قريبًا.. انطلاق منتدى الدوحة 2025 لترسيخ العدالة وتعزيز الحوار في عالم يتغير سريعًا

تتجه أنظار المجتمع الدولي إلى الدوحة يومي 6 و7 ديسمبر المقبل حيث تستضيف دولة قطر أعمال النسخة الثالثة والعشرين من منتدى الدوحة، الذي بات أحد أبرز المنصات العالمية للحوار وصياغة السياسات وبحث مسارات التعاون بين الدول في قالب يجمع القادة وصناع السياسات والخبراء من مختلف التخصصات.
ويأتي انعقاد المنتدى في مرحلة تتصاعد فيها التحديات العالمية من قضايا الأمن والصراعات إلى التحولات الاقتصادية والتطور التكنولوجي المتسارع، ما يمنح نسخة هذا العام أهمية خاصة.
يحمل منتدى 2025 شعار “ترسيخ العدالة: من الوعود إلى الواقع الملموس” في دلالة على توجه يهدف إلى تحويل المبادئ النظرية المتداولة في الساحة الدولية إلى مبادرات قابلة للتطبيق، تُحفّز التعاون وتضع أسسًا أكثر استدامة لمعالجة أزمات العالم. ويُترجم هذا الشعار التزام قطر بتقديم فضاء حواري منفتح يستقبل الآراء المتباينة ويعمل على تحويل نتائج النقاشات إلى برامج قابلة للتنفيذ تسهم في بناء مستقبل أكثر توازنًا.
الدور المتنامي لمنصة الحوار الدولي
أوضح مبارك عجلان الكواري، المدير التنفيذي لمنتدى الدوحة، أنّ انعقاد المنتدى هذا العام يأتي ضمن لحظة عالمية حساسة تتعاظم فيها التغيرات السياسية والاقتصادية. وقال إن المنتدى يعزز موقعه كمنصة تجمع رؤى متنوعة ومساحات واسعة للحوار بين حكومات ومؤسسات بحثية ومنظمات دولية بهدف إنتاج أفكار تسهم في معالجة الملفات الكبرى.
وأضاف أنّ الدور المحوري للمنتدى يتمثل في توفير مساحات نقاشية محايدة تُبنى خلالها جسور التفاهم وتُصاغ حلول تدعم الصالح العام وتمنح الدول أدوات إضافية لتعزيز التعاون.
من جانبها، أكدت مها الكواري، المدير العام لمنتدى الدوحة، أنّ العدالة تشكل محورًا رئيسيًا في برنامج المنتدى، موضحة أنّ العدالة ليست موضوعًا للنقاش فقط، بل إطارًا يمكن أن يُبنى عليه مستقبل أكثر استقرارًا واتساقًا مع احتياجات الشعوب.
وشددت على أنّ الهدف من الطرح الذي تقدّمه نسخة 2025 هو الانتقال من الحوارات النظرية إلى خطوات عملية تُترجم إلى نتائج ملموسة يستفيد منها المجتمع الدولي.
وأشارت إلى أنّ برنامج هذا العام جرى تصميمه بالتعاون مع مراكز فكر رائدة ومؤسسات دولية ذات خبرة في تخطيط السياسات، ما يعزز ثقل المنتدى وقدرته على توفير محتوى نوعي يتناول أولويات المرحلة.
ويشمل البرنامج محاور متصلة بمنع النزاعات، والإصلاح الاقتصادي، وأمن الطاقة، والحوكمة الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، ونزاهة الإعلام، إلى جانب ملفات أخرى ترتبط باستقرار الدول وتماسك المجتمعات.
ملفات دولية تتحرك فوق طاولة النقاش
ستتناول الجلسات الرئيسية مجموعة واسعة من الموضوعات ذات الوزن السياسي والاقتصادي الرفيع، من بينها استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والتوجهات المرتبطة بمستقبل الوجود الدولي في المنطقة. كما تتصدر ملفات سوريا الجديدة بعد مرور عام على التحولات الأخيرة واجهة النقاش، مع تقييم شامل للتقدم الذي تحقق والفرص المتاحة أمام الشعب السوري.
وتشمل الجلسات أيضًا محورًا اقتصاديًا حول موجات الصدمات العالمية وإعادة النظر في التجارة في عصر الاضطرابات، في ظل ما تشهده الأسواق الدولية من ضغوط متزايدة. ويبحث المنتدى كذلك مستقبل الحد من الأسلحة، وتأثير الاضطرابات في تمويل الصحة العالمية، إضافة إلى جلسات تتناول دور الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي وموازين القوة.
كما ينظر المنتدى في تطور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، باعتبارها واحدة من أكثر العلاقات تأثيرًا على صياغة النظام الدولي الجديد. وستناقش إحدى الجلسات تأثير تحولات المساعدات العالمية على الدول الهشة وكيفية صياغة آليات جديدة تضمن استقرارًا أوسع.
حضور يبلغ 5000 مشارك من 160 دولة
يتوقع المنتدى استضافة أكثر من 5000 مشارك من نحو 160 دولة، بين رؤساء دول وحكومات، ووزراء خارجية، ومديري مؤسسات، وخبراء بارزين في السياسة والاقتصاد والإعلام والتكنولوجيا. ويؤكد حجم المشاركة أنّ المنتدى تحول إلى منصة دولية تتقاطع داخلها الدبلوماسية مع العمل الميداني، وتتيح للقادة والمسؤولين فرصة بناء شبكات تعاون فعّالة.
ويتميز منتدى الدوحة بقدرته على الجمع بين المستويات القيادية الرفيعة والجهات العلمية والبحثية التي تقدم تحليلات معمقة، وهو ما يمنحه قوة إضافية في صياغة مخرجات يمكن أن تشكل أساسًا لتوجهات سياسية واقتصادية خلال الأعوام المقبلة.
“العدالة لن تأخذ موقعها ضمن السياسات الدولية ما لم تُصاحبها عملية تواصل فعّالة”
في هذا السياق، وفي تصريحات لـ “القدس العربي”، شدد د. خالد وليد محمود أستاذ ورئيس أول قسم الإعلام والاتصال في معهد الدوحة للدراسات العليا على الدور المحوري للإعلام في المنتدى، مؤكدًا أنّ “العدالة لن تأخذ موقعها ضمن السياسات الدولية ما لم تُصاحبها عملية تواصل فعّالة تُعرّف بالتحديات وتبني مسارات مشتركة للتعامل معها”.
وقال د. محمود:“المنتدى يضع العدالة كقيمة مركزية، ما يعني أنّ طرح الأفكار وحده لا يكفي. العالم يحتاج مسارًا إعلاميًا قادرًا على تقديم سرديات دقيقة ومعلومات موثوقة تساعد على فهم تعقيدات الأزمات، وتمنح الأطراف المتحاورة قدرة أكبر على بناء توافقات حقيقية. الإعلام هنا ليس وسيطًا ينقل الرسائل فقط، بل شريك يساهم في صياغة سياق تواصلي يساعد على تحويل الرؤى إلى مبادرات قابلة للتنفيذ”.
وأضاف:“المرحلة الراهنة تشهد تغيرات تكنولوجية واسعة، من تزايد دور الذكاء الاصطناعي إلى انتقال الجمهور نحو منصات رقمية جديدة، وهذا يؤثر في طبيعة النقاشات الدولية. والحوار حول العدالة يحتاج بيئة إعلامية تتيح تداول المعلومات بشفافية، وتواجه التضليل، وتمنع التشويش الذي قد يقوّض الجهود السياسية. منتدى الدوحة يسعى إلى ترسيخ هذا النموذج من خلال إدماج الإعلام ضمن أسس الحوار العالمي”.
وأشار إلى أنّ تطوير نماذج إعلامية تتعامل مع الذكاء الاصطناعي بوعي وتوازن يمثل تحديًا يجب بحثه على مستوى دولي. وقال:“الذكاء الاصطناعي أصبح عنصرًا مؤثرًا في النظم الاقتصادية والسياسية، ومن الضروري وضع معايير لضمان حوكمته بطريقة تمنع الاستخدامات الخطيرة، وتفتح مساحات جديدة للإبداع والابتكار. القضايا المتصلة بتقويض الخصوصية أو انحياز الخوارزميات يجب التعامل معها بمنهج علمي يوحد الجهود الدولية”.
وحول مكانة المنتدى في المشهد الدولي، قال د. محمود:“منتدى الدوحة يشكل ملتقى حيويًا تتقابل فيه رؤى متباينة ضمن مساحة آمنة للحوار. هذا النوع من المنصات يتيح فهمًا أفضل لمصالح الدول ويخلق فرصًا لتعاون يصب في استقرار العالم. قدرة المنتدى على جمع خبراء من قارات مختلفة ومستويات حكومية متنوعة تجعل منه نقطة انطلاق حقيقية لمبادرات عابرة للحدود”.
برنامج مصمم وفق احتياجات اللحظة العالمية

