنياهو بالفعل فكر بتعابير الدولة العميقة قبل 30 سنة. لكن المؤكد هو أن الشكاوى من الدولة العميقة هي نظرية مضادة للفكر الرسمي الذي تميز به اليمين ما قبل البيبية.

المشكلة في الادعاء ضد الدولة العميقة – الذي يعتقد بان موظفي الدولة يتخذون سياسة تختلف عن السياسة التي يمليها منتخبو الشعب، أي السياسيين– مزدوجة. أولا، لأن منتخبي الجمهور الذين يتعين عليهم بالفعل أن يقرروا السياسة، ليسوا، في معظم الحالات، خبراء في مجالهم. وزير المالية لا يعرف ولا يفترض أن يعرف كيف يحلل معطيات اقتصادية. يفترض به أن يستمع لما يعرضه عليه الخبراء ويحسم.

في حالتنا وزير الدفاع أيضا ليس خبيرا في المناورة العسكرية. ووزيرة المواصلات هي الأخرى كما يفترض ليست ضالعة في تخطيط الطرق. وعليه فان الوزراء يحتاجون الى الاستشارة، كل في مجاله. ويمكن لهم أن يرفضوا الاستشارة او يتبنوها. كما يمكن للوزراء أن يغيروا الموظفين، لكن هذا لن يغير الحقائق التي عرضت عليهم. هذه ستبقى حقائق حتى بعد أن يستبدل الموظف.

هذه المشكلة الأولى في الادعاء بالدولة العميقة. اذا كانت إسرائيل يحكمها موظفون يفعلون ما يريدون- وكيف يحتمل، بالمناسبة، ان بعد خمسة عقود من حكم اليمين لا يزال الموظفون إياهم في وظائفهم اذا كانوا سيئين بهذا القدر. يمكن استبدالهم بخبراء آخرين. لكن نتنياهو ومؤيديه لا يعرضون خبراء جددا بل يكتفون بالاتهامات ضد سياسة تآمرية من الموظفين. الحقيقة هي ان الحكومة هي التي تملي السياسة بالفعل. لكن المشكلة هي مع موظفي دولة ملتزمين بمناصبهم المهنية وغير مستعدين لان يخضعوا موقفهم للإرادة السياسية.

هكذا مثلا إذا كانت الشرطة تعتقد بأن على السياسي أن يخضع للتحقيق للاشتباه بمخالفة القانون، فلا يمكن المطالبة بتغيير المحقق. واذا كان الشاباك يعتقد أنه يمكن حراسة رئيس الوزراء في المحكمة في تل أبيب، فمن واجبه أن يقول رأيه المهني، ولا يفترض برئيس الوزراء نفسه أن يحسم كيف وأين تتم الحراسة. والا سنحصل على دولة غير مهنية، دولة عالم ثالث تدار وفقا لنزوات السياسيين.

بالضبط لهذا السبب، عندما صعد مناحم بيغن الى الحكم، غير سياسة أسلافه لكنه أبقى قادة جهاز الأمن في مناصبهم إذ كانوا ولا يزالون خبراء في مجالهم. بنفس القدر لم يخشَ بيغن من الحسم ضد بعض من المشورات الأمنية التي تلقاها– مثلما بالنسبة لقصف المفاعل في العراق الذي عارضه إسحق حوفي رئيس الموساد في حينه، لكن لم يفكر بإقالته بسبب موقفه المهني.

عندما يعمل الشاباك ضد مستوطنين يمسون بالفلسطينيين، لكنه لا يعمل كدولة عميقة حتى لو كان الأمر لا يعجب سموتريتش. فهو ينفذ وظيفته مثلما هو مؤتمن على حماية الديمقراطية والقانون. في الولايات المتحدة دارج أن يجلب كل وزير جديد معه موظفين مهنيين جدد أيضا. وفي بريطانيا دارج ان يبقى الموظفون حتى عندما يعين وزير جديد. لكن فقط في الدول الضعيفة الحكم والموظفون المهنيون يتصادمون. هذا لأسفنا هو الاتجاه الفاشل الذي تسير إليه إسرائيل اذا واصلت الحكومة المس بالمهنيين بادعاء الدولة العميقة.

disqus comments here