يمتاز برنامج منتدى 2025 بتنوع جلساته التي تركز على أولويات ترتبط بمنع النزاعات عبر تعزيز آليات الإنذار المبكر، وتطوير نماذج اقتصادية تضمن مرونة المجتمعات، وزيادة الحماية المرتبطة بأمن الطاقة في عالم يتجه نحو مصادر بديلة. كما يسلط الضوء على مستقبل الإعلام في ظل التغيرات الرقمية، بما في ذلك دور المنصات العالمية وتأثيرها على استقرار المجتمعات.
وتسعى النقاشات إلى وضع مقاربات عملية تعزز قدرة الدول على التعامل مع الأزمة المناخية، والانتقال الاقتصادي، ومخاطر تفكك الهياكل التقليدية لسوق العمل بفعل التكنولوجيا الحديثة. وتمنح الجلسات المرتبطة بالعلاقات الدولية إطارًا لفهم التغيرات التي يشهدها النظام العالمي المتشكل من جديد، من تنامي التحالفات إلى إعادة تعريف النفوذ الجيوسياسي.
منصة تلتحم فيها الدبلوماسية بالعمل
يمثل المنتدى مساحة لعرض تجارب ناجحة من مختلف أنحاء العالم، كما يتيح تبادلًا بين المسؤولين والخبراء حول أدوات إدارة النزاعات وبناء السلام. وعلى مدى السنوات الماضية، أثبتت الفعاليات أنّ قطر استطاعت تقديم نموذج فاعل يجمع بين الحوار والبرامج العملية، بما يعزز حضورها كدولة تدعم الاستقرار والتفاهم بين الشعوب.
وتؤكد النسخة الحالية أنّ منتدى الدوحة يواصل ترسيخ موقعه كمحرك دولي للحوار متعدد الأطراف، من خلال جلسات مهنية وحضور قيادي واسع وبرامج مصممة وفق رؤية تستشرف المستقبل. ومع اقتراب موعد الانعقاد، تتزايد التوقعات بأن تشكل نسخة 2025 مساحة جوهرية لإطلاق أفكار وحلول تساعد العالم على تجاوز التحديات التي تراكمت خلال الأعوام الأخيرة

disqus comments here